سيرة الفنانة خارج الفيلم :
الشعيبية طلال فنانة مغربية عصامية من مواليد1929 بقرية مغربية هي “اشتوكة” في مدينة “أزمور” . وهكذا نشأت طفلة بدوية تعشق الطبيعة بما تجمله من نباتات وكائنات حية، غير أنها غادرت هذه البيئة البديعة الجميلة لتلتحق ببيت عمها القاطن بالدار البيضاء ، وعمرها سبع سنوات ،وفي عمر الثالثة عشر، تزوجت من رجل كبير السن ،وأنجبت منه ابنها الوحيد الذي تكفلت برعايته ـ بعد وفاة أبيه ـ مستغنية عن الزواج فعاشت ظروف الفقر والعوز مما اضطرها كي تعمل خادمة في بيوت الأثرياء.
وقد كان ابنها ميالا للرسم وهو يلج عالم المدرسة ،ومن العجيب ميلها للرسم بدورها فتعاطته محتكة شيئا فشيئا بأدوات الرسم من أقلام وفرشات وأصباغ ،فأنجزت لوحات عرضتها على الناقد الفني بيير كوديبرت،برفقة الفنان التشكيلي المغربي الشرقاوي ، وقد أشاد النقاد بإنجازاتها الفنية وبذلك صارت متشجعة لمواصلة مشوارها الفني. فعرضت لوحاتها داخل وخارج المغرب ،واكتسبت بذلك شهرة عالمية ، لها أسلوبها ونظرتها الخاصة نحو الاشكال والألوان مما جعلها رائدة التشكيليات العصاميات بالمغرب.
أبريل 2004 بعد حياة حافلة بالتحديات وهواجس عالم التشكيل ن وبذلك استحقت فيلما سينمائي يحسد سيرتها الفنية.
سيرة الفنانة داخل الفيلم:
يبدأ الفيلم بطفل بصدد إنجاز لوحة تشكيلية تتدخل أمه وأبوه كي يعدانه على أنه سيحظى بالإطلاع على سيرة الشعيبية التي استطاعت لتجسيد حبها للفن التشكيلي وكيف تمكنت من تجاوز كل العراقيل قبل أن تصل غلى عالم الشهرة.
ويبدأ الفيلم بصرخة الولادة ليتعداها إلى إبراز الطفلة بعد سبع سنوات من عمرها وهي تغني بعيدا عن قريناتها لتذهب بعيدا في قلب الطبيعة متسلية بدميتها ، وحين يأتي الأب يسأل عنها لتخبره إحداهما على أنها هناك تغني، فيعاقبها متهما إياها بالحمق والجنون ويدوس على دميتها ثم يبعث بها خادمة لأسرة في مدينة الدار البيضاء، لكنها ستتزوج برجل وهي ابنة 13 سنة ، وهي امرأته السابعة ، وقد رزق منها بولد أسماه “الحسين” لكن الأب يتوفى بعد ذلك ليعيش الابن في كنف أمه.
ومن جله مارست غزل الصوف وخدمت في البيوت ،ورفضت الزواج بحجة رعاية ابنها بعيدا عن زوج قد يسيء إليه.
ويبين الفيلم عشقها للألوان وهي أم خادمة عند أسرة فرنسية وكان كل اهتمامها ابنها ، وقد كبر ودرس الفنون مما سيعقد علاقة بين والدته وعالم التشكيل هذا الاهتمام الذي يتبين من خلال الفيلم على أنه من صغرها.
وفي جلسة مع الناقد الفرنسي بيير كوديبرت ، رفقة الشرقاوي (يقوم بجولات في العالم لاكتشاف المواهب والتميز الفني) وسيكتشف الناقد موهبتها في التشكيل مخبر بحقيقتها ابنها الحسين قبل أن يواصل جولته في العالم العربي. وقد أغضب ذلك ابنها لأنه لم يحظ بمنزلة أمه وهو الدارس للفنون التشكيلية دراسة أكاديمية لمدة ليست بالقصيرة.
وبذلك حُفِّزت الشعيبية لتواصل مشوارها الفني ليفتح لها المجال لعرض لوحاتها بفرنسا لتضاف إليها تحفيزات مادية ومعنوية. وفي جل لقطات الفنانة كانت رفقة الغرباوي والشرقاوي اللذين شهدا لها بالطيبوبة والكرم .
في الفيلم مشهد يرد على من يتهم الفنانة بالعبثية والرداءة الفنية ، ويتمثل ذلك في أن المستعمر الفرنسي يشجع الفنانة لتكون نموذجا رديئا للفن المغربي. وجاء المشهد مؤثرا لأنه يزاوج بين السخرية منها في صغرها وكبرها عبر المزاوجة الفنية بين صورتها الحالية وصورتها وهي طفلة. وقد أنقدها من التفكير في احتقار المغاربة لها نبأ وفاة التشكيلي المغربي الشرقاوي الذي أثار أشجانها وحزنها بعمق.
حياتها ـ في الفيلم ـ مرتبطة بالألوان ، تحبها في كل شيء ، وتحلم أن تنجز بها شيئا يروقها، ومن أقوالها في الفيلم “هناك من يحلم ويظل يحلم وهناك من يحلم فييسر له الله تحقيق حلمه”
سيرتها في أحداث الفيلم تتضمن جزءا من سيرة الغرباوي والشرقاوي قبل وفاتهما .
في آخر الفيلم تعود كي ترد على منتقديها وتعاتبهم في شخص احد زوارها قبل أن تعلن أمام الجميع الاعتراف بنفسها قائلا : اِسْمي الشعيبية ، أنا رسامة ” وتمَّ ذلك وسط تصفيقات الجمهور الحاضر لمعرضها ، ويُختم ذلك بالحديث عن أهمية الانفتاح في التعريف بفنوننا (تقصد المغاربة)، والتعرف على فنون الآخرين ولتحقيق ذلك أنشأت مبنى اتخذته لعرض اللوحات اسمته ” ألف باء للفن الحديث” وتعتز بنفسها كرسامة لم تدرس الرسم فهي كسعيد عويطة حين يعدو فيسبق غيره وهي كأحمد فرس حين يمرر الكرة بفنية فريدة…
وسر تفوقها هو حب الفن ومن أجل هذا تحدت الكثير من العقبات ، فالفن ـ حسب قولها في الفيلم ـ هو الحياة هو الألوان هو أنتم.
أهمية الفيلم:
تتأتى أهمية الفيلم في جانبه التوثيقي بما يحمله ذلك من مشقة البحث والتنقيب قصد القبض على أهم المحطات المؤثرة في حياة هذه الفنانة التي نالت شهرة عالمية في وقت وجيز،ولأنها مبدعة فنانة فالوضع يحتم البحث الدقيق للوقوف على بعض أسرار تميزها ، فحياة المبدعين تختلف عادة عن حياة العامة لما تحمله من تصرفات خاصة وفريدة.
وبلا مجاملة فالسعدية أزكون التي شخصت دور الشعيبية أبانت عن تمكنها في مجال الفن التمثيلي، فقد تقمصت دور الشعيبية تقمصا وثيقا ملمحا وتعبيرا وإحساسا عميقا بالفن التشكيلي الذي احبته الشعيبية حبا جعلها تنخرط فيه بروحها وجهودها المتصلة المتواصلة حتى نالت ما نالته من شهرة.
بل إن طاقم هذا العمل الفني(سعيد باي، محمد خيي ،السعدية أزكون ،إدريس الروخ ، لطيفة أحرار…) كان منسجم الأدوار بشكل أعطى نكهة خاصة للفيلم.
وقد أفلح مخرج الفيلم يوسف بريطل في اختياراته الأدائية والفضائية ـ إلى حد ما ـ في تجسيد المسار الحياتي لهذه الفنانة من الطفولة إلى الوفاة.ويطرح جوانب غامضة في حياة الفنانين إلى حد وسم شخصياتهم بالهبل والجنون قبل يذاع صيتهم بشكل ما.
وهو بذلك فيلم يمكن اتخاذه نموذجا يحتدى لتوثيق المسار الفني لكثير من الفنانين والمبدعين في مجالات مختلفة وما أكثرهم في المغرب وكل العالم.