ستصدر قريبا عن دار ببلومانيا للنشر رواية ثرثرة لا يسمعها العالم للكاتبة المصرية عبير نعيم أحمد، وجاء في المقدمة التي كتبها الدكتور أحمد الباسوسي (كاتب وعضو مجلس إدارة نادي القصة المصري .. ورئيس قسم الأمراض النفسية والعصبية بالقصر العينى) حينما يتحرر المبدع من قيود الزمان والمكان، وأيضا من قيود العقل الواعي ويسبح ضد تيار الوعي بداخله في لجة بحر اللاشعور، وكذلك يتمكن من إنجاز صخبا وفوضى خلاقة محسوبة تتعلق بتقييمات دقيقة عن حسابات التداخل في اﻷزمنة والرموز، وطبقات الوعي، فنحن في الحالة في حضرة كاتبة قررت بمحض إرادتها أن تطالع وتعكس زمانها الواقعي مثلما تراه في مرآة ذاتها من الداخل وتصف بدقة فورانه وتصارعات شخوصه الحقيقية والمتوهمة مثلما تدور داخلها في منظومة مفتعلة ومؤثرة من الهمس المتواصل والثرثرة الموجعة التي تعيشها الإنسانية في هذا الزمان، بغض النظر عن ذلك الواقع الحقيقي الفوتوجرافي للإنسان والطبيعة والذي سبق وأن ولجه أو عكسه اﻵف اﻵﻻف من المبدعين على مر العصور. وإذا كان الكولومبي جبرائيل جارسيا ماركيزالحائز على جائزة نوبل بفضل روايته المدهشة مائة عام من العزلة نجح في جذب انتباه العالم الى واقعيته السحرية التي اشعلت حماس مبدعي العالم إلى هذا الدرب، وإذا كان الفنانون التشكيليون استحقوا الريادة في شجاعة الغوص داخل اﻻنسان وسبر غوره ووصف كل ما هو مخفي وباطني داخله، ولحقهم فلاسفة التحليل النفسي الرواد مثل وليم جيمس الذي يرجع له الفضل في نحت هذا المصطلح الذي اعتمد المنولوج الداخلي طريقة لتصوير المشاعر واﻷفكار المتدفقة التي تمر عبر العقل في كتابه الشهير مبادئ علم النفس الذي صدر عام 1890. أن تيار الوعي في اﻷدب تتعمق جذوره الى ما وراء ذلك نذكر على سبيل المثال
، ﻻ الحصر رواية “جوع ” لكينت هامسون عام1890،ورواية السيدة دالواي لفيرجينيا ووالف 1925، و “بينما أرقد محتضرة” لوليام فوكنر، و”اﻻنسان الصرصار” لديستوفيسكي و” الغريب” ﻻالبير كامو ،..الخ ومن إبداعات المصريون فصراحة هذا الصدد نذكر على سبيل المثال” اللص والكلاب” لنجيب محفوظ ، ورواية “رامة والتنين” لإدوارد الخراط . أن انعكاسات الواقع الثقافية ونتائجها الملموسة على العقل البشري ومبلغ تطوره في القرن الحالي بفضل الطفرة التكنولوجيا وتوابعها القيمية فتحت لدى المبدعين اﻷصلاء أبواب الشهوة والجاذبية على إتساعها للمغامرة بسبر أغوار النفس والإنفتاح على كل ما كان محرما الإقتراب منه أو مجرد التماس به والكاتبة عبير نعيم أحمد من ذلك الطراز فى روايتها ثرثرة لا يسمعها العالم الذي يرقب الواقع المعاش بدقة متناهية بنفس القدر الذي ترقب به داخلها الذي يمور بالأحلام والأحداث والصور واﻷفكار الإبداعية اﻷصيلة . إن شخصية رسلان بطل الرواية دارت في محاور متعددة للنص المدهش من بؤس واقع ظالم اختلت فيه معايير العدالة والقيم ورغبة في التغيير والإنتقام والتطهر وبين ذلك وذاك برعت الكاتبة في إستخدام أدواتها سواء لغة السرد الذي غلب عليه سرعة التواتر لدرجة اللهاث والتشويق وفي ذلك إشارة رمزية مهمة عن أن العالم حولنا يركض لدرجة اللهاث، وكذلك الحشود الرمزية كما في صدام معركة الشطرنج ، والإنشقاقات الجسدية التي تشي بأن شخوصا قابلة للإنشطار لدرجة التفكك والإستقرار في مستشفى الطب النفسي للهروب من واقعهم المرير أحيانا، ثم ناهيك عن روعة مغامرة الكاتبة في البوح بالمشاعر الذكورية الصريحة من دون مواربة وقضايا معاصرة تتعلق بالسطوة الذكورية على الإناث وقهرهن من أجل إشباع الرغبات المنفلتة للرجال. إن رواية ثرثرة لا يسمعها العالم التي نحن بصددها إفراز طبيعي لواقع نعيشه عبرت عنه الكاتبة عبير نعيم أحمد بإبداع وصدق وجرأة وتمرس فى السرد منقطع النظير كما أنها إفراز طبيعي لتحديات معاصرة تواجه كتاب الرواية في هذه اﻵونة خاصة المبدعين الحقيقيين منهم الراغبين في تطوير بنية الرواية السردية والفكرية والغوص بمنتهى العمق في بحار ذلك الواقع المعقد الذي ﻻيمكن أ ن يشي عن نفسه بسهولة في هذا الوقت وهذه الظروف الإنسانية المرتبكة .
مقالات ذات الصلة
17/12/2024