لم يكن من السهل إقناع عبد المجيد أن المكوث في مكان واحد يدمر الإنسان. منذ أن غادر بلدته ووجد عملا في المدينة ظل فيها. يعمل ثم يمر على المقهى، وبعد ذلك يمضي للغرفة التي يكتريها. يجلس فيها وحيدا. لا أحد يعرف ماذا يفعل فيها. حينما يسأله الأصدقاء أو الخادمين معه في العمل:
-لماذا لا تخرج وتسافر لتغير الجو؟
يجيبهم:
-أكره ذلك. أنا يعجبني المكوث في مكان واحد
مرت عليه سنة لم يغادر فيها مكانه. غادرها في العيد إلى البلدة كي يتفقد والدته والعائلة. بعد يومين عاد للمدينة، وعاد للعمل. لا يهتم بالصخب، ولا بالأحداث الكبيرة والصغيرة التي تقع في المدينة، أو خارجها. بنى عالمه الخاص، ونسي العالم الكبير الذي يوجد فيه هو، ويوجد فيه غيره
في بعض المرات كان يتفق مع الأصدقاء أنه سيسافر معهم خارج المدينة ليرى ما لم يره بعد. يشجعونه ويصفقون له. ثم يقولون له:
-الآن بدأت تعود لرشدك ولإنسانيتك
حينما يقترب موعد السفر. يتصل بهم. ثم يقول لهم معتذرا:
-أعتذر منكم. لن أسافر. لم أجد من يقوم بعملي. ورب العمل رفض أن أسافر..
يتهمونه بالكذب. ثم يسبونه، ويقولون له:
-أنت خائن وإنسان خواف وغير شجاع
مضت سنة أخرى. بدأ عبد المجيد يشعر بالنفور من أي شيء. يمارس عمله بدون شغف، وينفجر في الرواد وفي الذين يشتغلون معه. الجل لاحظ أنه قد تغير. وحينما يخبرونه بذلك. يجيبهم قائلا:
-لقد نفذ صبري
مر أكثر من شهر على ما يشعر به. لم يغادره ذلك الشعور السيء. ظل يلازمه ويتضاعف. فكر في زيارة الطبيب. لكنه لم يزره. خاف أن يخبره أنه على وشك أن تصيبه الجنون، أو شيء آخر أكثر من ذلك. مرة رأى أستاذا للفلسفة أتى لمقر عمله. جلس الأستاذ في مكانه الذي يجلس فيه عادة حينما يزور المقهى. خرج عبد المجيد وذهب عنده. سلم عليه. تبادل معه أطراف الحديث. ثم أخبره بما يشعر به. لم يفكر الأستاذ كثيرا كي يجيبه قائلا:
– يبدو أن روحك قد تعفنت ..