صدرت حديثا (آذار 2014) في إيطاليا باللغتين العربية والإيطالية عن درا آريانّا للنشر والتوزيع مجموعة شعرية صوفية جديدة للمُبدعيْن والشاعرين أسماء غريب وسعد الشلاه تحت عنوان ((تانغو ولا غيْر)). ويتكوّن الديوان من ثلاثين قصيدة كُتبت كلّها في العراق وإيطاليا بين أواخر شهر آب وتشرين الأول من سنة 2013، وقد سهرتْ الشاعرة والمترجمة أسماء غريب على ترجمة النصوص من اللغة العربية إلى الإيطالية وعلى رسم اللوحات الإحدى عشر الخاصة بعددٍ معيّن من قصائد المجمُوعة بما في ذلك لوحة الغلاف.
والدّيوان بقصائده الثلاثين هو عبارة عن حوارية شعرية صوفية بين الشاعر سعد الشلاه والشاعرة أسماء غريب بدأتْ بقصيدة ((نون الحنّاء)) وانتهت بنصّ ((قلْبي وقلبُكَ يسْجُدان))، وهي أيْ الحوارية ليسَتْ بصوت الشّاعرين فقط، ليسَتْ بصوت الرّجلِ ولا المرأة فيهِما، إذ لا أنوثة ولا ذكورة تعْني القارئَ أو تعْنيهمَا هُنا، لأنّ هذه المجموعة الشّعرية وإنْ كتبَها شاعرٌ من أرض بابل، أرضِ الحضارات والحرفِ الأوّل والكتابةِ الأولى، وشاعرة تُقيمُ بين البينينِ وتسكُنُ البرزخيْن والمكانيْن، إلا أنّها في حقيقةِ الأمْرِ وجوْهره كُتبَتْ بروح واحدةٍ، هي روحُ العشقِ والهيام الإلهي المُطلق أو الرّوح التي انمحق فوق زئبق مرآتها العشتارُـ تموزيّة كلُّ أثرٍ وعرَض لما اعتاد الناس على تسميته بتاء التأنيث أو صفةِ التّذكير، وذلك لما تحقّق بين الوَعْي الإبْداعي للشّاعرين من انسجامٍ وتوافقٍ جعلَ كلّ عرضٍ للذكورة والأنُوثة ينمَحي بينهُما، وجعَلَ كلّ طَرفٍ منهُما يصبحُ مُلهِما ودليلا للآخر: اسمع مثلا هنا ما تقوله روحُهما الإبداعية على لسان الشاعر سعد الشلاه:
“اقتربي منّي أكثر
فقد تعلمتُ منكِ كثيراً وختمتُ الأسرار
وتأملتك مليّاً فاقتربي منّي أكثر” .
واسمعْ نُونَ حنّائهِمَا هُنا ماذا تقولُ على لسانِ الشّاعرة أسماء غريب:
“عُدْ إلى البحْر الزّمردي وحرّكْ جرسَ السؤال مرّةً ومرّاتٍ
ولا تبقَ واقفا عند برزخه الأوّل، أعني البرزخ المالح،
غُصْ في العُمق العميقِ، عُمق البحْر العجيبِ الحُلو المذاقِ.
اسمَعْ كلامَ الحاجِب إذن ولا تسألْ عنّي أحداً في البحرِ
غيرَ صاحبِ القيّومية الملكِ القدّوس
السلامِ المؤمن المهيمنِ.”
واقرأ هُنا سعد الشلاه وهو يردّ عليها مُدخلا القارئ في دوّامة من التيه والسّؤال عمّن يكونُ المُرشد أو الدّليلُ الروحي للآخر، أهِيَ أم هُو؟
” ابكي يا ملكتي وبلّلي خرقةَ الشوق
البهيج التي ارتديتها بالأمس
ستكونُ ودمعُكِ تميمة للصفاء واليقين
أبعدي رأسَك عن الياقوت، وإنْ كان يليق بك
وابكي ودعي تاجَكِ الشوكيّ المكللَ بالآهاتِ وبالآلام
يطوفُ حول أوتارِ الكمنجاتِ أجمعين
ابكي فدمعتك الأولى بينك وبيني
والثانية بين الألف والسين
والثالثة لا تكشفيها لأحد سواي
والبقيةُ انثريها على البحار والأنهار
فستنبعثُ روحي باكيةً من جديد
لتقبّلَ كفّيك ثم تسجدُ عند عتبة النور .”
أسماء غريب وسعد الشلاه يُجَسّدان معا في ديوانهما الجديد هذا رُوح الإنسان، أيْ الرّوح التي ستنْبَعث باكية لتسجُد عند عتبةِ نور الخالقِ كيفَ لاَ وهما يقولان معاً في قصيدتهما الأخيرة:
“أرى أننا أخيرا لا نسمع إلا هُو
ولا نرى إلا هوَ
ولا نتحدث إلا عنه هو
لذا، فالصمت لي ولك بعد اليوم
سيكون خير رسول
يدندن ويقول للعاشقين من بعدنا:
ليس لكُم إلا هو،
يا من لا يُعلم ما هُوَ،
ولا كيف هُوَ، ولا أين هُوَ،
ولا حيثُ هُوَ إلا هُوَ.”
هذا يعني أنّ الدّيوانَ الذي بين يديك هو صياغة جديدة لمفاهيمَ عدّة ربّما نسيَها الإنسان المعاصرُ في غمْرة الهمّ اليومِي وغمْرة التشتُتِ والفوْضَى التي بَاتتْ تتضخّمُ بداخلِه في كلّ لحْظة بشكلٍ أكثرَ وأكبر. وتبقى إعادةُ النّظر فِي المعْنَى الحقيقِي لأنُوثة الكوْنِ ونُقطةِ جَمَالِه هيَ منْ أهمّ الإشكاليَات الوُجُوديّة التي تطرحُها هذه المَجموعة الشعرية، عبْرَ توظيفِ العديدِ منْ الآليات الأدَبيّة والأسَاليب والصّور المَجازيّة بشكل يمتزجُ فيه الشّعري بالعِلمِي، والأسْطوري باللاهُوتي، والقُرآني بالتّراث الحُروفي، والمُوسيقِي بالتّشْكيلي، والإيرُوتيكي بالفلسَفي.