اعرف ان الموت حق ولا أضيف جديداً ولا أذيع شراً خفياً، وأعرف انه في كل يوم نحن نلقى جنازة، وفي كل يوم نسمع منادياً، وفي كل يوم نرثي لمعول، وفي كل يوم نعد بالياً، ومزقتنا ياموت كل ممزق، وعرفنا ياموت منك الدواهي، ويرن الهاتف ويأتي صوت ذاك البصري النبيل والممثل الجميل (بلال منصور): مات (نزار كاسب).
اعرف ان الموت حق ولا أضيف جديداً ولا أذيع شراً خفياً، وأعرف انه في كل يوم نحن نلقى جنازة، وفي كل يوم نسمع منادياً، وفي كل يوم نرثي لمعول، وفي كل يوم نعد بالياً، ومزقتنا ياموت كل ممزق، وعرفنا ياموت منك الدواهي، ويرن الهاتف ويأتي صوت ذاك البصري النبيل والممثل الجميل (بلال منصور): مات (نزار كاسب).
ذلك الممثل البصري الكبير، وتوالت الاتصالات لتعلن خبر الوفاة من فتية مخلصين كانت لهم على المسرح العراقي مواقف اقل مايقال عنها أنها جريئة عرت الواقع واخترقت المسكوت عنه في يوم عز فيه القول الصريح، فهذا (طالب البديري) و(أمجد السعد) و(علي عادل) و(أحمد عبيد) و(نصير نمير) و (حيدر حميد)و (لقاء صبيح) و(عبد الزهرة) و(وسام) و(عبد العظيم)و (هشام): مات نزار كاسب… فنان بصري يشبه العشار في هدوئه وابي الخصيب في طيبته، بل يشبه تمرة نخلة بصرية جلست على قارعة الطريق بين المشراق وساحة سعد والكواز وكل مقاهي البصرة الشعبية ولياليها الحزينة، انا لا أشك في أنها الان تسأل عنك.
فنان في حله وترحاله وعلى مقاعد المعهد وكلية الفنون الجميلة يدرس ويشاكس، ويمثل ويغامر، وعلى جداريات الجامعة الثقافية يكتب الرأي الحر(باخوسياته) الجرئية. كان حاضر البديهة. نافذ البصيرة النقدية في الكتابة والتمثيل والاخراج، وان كانت كلماته وحركاته تأخذ شكل المفارقة الكوميدية الساخرة، روحه تعيش الغربة وسط الاهل والاحبة لكن قلبه لم يعد ملكه، فنان بالوعي والفطرة، يكره الوجوه الاقنعة والسنة العجين المتشكلة حسب الظروف والازمنة.
كنت هناك يا نزار يا من قالوا عنه مجنوناً كنت هناك، لم يدخلك أحد كي ترى نوراً من منع عنك الاحلام كي لا تسري الى قلبك الطيب؟
على مسرح الرشيد في بغداد عام 2001 وقف (نزار كاسب) وهو يؤدي دور المجنون العاقل، والى جانبه يقف السحرة المبدعون المتصوفون (علي عادل – بلال منصور- نصير نمير –أمجد السعد- طالب البديري- علاء عبد الحسين- لقاء صبيح- وسام – حيدر- سيد حيدر حميد)، وخلف الكواليس وفي روح العرض، يعزف (محمد كريم وقيس عودة) لحن الولادة والنهاية والتحدي في مسرحية (كاروك) للكاتب المبدع (عبد الكريم العامري) ، ويناديك(أحمد عبيد) من خلف الكواليس، ويواجهك بمقعده المتحرك (عماد تومان)، وتخاطبك بقلبها النابض ووجدانها النقي (خلود جبار) وينتظرك ايضاً (سيف الدين وجمال والدكتور مضار الاسدي)، ولا يخرج نزار الى الكواليس، ويصر على أداء المشهد المثير رغم ان التابوت بين يدي النجار بدأ يكتمل، ويقول نزار: (الى القبر أدفن كل امل حلو، كيف سأدفن قلبي؟ قل يا هذا.. قل لمن أرسلوك ان الناس جياع.. الناس تموت بلا ذنب.. لا ذنب لنا الا لأن عراق الاهل وضعناه بلب القلب، قل لمن أرسلوك ان تراب هذا البلد مسك نعشقه حد الموت وان بلاداً باركها الله لاينسفها الانسان، لم نموت اذاً؟!.. لم يا أرض؟! لم يا كون؟! لم ياملائكة السماء؟!) هكذا صرخ (نزار كاسب) الممثل الروحي المدهش، ويتقدم نحو المنصة الامامية للمسرح، بعد ماعمل على ديكورها التشكيلي والشاعر (صدام الجميلي) ويقول :(نون.. والموت وما يغتصبون).
كان بأدائه السهل الممتنع والعميق حد كسره للقواعد الكلاسيكية والنمطية للتمثيل، منذ عرفته طالباً في معهد الفنون الجميلة في البصرة، ثم كلية الفنون الجميلة في البصرة ايضاً، كان جل اهتمامه مسرح نقي يوازن بين المنهجية والتجديد، لكن المواجهة كانت من أهم ماينشده ويدعو له ، ربما البعض سخر منه، ما كان يهمه هو الحقيقة العارية دون تزييف، وكان هكذا في أغلب الاعمال المسرحية التي اشترك فيها سواء تلك التي قدمت على مسرح المعهد او الكلية، أو تلك التي قدمت على مسارح البصرة وبغداد في عدد من المهرجانات المحلية، وفي أغلب ادواره التي لعبها بمهارة واتقان كان يضع امام عينيه لحظة التصادم وتغريبية الاداء فكان في مسرحية (ملابس العيد) للشاعر الكبير (كاظم الحجاج) والتي قدمت في منتدى المسرح في بغداد وحاز على جائزة افضل ممثل يبتسم في عمق الماساة ويصرخ ساخرً لاستنهاض الروح الخفية في ليل البصرة الحزين وربما كانت مسرحية (كاروك) للكاتب المبدع (عبد الكريم العامري) تختصر وفريق العمل والمخرج أمانيه واحلامه والمسكوت عنه انذاك وقد تعرض نزار كما تعرض فريق العمل بأكمله لاستفسارات واسئلة خرجت عن اطارها النقدي لتصب في بوتقة اخرى لاعلاقة لها بالعرض المسرحي ذاته، لان الحوارات وعلى لسان نزار الذي أدى دور المجنون كانت دلالات وايحاءات يفترض ان تقال همساً واذا بها تأتي مدوية عميقة جريئة صريحة..
أما آن لهذا الوطن الجريح ان يستريح؟.. الهي ألا تأمر عزرائيل ان يتوقف عنا لحظة؟.. ارجوكم يا أهل الارض ردوا لي عيالي، ويانار كوني برداً وسلاماً على اهل الدار.. ما بك لا تأمر عزرائيل ان يتوقف عنا؟.. الرحمة يارب .. أيها المغني الحزين.. يامن عشق المدينة واهلها، وعاش للمسرح ولم يذهب باتجاه أي لون واي شكل واي اتجاه يبعده عن مسرحه، فالحب والمسرح عند نزار شيء واحد لا ينفصل.. هل مات الطفل الباكي؟.. ياطفل البصرة المشاكس هناك على ضفة النهر، يقول ( عبد الكريم العامري) في رائعته الخالدة (كاروك) : ( رأيناه بين يديه الضياء.. أيا نهر هلا رويت الطفولة.. فهذي الجيوش تحاصر كل الخيام).
ويقول (علي عادل) ، وهو يمثل دور النجار: ( لا لم يمت فكاروكه ابيض كالجناح). هل مات نزار؟.. لا .. لم يمت .. لكن نزار قتلته الحسرة في اخبار البصرة. ( نزار كاسب) لم يمت، ولكن قتلته الحسرة في اخبار البصرة. قتلته الحسرة في اخبار البصرة. نزار كاسب: – ولد في البصرة عام 1962، وعاش فيها – درس في معهد الفنون الجميلة في البصرة وحصل على شهادة البكالوريوس في كلية الفنون الجميلة- جامعة البصرة – شارك في العديد من الاعمال المسرحية والتلفزيونية – شارك في عدد من المهرجانات المحلية والعربية – اصبح رئيس اتحاد المسرحيين في البصرة عام 2004-2005 – عضو نقابة الفنانين العراقيين – من اهم اعماله( قمر المدينة)، (باب الفتوح)، (ملابس العيد)، (كاروك)،(الحر الرياحي) واعمال اخرى. – كان مدرباً للفنون في انشطة جامعة البصرة افتقدته الساحة الفنية العراقية في 26/5/2009.