تعرّف الهوية الوطنية، بأنها مجموعة من القيم والعادات والتقاليد والأعراف والمُثل، التي تميز ما بين الشعوب أو الأمم عن الأخرى، كما تعد الثقافة بمفومها العام، هي بناء للشخصية، وقوة ودعم للهوية الوطنية لدى الأفراد داخل المجتمع.
ولا شك فأن الهوية الوطنية تلعب دوراً كبيراً في بناء المجتمع والدولة موحدة، لذا فهي تعتمد أو تقوم على عدة عوامل وعمليات تكون في غالب الأحيان نتيجة للتأثيرات الاجتماعية والتربوية الموروث منها وغير الموروث، بالاضافة الى ما حملت من رواسب تأريخية مضافة اليها عبر تأريخها الحضاري داخل الامة، وكذلك ما يشمل تأريخ الشعوب الأخرى من عوامل يضاف لهُويتها الوطنية في كل أرجاء العالم، فضلاً على التأثيرات القادمة من المناطق الاقليمية المحيطة للدولة جراء أختلاطها بالمجتمعات فيما بينها عبر التأريخ، وبما يترك فيها من تشكيلات، تشكل فيما بعد أضافة لعاداتها وقيمها التي ستكون جزءاً لا يتجزء منها، أو تشكل أعراف تتعارف الناس عليه فيما بعد، بعد مرور حقبة من الزمن.
إلا إن هنالك من أهم وأبرز العناصر التي تلعب دورًا في صناعة ثقافة الى الهوية الوطنية للفرد داخل المجتمع، تقف في مقدمتها، التربية والتعليم، حيث تلعب دورًا حاسمًا في بناء الهوية الوطنية، كما تتضمن هذه العملية أسلوباً من خلال توجيه الأفراد نحو قيم وتقاليد الوطن وفهم تأريخه وثقافته، فاللغة لها موقعها في بناء الهوية الوطنية، ذلك من خلال استخدام لغة مشتركة فيما بين أفراد المجتمع، فضلاً لما ترتبط من مشاعر متبادلة وفهم قواعدها، لانها أحد المكونات الأساسية للتواصل والتماسك الوطني بين أفراد المجتمع الواحد، فتعد جزء أساسي للتقارب والفهم والتواصل الذي يعمق ما يصبو اليه الانسان، أضافة لسهولة الادراك والوعي لما تطرح من مفاهيم.
أما التأريخ والتراث الوطني للدولة، فهو يساعد في تعزيز الانتماء للهوية الوطنية، ذلك أن تأريخ الأمة وتراثها يشكلان جزءًا هامًا في بناء الهوية الوطنية.
كما الحال لعبت الفنون والثقافة الشعبية بعدها المؤثر في تعزيز الهوية الوطنية، من خلال ما تعكس التعبيرات الفنية والثقافية جوانب مهمة فيها، والذي يطلق عليه بالانخراط المجتمعي والمشاركة في الأنشطة المجتمعية العامة والاجتماعية الخاصة، التي تعزز الانتماء وتعمل على توحيد الأفراد ضمن المجتمع الوطني الواحد.
أضافة الى ما يقدمه الإعلام ووسائل الاتصال من دور فاعل في نقل القيم والتقاليد الوطنية وبثها وتعزيزها للإنتماء، ومنحها قوة مضافة وترسيخ لكل المفاهيم الحقيقية التي تخدم المجتمع والدولة.
فضلاً عن إعطاءها المواطنة الفاعلة دورها الحقيقي، من خلال المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حيث تساهم في تعزيزها، ومن الجدير بالذكر أن هذه العوامل تتفاعل مع بعضها البعض، وتختلف بآختلاف الثقافات والسياقات الاجتماعية بين مجتمع وآخر.
لقد شكلت الثقافة والتراث دورًا هامًا في تعزيز الهوية الوطنية وتمييز الشعوب عن غيرها، بما تمتلك من أرث يخدم المواطن الذي يعتز بثقافته وأرثه، وهذا ما يتاتى أيضاً من خلال الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي عند الفرد، الذي يؤثر بدوره في بناء وتماسك الدولة، فضلاً عن الخبرات الشخصية والتجارب، وهذا ما أكدته الكثير من الدراسات الاجتماعية والنفسية، بأن التجارب الشخصية والتجارب الحياتية لها دورها في بناء الهوية الوطنية، إذ يتم تشكيلها من خلال تفاعل الفرد مع بيئته وتجاربه الحياتية، التي تضيف رصيداً آخر في التعزيز بين الوطن والمواطنة والإنتماء، فالانتماء الاجتماعي يؤثر في المجموعات الاجتماعية داخل المجتمع الواحد مهما تعددت قومياته وأديانه وأعراقه، وخلق الشعور الايجابي للإنسان في تشكيل الهوية الوطنية، حيث يمكن أن يؤثر التفاعل مع المجموعات المختلفة على تشكيل وجهات نظر الفرد وقيمه، والاقتراب بين افراده وعدم الشعور بالدونية والاغتراب، فيدفع كل الاطراف داخل خيمة الدولة بحب الأرض أو الوطن أو الدولة التي يشعر بالزهو في أنتماء الفرد اليها.
القيم التربوية عند الإنسان
لقد أكد أغلب الدراسات التربوية والنفسية والدراسات التي تشمل علم الانسان والبيئة، إن القيم التربوية لها دور كبير في تنمية الهوية الوطنية للإنسان، فهي تبلور الشخصية وتدفع بها الى الانتماء والولاء للوطن، كما تعد التربية وسيلة لنقل القيم الوطنية والتأريخ والثقافة الخاصة بالدولة، من خلال تعريف الأفراد بالجوانب الإيجابية للدولة والإنتماء اليها، فهم يتعلمون الفخر بوطنهم والاحترام لقيمه، كما يشجع التركيز على التربية الحقة بإحساس الفرد بالانتماء والولاء للدولة، وهذا بدوره سيعزز الروابط الاجتماعية والتفاعل الإيجابي بين ذات الفرد وما يحيطه مع الآخرين، وبالتالي يعد الفرد جزءًا لا يتجزأ من المجتمع الوطني، وهو مدعو هنا للمشاركة في تطويره وتحسينه، وهذا ما يعزز الشعور بالمسؤولية والمشاركة الفعّالة في بناء الوطن.
أضافة الى أنه يساعد التركيز على التربية الوطنية في تشكيل هوية الفرد وفهمه لمكانته والمسؤولية الملقاة على عاتقه، ويتمثل ذلك في تطوير قيمه الشخصية بما يتلاءم مع القيم الوطنية، كما يمكن للتربية الوطنية أن تدفع بالتواصل بين أفراد المجتمع الواحد من خلال فهمهم للثقافة واللغة الواحدة أو الشعور الواحد، مما يساعد ذلك في تعزيز التفاهم وتقدير التنوع الثقافي داخل الوطن الواحد. ويمكن للتربية الوطنية أن تلعب دورًا في مقاومة التأثيرات السلبية الخارجية وبناء حصانة ثقافية لدى الأفراد.
بشكل عام، يعزز التركيز على القيم التربوية، الفهم العميق للفرد لهويته الوطنية وتساهم في بناء مجتمع قوي ومترابط، قادر على مواجهة التحديات التي تعصف بالدولة، أو النيل من قيم المجتمع الأصيلة فيه أو تحريف المفاهيم والتراث، وحتى العادات التي تعارف أفراد المجتمع الواحد عليها عبر أجيال متعاقبة.