
لقد ظل الفن التشكيلي اليمني غير معروف بما فيه الكفاية ـ إعلاميا ـ إلى حدود أواخر الثمانينات وبداية التسعينات حيث بدأت تلوح في الأفق تجارب متميزة لفنانين أوفياء لهذا الفن الذي يعتبر لغة عالمية لا تعترف بالحدود، حيث ستظهر تجارب تعتبر إضافة نوعية للمنجز التشكيلي في الوطن العربي، منها تجربة عبد اللطيف الربيع وحكيم العاقل وهاشم علي وغيرهم… تجارب لا تختلف كثيرا عن تجارب التشكيليين العرب المؤثرين بقدر ما يتأثرون بغيرهم.
حكيم العاقل سيرة ثرية بعطاء وفير
إن أي تجربة إبداعية يستند مستوى نضجها وتألقها وفرادتها إلى سيرة صاحبها من حيث احتكاكه وبحثه ودراسته لمختلف زوايا الإبداع الذي يمارسه ويحاول إن يضيف إليه ما يغنيه من الجديد والمفيد.
والباحث في سيرة حكيم العاقل سيقف على مسيرة تتوزعها مجهوداته ومشاركاته وبحوثه في مجال الفن التشكيلي الذي ولجه بحب وعزيمة من يرى فيه مجالا للتعبير عن رؤاه وأحلامه وما يوحي به الواقع الذي يتعايش فيه مع غيره.
فحكيم العاقل فنان تشكيلي له في العطاء الفني قدم راسخ وبصمة باررزة، جاءت نتيجة رحلته في درب الفن التشكيلي باحثا مستفيدا ومفيدا، فحياته حافلة بمساهماته في خدمة الفن والفنانين،فهو حاصل على ماجستير فنون ، وأطر دورات: في مجال الجرافيك، والنحت، وشارك في عشرات المعارض الفردية والجماعية، داخل وخارج اليمن،وهو من مؤسسي جمعية الفنانين التشكيليين اليمنيين، واشتغل مدرس مادة الرسم الحر والتشكيل في صنعاء،وفي جامعة أروى،ونقيب الفنانين التشكيليين اليمنيين…كما شارك عضوا في لجان تحكيم في مسابقات ومعارض تشكيلية داخل وخارج وطنه.
ومسيرته الإبداعية غنية جدا، ومن شأنها أن تجعل إبداعاته التشكيلية لها أصالتها وجماليتها الخاصة.
تجربة حكيم العاقل
الباحث في حياة المبدع حكيم يقف على حياة ثرية بالعطاء الفني والمجهود المتواصل في سبيل ذلك،مما أفضى إلى تجربته منفتحة على الحياة والوجود، فهي تنم عن معانقة الفنان للمرئي بما يحمله من أحاسيس دفينة لا نستطيع التعبير عنها سوى بالخطوط والألوان وهنا يكمن سحر الفنون التشكيلية بكل أنواعها ومدارسها.
والمشاهد للوحاته الكثيرة يكتشف تدفق عطائه الإبداعي ليترجم كل أحواله، حلوها ومرها، سلامها و توترها، سعادتها وشقاؤها.
في أعماله هوسه باللون بصفائه العاكس لصفاء وعذوبة الروح في علاقتها بالموجودات.
ويبدو من خلال أعماله الفنية أن المبدع قد خاض أساليب وتقنيات ومغامرات إبداعية قبل أن ترسو فرشاته على تجربته الفريدة التي تميز منجزه الإبداعي فيبدو منسوبا إليه حتى وإلم يوقعه باسمه.
لوحاته عوالم مفتوحة للتأمل والتدبر في إيحاءات مفرداتها ووضعية معطياتها، تدفع بك لتفكر في طريقة إنجازها، وتفكر في أسرار ملمحها سواء تعلقت بالبورتريهات أو المناظر الطبيعية وغيرها.
وأغلب هاته اللوحات تحيل على السكينة البادية على المرسومات بشكل يستدعي المكوت أمامها انتظارا لفك مكامن أسرارها.
تضاريس بألوان الفرح، وجوه بألوان الحيوية والحياة، خطوط ورتوشات دينامية تنم عن ذات مهجوسة بالتشكيلي كحاجة نفسية واداة للتعبير.
المرأة ثيمة في أعماله
لا غرو أن المرأة لما لها من قيمة رفيعة في شتى المجتمعات قد فرضت نفسها على كل الفنون، فجاء وجودها في الشعر وفي السرد وفي الغناء وفي التشكيلي بارزا. إنها الثيمة الحاملة لرسائل متنوعة عبر الفنون. وفي التشكيل استخدم استلهامها في الإثارة تارة، وفي تجسيد المعاناة تارة، وفي التعبير عن الكفاح اليومي من أجل لقمة العيش تارة.
فقد جاءت في أعمال حكيم عاقل محيلة على بعض أعمالها اليومية، وعلى جلساتها الممتعة داخل منزلها متكئة على أريكة أو جالسة على زربية، وأحيانا تأتي المرأة وهي تمارس بعض أعمالها اليومية كالتجارة وغيرها من الأعمال التي تباشرها المراة كما هو الشأن في كل أقطار الوطن العربي.
وللفنان طريقة خاصة في رسمها، فهو حريص على إدراجها ضمن فضاءات خضراء ارتباطا بالحقول والحدائق، وهي ترتدي ثيابها التي يبرع الفنان في رسم زخارفها والرسوم البادية عليها.و يلاحظ أن الفنان قدم المرأة بوجه يحمل الأمن والسلام عبر الفضاءات والوضعية التي تؤطر تواجدها داخل لوحاته.
وتأتي منفردة في لوحات وكأن الفنان يريد إبعادها عن كل كما يكدر عليها صفاء مزاجها، كما تأتي أحيانا ضمن ثنائيات أو مجموعات فتوحي وضعياتها على التواصل المبني على وحدة الاهتمام والمصير. إلى جانب كونها تأتي في كل أعمالها محافِظةً محافَظةً لا تغلق أمامها نافذة الحداثة.
لوحات الفنان عن المرأة يقدمها ضمن فضاءات لا فراغ فيها، فهي مؤثثة بما يجعلها مساحة تقدم المشهد متكاملا من حيث مفرداته وخلفيته بألوان يغلب عليها الصفاء، ويغلب عليها اللون الأخضر باعتباره رمزا للأمل والحصول على المبتغى بيسر، علاوة على كونه يبعث على الهدوء والسكينة والانتعاش بعيدا عن التوتر ومايثير الحزن والضجر.
علاوة على اللون الأحمر المحيل على القوة وحدة الشعور الباعث على الحيوية.
لقد شكل تواجد المرأة في المنجز الإبداعي للفنان حكيم هاجسا إبداعيا عبر ضمنه عن طموحاتها وعن سلامها الكائن أو المفترض وعما يؤثث الفضاءات التي ترتادها وما تلبسه وتتعامل به من أدوات لها علاقة بتراث أجدادها. وحضور المرأة في منجزه في قلب الطبيعة دلالة على كونها أساس الخصوبة والعطاء، وتستحق التقدير والاحترام باعتبارها جزءا ثمينا من الفضاءات التي نحيا بها.
إنها المرأة الكائن الجميل، منبع للإلهام والاستيحاء الإبداعي باعتبارها مفردة جميلة تجعل الأعمال التشكيلية وغيرها تتنبض بالحياة، والحال أن حكيم العاقل قد جعلها تتربع على جزء كبير من أعماله الفنية المتميزة تقنيا وأسلوبيا .
سحر الطبيعة بسحر تركيباته الجميلة
إن المتتبع للمنجز الإبداعي لهذا الفنان يجده متوزعا بين ثيمتين رئيسيتين هما المرأة والطبيعة، وفي بعض أعماله يأتي بالمرأة وهي في قلب الطبيعة ، وأحيانا يفرد اللوحة بكل فضائها للطبيعة بما تحمله من أبعاد جمالية ونفسية ورمزية عبر الأسلوب وفرادة التكنيك الذي يقدمها بها الفنان، واحتفاؤه بالطبيعة احتفاء خاص منبثق من أسلوبه الشخصي الذي يميزه عن غيره، فهو يقدم الطبيعة بألوان تتقارب وتكاد تتشارك في العمل على إبراز التضاريس المختلفة في المشهد الواحد، الطبيعة في لوحاته تبدو حالمة ساكنة مستسلمة، صامتة لكنها تنطق بأعماقها وبملامحها التي تشيء بالكثير من الأسرار الموقدة للتامل والمجيشة للمشاعر.
إن الفنان يمتلك رؤية إبداعية تتقاسمها تجربته الفنية في كل الموضوعات التي يتناولها في مجمل إبداعاته، ويبدو للمشاهد انتماء إبداعاته إليه حتى ولو لم توقع باسمه.فهناك خيط خفي يسري على مساحات منجزه الإبداعي . فالكيفية التي يبني عليها إبداعه التشكيلي محكومة بتجربته وخبرته وبحثه عن بصمة تميزه وقد أدركها بالفعل، فملمح أعماله تجمع بين أكثر من مدرسة لتظهر متميزة فريدة.
المبدع حكيم العاقل يجول بك في مناكب الطبيعة عبر لوحات توثق بشكل إبداعي لمظاهر متغيرة تلحق الطبيعة بين يوم وآخر وبين فصل وفصل.
لوحات تحمل الطبيعة بأشجارها المتفاوتة لونا وقامة، وبتضاريسها المختلفة التي تتوحد عبر دقة التدرجات اللونية، وتأتي أحيانا محتضنة لبعض الأشخاص، كما تأتي مؤثثة بمعمار له علاقة بطراز البلد الذي ينتمي إليه الفنان.
وانطلاقا من المعطيات السابقة نخلص من قراءتنا العابرة لمنجز الفنان الإبداعي إلى كونه اتخذ المرأة والطبيعة ركيزة لمتنفسه وخلجات أحاسيسه باثا من خلالهما رسائله المتشحة بالسلام والأمن والسكينة، وكأنه يبني عالما يثوق إليه، فالإبداع في حقيقته إما أن يكون تفسيرا وإبرازا لأحوال الواقع ، أوبناء لواقع جميل مفترض يدعو إليه.
نظرة عامة
حين تشاهد أعمالا تحتلف من حيث ثيماتها ومفردتها ومتشابهة من حيث الأسلوب والتقنية تحكم على صاحبها بكونه ممتلكا لما يجعله يأتي بشيء يميزه عن غيره.
والفنان التشكيلي اليمني حكيم العاقل مبدع له في الفن تجربة بإمكانها أن تسعفه في مواصلة العطاء والبحث الفني مما يجعله منبعا ونموذجا لغيره من الفنانين من جيله ومن الشباب الذين يشقون طريقهم نحو النضج والاحتراف في المجال الفني.
—
أديب وتشكيلي ـ المغرب