
رمى برنارد بنفسه فوق السرير الذي اصطكّت مفاصله، وأنّ حديده بفعل ارتخاء جسده المنهك.
سمومُ ماينفثُه صقيعُ البردِ المنبعث من حواف الليل الجارح، جعل فرائصَه ترتعش، لكنه لم يمنع انسياب تفاصيل مشحونة بالأحداث فوق جبين الليل.
جذب الغطاء والتفت يمينا، فالتفتت الذاكرة يسار الزمن مستدعية وجعها لمأدبة مونولوج طويل، إنه ذاك اللاوعي المنتفخة أوداجه، المنتظر طويلا دوره في طابور الألم …علّه يطفو فوق سطح البوح…
خالَ الغرفة أقلّ اتّساعا، وهو يرى على جدرانها أطيافا ترسم ملامح ليلة بيضاء…
زاغ بنظره عاليا نحو سماء الغرفة، ثم شرعت عيناه تنسدل نحو الأسفل قليلا، تسمّرت هذه المرة في عقارب ساعة الحائط، كلما دارت أصابه الدوار، ثم مالبث أن انتبه لصوتها المتشحرج وكأنها دعوة للالتفات لما راكمَه من أنّات.
الساعة تشير لمنتصف الليل، اعتدل برنارد في جلسته فوق السرير المهترىء، بينما في ذهنه تتراقص عشرات الصور : صورة كريستينا وهي ملقاة على الأرض، ضابط الشرطة وهو يأخذ أقواله…سيارة الإسعاف….
في لحظة مارقة، ظنّ أنّه في كابوس مقيت، تحسّس بيده علبة السجائر الملقاة على يمينه وبانفعالة سريعة، أشعل سيجارة، أخذ منها نفسا عميقا، فصدر صوت زفرةٍ طويلة، جثمت طويلا على صدره.
صوت كريستينا بالمطبخ يتردّد صداه عاليا…” حبيبي أنا على وشك الانتهاء، لقد أعددتُ لك عشاء شهيا “
شحوبة ملامحها وهي ملقاة على الأرض، لا تغادر مخيلته، بدأ العرق يتصبّب غزيرا فوق جبينه، ونبضات قلبه
المتلاحقة جعلته يرمي ما تبقّى من سيجارته على الأرض…وبصوت عالٍ صرخ :
كريستينا!!!
ثم دخل في إغماءة طويلة.
الساعة تشير لمنتصف النهار من اليوم الموالي
كريستينا تمسك بيد برنارد، و بعينيها الزرقاوين فائض من دموع ليلة طويلة…
برنارد مستلقٍ على سرير حديدي أكثر صلابة، عيناه بالكاد ترى ماحوله…لابد أنّه تأثير الدواء
بالكاد يصله صوت كريستينا وهي تقول :
” سيكون عليك مجددا المكوث هنا بالمشفى لتلقّي العلاج”