أنه لمن التعسف أن نقول بأن قصيدة النثر العربية بما جاءت به من تمرد على التفعلية العربية وجميع تعقيداتها نمط غربي مستورد البناء بكامل سماته وشروطه دون أن تكون ثمة مهيئات تأريحية واسباب نابعة من صميم الادب العربي وفرت له الارض الصالحة لان يتبلور فيه لا سيما فيما يخص المحاولات التي جانبت الاوزان والقواافي في تحقيقها للشعرية فضلا عن الجهود التجديدية التي أقتحمت التعقيد الخليلي وهندسة بنائه .
فالقصيدة العربية لم تستطع الخروح من هذا التعقيد الا مؤخرا وذلك لانها كانت تنحو نحو القافية وكان لهذا النظام دوره الفعال في تجسيد العملية الايصالية وتقويمها نحو التلقي السماعي ولما كانت الممارسة الشعرية القديمة في قدر كبير منها استجابة لنظم حياتية بسيطة أكثر مما كانت تجسيدا للافكار والرؤى والمفهومات والقيم العرفية فقد كان من السهل تعقيدها في هذا النظام الايقاعي، ولم يكن استحداث تعقيدات الانماط المتأخرة الا عدولا نحو احتواء أوسع للقيمة الالقائية – السماعية ، وكان هذا العدول بحد ذاته أمارة لعدم كفاية البحور الخليلية وتعقيداتها بوصفها لواقع التذوق المتجدد.
ففي بداية القرن العشرين واواسطه أدت التغيرات الجذرية التي طرأت على وضع الانسان العربي الى قلق تجاه الشكل الشعري الذي ظل محافظاً على القواعد العروضية الخليلية، حيث إنطلقت المحاولات التجديدية في التعقيد الايقاعي الموروث، للسعي نحو إيجاد تعقيدات أكثر مرونة وأستجابة لواقع التذوق، فكان ظهور الشعر المرسل أولى هذه المحاولات التي كان مضمارها بالدرجة الاولى ( تتبع الاوزان والقوافي في القصيدة الواحدة) (1)
وما سعى اليه رواد شعر (التفعيلة الجديد) الذي عدته نازك الملائكة خطا (شعرا حرا) دون ان تسلم من النقاد في فهمها الخاطئ (2)، فكانت فكرة أكثر جدية وصرامة في تجاوز بنية التعقيد العروضي الخليلي وأكثر مرونة لذوق الواقع المعاش، فقد إنطلق رواده الى مصادرة القافية ، وتجاوز نظام البيت الى نظام السطر الذي لا يلتزم بعدد محدد من التفعيلات، ولا ينطوي على وحدة مستقلة في حضورها ودون أن تكون قابلة للتجزء ، فما حاولوه قدر الامكان نحو القصور على البحور الصافية.
والى جانب شعر التفعيلة ظهر في أواسط الخمسينات نمط جديد من الشعر سمي(الشعر الحر) بتأثير من الشعر الحر الانكليزي(vers liber)، وهو بحسب مفهومه الدقيق والنابع من الشعر الانكليزي –هو الشعر المتحرر من القوافي والتعقيدات العروضية، ولكنه لا يتوانى عن التقرب منها- ، محافظا على نظام السطر الشعري(3)، الا أنه عندما أنتقل الى الادب العربي زال ذلك الجانب الذي كان يدنو فيه العروض بين الحين والاخر تماماً.
وابرز رواده هم (توفيق الصائغ ، جبرا أبراهيم جبرا، محمد الماغوط)، وانماز هذا الشعر بثراء الخيال واللغة الايحائية الشفيفة، وبرزت فيه التقابلات الصورية الغنية بالمثيرات الحسية ورصد الموضوعات البسيطة، كما وأتسمت بحضور الرؤية بعيدا عن الابهام، وأتسم أيضا بالايجاز وعدم الايغال في طرح الفكرة).
عليه يكون (الشعر الحر) من أكثر الانماط الشعرية مجاورة في خصائصه لـ (قصيدة النثر) وأشدها قرباً منها ، وهناك في الانكليزية من يجعل قصيدة النثر جزءا من حركة عامة بأتجاه الشعر الحر(4)، لذا فقد كان الخلط بين النمطين وارد جدا في الدراسات العربية المعاصرة، ولعل أصحاب قصيدة النثر أحسوا بهذا التقارب والتداخل والخلط فبينوا مبكرا في معرض تفنيدهم لنازك الملائكة التي إختلط عليها النمطان حينما أستهدفت محمد الماغوط في ديوانه(حزن في ضوء القمر) مستصغرة من شأنه (( إن نتاج محمد الماغوط شعر حر وليس بقصائد نثر))، وما ذلك الا لان نازك تفهم الشعر الحر كما هي تكتبه أي أن يكون تغييرات في التفعيلات.
وعلى الرغم من هذا التقارب بين قصيدة النثر والشعر الحر يمكننا أن نضع شرطان للتفريق بينهما هما:
1- إن (قصيدة النثر) تجسد الفكرة عبر تكرار صورها وما يحفز ذلك هو إنقسامها الى مشجرات عنقودية، في حين (الشعر الحر) يعبر عن كلية القصيدة في تجسيد الفكرة وهذه الكلية تتحقق من خلال إنثيال مكونات الفكرة بصورة مستقة.
2- إن (قصيدة النثر) تتجاوز نظام السطر الشعري بحسب ما تمليه عليها طبيعة الفكرة فهي تعتمد على نظام الفقرة، في حين أن (الشعر الحر) يحافظ على نظام السطر الشعري وينأى قدر المستطاع عن اي خروج من التقسيمات والتجزيئات وذلك بهدف الابقاء على تواصل إنسياب الفكرة وعدم إقتطاعها.
(1) محاولات التجديد في الشعر العربي المعاصر- طراد الكبيسي.
(2) قضايا الشعر المعاصر- نازك الملائكة.
(3) الوزن والقافية والشعر الحر- ج،س، فريزر.
(4) النثر والشعر الحر- كلايف سكون.
فالقصيدة العربية لم تستطع الخروح من هذا التعقيد الا مؤخرا وذلك لانها كانت تنحو نحو القافية وكان لهذا النظام دوره الفعال في تجسيد العملية الايصالية وتقويمها نحو التلقي السماعي ولما كانت الممارسة الشعرية القديمة في قدر كبير منها استجابة لنظم حياتية بسيطة أكثر مما كانت تجسيدا للافكار والرؤى والمفهومات والقيم العرفية فقد كان من السهل تعقيدها في هذا النظام الايقاعي، ولم يكن استحداث تعقيدات الانماط المتأخرة الا عدولا نحو احتواء أوسع للقيمة الالقائية – السماعية ، وكان هذا العدول بحد ذاته أمارة لعدم كفاية البحور الخليلية وتعقيداتها بوصفها لواقع التذوق المتجدد.
ففي بداية القرن العشرين واواسطه أدت التغيرات الجذرية التي طرأت على وضع الانسان العربي الى قلق تجاه الشكل الشعري الذي ظل محافظاً على القواعد العروضية الخليلية، حيث إنطلقت المحاولات التجديدية في التعقيد الايقاعي الموروث، للسعي نحو إيجاد تعقيدات أكثر مرونة وأستجابة لواقع التذوق، فكان ظهور الشعر المرسل أولى هذه المحاولات التي كان مضمارها بالدرجة الاولى ( تتبع الاوزان والقوافي في القصيدة الواحدة) (1)
وما سعى اليه رواد شعر (التفعيلة الجديد) الذي عدته نازك الملائكة خطا (شعرا حرا) دون ان تسلم من النقاد في فهمها الخاطئ (2)، فكانت فكرة أكثر جدية وصرامة في تجاوز بنية التعقيد العروضي الخليلي وأكثر مرونة لذوق الواقع المعاش، فقد إنطلق رواده الى مصادرة القافية ، وتجاوز نظام البيت الى نظام السطر الذي لا يلتزم بعدد محدد من التفعيلات، ولا ينطوي على وحدة مستقلة في حضورها ودون أن تكون قابلة للتجزء ، فما حاولوه قدر الامكان نحو القصور على البحور الصافية.
والى جانب شعر التفعيلة ظهر في أواسط الخمسينات نمط جديد من الشعر سمي(الشعر الحر) بتأثير من الشعر الحر الانكليزي(vers liber)، وهو بحسب مفهومه الدقيق والنابع من الشعر الانكليزي –هو الشعر المتحرر من القوافي والتعقيدات العروضية، ولكنه لا يتوانى عن التقرب منها- ، محافظا على نظام السطر الشعري(3)، الا أنه عندما أنتقل الى الادب العربي زال ذلك الجانب الذي كان يدنو فيه العروض بين الحين والاخر تماماً.
وابرز رواده هم (توفيق الصائغ ، جبرا أبراهيم جبرا، محمد الماغوط)، وانماز هذا الشعر بثراء الخيال واللغة الايحائية الشفيفة، وبرزت فيه التقابلات الصورية الغنية بالمثيرات الحسية ورصد الموضوعات البسيطة، كما وأتسمت بحضور الرؤية بعيدا عن الابهام، وأتسم أيضا بالايجاز وعدم الايغال في طرح الفكرة).
عليه يكون (الشعر الحر) من أكثر الانماط الشعرية مجاورة في خصائصه لـ (قصيدة النثر) وأشدها قرباً منها ، وهناك في الانكليزية من يجعل قصيدة النثر جزءا من حركة عامة بأتجاه الشعر الحر(4)، لذا فقد كان الخلط بين النمطين وارد جدا في الدراسات العربية المعاصرة، ولعل أصحاب قصيدة النثر أحسوا بهذا التقارب والتداخل والخلط فبينوا مبكرا في معرض تفنيدهم لنازك الملائكة التي إختلط عليها النمطان حينما أستهدفت محمد الماغوط في ديوانه(حزن في ضوء القمر) مستصغرة من شأنه (( إن نتاج محمد الماغوط شعر حر وليس بقصائد نثر))، وما ذلك الا لان نازك تفهم الشعر الحر كما هي تكتبه أي أن يكون تغييرات في التفعيلات.
وعلى الرغم من هذا التقارب بين قصيدة النثر والشعر الحر يمكننا أن نضع شرطان للتفريق بينهما هما:
1- إن (قصيدة النثر) تجسد الفكرة عبر تكرار صورها وما يحفز ذلك هو إنقسامها الى مشجرات عنقودية، في حين (الشعر الحر) يعبر عن كلية القصيدة في تجسيد الفكرة وهذه الكلية تتحقق من خلال إنثيال مكونات الفكرة بصورة مستقة.
2- إن (قصيدة النثر) تتجاوز نظام السطر الشعري بحسب ما تمليه عليها طبيعة الفكرة فهي تعتمد على نظام الفقرة، في حين أن (الشعر الحر) يحافظ على نظام السطر الشعري وينأى قدر المستطاع عن اي خروج من التقسيمات والتجزيئات وذلك بهدف الابقاء على تواصل إنسياب الفكرة وعدم إقتطاعها.
(1) محاولات التجديد في الشعر العربي المعاصر- طراد الكبيسي.
(2) قضايا الشعر المعاصر- نازك الملائكة.
(3) الوزن والقافية والشعر الحر- ج،س، فريزر.
(4) النثر والشعر الحر- كلايف سكون.
عن/ منتدى مطر