العالِم د. ماهر أبو العينين
طبيب نفسي وفنان تشكيلي مصري مقيم باليونان.
له عدة أبحاث علمية ونال تكريمات متنوعة.
رواية الشيخ نيتشة للروائية النابغة بسمة يحيى تبدأ من عنوانها بإعلان الشجار الصريح والمعلن مع العقول والمعتقدات. تمثل صفعات عقلية متتالية بلا تعب وتتأرجح بين المعقول والأسطورة ببراعة. تغازل المؤلفة الوعي بسلاسة السهل الممتنع وتحول لنا المأساة إلى نص وحروف أبجدية.
تتلذذ بترددنا بفعل أثر الصفعات من خلال «التمرد البارنويي» الذي يتمتع بكل الحوارات «الكوميكو تراجيك» المتقنة والمحكمة الضلوع والإطار ولا نصل لهدف معين بشكل مباشر. تنبهنا المؤلفة أن كل ما تتمتع به البشرية يعتبر من النتائج الإيجابية للفصام. وتدعونا ببراعة نيتشة وحفاوة الشيخ للتوافق أو المصالحة الذهنية والخروج عن المعتاد والفكر المسبق محتوم النتيجة. تتعامل بسمة مع المأساة، فتخاطب العقل البشري المحدود إلى اللامحدودية. هذا العقل البشري والإدراك المكلل بسياجه وأسس عذابه. معالجة العقل المأساوي ضرورية، العقل الذي فرض عليه أن يعترف ببراعة قمة فشله بالرغم من أن الاعتراف في حد ذاته نبوغ. الإنسان في حد ذاته إله صغير بفترة صلاحية مؤقتة. لم يسل عن ميعاد حضوره أو هلاكه. دفع للحياة، ولا تطول قامته ولا حيزه حتي يلمس السماء أو يؤجل موته.
تدعونا الرواية بخبث لذيذ للتمرد والتجاوز بحزن ويسر أو بالصراخ.
إنها مأساة الحاضر، مأساة انهيار الحدود من حولنا. تسمح الحروف لنا بالتكيف وإعادة تنظيم الواقع بطريقة أكثر دقة ومصداقية، حيث نزيل بها بقع الحزن والأسى لواقع مرير.
مشوار عقلي جميل للحياة يذكرنا بكل التقدمات والاختراعات والابتكارات، حتى الفنون بأنواعها. طقوس الموسيقى ما هي إلا ميكانيزمات دفاعية يعالج بها الإنسان شقاء عقله الحضوري وإدراك زواله.
لا يوجد أمل والمنطق لا يحكم القدر، حتى الأديان والأخلاق والأفكار العظيمة عزاء وتخفي الجبناء والأغبياء.
الأقوياء فقط هم من يعرفون بهدوء داخل الصخب أن يواجهوا الأوهام التي لا معنى لها في العالم.
رواية الشيخ نيتشة ليست للعقول المنغلقة ولا التقليدية؛ لأنها ترقص فقط، بقفزات ذهنية وتثيب العقول المتمردة بالإثارة والألغاز، وتحجب النوم وتعاقب المحدود بصفعات من كلمات حرة قوية.
أ. د حسن حمَّاد
فيلسوف مصري له عدة مؤلفات.
شغل منصب عميد كلية الآداب جامعة الزقازيق.
وضعت الروائية بسمة يحيی لروايتها عنوانًا صادمًا يقوم علی المفارقة، تلك المفارقة التي ستكون بمثابة النغم الساري داخل فصول الرواية.
الرواية تنتمي من حيث موضوعها وأسلوبها وتقنياتها إلی تيار الواقعية السحرية، ولذلك نجد مزجًا وتداخلًا بين الواقع، وبين عدة عوالم تنافي هذا الواقع وتتمرد عليه وترفضه مثل: الأسطورة، الخيال، الوهم، الصور العجائبية والغرائبية والسوريالية، الجنون، الهذيان، الحكايات الشعبية، الخرافة، المعتقدات السحرية..إلخ. ولأن هذا العالم العجائبي لا يكترث لعناصر الزمان والمكان، لذلك تتحرر الكاتبة داخل فضاءات الرواية من الزمن بمعناه الخطي أو الزمن بمعناه الدائري، هناك فقط زمن تتماهي وتتداخل فيه الأزمنة داخل تيار الوعي المسكون بالجنون والذي ضاعت من أقدامه معالم الطريق، هذا الوعي يجسده بطل الرواية المصاب بحالة من الفصام النفسي، لكننا في النهاية نبقی حيارى داخل التيه الوجودي والعدمي الكبير ولا ندري من فينا المجنون نحن أم بطل الرواية الذي يجسد مقولة ”خذ الحكمة من أفواه المجانين“! رواية الشيخ نيتشة رواية حديثة وجديرة بالقراءة.