بقاموس مغاير، وبنبرة مترعة بشجن ثمانينات القرن الماضي، يفاجئ الإعلامي مصطفى الأغا المتلقي في مجموعته القصصية الجديدة – القديمة «جياد بلا صهيل»، التي تبرز ملامح من سيرة مبدع شاب، وجد في القصة ملاذه للبوح، وصدى روحه، قبل أن يجتذبه «صدى الملاعب»، ونداهة «الساحرة المستديرة».
تبدو بالفعل «جياد» مصطفى الأغا «بلا صهيل»، فغالبية شخصيات المجموعة القصصية متداعية، أو على حافة الانهيار، تصل إلى خط النهايات منهكة، مستشعرة أنها لم تحقق شيئاً، ولم «تحرز أهدافاً» في الحياة، فتلقى مصرعها بأقراص منومة، أو بغرغرينا «عبثية» في الرأس، أو بجيوش من الصراصير، والسعيد الحظ منها يعيش بحلم ضائع، أو هارباً من مرارات بالجملة.
ربما يتساءل قارئ ما: هل هذه بالفعل «جياد» الأغا، الإعلامي الذي ينثر البهجة على الشاشة، أم «جياد» سواه؟ تجيب مقدمة المجموعة عن ذلك السؤال وسواه، إذ يحاول القاص فيها أن يزيل فيها ذلك اللبس الذي قد يحدث، ممن يتصور أنه سيجد في «جياد بلا صهيل» وجهاً باسماً يطالعه في مساءات كثيرة على شاشة «إم بي سي».
فالقصص السبع التي تضمها المجموعة كتبت قبل 25 عاماً، والحال غير الحال، والواقع العربي مختلف، وحتى شخصية الأغا الشاب نفسها، تبحث عن سكة اكتشاف في هذه الحياة.
آثر مصطفى الأغا أن يترك القصص «بعبلها»، كما كتبت للمرة الأولى، وخالف نصائح الأصدقاء والمقربين ممن حاولوا أن يجعلوه ينقّح ويهذّب قديمه، لكن ابن الخمسين من العمر، رأى أن يكون باراً بابن الخامسة والعشرين، وقدمه كما هو بلا أي رتوش جديدة، حتى ولو أدى ذلك إلى أن يجد ناقد ما في بعض قصص المجموعة ترهلاً ورومانسية عفا عليهما الزمن.
يقول مصطفى الأغا في مقدمة المجموعة التي صدرت حديثاً عن دار مدارك للنشر، في 92 صفحة «قبل ربع قرن كتبت ما ستقرأونه، وكان عمري يومها ربع قرن، وما بين لحظة ولادة تلك الكلمات وهذه اللحظة تغير الكون كله، وتغيرت أنا معه. قبل ربع قرن كنت أتحسس خطوات مستقبلي الذي هو الآن، يومها كنت أحلم بأشياء تصورتها ستجلب لي السعادة، وبعد ربع قرن أجدها مجرد أحلام وإن تحقق بعضها إلا أنها ليست بالضرورة من أسباب سعادتي»، مضيفاً: «نعم سأترك الكلمات كما هي رغم نصائح بعضهم الكثيرة بأن أتدخل وأغير من أجل صورة أبهى وجزالة أقوى. وتذكرت أن الصدق هو أساس البوح فإن تدخلت به لن يكون بوحاً، بل تحريفاً».
يستهل الأغا مجموعته بقصة «الرجل الذي أكل حلمه»، ويصدرها بكلمة للراحل نجيب محفوظ: «إن لم ينقرض الجهل من بلداننا فسيأتي السياح ليتفرجوا علينا بدلاً من الآثار»، وكذلك يفتتح أقاصيصه الأخرى بمقولات لروائيين وشعراء آخرين، من بينهم غسان كنفاني، ومحمد الماغوط، فهل كان في ذلك إشارة من مصطفى الأغا إلى «آبائه المبدعين»، من أرشدوه إلى جمال الحرف، وغواية السرد وحكاياته؟
بينما تكون الخاتمة القصة التي تحمل المجموعة عنوانها: «جياد بلا صهيل»، المقسمة إلى 10 مقاطع، والتي كما العادة تنتهي بـ«نوم أبدي»، وموت معهود ربما في المجموعة الحافلة بالحزن والهروب، وكأن الشخصيات لا تمتلك خيارات أخرى، خصوصاً أن بعض «جياد» الأغا حاولت الركض، وجربت أن تصهل، لكن بدا صهيلها ضائعاً في ظل واقع شديد القسوة، أو هكذا رأته «الجياد»، ومن صنعها على قلمه عندما كان في الخامسة والعشرين، وربما يكون في دفاتر صاحبها جديد يعثر عليه عما قريب، أو حتى بعيد.
الامارات اليوم