
هل تكفي الكلماتُ لترثيك،
وأنتَ الذبيحُ
على مذبحِ الغياب،
وأنتَ الجريحُ
في أروقةِ اللا اكتراث؟
إلّا مَن ردمَ قلبي بفنِّ التجاهل؟
بفنِّ اللامبالاةِ المُتقَنِ كالسيوفِ الصدئةِ في متحفِ مدريد؟
أما علمتَ أنّي كنتُ نجمًا
يتوهّجُ في ثناياك،
يُنصتُ لصهيلِ شهقاتِك من أميالٍ،
أنا المنفًى لدمعِك المهجور،
أنا المقهى لقلبِك المفطور؟
لا ذنبَ لسائقِ الباصِ
حين مررتُ أمامهُ كشبحٍ
يُجرجرُ أذيالَ الخريف،
الذنبُ ذنبي،
لا ذنبَ لأوراقِ الخريفِ حينَ سكنتْ حافلته،
الذنبُ ذنبي،
الخريفُ ليسَ فصلًا
في مملكتي،
بل عاصمتي،
دولةٌ تسكنني منذُ قرون.
أيّها الشيبُ اللامعُ كنجمةٍ،
السماءُ اتّشحتْ بلونك،
لأنّها وحدَها تفقهُ جنونك
حينَ تتوهّج،
حينَ تنطفئ.
أنا لا أُتقنُ شيئًا سوى فنِّ البلغاء،
لأنّي فارغٌ من الاشتهاء،
لأنّي أعيشُ مأساةَ كلِّ شاعرٍ
كُتبتْ عليهِ لعنةُ الشعورِ في زمنٍ
يرتدي ألفَ قناعٍ.
أنا الناجي من مناجاةِ جيكور،
أحملُ رمادَ بدرٍ في راحتي،
وأخبّئُ شظايا المجنونِ بين ضلوعي،
أنا الرهينُ كرهينِ المحبسين،
أنا المسافرُ في ديوانِ ابنِ شدّاد
قبل أن أُخلَق،
قبل أن يُدجَّنَ الشعرُ في أقفاصِ الضوابط،
قبل أن يُباعَ الحرفُ في سوقِ النخاسة،
قبل أن يُسحَقَ العشّاقُ تحتَ أحذيةِ المدنِ الحجريّة.
لا تعلمون ما معنى شاعرٌ ومحطَّم،
الشاعرُ نبوءةٌ تنزفُ ولا تموت،
يُصلَبُ على هواجسِكم،
يتدفّقُ بين
أنفاسِكم ودمائِكم،
نجومِكم ودموعِكم،
يرتّقُ ثقوبَ أرواحِكم،
ثمّ يُنفى كمجنون.
رغم أنّي لم أُولَدْ فيكِ،
عشتُ سنينَ فيكِ،
سبارتا، خذيني إليكِ،
لأنّي المقاتلُ الأعزلُ في زمنِ المتحوّلين،
لأنّي الحرفُ الذي يُغتالُ على أعتابِ الدهشةِ،
ثمّ يولدُ من جديد.