بسم الله الرحمن الرحیم ..
(( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنينَ* وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ* ما أُريدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُريدُ أَنْ يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتينُ )).صدق الله العلي العظيم
تبين هذه الاية الجليلة الهدف من خلقة الانسان في اتساع اهمية الارتقاء الروحي بالعبادة والتوحيد وبين ضرورة المادة للاعانة على الحياة في بناء الحضارات البشرية الممكن ان يفتخر الله عزوجل بمن بناها عدلا وقسطا وسلاما، وبذلك نفهم مغزى حركة الامام الحسين عليه السلام ونهضته الاصلاحية للبشرية والعصور عامة، ترجمة للقران واستكمال سيرة جده(ص)، ونعرف ان السلام وهو شعار الاسلام وقاعدته المتمثلة بالسلام وردّ السلام كواجب، فنهج سيد الشهداء في دعاء عرفة يوضح هذا المنهج ويتبين اسباب نهضته عبر بيان التوحيد والعبودية لله عزوجل دون البشر وتزكية الانفس كضرورة لحرية الانسان في العلم والمعرفة، رافضا الجور والعدوان والظلم كيما لا يكون ذلك منهجا انسانيا، وهو يدعو به الى يمين من جبل الرحمة كدلالة لرحمة الله عزوجل على البشرية والتي هي ملخص حركة سيد الشهداء استكمالا لمنهجية مكارم الاخلاق لرسالة السماء :
( اللَّهُمَ انْتَ مُتَعالِي الْمَكانِ، عَظِيمُ الْجَبَرُوتِ، شَدِيدُ الْمُحالِ، غَنِيٌّ عَنِ الْخَلائِقِ، عَرِيضُ الْكِبْرِياءِ، قادِرٌ عَلى ما يَشاءُ، قَرِيبُ الرَّحْمَةِ، صادِقُ الْوَعْدِ، سابِغُ النِّعْمَةِ، حَسَنُ الْبَلاءِ، قَرِيبٌ إِذا دُعِيتَ، مُحِيطٌ بِما خَلَقْتَ. قابِلُ التَّوْبَةِ لِمَنْ تابَ الَيْكَ، قادِرٌ عَلى ما أَرَدْتَ، وَ مُدْرِكٌ ما طَلَبْتَ، وَ شَكُورٌ إِذا شُكِرْتَ، وَ ذاكِرٌ إِذا ذُكِرْتَ، ادْعُوكَ مُحْتاجاً، وَارْغَبُ الَيْكَ فَقِيراً، وَافْزَعُ الَيْكَ خائِفاً، وَأَبْكِي الَيْكَ مَكْرُوباً، وَاسْتَعِينُ بِكَ ضَعِيفاً وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ كافِياً. احْكُمْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا، فَانَّهُمْ غَرُّونا وَخَذَلُونا وَ َدَرُوا بِنا وَقَتَلُونا، وَنَحْنُ عِتْرَةُ نَبِيِّكَ وَوُلْدِ حَبِيبِكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، الَّذِي اصْطَفَيْتَهُ بِالرِّسالَةِ وَ ائْتَمَنْتَه عَلى وَحْيِكَ، فَاجْعَلْ لَنا مِنْ أَمْرِنا فَرَجاً وَمَخْرَجاً بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ).
منهجية ثقفت الامة قبل واقعة الطف فكانت دعوة لاصلاح الامور بما هيأه الامام الحسن عليه السلام ومن ثم باتت منهجا عمل علي الامة بدء من الامام زين العابدين بعد ان تعمدت مسيرة الاسلام بدم الحسين واهل بيته والقديسين من صحابته، نص وان كان مرسلا بالدعاء ولكنه يبن توضيحا لاعظم صراعٍ يشهده التاريخ الانساني منذ ان خلق الله ادماً، كان صراعاً على كرامة الانسان، انهاء الظلم وانهاء الجوع وانهاء الحاجة وانهاء العاطلين عن العمل وانهاء الذل وانهاء كل ما له صلة بالجهل والتخلف والتطرف والتعصب والجوروالعدوان والبغي وسفك الدماء، ولهذا سفك دمه واهل بيته وهو يعرف بذلك ليوقض الضمائر من أجل انهاء سيرة الارهاب من حياة الامة وكي يهتم ابناءها بالعمل والعلم والمعرفة والتوحيد والعبودية لله عزوجل، فكانت مبادئه بمنهجيته الاصلاحية تجليات من اجل حضارة اسلامية انسانية حقة .
نهضة الامام الحسين عليه السلام الاصلاحية اختصرت باعلانها مبادئ رسالات السماء لنهضة البشرية من آدم إلى يوم استشهاد الامام الحسين معاني للحياة وفلسفة تبيان الحق والباطل، وبما كان لهذا التبيان من رموز وانبياء ورسل واوصياء ومصلحين منذ أدم مررورا بابراهيم وموسى وعيسى ونبينا الخاتم وحتى استشهاد سيد الشهداء، لتبرز رموز الشيطان والابالسة الارضيين بالمقابل من قابيل ونمرود وفرعون وكسرى وصغاة قريش حتى تجسد الشيطان بعناوينه في يزيد بن معاوية، هذه الحادثة التي اختصرت لنا الطريق لاستقراء واستنطاق كل التاريخ حتى يعيننا في تحدياتنا الحضارية في كل زمان وفي كل مكان وذلك بما سجلته كربلاء من معاني الحضارة وأسسها ومقوماتها وأسبابها، وإلا لو كان ممكن للدنيا أن تكون من غير قيم لآثر الحسين عليه السلام مخالفة ما سنه الله عزوجل وله وبقى سالما .
الحسين عليه السلام ..
عظيم تقبله الاخر بكل عناوينه واضاعته أمة جده بكل عناوينها
رجل بات الخط الفاصل للوحي بين حسن العاقبة التي انفذت زهير بن القين المحارب لابيه ليكون شهيدا بين يديه وبين سوء العاقبة للشمر المقاتل مع ابيه ليكون المرتد على العقاب في مقاتلته، فلا تثقوا باعمالكم وادعاءاتكم، فهناك سوء العاقبة وحسنها فاحذروا..
هذا المتدلى من القاب قوسين او ادنى صلبا ونسبا ووصية ليتحمل ارث هابيل الشهيد، ويعنون بملحمة سفينة نوح لنجاة الامة بعد طوفان الجاهليات، والمفدى لجده اسماعيل في الذبح العظيم، ومصداق رواية التوراة ذبيحة القديس على الفرات، وهو وحي التذكر لتكرار التاريخ لراس يحيى ليوضع بين يدي بغي هدية، وذلك المتوشح بالام المسيح وامه في رؤيا يوحنا تؤام فكرة انقاذ البشرية وبذرة يقظة امة بعد رد الاعقاب دوما تعيشها الاديان انتهاء بالاسلام .
إن لدم الحسين في كربلاء مؤشراً خطيراً ونهجاً قويماً كيف لا، وما للدم من عبر، وما من دم قديس سال إلا وله آثاره كدم هابيل وأنبياء بني اسرائيل حتى دم تلك البقرة التي أمر الله بذبحها أو دم ناقة صالح التي بسببها دمدم على قومه وسواه، فما بال دم الحسين أطهر خلق الله في زمانه ألا يمكن على دمه أن تقوم علوم وتبنى حضارات، فالحسين عليه السلام ليس للتجارة والاستهلاك المادي فهو الخط الفاصل بين السماء وما اراده الله عزوجل لخير البشرية ونحن نحمل بشرف هذه الرسالة، إن دم الحسين سال عندما تصدعت أركان الحضارة المتمثلة في محورية الانسان واستقامة القانون وعدالة الحاكم والمسؤولين. عندما تحولت بمحو شخصية الانسان وجعل المادة هي المحور بانحراف القانون وتبديل الاحكام للمصالح ونشر بالمشانق وقطع الرؤس بالنفاق قبل اشباع جائع وكسو عريان وايواء يتيم وتوقير عاطل بعمل كريم، فبهذه العوامل وليس فقط بجور الحكام وفسقهم انحدرت البشرية وما زالت مع الاسف، فاحذروا ثقافة يزيد وان كنتم معارضين لها كيلا يثور عليكم الحسين عليه السلام وان ادعتم به، بهذا تتبين عصور الجاهليات مرارا ومرارا وان كان الحكام مسلمين او من يلصق على نفسه عناوين مقدسة، لتكون القيمة المادية هي صفة الجشع لتضطهد الانسانية اذلالا وفسادا ولتكون شعارات الحريات نفاقا، والحرية لفظاً يقال وحروفاً تكتب في ثوب مهلهل على جسد الزعامات، .. فتتحطم القيم وتتساقط منازل المرجعيات الحقة للهداية وتمسخ الطبيعة البشرية من القيم والاخلاق وان كانت الوانها جميلة دون فهم علمائي معرفي مرجعي بسبب حب الدنيا والوجاهة والتصدي والكراسي بالضد من مراعاة حقوقه الفطرية التي ينشدها الله عزوجل فيما أودعه في الانسان، ثقافة عمياء انتجت عالما منقلبا على الاعقاب لصفاة شبحية مستكبرة تجيز لنفسها ما لا تجيز لغيرها لتكون اسهل نتائجها وليس اعقدها كما تعيشون اليوم سفك الدماء بشعارات محرفة اسلامية وما اتصف بالارهاب بانواعه دون استثناء .
اعجاز حركة نهضوية تتمثل في طف حضارة وتنمية انسان منذ ان وقعت الى يومنا هذا ومسرحها ضحايا شوارع الاوطان التواقة للحرية وفي بدان مغتصبة ودول زعامات حاقدة ومدن رجالات عبدت العروش وتركت الله الواحد الاحد، وامة عاشت ردة الى عصور جاهلياته فاضاعت الحقيقة بسبب عقول جاهلية قبلية متحجرة متعصبة متطرفة طائفية ليدركه الاخر برجاحة العقل غربا وشرقا، فصنع غاندي الّاديني مدرسة منه لينتصر في بناء هند متحضرة وسنه لينكلن فكان الهاما له لتحرير العبيد وجاء الاديب الكبير اليهودي مدير مكتبت الكونكرس الامريكي شاعر امريكا الاول كونتيس ليجعله رمز التحضر وياتي منديلا ليتخذه ملهما له لتسامحه ويصنع مجد افريقيا الجنوبية دون سفك دما وتحفيز محبة بسبب ما الهمه له الحسين ببكائه على من يقصد قتله، وهكذا وهكذا ..
هكذا بنى العظماء بلدانهم فكانوا احرارا، وليصنعوا احرارا وتكون بلدانهم منفذا للحب والنجاة القادم المنتظر للبشرية، وان لم يكون مسلمين او من يدعون بالحسين عليه السلام، ولكنهم جعلوا الحسين حبهم الحقيقي ورمز افكارهم النهضوية ..
فماذ فعلنا ونحن المدعون احرار بمكارم اخلاق رسالة محمد ومدعون بمنهجية الحسين عليه السلام سبطه المقدس، فكانت الاساطير كوابيسا ونفاقا وبات الاسلام ارهابا ومليشيات وعنصرية فضاعت البلدان وازهرت المشانق ووردت الشوارع بالضحايا ..
بماذا استجبا للحسين وريث الانبياء ومعاناته وتضحياتهم بعد ان اعطانا كل شيء من نفسه وعائلته وابنائه، لا يمكن ان استوعب نفاق من يقول اني اخذت الدكتوراه في حب الحسين وهو لا يعلم انه اهان الحسين ونفسه وعقول البشرية لان الحسين اكبر من شهادة يحصل عليها واعظم من بحوث مؤتمر،ولم يزرع شجرة في شارعه او يعطيفكرة لنهضة بلده .
ان الطف بسيده وواقعه ووقعته السماوية لا يريدنا ان ننتحر بل ارادنا ان نبني ونستكمل الرسالة واخراجها من بوتقتها التي تحمل المظهر الحيوي متفاعلين بجوهرها الانفعالي وبالتالي نفهم كيفية إنزال القيم السماوية إلى أرض الواقع اسسا واهدافا وستراتيجة من أن نجعل الإصلاح هو غايتنا ونقدم الى الانسانية الأفضل، وهذا لا يتم الا اذا فهمنا منطوق سيد الشهداء في اعلانه : (ألا وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي) ..
اخواني وساتذتي الحسين عليه السلام، انه القديس الذي صنع لنا سبيلا الى بوابة النور ولكن اعيننا عمياء واحاسيسنا في وادى الهوى وليست في عالم الهدى .
دعونا لا ننشغل باناس جننهم حب الحسين مهما كان تعبيرهم عن حبهم ان كانت شعائر حقا او شعارات مجردة، هؤلاء عبروا عن ما يريدون، ان لطموا وان طبروا وان ضجوا بالبكاء، وان اطعموا زائرا فقد اكل جياع لايام في سفرة الحسين، وان كان من قام قام بذلك لوجاهة او لثواب فالمهم هناك يتيم شبع وجائع اكل وعريان بجهد فردي تم اكسائه، ليس حديثنا هذا، بل سؤالنا ماذا فعل من ادعى من التنوير والثقافة والتنظير لترجمة رسالة مكارم الاخلاق الانسانية التنموية الحضارية المحمدية الحسينية على ارض الواقع، من موظف ادى واجبه ومن نظافة تزهر بها الشوارع ومن معامل وجامعات منتجة ومن امان وثقة وضمير يقظ ، تحملوني لاقول الى الان لا نلمس منها شيئا.
ان الحسين عليه السلام يا سادتي يوقظ الضمير ويطهر العقول ويزكي النفوس ويرفع عزة الفطرة البشرية وينظف الطبيعة الانسانية، هذا هو الحسين عليه السلام فماذا فعلنا بهذا الاتجاه، فان لم تستشعر هذه المعاني فلسنا حسينيون مهما قلنا ومهما عقدنا من مؤتمرات واقمنا من منابر ..
ان الاسلام لا يحتاج الى حسين ثاني فهذا نفاق كما انه لم يكن هناك ابراهيم او موسى او عيسى او محمد صلوات الله عليه ثانيا، بل كانو مكملين اهدافا لترتقي وهذا مغزى نهضة الحسين ارثا ووصية من جده ما بعثت الا لاتمم مكارم الاخلاق فكان الحسين الوصي الامام بواجهة يزيد الطاغية الشيطان، فلايحتاج عليه السلام لجور عليه ولا عدوان لانه ليس من مبادئه الاصلاحية لان المقابل هو عنصر الجور والعدوان فكانت الرسالة واضحة لاحياء الاسلام الصحيح .
في عصرنا هذا الخطير والذي تعددت فيه المذاهب وكثرت فيه الفرق وكل يدعي الحق وهي أبعد منه، فلابد من تحسس لوعة الحسين عليه السلام ونحن امام حضارات يمكننا ان نستفيد منها لحضارتنا وانسانيتنا ونضيف لها، دون ان ندعي به بجمود، وهذا لا يتم الا بتحسس وتعقل ما قاله وهو يتوسد تراب العراق المقدس في كربلا ، : (أيها الناس أنكم أن تتقوا الله وأن تعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله عنكم ونحن أهل بيت محمد صلي الله عليه و آله أولى بولاة هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدَّعين ما ليس لهم والثائرين فيكم بالجور والعدوان).
ان الوعي بذلك ولو بدرجات بعد درجات تمثل الدنيا بالخير والأمان والتسامح والاصلاح والعدل والحرية والسلام، وحينها تكون تاسيسا الى الحضارة الإلهية واستقبال القائم عليها فيحق عندها نعجيل فرجه من الله عزوجل، ها هو منهج الحسين عليه السلام اما خلاف ذلكفلم يكن منهج الجسين ولا الحسين بل عودة يزيدية نمرودية قابيلية فرعونية كسروية سفيانية ولكن بنفاق جديد بثوب المقدسات وربما بثوب الحسين عليه السلام، وهذا هو المنهجج الذي بفسر بين من يريد صنع نخبة لهدف قاصر على الدنيا وبين منهج يصنع امة فيفوز بالدنيا والاخرة ..
واخيراتمنياتي ان دم الحسين وروحه ان تبارك هذا الحضور وهذا المؤتمر وان يتم المساهمة بافكار ومقترحات وصياغة ورقة عمل تدعم وجودنا في بد هوبالمقاييس الدنيوي اعظم بلد بعلومه وتقنيته وهامش الحرية التي يتمتع المواطن فيه وهو فرصة للعقلاء كيما ننفع انفسنا مع الله عزوجل اولا وعوائلنا ومجتمعنا وبلدنا الذي ننتمي اليه فضلا عن ديننا ومذهبا.
واسال الله لي ولكم الخير والتوفيق والسلام والصحة والامان.
وفي اخر المطاف شاكرا اخواني في الهيئة التحضيرية لهذا المؤتمر على ثقتهم بتكليفي بكلمة الافتتاح وانا الاصغر من بينهم، وانا الاحقر في موكب الحسين عليه السلام، داعيا العلي القديران تكون هذه الخطوة رحم ولادات لخطوات بناءة قادمة لبيان الامام الحسين عليه السلام معاصرا
واخر دعونا الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة اللهوبركاته
الاحد 29/12/ 2013 م 25/ صفر/ 1443 ه
ميشكن/ ديربورن/ ميشكن/ فندق دبل تري
بهاء الدين الخاقاني