” هل حكيت ما وقع أم وقع ما حكيت”
ذكرت العبارة في الرواية على لسان الراوي تظهر اختلاط الواقع المعيش بالمحكي المتخيل، والحقيقة بالخيالي والأسطوري وارتباك السارد في عرض وتقديم أحداث الحكاية لارتباطها بالواقع الاجتماعي المعيشي المر وهي أحداث وقعت في إحدى الإمارات سنة 2081، تسمى عين الفرس، تقع ضمن إمارات الوطن العربي الكئيب، يحكمها الأميرال أبو السعد بن سعيد رمز السلطة، حيث نجد حضوره البارز لتوجيه الأحداث منذ البداية وإرغام الراوي على الحكي بعد استدعائه إلى قصره في إحدى الليالي الباردات من مواسم الجفاف الذي حل بالإمارات الكئيبة. هذا الأخير الذي اضطر لأن يحكي حكاية عين الفرس المأساوية :” غرق الناس واختفائهم في البحر بسبب كذبة البسطيلة والمشوي في عرض البحر” تحت عنوان” الولد الضال والرجل الطيب”.
حيث إن السارد قدم تصور الكاتب للمجتمع والمعيش واليومي وجعل الناس يقفون على الهم الاجتماعي والأخلاقي والسياسي والثقافي للمثقف في علاقته بمجتمعه من خلال كثرة الاستطرادات والحوارات المختزلة التي تبين رغبة الراوي في مشاركة الٱخرين في بناء عوالم الرواية، فقدم أحداثا وصمت عن أخرى تبين عجزه عن استنطاق الواقع:
الضعف والوهن:
” خادمكم الحاكي يا مولاي يعتذر عن غيابه بسبب ضعف صوته، الذي نتج عن تقدمه في السن و تزايد وهنه العام “، ص؛ 9
“ضعف الصوت! … ” ص: 9
العجز والاستسلام :
” جميع الذين وقع لهم ما وقع للطاهر المعزة وزوجته، لم يرجعوا بعد، ولا أمل في رجوعهم…” ص: 28
الحكاية ليست خرافة ولا يمكن أن تنوب عن التاريخ:
الحكاية لنقد الواقع وليس خرافة نتسلى بها، لا يمكن أن تنوب عن التاريخ:” الحكاية لا يمكن أن تنوب عن التاريخ ولا التاريخ يمكن أن ينوب عنها..، ص: 8
” الحكاية ليست خرافة لا يمكن للمرء أن يتسلى بالخرافة” ص: 8
وتبين من خلال خطية السرد والتقنيات الموظفة في بناء عوالم الرواية نزوع الكاتب نحو :” التجريب الروائي” أي تجريب قوالب كتابة سردية جديدة، تجلى ذلك من خلال طريقة الحكي وطريقة تقديم الشخصيات وهي تعيش واقعها المرير، بالإضافة إلى الأسلوب الفلسفي والكتابة المضاعفة العميقة واللامنطق في عرض الحكاية وعناصرها، فعمد إلى :” تكسير عمودية الرواية” و خلخلة السائد والمألوف كما هو معروف في الرواية التقليدية، عن طريق “خرق الترتيب الزمني لبناء الأحداث وتسلسلها” و” تهجين أسماء الشخصيات” ( حميد ولد العوجة والطاهر المعزة..) ويظهر الولع بالأسماء المغربية ودلالتها التي تعبر عن واقع محبط يتميز بالسلبية والاستسلام و العجز … كما هي عادة الكاتب الأستاذ الميلودي شغموم حيث نجد ولعه بتهجين الأسماء وترميزها والتنقيب عنها في الموروث الثقافي الشعبي المغربي خصوصا في روايات ” شجر الخلاطة والضلع والجزيرة وغيرها…”.
يكتب الأستاذ الميلودي شغموم عن واقع متأزم، لكنه لا يكتب إلا للنخبة من المثقفين علهم يشاركونه الهم الثقافي والفكري لبناء ونهضة مجتمع مازال غارقا في طقوسه وعاداته وأعرافه وتقاليده، ونقده وتجاوزه سيرا على نهج كتاب الثمانينات في محاولتهم تشخيص الواقع المغربي والعربي ونقده لوضع الأصبع على أسباب الانتكاسات والخيبات والأزمات التي أرهقته، وألمت به منذ زمن بعيد.. لكن هل استجاب أحدهم لندائه؟ وهل سمع صوته من بين ثنايا كتاباته؟ وهل ساهمت في التغيير المطلوب بعد مضي أربعة عقود من كتابة الرواية؟
أسئلة وأخرى توضح وبجلاء الدعوة إلى إعادة قراءة الرواية المغربية، وإعادة مكانتها ضمن خارطة مسيرة الأدب المغربي المعاصر.