كانوا اذا عجزوا عن فهم بيت شعري قالوا: (المعنى في قلب الشاعر).
او يؤولوه بما لم يخطر على قلب الشاعر.
أو يؤولوه بما يتبادر إلى قلب السامع.
والسبب في ذلك: أن ما خطر على قلب الشاعر لم يخطر على قلب الناقد أو محلل النص، لا سيما إذا تباعدت القرون بينهما، والأمر خاضع إلى الخلفية البيانية عند الإثنين (وإن من البيان لسحرا)، وبحسب ضلوع الناقد أو المحلل في فلسفة اللغة العربية مقابل ما استخدمه الشاعر من تراكيب نحوية وكنايات واستعارات تضع قصيدته في ساحة المجاز؛ لا سيما إذا استعمل لفظا في غير ما وضع له، فيتجاذب الأمر بين شاعر فطري ارتقت قصيدته سلالم البلاغة وهو لم يعلم ما فيها من مصطلحات تحليلية وضعت بعده، وناقد أو محلل يعلم بالمصطلحات لكنه قد لا يوفق في توظيفها مع قصيدة سبقته بقرون واحياناً بأيام.
فيبقى المعنى مترددا بين قلبي الشاعر والسامع.
فعندما مرّ ابو نؤاس بمنزل فسمع صاحبه يقول لعبده شطر بيت له: ( ألا فاسقني خمرا، وقل لي: هي الخمر)، فسأل العبد سيده: لماذا طلب ابو نؤاس ان يقول له: وقل لي هي الخمر؟ فخطر على قلب سيده قائلا: لأنه سيلمسها وينظر اليها ويشمها ويذوقها فيتحسسها بأربع من الحواس وبقيت حاسة السمع فقال: (وقل لي هي الخمر)، فقال ابو نؤاس: والله ما خطرت على قلب أبي نؤاس حين قالها!
وفي الأدب الصوفي نجد من الشعر ما يعكس اشراقات قائله بحسب ما ذاق في حب الذات الإلهية.. فتتراشق الإتهامات عليه بحسب السامع؛ إما لعدم الفهم وإما لفهمه بغير المعنى المراد.. -فمثلا ما قاله الحلاج جعله عرضة للتكفير من قبل قاصري الفهم في الوقت الذي يريد أن يعكس هيام عقله بالله، وقصور فهمهم لحاله أدى بهم إلى قتله.
وعندما أراد بعضهم ان يقرب المعنى للسامع فلون شعره بمسحة غزلية تقريبا للافهام كما فعل الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي فاتهموه بأنه يغازل فتاةً ويعاكسها حتى بين لهم ان المراد بهذه الفتاة هي عينه التي تنهمر دمعا في حب الذات الإلهية .
أما اليوم فلا تقل لي يا صديقي ماذا فهمت من قصيدتي لأن المعني في قلبك غير ما في قلبي وأنا أبحث عن سباكة التراكيب النحوية واللمسات البيانية وانت تقول كلاما خارج هذه الساحة.
واما انت يا صديقي الناقد أو المحلل قبل أن تنقد أو تحلل اعتكف على أمهات الكتب في هذا الشأن وسترى كم كنت بعيدا عنه … وتبقى اللغة العربية صاحبة الجلالة .