ها قد شارفت معارك المنافسة بين المسلسلات التونسية على النهاية، وبدأت التحاليل والانتقادات تتهاطل على رؤوس المخرجين والمؤلفين والممثلين، ورغم أن الدراما التونسية عرفت نقلة نوعية من حيث الجرأة في طرح المواضيع وتقديم الممثلين لأدوارهم. وقد سلطت المسلسلات التونسية الضوء في رمضان 2015 على الارهاب والتطرف وداعش من جهة وفساد السياسة ورجال الأعمال والمجتمع من جهة أخرى.
فمنذ ثورة الشعب التونسي ضد نظام الرئيس الأسبق المخلوع زين العابدين بن علي، في يناير/ كانو الثاني 2011، تشكل في تونس مشهد سياسي واجتماعي جديد، انعكس على عالم الفن وقصص الدراما والمسلسلات لتصبح مرآة لواقع تونس.
فمسلسل “ناعورة الهواء 2” عالج طرح قضايا المافيا المتسترة وراء التشدّد الدّيني، وفضح تمويلات الارهابيين المتأتية من السياسيين أساسا، وكشف اختراق أجهزة الأمن، خاصة في جو تسوده الحرية والتعبير. ويعتبر مسلسل ناعورة الهواء الأكثر إيجابية من بين المسلسلات لأنه فكرة من صلب الواقع غير مقلدة وغير مقتبسة وأنصفت الطبقات الفقيرة وأنصفت حضور المرأة وبينت قيمتها ودورها في المجتمع التونسي، لدرجة أنه أخرج المرأة في دور الرئيسة.
نعم إن الدراما التونسية تعيش صحوة وتعيش طرحا جديدا، يعكس واقع المواطن التونسي، ومخاوفه وقضاياه.
وهناك أيضاً مسلسل “ليلة الشك” الذي يطرح مشكلة توتر العلاقات الزوجية وتأثيرها في العائلة والخيانة وتداعياتها، لكن الجمهور انتبه إلى أن فكرة المسلسل مقتبسة عن فيلم مصري قديم “الجلسة السرية”، وليس منتوجا فنيا تونسيا جديدا.. للأسف.
أما سلسلة “نسيبتي العزيزة” الهزلية، فقد نزلت هذه المرّة إلى لقطات هزيلة لا تضحك، فمازال المخرج والمنتج والمؤلف وحتى الممثل يظن أن صورة البدوي والريفي الأحمق والمرأة الريفيّة ولباسها الملون ولكنتها ولهجتها الغريبة مضحكة للعالم، في حين نسوا أنهم يستهزؤون يوميا بالطبقة الكادحة والفقيرة في تونس.
أما مسلسل أولاد مفيدة الذي لاقى نسب مشاهدة عالية ولم يقعد شخص في مقهى دون الحديث عن تفاصيل المسلسل، إلا أنه هول تصرفات الشبّان التونسيّين وصورهم كسارقين وخاطفين ومدمني “حشيش” وغير متعلمين، في حين أن الشباب التونسي أغلبه من ذوي الشهادات العليا. كما شاهدنا في المسلسل لكمات الابن لأبيه والزّوج لزوجته وتعنيف المرأة بشكل بشع أخرجها في صورة المسكينة والمسلوبة الإرادة في حين أن المرأة التونسية من بين أكثر نساء العالم العربي التي تتمتع بحقوق تقترب إلى المساواة مع الرجل، فكيف لها أن تقبل ذلك.
وقد تناول مسلسل الريسك أيضا موضوع الارهاب والتهريب والقتل واختراق الأمن والداخلية.
أما الصدمة الكبرى فقد كانت في نصف رمضان، عندما انطلق بث مسلسل حكايات تونسية، في النصف الثاني من رمضان المعظم، حيث تمحورت أحداث المسلسل حول قصص نساء تونسيات، مقتبسة من مسلسل نساء حائرات، لكن هذه المرة يطرحها المنتج سامي الفهري بأكثر جرأة وأكثر ابتذالا. وقد أثار المسلسل منذ أولى حلقاته جدلا واسعا في تونس نتيجة طرحه لقضايا الدعارة والمتاجرة بالبشر بطريقة مباشرة وفذة، مقدما صورة المرأة التونسية الضعيفة التي تتعرض للاستغلال خارج المنزل وإلى اعتداء الزوج لفظيا ومعنويا داخله، وهذا يختلف مع واقع المرأة التونسية المتحررة.
الجديد في المسلسل التونسي حكايات تونسية أنه يأخذ بعدا عربيا حيث شاهدنا في حلقاته الأولى وجوها فنية من لبنان ومصر كظهور الفنانين القديرين فاروق الفيشاوي ومحمود عبد العزيز والنجم الصاعد أحمد فريد، وهي خطوة جديدة في الدراما التونسية التي تبحث عن قفزة تجعل كل أنظار العالم حولها شأنها شأن الدراما العربية.
ولم يسبق وفقا للنقاد ان سلطت مسلسلات تونسية الضوء على الطبقة الثرية كما يفعل المنتج سامي الفهري في كل رمضان، فتونس فيها الفقير والغني والأمي والمثقف إلا أن المنتج يركز فقط على حي موجود في آخر ضواحي تونس دون أن يرى ما يحصل في أريافها.
وقد انتقد نشطاء على فيسبوك وتويتر المسلسلات، حيث علقت الإعلامية عفاف الغربي بالقول إن ما يعرض “دعارة فنية”، فيما رآى البعض الآخر ضرورة تغيير القنوات في حال وجود أطفال كي لا يعتبروا الممثلين قدوتهم، وقد علقت إحدى الفنانات عن صدمتها لرؤية زميلاتها في مسلسلات فاضحة.
خلاصة القول، يشهد شهر رمضان تحولا من شهر العبادة والروحانيات إلى شهر تقديم أعمال يعتبره كثيرون مبتذلة وغير مألوفة، ورغم عدم توافق الشهر الكريم مع ما يبث ويعرض على القنوات إلا أن التنويع في طرح قضايا المجتمع العربي عامة وما تشهده الساحة السياسية والاجتماعية يعد انجازا جديدا وكشفا وفضحا لوقائع مسكوت عنها تعيشها شعوب ما بعد الثورة.
—