استكمالا لما قمت بة من قبل من حوارات ولقاءات ادبية مع نخبة من ادباء الوطن العربي, يسعدني أن يكون هذا الحوار هو رقم -3 – من الجزء الثاني من مجموع اللقاءات مع ادباء ومفكري الوطن العربي ..والذي اتمنى أن يكون بداية لسلسلة من الحوارات المتصلة في مختلف المجالات الأدبية والفكرية التي حظيت باسهامات لهؤلاء المبدعين
وهذا الحوار الثالث مع الكاتب الاديب الشاعرالاستاذ جويتار صديق ..وهو من خيرة المبدعين الكورد..واليكم نص الحوار :-
س :- كيف تقدم نفسك للقارئ ؟
– جوتيار تمر صديق( كوردي) من مواليد 14تموز 1972، ولدت في مدينة العمادية التابعة لمحافظة دهوك في كوردستان ، حاصل على شهادة الماجستير في تاريخ العصور الوسطى، اكتب مع البحوث بعض الاجناس الادبية كالنقد والشعر(قصيدة النثر) ، والقصة والمسرح والمقال بلغتي الام ” الكوردية” واللغة العربية.
س :- أنتاجك الادبي : نبذة عنة ؟
– ديوان شعر مشترك مع الشاعرة التونسية ضحى بوترعة بعنوان ” دم ميديا سقف قرطاج”.
– كتاب نقدي بعنوان قراءات نقدية لنصوص كردية مترجمة من الشعر الحديث (ترجمة ونقد).
– ديوان شعر صدر عن دار ضمة بمصر ( سيثل).
– مجموعة قصصية ومسرحية بعنوان ( موت اكبر من موت) عن دار ميزوبوتاميا في بغداد.
– مشارك في ديوانين شعريين من منشورات منتدى انانا الادبي بعنوان كتاب الانفلاتات ومراتيح البحر مع مجموعة من الشعراء على مستوى الوطن العربي.
– مشارك في كتاب سردي قصصي مطبوع والكتروني مع مجموعة من الكتاب صادر من موقع انانا الادبي.
– مشارك في اصدار نقدي صادر من موقع المثقف مع مجموعة من النقاد حول نصوص الشاعرة العراقية وفاء عبدالرزاق.
– مشارك ضمن كتاب مترجم الى الايطالية مطبوع من قبل منتدى من المحيط الى الخليج.
– مشارك في كتاب ابراهيم خليل ابراهيم الكاتب والانسان/ شهادات باقلام صفوة من الكتاب والمفكرين.
– مشارك في كتاب نقدي(واحات من الأقحوان العربي)مشترك مع مجموعة نقاد عرب حول نصوص لنخبة من الشعراء والشاعرات في الوطن العربي.
– مشارك في كتاب نقدي حول نصوص الشاعر الكوردي حسن سليفاني( جماليات النص وتنوع الخطاب) قراءات في منجز حسن سليفاني الادبي.
– مشارك مع مجموعة من الشعراء الشباب ضمن اصدار شعري باللغة الكوردية بعنوان ( هزريَن بىََ سنور) ” افكار بلا حدود” صادر عن جمعية الشعراء الشباب.
– بحوث تاريخية منشورة في كل من مجلة جامعة كويه العلمية ومجلة جامعة دهوك.
– دراسات تاريخية منشورة في المواقع الالكترونية.
ماذا يمكن أن تقوله شعرا للقارئ ولعشاق كلماتك؟
أمي.. أتساءل ..
…………………
أمي للزمن فيك تعب
يوزعك بين الألم والأمل
وبين هذا وذاك ..
مشهد النهاية يتدثر بكفن الجراح
حدثيني أمي عن ميراث الأرض الخراب
والشجن النائم في تجاعيد وجهك
عن أحفاد الحزن ……
وكيف جرحك البكر ..
يمنع أن يكون كفك في كفي
وتلك الأنهار النائمة
فوق ركام الردى
كأغنية ضاعت في زمن لم يأتي
هو صمتك المثقل ببكاء اليتامى
يتوه في شفاه تترنّح بأسرار الله
بصرختك لما تخاطبين الظلام
أي سحر هو صوتكِ ..
وأنت تراقصين الأنين
في غفلة من البكاء في المدى
وأنت الوحيدة تطوقين عنقك بقلائد الشجن
بين الليل والفجر
تكتبين حروفا من الماء
فوق جرحي المفتوح على الوحشة
أي ليل يحاورك ..
ينشر قميصه في الأفق
الممتد من شفاهكِ الى ماوراء البدء
س:- متي بدات في الكتابة الادبية؟ وهل تذكر شئ من محاولاتك الاولي؟ وهل وقف احد مشجعا لك علي الاستمرار ؟
اعتقد ان تحديد البدايات امر صعب جداً لاسيما فيما يخص الكتابة، لان مفهوم الكتابة نفسه يختلف من مرحلة الى اخرى، ومع ذلك يمكنني ان اعتبر سنوات مابين ( 1991- 1995 )هي البدايات خاصة ان المؤثرات والدوافع في تلك الفترة كانت كفيلة بخلق نمط كتابي لدي وذلك بسبب الهجرة الملونية التي تلت عمليات الانفال 1988 … حيث بدأتُ وقتها بصياغة بعض الاعمال التي كانت اشبه بخواطر موزعة بصريا بشكل يوحي بالشعرية.. مع كتابة بعض المقالات والقصص القصيرة التي كانت تعبر عن المرحلة العمرية والواقع العياني الذي كنت اعايشه واعاينه بصرياً وشعورياً واشترك في صياغة احداثه جزئياً.. واعتقد بان تلك الاحداث استطاعت ان تدخلني ضمن المنظومة الحياتية المثيرة للجدل بحيث بدأت تضعني في موقع المتمرد بنظر الاخرين.
اما من وقف مشجعاً لي ، اعتقد بان الاحداث التي كانت تعصف بنا وقتها كانت بحد ذاتها كفيلة بان تأخذ الريادة فيما يخص التشجيع فمن رحم الالم والوجيعة والاضطهاد يولد الادب.. وبالطبع هنا لااجحف بحق اللاالم واللاوجيعة بكونها ايضا تخلق ادبها الخاص.
س :- من هم الذين تاثرت بهم في البدايات ؟
كنت في ايام المتوسطة اقتني بعض الكتب التي كان والدي يمتلكها لاقرأها، مع ان اللغة العربية وقتها كانت تشكل عائقاً وصعوبة لي لكون لغتي الام هي اللغة الكوردية، ولكن مع ذلك لم تكن تلك المقتنيات لتشكل معالم التوجه الكتابي عندي، لانها كانت قصص و روايات تبحث في امور اعمق من التي كنت اخوضها في مرحلتي العمرية تلك، لذا وجدت ضالتي بعدها وبالاخص في مرحلة الاعدادي ( المعهد) في كتابات شعراء وادباء كبار، امثال بدر شاكر السياب وبلند الحيدري وعبدالوهاب البياتي وجبران خليل جبران وبعض الشعراء الكورد امثال شيركو بيكه س وعبدالله كوران وعبدالرحمن المزورى وريكيش ئاميدى فضلا عن الكتاب العالميين امثال ديوستفسكي والبير كامو وسارتر وكولن ويلسون وغوركي واخرين استطاعوا ان يثيروا في ملكة الكتابة اكثر، كما انهم بافكارهم جعلوني اعيش واقعي بحذر بحيث سيطر الرمز على اغلب كتاباتي.
س :- ماذا يمكن أن تقدمة في مجال القصة للقارئ ولعشاق كلماتك؟
كوجين في موكب الموت
……………………..
في المساء تدب الحياة بشكل جميل في كل شرايين القرى، حيث الطبيعة الآسرة تبعث بسحرها الأرجواني الروح من جهة، والغبار المتصاعد من الطرق الذي يعانق تلك الإشعاعات الحمراء بسبب عودة المواشي والأغنام من جهة أخرى، يرسمان لوحة سيريالية لاحدود لمنطقها.. وكوجين النضرة التي لم تزل في ربيعها الحادي عشر كلما هطل المساء على القرية تخرج الى السطح لتشاهد تلك المناظر الخلابة وعلى الرغم من كونها مصابة بالربو إلا أنها لاتقاوم المشهد فتصر على الصعود برفقة والدتها التي لاتستمع بالمشاهد بقدر ما تستمع من مشاهدتها لإبنتها وهي فرحة ومرتاحة .. على الرغم من قلقها الدائم على إبنتها من الغبار والمرض المفاجئ.
في إحدى مساءات ربيعها الأخير كانت هي برفقة إبنة عمها رانية التي تكبرها بثلاث سنوات على السطح تشاهدن مرور الأبقار في الطريق الضيق بجانب بيتهم، ومن بعيد كانت الأغنام تسير بانتظام يتقدمهم راعي مع كلبه الغريب بلونه حيث لا هو بُني ولا أسود إنما مزيج بينهما، والغبار كالعادة يعانق السماء بتفاصيلها، وفجأة خرق ذلك المشهد ضجيج المواشي وهي تطلق بعنان صراخها في الارجاء وكأنها تنذر بشيء ما آت من المجهول غير المفهوم..ارتبكت رانية وكأنها شعرت وسمعت أصوات غير التي آلفتها من قبل في تلك الأوقات..ضمت رأس كوجين الى صدرها..قالت كوجين ماذا يحدث رانية لماذا الحيوانات تركض هكذا بدون وجهة ولماذا هذه الفوضى تعم كل مكان..قالت رانية دعينا ننزل بسرعة حبيبتي فالحيوانات تخاف الأصوات الغريبة عليها..وما أسمعه أنا غريب علي أيضا وبث فيَّ الرعب فكيف هي التي لاتعي شيئاً..وهما ينزلان إذ بأم كوجين تصعد بسرعة وتأخذهما إلى مكان يسّمونه في القرى ملجأ وهو حفرة تحت الارض تم حفرها باتقان ومجهز بسلم خشبي يساعدهم على النزول والصعود وفوهة الجفرة يتم سدها ببعض أغصان الشجر والقصب أحيانا وتغطى تلك الاغصان والقصب بقطعة قماس أو بلاستيك ومن ثم يغطى بطبقة سميكة من التراب ومع أنه يبدو هكذا ثقيلا وغير قابل للحركة إلا أنهم وبطريقة ما تعودوا على رفعه وإغلاقه أثناء الحاجة.. كانت كوجين قد أصيبت بنوبة وأصبح تنفسها صعبا قالت رانية ليس الغبار السبب أظنه ذلك الدخان الذي وجدته بعدما صدر ذلك الصوت.
قالت أمها نعم بنيتي عيناك أيضا حمراوين …ردت رانية لاتقلقي عليَّ فقط لنأمل أن تكون كوجين بخير..حينها دخل والد رانية وهو يقول هل أنتم بخير ونظر إلى كوجين الطفلة اليتيمة وهي تكاد تتنفس فدمعت عيناه..ونظر إلى أمها كانت تبكي بصوت خافت وبدموع مخفية.. ورانية كانت قد ركضت إليه فضمها اإلى صدره..قال لاتخافوا لحظات وينتهي الأمر وسنخرج بعدها إلى الجبل..كان الصوت القوى هو صوت القنبلة ..أما الصوت الآخر الغريب فقد كان صوت الطائرات التي قصفت القرية بقنابل تصاعد منها الدخان الأبيض والذي أصاب أغلب أبناء القرية بحالة من الذعر والخوف.
كوجين كانت قد فقدت والدها قبل سنة..حيث دفن في العراء مع أصحابه لأنهم رفضوا اللحاق بالجيش.. فعاشت هي وأمها تحت رعاية عمها..الآخر الذي كان معاقاً وعاش لإبنته فقط بعدما فقد زوجته قبل أربعة عشر سنة أثناء ولادتها رانية لهذا لم يكن لكوجين وأمها غيره من يهتم بهما.
في الليل وبينما هدأت الأوضاع قليلاً صعدت أم كوجين (زينب)إلى بيتها المكون من غرفتين حيث تعيش هي وبنتها في واحدة والأخرى قد حولتها الى مخزن ومطبخ وهو بيت ترابي فقط يمنع عنهم الأمطار وبرودة الشتاء ويقيهم حر الصيف..فبدأت بجمع بعض الملابس وتجهز بعض الحاجيات الغذائية.. وما إن إنتهت هي حتى أخرج أبو رانية واسمه (بشده ر) الأطفال من الملجأ والتحقوا بباقي أفراد القرية الذين نجوا وساروا نحو الجبل القريب بالأخص إلى الكهوف لعلهم يتحصنون من الطائرات وقصفها..كانت كوجين قد عادت تتنفس قليلا إلا أنها لم تكن بوعيها تماماً لأن ذلك الدخان قد أثر عليها كثيراً فبدأت بعد مراحل من السير بالتقيؤ واحمرت عيناها بشكل حتى لم تعد ترى كما ظهرت على جسدها النقي بعض علامات الحرق..وجرى الأمر مع رانية أيضاً فنظر والد رانية إلى زينب وقال لها دع عنك الأغراض واحملي إبنتك وأنا سأحمل رانية وبعض الأغراض.. حينها سمع بشده ر صوت أحد أبناء القرية وهو يقول ساساعدكما وأنا سأحمل كوجين.. كانت الخطوات تسابق الزمن وتأمل بالوصول إلى الجبل وإلى كهف ما لعلهم يجدون بعدها علاجا للأطفال..خاصة أن الأطفال أغلبهم قد أصيبوا بنفس الأعراض حيث التقيؤ واحمرار العيون ومن ثم تدريجيا بدأوا يفقدون القابلية على الحركة..وفي منتصف الطريق نادى الشاب صديقه بشده ر أظنها لاتتنفس صرخت زينب إبنتي إبنتي ماذا حصل لها.. فالتم أهالي القرية وبدأ الصراخ وأصوات البكاء تتعالى كوجين كوجين كوجين…لكن كوجين كانت قد نعت الخراب وتركته وصعدت الى مأوى بلاشك سيكون أكثر أمانا واكثر راحة لها.. وما هي إلا لحظات حتى بدأ البكاء والصراخ يعم أغلب من كان معهم..لأنهم كانوا قد بدأوا بفقد أطفالهم..كان الكبار من شدة تعلقهم بالأطفال واهتمامهم بأمرهم قد نسوا بأن ذلك الدخان لايرحم ولايفرق بين صغير وكبير..الانفعال والمشاعر تلك أرهقتهم أيضا فبدأت الأعراض تظهر عليهم بالتتالي.. بدأت الأرواح تئن بصورة أظنها أجبرت السماء على أن تدمع..ولأن السماء من طبعها المكابرة أرسلت بزخاتها تطهر ذنب وقوفها عاجزة ومتفرجة لتلك المجزرة…بدأ المطر يهطل بغزارة..تجمدت الأجساد في أماكنها.. تلك الأجساد التي فقدت جزء منها..وبدأت تهيء مواكب موتها..أما البقية فأكملت مسيرها للجبل..مر الوقت سريعاً وفي الصباح الباكر كانت السماء لم تزل غائمة لكن المطر كان قد اكتفى..والطريق ذاك كان قد تحول الى مقبرة جماعية حيث لم يصل للجبل سوى أفراد قلائل وأغلبهم من الشباب أما الباقي فقد تحولوا إلى شواهد قبور على طريق كانت كوجين ورانية والآخرين في أيام نوروز يركضون عليه ليصلوا الى قمة الجبل للاحتفال ولم يعلموا بأنه سيكون في يوم آخر طريقاً يسير عليه موكب موتهم المنتظر.
الشاب الذي حمل كوجين صديق بشده ر واسمه اعتقد سردار كان ممن وصل الى الجبل، وعاد في الصباح ليعرف مصير صديقه وعائلته، وإذا به يصاببالدهشة ويصعق بالمشهد الذي رأه.. رانية قد وضعت رأسها على صدر أبيها الذي بدوره كانت إحدى يديه بين خصلات شعر إبنته، والأخرى ممسكة بيد كوجين وهذه الأخيرة كان رأسها في حضن أمها.. ركع الشاب ونظر الى السماء متمتماً أهكذا تكون النهايات..؟.
س :- أنت عضو في العديد من المنتديات الثقافية والادبية ولك موقع خاص باسمك – فهل استطاعت الشبكة العنكبوتية تقديم الانتشار والتواصل وصنع علاقة بين الاديب والمتلقي ؟
لايمكن انكار ما قدمته الشبكة العنكبوتية من ممرات للانتشار ومسالك للتواصل وبناء علاقة متينة بين الاديب والمتلقي، سواء أ كان المتلقي قارئاً لا اديباً ام اديباً قارئاً ولعل اجراء هذا الحوار معي جاء من اديب قارئ كان ممر التواصل معه هذه الشبكة، ولكن يبقى ان اذكر وجهة نظري تجاه الشبكة العنكبوتية وتلك العلاقات التي وجدت بانها سلاح ذو حدين فهي اما ان تجعل منك اديباً صاحب قيم او تحولك الى صياد ملتحي بالادب، وهذا ما يجعل من الشبكة العنكبوتية اشبه بمغارة يجب ان نلزم الحذر والحزم في اتباع مسالكها كي لانكون عرضة لاي آفة قد تطيح بنا.
وها هو رابط صفحتي للتواصل معي :-
https://www.facebook.com/jutyartamar.sadeq
س :- كتبتَ القصة والشعر والبحث والنقد الأدبي، أيا من هذه الفنون أكثر قربا منك؟ ولماذا؟
تحديد اي الاجناس الادبية هي الاقرب اليك من غيرها اشبه بمحاكمة علنية يقوم الكاتب بها، يكون هو فيها المذنب والقاضي، فكل جنس ادبي هو بمثابة هوية نمتلكها نرسم ملامحنا وملامح ما نود ايصاله الى غيرنا من خلاله، كما اننا نؤثث لعوالمنا الذاتية والبرانية من خلالها، ولكل من تلك الاجناس الادبية صيرورتها التلازمية والابداعية والابتكارية التي تمجد الانسان باعتبار ان الانسان لدينا كلمة واختيار، ولهذا سيكون الاختيار بينها نفي لبعض الجوانب الملازمة للكينونة التي يمتلكها الكاتب، ومع ذلك انا اجدني في مجال البحث التخصصي التاريخي اكثر من اي مجال اخر، اما في المجال الادبي اعتقد بأن النقد بات اكثر اتقاداً فيّ ، باعتبار إن النقد ليس سوى لحظة قراءة تشير إلى حقيقة أن الانتقال من النقد إلى القراءة معناه الدخول في عشق اللغة الخاصة، عشق الذات القارئة ، حيث يجد المتلقي في رغبة اللغة إمكانية للبحث عمّا هو مغيّب فيها مما يحقق لقارئ النص عشقا ولذة تدفع بالتفكيك إلى اقتراح قراءة متعددة الأوجه للخطاب والابتعاد عن اشتهاء الأثر الأدبي وفق صنمية نصية للمعنى، فالقراءة وحدها تعشق الأثر الأدبي هذا من جهة، ولعل ما قدمته من دراسات لبعض طلبة الدكتوراه والماجستير والتي الحقت باطروحاتهم ورسائلهم من جهة اخرى هو ما جعلني اشعر برغبة اقوى في كتابة النقد على باقي الاجناس الادبية ، مما يعني بالتالي قربه من اختصاصي الاساسي البحث والتاريخ، على الرغم من ان الشعر والقصة وحتى المقال لم تزل اعماقي تدغدغ بها بين الحين والاخر فاجدني انجرف نحو متاهاتها لاكتب انفلاتات هنا وهناك.
س :- هل تؤمن بأن الأدب قادر على المساهمة في صناعة رأي عام؟ وكيف يمكنه أن يقوم بهذه المهمة؟
ساقتطع بعض ما قاله الاديب ” د.ممدوح أبو الوي” حول رواية الام للاديب العالمي مكسيم غوركي” وكان غوركي أثناء كتابته للرواية المذكورة أحد نشطاء الحركة البروليتارية، فكلف عام 1906 بالسفر إلى أمريكا لجمع التبرعات لصالح العمل الثوري في روسيا، وأراد لينين أن يصبح غوركي أديب الحركة العمالية، واستطاع غوركي في روايته المذكورة، فضح النظام القائم على القهر والاضطهاد والاستغلال، فقدم لنا مأساة العامل ميخائيل فلاسوف، الذي كان يتعاطى شرب الخمر لينسى آلام حياته، ويتابع ابنه بافل فلاسوف العمل، ويعيش في البداية، بالطريقة ذاتها التي كان يعيش بها والده، وفيما بعد يعتنق الفكر الثوريّ ويغيّر حياته، وجعل غوركي الأمّ البسيطة الخائفة كلّ إنسان، كلّ شيء بطلة لروايته، إذ تتطور شخصيتها من زوجة وأم إلى أمّ مناضلة بعد موت زوجها، وترمز الأمّ إلى الوطن بكامله الذي ينتقل من مرحلة الخوف والتردد إلى مرحلة الثورة…”، واظن بان من يفكر بعمق في عمل غوركي سيدرك بان الاجتماعات والندوات والكثير من الاعمال الاخرى لم تستطع ان تساهم في نشر الفكر اللينيني مثلما ساهمت هذه الرواية في نشرها، وهذا بالتالي ما يجعلني اؤمن بقدرة الادب على فعل المستحيل لكن بشرط الوعي، حيث ان المجتمع الواعي وحده يمكنه ان يقدر الادب ويتحرك وفق تداعياته باعتبار ان الادب يمثل الاجتماع والاجتماع هو المحرك الاساس لمكون الادب.
س :- لك عدد من المطبوعات ، هل ترى أن حركة النقد مواكبة للإبداع؟
الحركة النقدية مواكبة بلاشك للابداع الادبي بكل تصنيفاته واجناسه، ولكنها في الوقت نفسه تعيش حالة من البحث عن الذات لكونها تصطدم في الكثير من الاحيان ببعض المعوقات الذاتية والانتمائية والشخصية مما يجعلها تعيد البحث عن نفسها ضمن منظومة نقدية عالمية تتعالى على تلك المفاهيم التي تعيقها، ولهذا فان الحركة النقدية ظلت تلازمية مرافقة للحركة الابداعية، لكنها بنظري لحد الان لم تستطع ان تتصدر العملية الادبية كي يلحق بها الاجناس الادبية الاخرى، بالطبع هذا في واقعنا نحن، فالمفاهيم النقدية لم تزل على الاغلب غير ناضجة فعلياً وليس ضمن حلقة المسميات، لكون اننا واكبنا الحركة النقدية العالمية ضمن منظومتها الابداعية لكننا واكبناها فقط بلاغياً اقصد من خلال استخدم المصطلحات والتعابير، ولكننا مازلنا نعيش طور التلقين وهذا يعني اننا مازلنا نعيد ترتيب اورقنا داخلياً كي نتجاوز الشخصانية في الاخذ بالنص الادبي، فالفرق مازال واسعا بين التنقيد والنقد وليتنا نستطيع تجاوز التنقيد ونصل لمرحلة النقد وبذلك نضع ركائز تجعلنا نواكب المنظومة النقدية العالمية.
س :- ماذا يمكن أن تقدمة في مجال كتابة المقال للقارئ ولعشاق كلماتك؟
مقال
المتجارة بالقضية( تجار الخليفة)
……………………………
في التاريخ الشرق الاوسطي برز منذ الازمنة الاولى ظاهرة تأليه الذات وتقديم المصالح الشخصية على القضية وعلى مصالح الاجتماع والعامة، حتى ان الامر طال الانبياء وبرز معهم اناس طموحاتهم الشخصية فاقت الدين، فانغمسوا في افعال شنيعة لاتبت للانسانية بشيء، بل انها فاقت توقعات الاديان بنصوصها التشريعية نفسها، وصفحات الكتب ملئية بالامثلة وعلى سبيل التوضيح وليس الحصر، فآدم وجد الغواية من الشيطان او الحية حسب المعتقدات السائدة فانصاع، وابنائه قابيل وهابيل كانا ثمرة تمرد والدهما في الجنة فكان القتل والغراب ، ونوح وجد ابنه يعارضه، ويحيى وجد سالومي وموسى وجد السامري وحسب رواية المسيحيين ان يهوذا باع المسيح وعند محمد بن عبدالله جماعة المنافقين واستمرت الحالة هذه بل الظاهرة لان الحالة طارئة لكن الظاهرة متجذرة راسخة في الارض والنفوس، الى وقتنا ولاشك بانها ستستمر الى حيث اللانهاية، فالانسان المحسوب على الانسانية في الشرق الاوسط الذي يلتحف بمقولة كونه يعيش على ارض تعتبر مهداً للاديان السماوية منغمس في النرجسية وتأليه الذات وتقديم مصالحه على مصالح القضية والادلة في وقتنا مستمرة ولعل ما يحدث في البلدان العربية خير دليل..ولكني لن اخوض في تلك المسائل انما ساركز على ما يحدث لنا في كوردستان وكيف اصبحنا نحن جزء من هذه اللعبة( الظاهرة) في ظرف لم يكن احد يتوقع ان تبرز فينا تلك الصبغة الذاتية النرجسية المصلحوية على حساب ابناء شعبنا وبيشمركتنا وشبابنا الذي يضحي بالغالي من اجل ان يبقى الاخرون بأمان.
ظاهرة المتجارة مع داعش قضت مضاجع الكثيرين منا بل انها افرغت سمومها على المجتمع باكلمه فجعلته مع عمق وحجم الفواجع التي يمر بها يعيش حالة من الذهول والاندهاش حتى ان الانسان البسيط اصبح يصرخ بصوت عالي اعدموا هولاء.. والسؤال من هولاء.. هولاء هم الذين استغلوا دماء الشهداء واستغلوا الوضع الراهن الذي يعيشه الاقليم في حربه مع الخليفة العربي الداعشي، حيث برز صفوة من التجار مدوا ايديهم لداعش ووقعوا معهم عقود تجارية وفضلوا المحصلة الشخصية على مصلحة الوطن والشعب، فكانوا بحق مثال على امتداد ظاهرة الخيانة والنرجسية والمصلحوية في الشرق الاوسط، مع اني لاانكر بوجود الظاهرة في العالم البشري اجمالاً، لكني هنا احاول ان ابرز ما وصلنا نحن اليه ككورد نعيش مرحلة تاريخية حساسة وحاسمة حيث يمكن ان تفتح امامنا ابواب لم تكن لتفتح قبل المئات من السنين.
اذا فهولاء… هم الذين مدوا ايديهم لداعش وجنوا الاموال منهم سواء من خلال الحسابات الموجودة في البنوك العالمية او من خلال النفط مقابل البضائع والسلاح، هولاء …يجب ان يحاكموا وباسرع وقت دون وضع المزيد من المبررات التي تؤخر محاكمتهم بحجة الوضع لايسمح والحرب مع داعش لم تنتهي بعد، ولانريد اشغال الناس بهذه الامور لان هناك ما هو اهم، ان من يضع هذه التبريرات هو الاخر سيحاكم تاريخياً وسيكون جزء من لعبة داعش وهولاء التجار ولن تغفل الصفحات عن ذكر اسمائهم ايضا كخونة استباحوا ارواح الشعب من اجل قضية هم وحدهم يؤمنون بها وبرنجسيتهم النتنة.. اما التجار فهم بلاشك وبدون اية انفعالية ولدوا من نطفة نتنة آسنة دنيئة خرجت من بيت صلب عفن فلوثوا الارض والهواء والسماء معاً.
وحتى لانقع تحت تأثير الانفعال ونكتب كلمات بذيئة تخدش حياء المتلقي القارئ نرسل برسالة الى السلطة التي حسب وجهة رأينا عليها ان تقوم بأمرين هامين الاول: تحديد هوية هولاء التي هي بلاشك الان قد اصبحت واضحة ومعروفة ومكشوفة وفضحها في جميع وسائل الاعلام المرئية والسمعية وزجهم في السجون مع اصدار احكام مستعجلة ودون رأفة بحقهم سواء بقطع رؤوسم بالمقصلة في ساحات عامة مثلما كانت شرائع العصور الوسطى او بالشريعة الاسلامية الحديثة وذلك بقطع رؤوسهم بالسيف مثلما يفعل داعش او بطريقة احدث اعدامهم كهربائيا او شنقهم في ساحات عامة ليكونوا عبرة لكل من يفكر في نفسه بمد يده الى امثال داعش وكل من والاهم، وثانياً: الحجر على كل املاكهم واموالهم المنقولة وغير المنقولة وعلى اموال واملاك ذويهم ممن ثبت استفادتهم من تلك الاموال واعطاء مهلة اسبوع او عشرة ايام لذويهم بمغادرة كوردستان لايهم الى اين المهم مغادرتهم لكوردستان قبل ان يقوم الناس بقتلهم على الشوارع انتقاما لابنائهم الشهداء وابنائهم المرابطين في الجبهات، ودون اية استثناءات او مببرات قد تعيق حكم الشعب على هولاء.
قد يرى البعض بان هذه الافكار متطرفة وانها انفعالية اكثر ما هي واقعية لكن لهولاء الذي يفكرون بهذه الطريقة نقول بأن الانفعالية الواقعية ربما تساهم في سد ثغرة لو بقيت مفتوحة ستصب علينا من خلالها الويلات التي لانهاية لها، لاسيما ان الانسان النرجسي واقع وليس خيال وانه موجود في كل الازمنة وكل الاماكن دون استثناء لذا الافضل وأد الطاعون في مهده قبل ان ينتشر ويصبح فايروس لاعلاج له، واظننا نحن الكورد اكثر من عانى من مثل هذه الفايروسات ولانريد ان نبقى رهين مصالح اناس لاينتمون الينا الا اسماً دون الوعي بالقضية والمخاطر التي تحيط بها.
س :- كيف تصور لنا المشهد الأدبي بشكل عام عبر الوطن العربي و بشكل خاص في وطنك ؟
المشهد الادبي العربي ينطلق من الواقع العربي نفسه، وليس بمخفي على احد كيف ان الواقع العام في الوطن العربي يكاد ان يكون مشهداً درامياً مأساوياً لايمكن وصفه ببضعة كلمات، وهذا الواقع اثر اجمالاً على الحركة الادبية والتي بدورها اصبحت تعيش بين حتمية التعايش مع ماهو موجود ومستمر وبين السخرية من كل ما يحدث وكل ما قد تؤول اليه الامور، وهذا بالتالي خلق ادباً منوعاً من ادب محايد وادب منحاز وادب متمرد واخر ساخر لاانتماء له، واذا ما نظرنا الى الصورة الاجمالية سنقول من المفروض ان هذا جيد لكونه يساهم في خلق مفهوم شمولية الادب لكنه في الواقع العربي بعيد كل البعد عن هذا المفهوم لانه ينتمي في جذوره الى بعض المفاهيم العصبية القومية التي تجدها لاتركن الى حال اي انها في تقلب دائم مع تقلب الاوضاع والتي كما يعرفها الجميع لاتستقر ابداً، ولعل ما اتضح منذ عقود من انتمائية هولاء الادباء وتعصبهم القومي اثار لدينا نحن غير العرب تحفزا حول التواصل معهم، لاننا باختصار اصبحنا ننظر اليهم ادباء البلاغة وليس ادباء قيم، وبالطبع ما نقوله ليس معمم انما نتحدث عن ما نراه نحن كظاهرة اقتحمت الواقع الادبي العربي مؤخرا.
اما الواقع الادبي في وطني كوردستان فلاشك ان المؤثرات تختلف، فاذا كانت الدول العربية مازالت تنظر الى ما يحصل لها هي مؤامرة خارجية، فنحن الكورد كنا ومازلنا ضحايا سياسات العرب والاخرين تجاهنا، مما يعني ان الواقع الادبي في كوردستان يسير نحو ادب المحنة وادب المقاومة وادب الوطنية وهذا لايعني ان النواحي الادبية الاخرى كالعاطفية والادب الساخر وغيرها غير موجودة.
س :- يختبئ داخل كل مبدع طفلا ، يمثل له مصدر الدهشة التي لا تنتهي, ما الذي تبقي من ذلك الطفل في نفسك ؟
عندما اضع قدمي على عتبة باب امي تتحول الازمنة الى مجرد لحظات تعيدني الى حيث كنت حضن الام واهتمام الام وقبلات الام، حينها لااعود طفلا فحسب بل اصبح ذلك الطفل المدلل الذي يريد ويطلب… فاجدني اعيد كل شيء كان ويكون الى حيث البدء، الى حيث ذلك الطفل، ومن تلك النقطة تنطلق الرحلة الى الافاق التي لاحدود لها ، ولا اعتقد بان هناك دهشة يمكن ان تدفعنا الى السير نحو القادم مثل تلك الدهشة الطفولية التي تبدأ من بين حضن الام.
س :- ما السؤال الذي كنت تتوقع ان اطرحه ، ولم أفعل؟
السؤال عن معنى (سيثل) عنوان ديواني الاخير وعن وضعي الاجتماعي ومدى تأثيره على مسيرتي الادبية الحالية.
س :- اذن دعنا نطلب الاجابة منك ؟
سيبل / الباء بثلاث نقاط وتلفظ ك P بالانكليزي … تعني (موجة) طبعا الاسم كوردي … وسيبل هي ام تالا ابنتي الوحيدة.. وكان الديوان هديتي لهما… اما تأثيرهما علي فلايمكنني ان احدد ملامح التأثير لكني استطيع ان اصفه ببعض كلمات.. حين تكون في متاهة تبدأ بالموت ولا تنتهي الا بموت اكبر من الموت نفسه.. ويمد اليك يد لتنتشلك من ذلك لااقول تنقذك نهائيا لكن تنتشلك وتقدم لك بعض الحياة بشكل مغاير.. وتجعلك تتعلق بالحياة.. هذا بعض ذلك التأثير علي وعلى مسيرتي الادبية.
وتالا هي الايقونة الازلية التي سميتها تيمنا باحدى الالهة اليونانية.. لتكون لي ول سيبل الرابط والجسر المؤدي الى كل حيثيات الوجود الفعلي لنا على هذه الخراب المسمى بالمعمورة.
س :- ارجو الا اكون قد ارهقتك بالاسئلة ؟ ولكني اظن انة كان حوار اكثر من رائع مع شاعر واديب مثقف وواعي – واخيرا ما الكلمة التي تحب ان تقولها في ختام هذة المقابلة ؟
حينما عرفت يا صديقي انني اديبا من كوردستان اظهرت فرحا كبير بهذا ، حينها ادرت بعقارب الساعة الى الوراء القريب، ووجدت بان قلة من الادباء هم من استطاعوا ان يتخلوا عن نزعتهم الشوفينة العنصرية القومية في التعامل معنا نحن ككورد، لكن وبكل فخر وجدت في اغلب ادباء مصر هذا التميز وهذا الانصاف وهذه الانسانية المتعالية في التعامل مع الاخرين بروح يسودها الاحترام والمحبة، وهذا بلاشك كان وسيبقى دافعاً قوياً لنا نحن ككورد بان نبقى على وفاق تام معكم وان نبقى متعاطفين تماما مع قضاياكم، وحتى لااكون مجحفاً فحق الاخرين هناك ادباء واديبات من تونس ولبنان وسوريا والمغرب ايضا وجدتهم متعاطفين معنا ومع قضيتنا، ولكن بلاشك تبقى الصدارة لمصر التي قديما وقفت معنا، ولعل صدور اول جريدة باللغة الكوردية في القاهرة عام 1989 خير دليل على ما نقول.. وهذا ما يدفعني ان اشكر لكم صديقي الاديب المصري صابر حجازي علي اعطاءنا هذه الفسحة لكي نعبر عن شكرنا وامتنانا لكم ولشعبكم.
————
*
الكاتب والشاعر والقاص المصري *صابر حجازي
– ينشر إنتاجه منذ عام 1983 في العديد من الجرائد والمجلاّت والمواقع العربيّة
عضو بعدّة نوادي ثقافيّة وأشرف علي الصفحات الادبية –
بالعديد من الجرائد والمجلات المصرية لسنوات طويلة.
-شارك بالعديد من الندوات والمهرجانات الادبية
كما شارك في العشرات من الأمسيّات الشعريّة و القصصيّة.
– ونظم الكثير من الأمسيّات الأدبيّة
– اذيعت قصائدة ولقاءتة في شبكة الاذاعة المصرية
– نشرت اعماله في معظم الدوريات الادبية في العالم العربي
– ترجمت بعض قصائده الي الانجليزية والفرنسية
– حصل علي العديد من الجوائز والاوسمه في الشعر والكتابة الادبية
–عمل العديد من اللقاءات وألاحاديث الصحفية
—