
إن المتأمل في مستقبل حرية التعبير في الديموقراطية والانفتاح، يرى أن حرية الكلام شيء يتوق له الإنسان، وهو شوق يلح عليه المثقف وبإصرار، كونه المنطلق الأساس لتنوير قضايا المجتمع والواقع الاجتماعي عموما. إلا أننا نواجه تحديات أخـــاذة تتمثل في التطورات السريعة والقوية التي بشكل أو بآخر، المتمثلة أساسا في تقنيات التواصل الاجتماعي باعتبارها تطورات ثورية ساهمت في كثير من الظروف بإحباط السياسات التي تخدم المصالح الخاصة للفساد الأخلاقي اللاإنساني المنشود من قبل بعض السلط البورجوازية والرأسمالية الطاغية المتمثلة في قوى المركز، الزاحفة على حقوق الجماهير الشعبية المغربية، هذا وأن سعي الأوطان الملتزمة بالثقافة المفتوحة على حرية الاختيار والتعبير تدافع بشكل أو بآخر عنه، من خلال حماية هذه الحرية سواء كانت حرية كلام، أو عقيدة، أو “حرية مسيـــــــرات احتجـــــــــاج سلمية”، إلا أن هذه الحرية لا تعطى إلا لأرباب الشركات الاقطاعية الانتاجية بمختلف أجناسها بمنحها الشرعية لإفتاء وتطبيق قوانين سلطوية تخدم مصالحها الخاصة متسترة على جشعها، ومخالفة بذلك للقوانين الدستورية للبلاد على حساب جماهير شعبية ذات رأي حر ومستقل بحسها النضالي المعهود عليها الرافضة لكل التطاولات الرجعية القائمة على قمع ولجم أفواه مثقفي الحركات الشعبية الواعية بمصير مجتمعها الانساني الخلاق، وخاصة الفئات المهمشة منها. إذ في هذا الصدد يمكن استحضار قولة ديكارت الشهيرة “أنا أفكــر إذا أنا موجـــــــــود” إذا اعتبرنا هذه العبارة السامية القائمة على مدى حضور الجانب الفكري الانساني الحر، والتي نؤولها بقولنا: نحن كأفراد جماعة إنسانية طامحة لصون حرية التعبير ومدافعين عنها ب: “أنـــا أفكر إذا فأنا إنســـــــان يستحق الاحتـــرام وحريـــة التعبيـر والاختيــار”… فعلى هذه الرؤية وعلى هذه الطليعة، فإننا كمغاربة محبون لوطنهم نؤكد على إنســــانية الأفراد وعلى مدى أحقية رواد الدفاع عن حريات التعبير بمواقع التواصل الاجتماعي المعارضة لقوانين رأسمالية تديرها بعض “السلط” أو السلطة المركزية ذات التوجه اللامبدئي كونه المصطلح الذي أصبحت له دلالات رجعية في مخيلات وأذهان الذوات المثقفة المغربية الواعية بحقوقها والحاضنة لأنساق ثقافية تجاهه، في ظل تنامي حالات القمع واستبداد هذه الذوات في بيئة اجتماعية لا زالت “غـــــــــارقة” في محاولات “إصــــــلاح” منظومات “التعليم” و”الصحة” و”التشغيل” و”العدالة الاجتماعية”…
إنها تعمل (السلطة) برجعيتها على خلق اليأس العام الذي أصبح ناتجا في نفوس المواطنين المغاربة، فتتضح لنا كعلامات أصبحنا نلحظها وبكثرة من خلال جولات بسيطة في محيطنا الاجتماعي عبر مراقبة السلوكيات المتوترة التي يمكن وصفها “بالحرجـــــة” والتي دقت ناقوس الخطر بسبب الضغوطات الممارسة على نفوس هؤلاء المغاربة من قوانين وسياسات مخالفة لمبادئ الاصلاح الاجتماعي في مقابل الضغط المتواصل وتأزيم النفوس لتكون كضريبة يؤديها “الوطــــن” ويؤديها ثلة من خيرة أبنائه الذين أصبحوا يتبنون أفكارا كحلول للخروج من هذه الوضعايت العصيبة، خاصة منهم الشباب المعطل كفكرة الهجرة بمختلف طرقها، بل إن المركز (السلطة) لم يتوقف عند حدود هذا فحسب بل تجاوز ذلك إلى محاربة مبادئ التربية والتعليم كفتح الباب في وجه المتطاولين على”الأستاذ” وكذلك “على مهنيي الصحة ممرضين وأطباء” وغيرهم من فئات المجتمع المدني بالضرب ورفع الأيادي عليهم ومحاولات اللطم والتعنيف في حقهم دون أي عقاب أو محاسبة أو تعقيب على الجاني، ولعل التعاطي والأخذ بجدية هذه الأحداث هو ما يجعلنا نستحضر مقولة العلامة المغربي الراحل “المهدي المنجرة” بهذا الصدد:
“إذا أردت أن تهدم حضارة أمة: اهدم أسرة، احتقر معلمـا، وذل طبيبـا، وهمش عالمـا، واعطي قيمة للتافهيـن” ولعل هذا ما يشير ويؤكد على مدى سير هذه السياسات على نهج تدميري لحضارتنا وقيمنا المغربية ذات المبادئ السامية الصرفة، ومحاولة تبديلها بقيم الهدم التي رمت في مستوى الحضيض الأخلاقي، وذلك بمحاولة تسييدها للتافهين على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى وسائل الإعلام وكذا على سطح الساحة الاجتماعية وتعلية قدرهم على قدر شرفاء يسيرون بخطى ثابتة وبعزم قوي نحو إصلاح هذا الوطن العزيز.
إن كل ما نراه اليوم في الشارع العام ما هو إلا مرآة عاكسة لنفسية المواطن والمجتمع، حيث إن كل هذا الإجرام البشع والاغتصاب المسجل عبر شرائط الفيديو والعنف ضد “المعلم” والمثقفين وفئات الهامش وغيرها… من مجريات وأحداث ماهي إلا علامات سـميائية دالة عن سوء الحالة النفسية للمواطن، وكأن المجتمع بذلك يؤذي نفسه بنفسه، إنه نوع من الانتحار البطيء كانت ولا تزال السياسات السائدة في تبني قوانين تخدم صالحها الخاص المسبب الأول والرئيسي في ذلك دون مراعاة للجانب الاجتماعي القيمي الخلاق، ودون التفكير أيضا في سبل وطرق عقلانية قصد الخروج من عتمة هذا اليأس الذي سار يعيشه مجتمعنا ومن هذه الوضعيات الاجتماعية المتأزمة والحرجة، دون أي محاولة لتجاوز خلق حالات الاحباط والخوف من المستقبل في مثل هذه الظروف التي يمر بها المغاربة، وعلى هذه الشاكلة فإننا نجد أنفسنا في موضع يجعلنا نتأمل في مجريات وأحداث وطننا كأناس و “كمواطنيـــن مغاربــة” طامحين في رؤيته على صورة تحمل أنساقا ثقافية إيجابية سائرة نحو طريق الاصلاح والتنمية الاجتماعية والرقي اللانساني.
إن وسائل التعبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي تعمل وبشكل فعال على ” تنويـــر” القضايا الاجتماعية والسياسية خاصة تلك التي تقربنا من وضعيات عيش فئات الهامش والمهمشين من جلدة وطننا، تلك التي ترقى إلى التعبير الحر والواعي بمجريات الواقع الاجتماعي وإبداء رأيها فيه كجدل التغيرات التي يشهدها المجتمع المغربي الرافض لمقترحات مدونة الأسرة التي تحمل في مضمراتها أنساقا لتخريب المجتمع وهدم الأسرة وخلق حرب بين الرجال والنساء وتجاور مبادئ الدين الإسلامي الحنيف وخرق شرع الله دون اعتبار أي شيء من هذا القبيل، إن الرقابة السائدة للمركز قائمة على مبدئها المعهود عليها في لجم أفواه وقمع هذه الفئات كونها تعري عن الحقائق وتحبط مخططات القوانين ذات المبدأ الرجعي والرأسمالي، والقائمة كذلك على انتهاك الحقوق الخاصة بهؤلاء (فئات الهامش) كونها فئات مقصية ومهمشة في المجتمع المغربي، هذا المجتمع الذي عرف منذ القدم بمبادئ الدين الإسلامي والتكافل الاجتماعي وتبني قيم الاشتراكية والتعاون والتماسك والوحدة والتضامن بين مختلف شرائحه وتشكيلاته الاجتماعية.
إنه لأمر يجعلنا كمغاربة نشد وبقوة على ضرورة الوقوف عند خطوط الكرامة الانسانية، حيث لا يمكن بتغييب حرية التعبير وبفرض قوانين تنص على انتهاك حريات المجتمع المدني وعلى المساس بشرع الله في كونه ومبادئ دين بلدنا أن نبني مجتمع الحكمة والرقي وتقدم الإنسان.. إننا نؤكد أنه لا بديل لنا عن البحث على طريقة أفضل لزيادة تقدمنا في بناء مجتمع متمــاسك قادر على التغلب على الفقر والجوع والمرض والجهل، كطريقة واحدة ووحيدة لا غنى ولا بديل لنا عنها لتغذية الروح كالتشبع بالآداب والقيم الانسانية التي تحركها وتكبح قيم الجهل والفساد.