بغداد – جواد الحطاب (عن موقع العربية):
“عندما تفقد المرأة حبيباً تكتب قصيدة، وحين تفقد وطناً تكتب رواية.. ترى أي كتابة ستلخصني اليوم وقد رزقت بالفجيعتين معاً؟ أنا التي خسرت كل شيء، فغني بذكري يا بلادي – أطوار”.
كأنّ أطوار بهجت السامرائي المولودة لأب سنيّ وأم شيعية (1976-2006) قد لخصت بكتابتها هذه حياتها الفاجعة بكاملها؛ فنشرت مجموعتين شعريتين (غوايات البنفسج – على جناح ليلة) ونشرت رواية يتيمة هي (عزاء أبيض).
وبين الحب والحرب وقفت مراسلة العربية على مشارف المدينة التي تنتمي إليها (سامراء) في محاولة أخيرة لنقل صورة بيضاء عن المدينة التي ارتدت الدم والرماد بعد حادثة تفجير (الإمامين العسكريين)، لكنّ القتلة كمنوا للحقيقة في جسدها فأردوها قتيلة وليتردد خبر مقتلها عبر كل وكالات الأنباء العالمية (نعت قناة العربية مراسلتها أطوار بهجت -30 عاما- والمصور خالد محمود الفلاحي -39 عاما- ومهندس البث عدنان خير الله -36 عاما- معتبرة أنها تدفع مرة أخرى ضريبة السعي وراء الحقيقة).
يكتب الناقد جاسم العايف “من المؤكد أن المصير الفاجع الذي آلت إليه أطوار، ونواح شقيقتها، الذي لا ينسى، وما تعرض له موكب تشييعها إلى مثواها الأخير لن يمحى أبدا من الذاكرة بصفته مشهدا واقعيا مأساويا تختص به دراما الحياة العراقية الراهنة، مشهد لا ينجو منه يومٌ من أيام العراقيين”.
في حين اعتبر مرصد الحريات الصحافية “قتل الزميلة أطوار بهجت مرحلة تحول في نوع الاستهداف ضد الصحافيين العراقيين”. ويضيف رئيس المرصد هادي جلو مرعي لـ”العربية نت” أن مقتلها يمثل فاجعة غير مسبوقة بسبب الطريقة التي قتلت فيها، برغم أنها كانت تقوم بتغطية صحافية محايدة، وقد شكلت الحادثة تلك تحولا في طريقة الاستهداف ونوعه وطبيعة تأثيره السلبي على وجود الصحافيين ووسائل الإعلام في العراق”.
آخر رسالة Live
قبل 3 أيام من حادثة استهدافها تقدمت أطوار بمقترح وافق قسم برامج العربية عليه؛ وهو أن تشتغل قصة عن ” قلعة كركوك “الأثرية لبرنامج “مهمة خاصة”، ولأن المدينة حالها حال مدن العراق التي غرقت في العنف والاغتيالات، كان عليها – والفريق المساند – أن تبيت الليل في مدينة السليمانية القريبة من مدينة كركوك وتعود لتصوير القلعة في النهار.
حتى إذا تواردت أخبار تفجير ضريح الإمامين علي الهادي وحسن العسكري في مدينة سامراء؛ اتصلت طالبة أن تقوم بالتغطية كون كركوك أقرب إلى سامراء من بغداد، وكونها ابنة المدينة وتعرف أهلها جيدا على عكس باقي زملائها في المكتب؛ وأمام إصرارها وسخونة الخبر تمت الموافقة مع التأكيد بأن سلامتها وسلامة الكادر أهم من أية قصة خبرية.
لم تسمح لها السيطرات ولا لسيارة البث من الدخول، فكان عليها أن تظهر على نشرات الأخبار من المناطق القريبة من مركز الحدث؛ وفي آخر Live على نشرة أخبار السابعة بتوقيت دبي اختتمت أطوار كلامها بقولها “رسالة يبدو العراقيون أحوج ما يكونون إلى تذكرها، سنياً كنت أو شيعياً، عربياً أو كردياً لا فرق بين عراقي وعراقي إلا بالخوف على هذا البلد، من على مشارف مدينة سامراء العراقية.. أطوار بهجت – قناة العربية “. ولينقطع البث بعدها مرة واحدة وإلى الأبد.
بنادق آلية وأصابع سوداء
في اعترافات أحد المشتركين بالجريمة، قال أثناء التحقيق الذي بثّته قناة عراقية رسمية “كان مسؤول التنظيم يراقب ردود الأفعال على تفجيرنا للمرقدين لإثارة الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة؛ وكانت أطوار من على شاشة العربية تؤكد أنه لا الشيعة ولا السنة لهم مصلحة في الحادثة؛ فأمرنا أن نذهب لقتلها؛ فركبنا سارة بيك آب.. أنا ومعي اثنان برشاشات بي كي سي وكان المكان الذي تظهر منه معروف لدينا فقصدناه”.
ويسترسل المجرم “كان بقرب سيارة البث مواطنون ما أن ترجلنا بأسلحتنا حتى لاذوا بالفرار؛ ومباشرة فتحنا النار على المذيعة وعلى الذين معها فقتلناهم وعدنا بعد تنفيذ الواجب”!
نهاية عام 2003 أجرت جريدة “الوطن” العمانية حوارا مع أطوار باعتبارها صوتا شعريا يبرز بعد الاحتلال قالت فيه، “سقوط بغداد غيّر طريقتي في كتابة الشعر؛ وأمنياتي أن يبقى العراق عراقا.. أحتاج عراقا أبكي على صدره”.
العراق الذي أرادت أن تبكي على صدره هو من يبكي على ذكرى “عذراء الصحافة ” في كل 22 من فبراير.
العزاء لزملائها في قناة العربية وفي الإعلام العراقي.