اسلام عادل
كانت ترى نفسها اجمل النساء, و اكثرهن شاعرية و ذكاء. الا انها و في ذات الوقت على يقين ان هنالك من يستطيع منافستها على عرش واحدة من هذه الخصال و ليست كلها مجتمعه..
تستطيع ان تنافس نجمات الافلام بالجاذبية و الجمال و قوة الشخصية, الا انها لن تدخل في منافسة من هذه النوع في خيالها الخصب الذي دائما ما يضعها في احلام يقضتها حيث تكرم على فيلم مثلته و استهوى العالم اداءها, و ذلك لان قوة شخصيتها يمنعها من الابتذال و السطحية التي ممكن ان تؤديها لمصلحة الدور.. فتابى الا ان تحتفظ بكرامتها و كبريائها و تنأى بذاتها لترى اداء الاخرين في السينما في العتمة بعيدة عن الانظار.
الا ان شاعريتها لم تؤهلها لتكن شاعرة يشار اليها بالبنان. لا تفهم لغة الشعر و لا تعرف بحوره و قوافيه و لكنها تحس ايقاع الكلمات الصادقة اذا ما سمعتها بسريرة طيبة. فحتى و ان لم تكن شاعرة, فأن لها احساس الشعراء الذي و بدل من ان تترجمه على الورق فأنها تترجمه بنظرات خجولة ما فتئت ترى خطواتها.
فتاة في التاسعة عشر من عمرها, اخبرتها القصص ان الحب جميل يدفع بالانسان الى المصارحة و المواجهه في احلك الضروف, و لا يعد الانسان يأمل شيئا غير الضفر بالمحبوب.
فالتقت بالحبيب على صفحات الكتب و رأت صورته كما لو كان نجما على صفحات المجلات. و قد تخلص من قيود الاوراق و جاء لمعانقتها.
صاحت امها لتقطع عليها سحر عالمها:
اين انت يا فتاة.
اقرأ قصة!
يالها من عوالم خيالية تافهة ترمين نفسك فيها.
من قال ان الكتاب يكتبون خيالا.
و ما يكتبون اذن؟
يكتبون عن الواقع الذي لا نراه!
ما لا تريه ليس واقعا و انما يسمى خيالا.
رائحة شوربة امها تشتت عوالمها و خيالاتها. ارادت امها و كما تفعل دائما ان تشتت خيالاتها التي تنسجها قصص احسان عبد القدوس. فكانت امها تميل لان تفتح غزل ابنتها قبل ان ينسج. امها امراه جدية وعملية تميل الى رؤية الامور المادية, و على صلابتها فأنها تعجز في اغلب الاحيان عن مجارة التفاصيل البسيطة في حياتها التي تتطلب القليل من التفكر و الروية, فتميل حينئذ الى استشارة ابنتها او الانهيار.
كانت الام تعتقد ان ابنتها تخفي عنها علاقة ما, علاقة حب! فليس من الطبيعي حسب ما تضن الام دون ان تدرك ان فتاة صغيرة و جميلة لم تقع في مصيدة احدهم, و بدل ان تصارحها بافكارها غالبا ما تلجأ الى شن حرب لا يعلم احدا دوافعها.
كانت تريد ان تدخل امها الى عالمها الصغير, و لكن سخام الموقد و جلي الصحون لم يكن عالما جذابا بالنسبة اليها. فتلجا غالبا الى عالم لا ترى به الواقع الذي كما ترى امها يجب ان تتقن التفكير به.
و رغم ذلك فكانت ترتطم بعالم امها بين الحين و الاخر في محاولة لتقوية الاواصر بين عالمين متنافرين:
اريدك ان تدعو لي!
بماذا؟
ان يعجل في نصيبي.
من هناك؟
لا احد!
و لما تريدين ان ادعو اذن؟
اعجبني احدهم؟
من هو؟
لا اعرف.
و كيف ذلك؟
اعجبني فحسب.
هل كلمته؟
هل تتوقعين اني من هذا النوع, و ما سأقول له! بتجهم و خيبة مال من سؤال امها المدجج بأشواك الشكوك.
انه فقط الرجل الذي اراه في خيالي! و لكن.
ماذا؟
اخاف.
لانك غبية.
بعد ذلك, قررت اخيرا ان تتخلى عن البوح لامها بعبارات لن تفقهها الاخيرة او تتأثر بها.. راحت تشكو حرقة الجوى الى وسادتها.
ارادت كثيرا ان تكتب لها لكي لا تندم لانها لم تحاول, لكن الكارثة التي منعتها هي ذاتها التي جعلتها تجفل عن ان تتقدم خطوة ذطية كما تفعل نجمات السينما في الافلام حين يحاولن الايقاع برجل, تمهيد الطريق, الغزل المبطن و ارتسام الابتسامات على شفتين مفرجتين.
و امام المراة كانت تتحدث عنه, تضع احمر شفاه لامع و تصارحه بحبها و هي ترفع اليه رأسها بين الحين و الاخر لتنظر الى قامته الطويلة في خيالها. و لم تكمل مصارحتها لها حتى اندفعت امها الى الغرفة موبخة اياها على عدم استجابتها لمناداتها الطويلة.
عادت الى القصص.. و بدات تبحث بين السطور عن سبيل الى لفت انتباهه و الفوز بحبه..
وجدته بين السطور يبحث عن فتاة احب فيها براءتها و انفتها, عن حبهما الافلاطوني الذي ترعرع بين اظافرها البريئة و على جبهتها التي تتجعد حين ترفع مقلتيها لتخطف نظرة سريعة.
كان يقلب عناوين القصص عن فتاة لا تعرف انها مفضوحة لديه و هي تبحث عن وسيلة لتبوح له بما يعرفه عنها قبلها.
جاء في اللحظة الاخيرة لينقذ ايمانها بذكائها الذي طمسته امها.
—