تبدو نظرتنا إلى الشَّعر الحرَّ تاخذ ابعاداً في تحديد القصيدة، وبُعدها الزمني ويلعب الموقف عند الشاعر دوراً مهَّماً في إرتباط القصيدة وإتجاهها.
إنَّ موقف الشاعر من التراث قد يجرّه إلى الموقف من المدينة التي إحتوت الأساطير، والرموز وإتخاذها دلالات تُؤشّر للشاعر مساره الفنّي وغايته الادبيّة؛ وما يربط هذا الموقف هو البُعد الزمني وموقف الشاعر من الزَّمن.
ولسنا بصدد دراسة الزمن وموقف الشعراء ممن ولجوا هذا اللون الشعري في مرحلة التجديد(اتجاهات الشعر العربي المعاصر. د. إحسان عبّاس.) ولكن ثمّة إشارة ادبيّة يتوقف عندها القارىء، وهو يتذوّق هذه القصيدة وقد يكون مشاركاً لها على قول :جاك دريدا”‘إنَّ القارىء يكتب النص'” ومن هذه التوطئة نتوقّف عند الشاعر اللبناني خليل الخوري. في قصيدته المجزرة/١٩٧١/ط١،وهي قصيدة يتصدرها بعض الإشارات والتي إختارها الشعر؛ وهو يستلهم من التأريخ عِبرة في طريق العدالة والصبر. في منهجه من مقولة الإمام الحسين (ع) في واقعة الطَّف. (إنَّ من هوان الدنيا إنَّ رأس يحيى بن زكريّا أُهدِي إلى بغي من بغايا إسرائيل.)
ومهما يطول الزمن ويتجدد تبقى أحاسيس الشاعر وعواطفه في تصوير القصيدة وكما يحدد الشاعر اُودنيس بقوله'(إنَّ دلالة التجديد في الشعر هي طاقة التعبير التي يَمارسها بالنسبة إلى ما قبله وما بعده.) وقد تمثَّلت دلالة التجديد في إشغال الزمن كعنصر من عناصر القصيدة تعكس حالة الإنهزام وهي تحّل على المدينة، وتنفض غبار ما حلَّ لها يقول الشاعر الخوري: /واقف في تخوم المدينة/بين وادي العقيق، ونخل السَّواد/واقف خائف والزمان/ يتكسّر نهر جليد، ويجلدني/يتصدّع بهو مرايا، ويجرحني/يتمدد كالافعوان/
نجد الشاعر قد إستخدام من الزمن إشارة تجذّرت في الأفعال /يتكسّر، يتصدّع، يتمدد/وقد احسن الشاعر في إختيار لهذه الألفاظ في ديمومة إنكسار الزمن وإستمرارية الجروح لهذه المناسبة. ويدخل الشاعر مرحلة التشخيص للبعد التأريخي في القصيدة يقول:/ الأعين المستثارة/نوايا ابن سعد تسيل المرارة/
كما يتحدّث الشاعر عندما إتّخذ الموقف من المدينة طريقاً في تحديد الصدمة، وقد أصبحت حضاريّة كبُعد إلى المدينة، والتي شهدت هذه الواقعة: /كربلاء/ كربلاء الجديدة/ياقصيدة عارٍ فريده/يا طريق الصباح إلى الجلجلة/يا بلاط المخازي إلى زانيه/
نجد أنَّ خليل الخوري بعد تحديده للمدينة اسماً، ومكاناَيدخل عن طريق الخطاب الحاضر إلى رسم صورة المدينة المفضوحة الأبعاد.ثمَّ يربط بين زمنيين متفاوتين افرزتا حدثاً يصوّره الشاعر يقول /الرأس في طبق/انت قدّمت رأس الفتى/إلى عاهرٍ/انت أسلمت راس الحسين. /
يبقى هل مارس الشاعر دلالة طاقة التعبير في القصيدة بعد دلالة التَّجديد في قول اودنيس، فنجده قد تكرر في ثنايا القصيدة بمواقفَ منها نظرة الشاعر إلى مستقبل المدينة بالفجيعة المتجددة مع الزمن:/واكاد أرى المقبلا/والتآمر، والموت، والكربلاءات/لكن ماء الفرات وما تعب الركب/لا ولسوف تطول الطريق/
او تأتي طاقةالتعبير عند الشاعر صورة شاخصة متجددة في نظرته إلى الزمن:/كفَّنته، ودفنته/وزرعت فوق القبر حربه/كان المساء قصيدة تُبكيه//ثمَّ رأيت قلبه/ينمو يصير منارة/تشمخ مشرئبّه/
ويستعير الشاعر من إستمرار الضوء طريقاً للوصول إلى غاية العدالة كّلما حاول الظلام ان يسدل الستاره على ذلك الطريق:/والنجم رمحاً، والسماء عبادةً/والريح تربه/
وجمع في قصيدته بين موقفه من الزمن وإستيعاب التراث مع تصوير ذلك المشهد.، ولا ينسى ىان يعرج إلى موقف اسىً ليس مستنداً إلى العاطفة التي قد تزول يسيطر الخيال عليها؛ ولكن العاطفة القائمة على صورة الحُبِّ المتجذرّة في طلب الحريّة والعدالة، وذلك ما اشار له الشاعر الخوري. في بداية مقدّمته يقول(حتّى لا تذهب دماء مَنْ ماتوا هدراً إلى الذين لم يموتوا بعد.).
امّا موقف الشاعر من الحقّ فقد عبَّر عنه:/ قدرُ إنّ درب الخلاص/تعّج بالف حسين، و إنَّ البذور/ تبرَّات ماهمَّ غدر اليزيدات/ترفض عار الجريمة. /
ويحدد الخوري موقفه من الأحداث التي طرأت منذ ازمان في إنَّ الطريق الذي رسمه، و الاتجاه الذي اتخَّذته القصيدة قد يشفع له الحُبِّ المتجددة في تحديد المسار، وفي رفض الهزيمة، والموت كطريق إلى الموت. قُمْ تبَّرأ فإنَّ الفرات/كلُّ لحظة حبّ يُعيد مساره/قُمْ بِنا نتبرّأ/نغادر تخوم الهزيمة./
وتبقى القيمة التاريخيّة لهذه القصيدةكلمّا تجددت ذكرى مأساة الطَّف إنَّ موقفها الأدبي يمتّد إلى الأزمان التي تشهد الفواجع، و النكبات، وهي تجذف في مسارها نحو الحقَّ والعدالة.