القصة:
أمواج..
أمواجُ الكآبة تغمره.. خرجَ باحثاً عن الفرح في شوارع مدينته المتأهبة لاستقبال العيد، وجده بقايا أشلاء على وجوهٍ هدَها الأسى و القهرُ.. فجأةً تتساقط من حوله القذائف، يهرول إلى بيته، يصل، يغمره فرحُ نجاتِه.
*****************
الدراسة النقدية:
قراءة سيميائيّة سرديّة وتحليل الخطاب:
تأطير النص: أنا – هنا – الآن… والموج العبثي يقذفني.
ال”هو”، ضمير الغائب في النص يحيل إلى الأنا المغلقة برعبها على نفسها. وال”هو” يستدعي ال”هُم”، لمطلقي القذائف، وال”هُم” للوجوه الآسية المقهورة. إزاء هذين الضميرين للشخص الثالث، تبرز ال”هي” للوجوه.
ال”هنا” في شوارع المدينة حيث الرعب والأسى والقهر، وحيث البحث غير المجدي عن فرح ضائع ومستَلَب، يقذفه إلى الملجأ الأخير حيث انطلق بداية، وهرب اكتئابًا، إلى بيته. هنا المدينة وهناك البيت، بعد أن استهلّ بالخروج من هنا البيت إلى هناك “المدينة” فبقي عالقًا بين الهنا والهناك، بين الهو والهي، بين الإفراد والجموع. لا يلوي على شيء، لأن الموج يتقاذفه مطيحًا بكل مكان، مهدّمًا كل حلم بالاستقرار.
الآنية في الزمن الحاضر تطغى على الحدث وتغلق على كل أمل بالمستقبل أو استرجاع لزمن جميل انقضى. هو الحصار والانكسار. وتقزّم الحلم فيمسي لا يتعدّى عتبة الفرح بالنجاة. الفرح بأن تنجو النفس من الموت. زمن يتراوح بين الخروج من البيت والعودة إليه؛ بين السعي إلى المدينة حيث الفرح المأمول، والعودة منها حيث الحلم المبتور. هو زمن العيد الموءود…. ولا شيء غير النفي والانحلال والانغلاق في هذا النص . سُدّت كل المنافذ ولا شيء سوى الأمواج في لجّة الخيبة والخَذلان والتوَهان.
أراد ال”هو” ركوب موجة الفرح، فوقع صريع موجة الحزن الذي رآه يدثّر كل الوجوه حوله.
هو نص ينغرس في الراهن، ويتجذّر في النفس المتسائلة عن مصيرها. هو نص ذو خطابين اجتماعي ووجودي يعلن عبثية الحروب ومفاعيلها المدمّرة، يعلن استلاب الأحلام، وانهزام إرادة الشعوب، وإفلاس المشاريع ولا تحقّقها، ومأزومية الإنسانية في مآزقها الوجودية. هو الموج عنوان شديد الإيحاء يضمّ جميع التناقضات والتضادات، يحتويها ويمحوها، فتتلاشى كل المعالم وتزول كل الحدود: الأبيض والأسود، العلو والانخفاض، الفرح والحزن، الهنا والهناك، الهو والهم، الساحات والبيوت، السماء والأرض، الوجه للذات/ الأنا والوجوه للهُم/ الآخر، الموت والحياة، الثبات/ الجمود والهرولة/ الحركة، الكيان والبعثرة والتشظّي/ الأشلاء، العيد ومباهجه والجنازات وأتراحها.
هو النص المرآة العاكسة للهنا والآن، تعكس في الوقت عينه كل زمان من تاريخ البشريّة المدمّى بالحروب، وجحيم الذات المتنازعة بين الألم والأمل، المرفوض والمنشود، والعالقة، بصراعها الأبدي، في مسعاها للمشتهى من الأحلام.
……………………….