المستقبل على الأبواب. هي كلمات فاتحة لولوج باب المستقبل المُشرق بعد صبر ودراسة وتفان؛ خطوات بدأت بطريق الأمل وتخطّت المتاعب، والمشاق وحين نتذّكرها نقف وقفة الواثق من نيل شهادة المعرفة بسنواتها بين الإخفاق، والنجاح؛ وبين النظر إلى كتب الدراسة وليس المال.
وكم كانت محافظنا خفيفة من النقود. كُنّا نعوّض ذلك أن نملاها بالصبر القناعة وحُسن الأخلاق..!
من ذكريات السنوات الخوالي ادركنا المستقبل يوم وقف خمسة طلاب بعد سؤال مدرّس اللّغة العربيّة في الرابع العام.. مَنْ منكم سيختار الدراسة في الفرع الادبي.؟ كُنّا خائفين من السؤال، وبعدها صدرت إجاباتنا بنعم، وانا.. بادرنا المدرّس بالردَّ الآتي، هل انت شاعر، وهل انت قاصُّ.؟ وانت ماذا تعرف عن الأدب.؟ أسئلة غطّت الواقفين الخمسة.!
جاء جواب الاوّل.. لا. والثاني. لا…. وعبارات عن عنوانات بعض الكتب لآخر. وصمت للرابع، وهروب من الدروس العلميّة لخامس. وهنا ادركنا مدرّس اللّغة العربيّة حين قال: لا يكفي انْ تكونوا متعارفين للأدب دون أن تتعاطوه بالمطالعة بخبرة المطلّع الفطن،فطريقكم ليس معبّداً بالزهور ،والأشواك تتربّص بكم! …. الادب هذا الكنز الثمين. هل ستتمكنون من الحصول على جزء منه.؟ كلمات مُشوّقة.. وعبارات تفتحتْ لها مسامعنا، وتعبت لها ارجُلنا من الوقوف نصيحة نمتْ وإستطالتْ، وإختزنت بالذكريات وفتحت أبواب المستقبل. فكانت بذور ذلك من نصيبي في مرحلة دراستي للفرع الأدبي في الإطلاع على كتاب /الأدب القصصي في العراق/تأليف الدكتور عبد الإله احمد كنت قد إستعرته من مكتبة مدرستي ثانوية الجاحظ، وهو عن القصّة وروادها تاريخاً ودراسة فنيّة.
بين ذكريات اليوم من ذكريات الأمس أنَّ الفرع الأدبي في مدارسنا يشكو الغرباء من طلابه، ؛ وهم بعيدون عن الأدب، وحبّ الجاحظ، والحلاج. الجواهري. ونجيب محفوظ.و… إلخ لاتكفي الصفحات لعدّهم. لم تجمعهم رغبة، ولا طريق معرفة. أكثرهم هربوا من الفرع العلمي؛ ولكن ان يتنكّروا للفرع الأدبي في دراساته الإنسانيّة لا يُميّز أحدهم بين الزهاوي، واحمد شوقي، وقد وصل عند بعضهم عدم قدرته على كتابة موضوع الإنشاء.!
هي شجون للذكريات ان يتسلّق أحدهم أبواب المستقبل لمهنة التدريس، ولا يستطيع الوقوف على رجليه يرفع، وينصب كما يحلو له. يعتقد أنّ بلند الحيدري ليس شاعراً. وهو لم يسمع بشاعر الأرض المحتلّة معين بسيسو، وغيرها من أورام وبثور طلاّب هذا الفرع حين تجنّوا عليه، و دخلوه في غرَّة بذر العلم؛ فكان ان اصاب الأرض بذرتهم الجفاء، فأصبحت تشكو سقم ألسنتهم، وجفاء كلامهم.!
يا من خطّت اقدامكم الفرع الأدبي كفّوا جعجعة، و تعلموا إنسانية هذا الفرع الإنساني، ولا تكونوا عثَّة وطنين الذباب في موسم الحصاد. اعترفوا بجميل صُنع الادباء، والشعراء حين تركوا هذا الكنز الثمين، جرّبوا أن تردوا لهم الجميل فيما تركوه لكم. ولا تكونوا أعيا من بأقل. تنفَّسوا رحيق هذا الفرع معطَّرين فخورين بالأمل،فقد يتبّرأ. منكم؛ ويشكو عقوقكم فتندمون ندامة الكسعيَّ.. هي شجون للذكريات.!
وتمضي الأعوام، و السنوات، ويبقى الفرع الأدبي يشكو ويشكو مِن سقم وضعف الملتفَّين حوله. يزيَّفون له باللّعب، واللّهو، ويتركون المعاني، و البلاغة، والنقد وجماليّة النص الادبيّ لا يعرفون عنها شيئاً. هم في وادٍ من ذلك السَّهل الْغني بخضرتِه.