سعد عباس
“الى جدّي وأصدقائه الراحلين”
(1)
إذا استطعْنا الحبّ في الخريفِ
يُصبِحُ الحبُّ ممكناً في سائرِ الفصولْ
وليسَ هناكَ أشدّ التباساً
من الحبِّ في فصلِ الحنينْ
وجدّي يُسمَي الشتاءَ حنيناً/ فأسألُهُ/ فلا يُجيبُ/ أسالُهُ/ فيصرُخُ في وجهي/ أرى في الصراخِ نساءً من جهاتِ الأرضِ/ فارسيّاتٍ كما النوقُ طولاً ومثل السفينةِ وَصْفاً/ بأثوابٍ من الزِنْجَار المزخرفِ بلونِ الزعفرانِ والعقيق/ وشاميّاتٍ على مقاسِ اخضرارِ الروحِ/ رُمّان ِ البابليينَ في كلِّ فَتْحٍ
وكانَ جدّي مَلِكاً في أساطيرِ سلالتِنا
لكنّ أعمامي خلعوهُ من العَرْشِ،، بُعَيْدَ وفاةِ أبي،،
مُشِيعِينَ أنّهُ زيرُ نساءْ.
(2)
جريمةُ جدّي الوحيدةُ أنّهُ كانَ واضحاً أكثرَ مما يجبْ
والناسُ في سلالتِنا اعتادوا الملوكَ غامضينْ.
(3)
وكانَ بيْتُنا ملاذَهُ الأخيرَ/ أذْكُرُهُ فأنسى بيتَنا المتثائِبَ بعدَ الغروبْ
ماذا سيحدثُ للفجْرِ لو لم أَنَمْ؟
وما معنى أن أعاقَبَ بالنومِ المبكّرِ؟ / لن أنامْ
ويُقلِّبُ جدّي موجةَ المذياعِ/ يَضْبِطُها على “كوكبِ الشرقِ”
صدى صوتِهِ يُوقظُ الجيرانْ:
اللهْ… اللهْ
وحينَ ينامُ تلتقطُ “الدربونةُ” أنفاسَها وتنامْ.
(4)
ولأعرفَهُ جيّداً يلزمُني استدراجَهُ لنقطةِ ضعفِهِ/ أبكي
وجدّي يموتُ لو بكى يتيمْ
فيفتَحُ أقفالَ خزائنِهِ مُرَدّداً حكمةً لا يَتذكّرُ قائلَها
“على الأرضِ ما يستحقُّ الحياهْ”.
(5)
ولطفلٍ كُنْتُهُ أنْ يفتَحَ عينيهِ على اتِّساعِهما
أكلُّ هذه الدنيا وراء “دربونَتِنا”؟
فكيفَ تقولُ أمي بأنَ العالمَ ينتهي عند رأسِ شارعِنا؟.
ويلزَمُني أن أكونَهُ لأرى نفسي/ أرى الناسَ والأماكنَ والدنيا
مدناً جالَها وتقمّصتْ نساؤُها الواضحَ الكليَّ فيهِ
موانيءَ تغفو على خواصرِ خلجانٍ وبحارْ
أرصفةً يكرَعُ البيرةَ عليها
جنودٌ عائدونَ من حربٍ
وينتظرونَ أخرى
حاناتٍ، وملاهيَ، وشواطيءَ يمسحُ المدَّ رمالَها
وأرى وجهَ امرأةٍ بملامحَ لا تُشْبهُنا
ويُقسِمُ جدّي أنها بنفسجةٌ لأجْلِها أدمنَ أفلاماً ليس يعنيهِ منها/ سوى ما تمنحُهُ بنفسجةٌ لعاشقِها حينَ يبلغُ العِشْقُ ذُروَتَهُ.
(6)
فيا أوّلَ الأصدقاءِ/ جَدّي
ما كان يحدثُ لو لم تغادرْني
قبيلَ استوائي مَلِكاً/ شديدَ الغموضْ؟.
—————————-
كانون الثاني (يناير) 1991