–3-
إذا كان(صنع الذات هو إحدى قواعد التاريخ ) فأن المحاولة التي جرت في 1980 وماتلاها لكتابة التاريخ العربي الاسلامي بأمرة الطاغية في العراق يمكن تشبيهها تقنياً بفرمتت التاريخ كما كانت تتم عملية تنظيف السجون العراقية آنذاك وعلى المستوى اليومي إنفقدت الذاكرة الجمعية بسبب انظمة السلوك الجمعي التي تحشرها العسكرتارية في الذاكرة الوطنية ..(الأمهات..لايتذكرن أعياد ميلاد من ينجبن . التقويم الرسمي يسير وفق حملات التبرع وعدد البيانات العسكرية أو الطلعات الجوية والمفكرات التي تدوّن تواريخ إشاعات الإنتصارات /49)..وعلى المستوى الاجتماعي نحلت اواصر الجيرة بين عوائل المحلة الواحدة بسبب (هجمات التسفير التي حدثت في أوائل السبعينات أولا، ثم تكررت في الثمانينات /48) هذه الغارات الزيتونية على البيوت البصرية العريقة والتي استهدفت في البدء التجار على الاخص أمثال عباس المدائني صاحب اشهر محلات تصليح السيارات في منطقة الصناعية في البصرة وكذلك التاجر علي موسى صاحب محلات الاثاث والتأجير في البصرة القديمة في العشار ومحلات الأزياء والاحذية التابعة لزميلي في الدراسة (صادق) في سوق المغايز والثري البصري(ميرزا محمود)..واستشهاد محمد رضا تحت التعذيب وهو من طلبة الكلية الطبية ثم تهجير عائلته والمعروفة في محلة مناوي باشا (بيت البزاز ).. وكبصري اتذكر ان بعض العوائل الإيرانية المتجذرة في البصرة ما ان اتضحت هوية انقلاب 17 تموز حتى قررت العودة الى إيران وكان ذلك في شتاء 1969 وقد تعامل موظفو الحدود بكل تقدير واستجوبهم بلطف ان كان ثمة مضايقات هي دعت الى العودة الى إيران فنفت العوائل ذلك ، وأثناء عبور العائدين لم يغيروا زيهم العربي الكوفية والعقال وكذلك النسوة الكبيرات السن بقين في جراغدهن ،لكن حين استقوت سلطة البعث..(صعبت علينا الموازنة بين التستر والتنكرة لتلك الجيرة /48) وهذه الغارات هي التي بثت الرعب في شوارع البصرة وازقتها وصيرت المدينة ثكنة محض، بل ساحة حرب (كأننا في ساحة الوغى نخوض حربا بالسلاح الأبيض/57) ف..(لايستجد في الشارع غير زي للجيش الشعبي وزي للمخابرات وزي للجنود، وشوارب رجال تستفز، تلك هي الثمانينات لم تكن غير نذير تتسربل بين الوهمي والحقيقي/ 49)..هذا العنف المرئي والملموس ،عطّل النظام الفسلجي في أدمغة الشبيبة وثبت تاريخ العنف العراقي في الذاكرة وامحى النظام المعلوماتي الخاص بالفرد وحسب الحالة (مروى) وهي أخت شهيد شيوعي استشهد أثناء التعذيب في ثمانينات الحرب العراقية الإيرانية / ص 193وزوجة الشهيد الشيوعي المقاتل في حركة الأنصار:(أين ، كيف ،لاأدري . لاأكاد أتذكر .هل هي الحروب ، أم التاريخ الذي درّسونا إياه ،هل دولة الخروف الاسود هي السبب الأبيض ،هل هم القرامطة ،المغول، السلاجقة، أم صاحب الزنج ،في أي زمن نحن، عن أي حقبة يتحدثون ،أخشى انني أضعتُ التواريخ عمداً. لم أعد أجهد نفسي في فهم شيء ولاحتى حساب عمري، كم كان عمري عندما قبلني رضا، عندما توفى أبي، عندما تزوجني عدنان، غياب أخي، معركة ديزفول، قصف مستشفى الطوارىء للولادة ،مديرية الأمن في البصرة ،في بغداد، الشعبة الثالثة، جزيرة يولاند/ 46- 47).. ليس هناك سوى شراسة الصمت القسري و(ظلمة غير مرئية تشتد في البلد. قسوة تصبغ كل شيء../57)..الشاعر خليل المعاضيدي يعدم والقاص والروائي جليل المياح يعدم وحاكم محمد القاص يعدم ..مصطفى عبدالله شاعر البصرة يزوّر جوازه ويغادر صوب الكويت وعلى الاباعر يقصدان بادية السماوة ليصلا دمشق : الشاعران عبد الكريم كاصد ومهدي محمد علي والنقابي هندال جادر يعدم..وبين المتقدم والخلفي من مواقع القتال تتجاور اكداس التلال التي اقامتها شفلات أمراء الوحدات للجثث العسكرية التي فقدناها من أجل النصر..وبيوت البصرة تحت رحمة قصف المدفعية الإيرانية ومداهمات الزيتونيين ..(يأتي الانذار ليلاً بأن نغادر..قوافل التهجير الى الحدود بسبب تبعيتنا الإيرانية.ولاءنا للوطن لاحق لنا فيه..حملة تهجير.. يرفض الجيران اشتراء مايعرض للبيع من أثاث ..استنكارا للقرار..الكل صار مطاردا، الكل فرهود : المسيحي الشيوعي، المؤمن/ 76) والبصرة بحد ذاتها تهمة وليست مدينة..في الجيش ..(نتهم لأننا من أهل البصرة/ 94).. هذا الارهاب الشمولي للسلطة يصاحبهُ تغطية اعلامية من قبل (الفيلق العاشر ) ..مهرجانات شعر فصيح / حفلات غنائية / مهرجان شعر شعبي / روايات تحت لهيب المعركة ، عبر حنجرة المغني وكلام الشاعر ينتقل ذو الفقار من كف علي بن ابي طالب الى كف الطاغية وتهزج الممثلات وتصدح الممثلة رغدة بقصيدة لمظفر النواب ..(ديرة هلي) دون علم او موافقة الشاعر الذي يكرهه النظام….كل هذا القيء السلطوي يدفع مروى البصري وهي في مرضها النفسي الى هذا البوح القاسي ..(أود لو أحمل كقياصرة الصين لئلا تطأ قدماي تلك الارض الملوثة وتلك الأرض أجسادنا ، كيف نحصر، ياللضيق هكذا بين مافوق سطحها وماتحتها..إنه المغفرة وطن الفوضى..لايستحق العيش فيه ،تتحرق يدي الى صفعه على خده هو وطن يتشابه فيه الحبيب، السجان، الأب ،إمام الجامع، الناشط السياسي، المعارض والنائم على الرصيف../68)..هل يمكن معالجة (مروى)الحالات العراقية المصابة ب( تشتت ذهني حاد كجزء من حالتها المرضية /56): مروى وهي متروكة في مركز أمن البصرة يكاد الدخان يخنقها مروى التي اثناء التحقيق يتحرشون بجسدها ليسقطوها اخلاقيا سياسيا / ص173 ومروى تعرف جيدا ان البراءة من الحزب سقوطا سياسيا مدمرا.(التبرء من هذا الفكر يعني ان يرفض المرء من قبل محيطه أن (( يسقط)) بين قوسين بكل ماتحمله الكلمة من معنى سلبي سياسي واجتماعي/ 123) ونهلة التي تكابد من علاقتها برضا لاتتوقف عن انتاج سؤالها الطموح..( لِم َ التنازل هكذا ببساطة عن الحياة ونعمها والأكتفاء بالقليل حدا يصل الى الى الخنوع والذلة يسمونه بالمقابل قناعة ؟ لمن؟ ولماذا تكون هذه الصفة ايجابية ؟/ 118) وتتساءل بخصوص رضا (أيتعين عليّ ان أعيش ركوده ، إحباطه ثمناً لحبه الجميل وشقائنا المقدس؟)..ونهلة تكابد من مثنويتها النفسانية..(في داخلي يتصارع إحساسان قاهران، إحساس بالظلم لكل مامر بي وأحساس بالذنب وكأني المسؤولة عن كل مايحدث /129) ..نهلة صباح أو هيلينا سابا كما صيرت اسمها بالدنماركية لاتتوقف عن انتاج الاسئلة الذاتية : (ماالهدف من حياتي ؟ ماذا أريد؟ ماالمقصود بالتطور؟ هل تغيرت بالفعل؟ هل عرفت رضا حقا؟، هل أعرفه الآن ؟ ماهي حدود الإنسان، إن لم يكن له دين ؟ مامعنى السعادة؟ هل هي مطلبي؟ ماالذي سأقرره بشأن تربية الطفلين؟ هل توفر الأمان لي هنا؟ هل الابتعاد عن المشاكل اليومية العملية هو الذي يفتح لي بابا للبحث والسؤال/ 149).. ويبدو انها أسئلة من انتاج المنفى وهو يدخل في قانون وحدة وصراع الاضداد في الذات العراقية المرهفة كما هو الحال لدى صلاح نيازي (..حينما أصغي الى بعض الأصدقاء وهم متحمسون لحكم أو دين أو قومية أو يتتايسون حول فكرة أو مفهوم، يزورني داء الحيرة فأنفصل وكأنني أصغي لهم من غيمة../159) نهلة متزوجة من رضا الشيعي الشيوعي التبعية الإيرانية المتهم (بالولاء المريض للحزب / 187) رضا الذي (أمتلكته نهلة منذ الليلة الاولى، أبتلعته بعينيها روحا وجسدا / ص204).. ولرضا اسئلته ايضا التي تنبثق حين يتذكر اناقته في سواه ..(ملابس حسن تعيدني الى أيام كنت فيها الأنيق البارز من بين الشباب .هل أفتقدت نهلة ذلك فيّ. هل هو إهمالي أم إهمالها لي. من أين لي أن أعلم .هل هي موضتي التي صارت قديمة فراحت تبحث عن أحدث ماهو موجود ؟/ 193) هذه الخيوط النفسانية المتشابكة الشليلة ،هل هي مفاتيح العلاج الكافية بالنسبة للطبيبة النفسانية الدنماركية ؟ ..ألا يحتاج الامرالى حفريات معرفية في الجذر العراقي..(أحداث ضخمة، خاصة، عامة، نظام بوليسي، أسماء كثيرة، أحزاب، أديان ، طوائف ،قصف مدفعي، سجن، لاتفاصيل لاتعد / 50) كيف ستتفهم الطبيبة النفسانية الدنماركية ؟إعدام شقيق مروى الشيوعي.. منتصف تلك الليلة دقات متتالية على الباب الخارجي وحين يفتح الأخ الأكبر الباب، الثلاثة القادمون يصر أحدهم بمثول الأب..(كانوا ثلاثة يقفون في مقدمة الإيوان خلف الباب سيتوقف قلب الأب بعد شهر، لم يحتمل مرأى الجثة المرمية عند أقدامهم عند طلبوا منه التوقيع على استلامها وحذروه من إقامة فاتحة على روح الميت../158)..هل يستحق الرسام الهادىء الاعدام ،بسبب وشاية لأنه جاهر يوم وقال..(لاوطن يزهو بنا ولاوطن نزهو به. هل العراق صار حلما/ 188)…وحتى لايتشتت عمل الطبيبة النفسانية تخلت عن الاستعانة بزميل مهنة، وقررت الاطلاع على التاريخ العراقي كما داعبتها (فكرة أخذ دورة دراسية في مبادىء اللغة العربية /51)..لكن ثمة برزخ أكبر من لغوي بين العراق/ الدنمارك وأقول للطبيبة النفسانية الدنماركية ماقالته نهلة صباح/ اليهودية البصرية التي صيرت اسمها في الدنمارك (هيلينا سابا)..وهي تتحاور مع صديقتها الدنماركية تينا..(لن يمكنك ان تتخيلي حجم مامررنا به في العراق .هل تتخيلين وجود نظام في العالم يفتك بمواطنيه لكي ينقرضوا / 124)…هذه الانتاجية الدموية الطالعة من التصنيع العسكري لاتروّج لسوى صناعة واحدة تشمل العراقيين والعرقيات من يكرههم النظام ومَن ضلعوا فيه ومن أجله وسيكرههم أمثال ضحايا قاعة الخلد في 1979 وغيرهم ..واعني بذلك ان النظام ستيفرغ حتى يوم سقوطه الى : صناعة الجواري ..وهي صناعة ذات شبكات متداخلة في تراتبيات المجتمع العراقي..لاتستثني حتى رأس النظام في النهاية..وهي صناعة تقف بالتضاد المدبب مع تلك القاعدة التاريخية الذهبية المتفكرة بحيواتنا والساعية لشحن حيواتنا بأخضرارها والتي ترى..(أن صنع الذات هو أحدى قواعد التاريخ) وكل مانعنيه الآن لايمثل إلاّ بقايا التركة الملعونة..والعنف الذي يواصل دوامه الاضافي في العراق من المستحيل تبريره أو شرعنته
2-3
.لاتشارك في الحياة الدنماركية بل ثمة استقلالية توصلهم الى ان تكون الوحدة مهنتهم وهذه الاستقلالية احدى إتصاليات التضاد الاجتماعي مقارنة بالمجتمع العراقي بسماته الحميمية
حيث (لاحق للفرد وعلى الأخص المرأة لكي تنفرد عندنا، سواء في غرفة في البيت أو مقهى، سيبدو في الأمر حمق ما سيظنون حينها إنها مريضة أو مخبولة/ 103) وهكذا على الفرد ان يكون داخل نطاق السيطرة..حتى يمكن مراقبة تحركاته الجواني : البيت وتحركاته البراني : المقهى وبالطريقة السلطوية هذه يكون الفرد بين قوسي سلطتين من انظمة السلوك الجمعي..فالإنسان هو هو مقموع / مغيّب / ملجوم/ او..مشحون بوعي زائف ..
على مستوى ثان ، تخلصت نهلة من الشخصية المسرحية في الانسان الشرقي واستعادت البعد الواقعي في اليومي وحسب قولها ..(هذا المجتمع يمدني بالثقة في نفسي /103) وهذه الثقة تجعل الانسان متحررا من الاتكالية والتواكلية ومن اثقال التزيين (أشعر بخفة الآن لتحرري أيضا من المكياج والكعب العالي والحلي) لكن الكعب العالي والتنحيف وشدة البشرة وعجينة السيلكون ومشتقاتها والكاميرات الخفية والعباءة الفرنسية التي كانت تفضلها المرأة العراقية في ستينيات القرن الماضي لم ينتجها الشرق الحزين بل هي مما تصدرّه غابات العولمة لنا لتوهمنا بالأوربة والأمركة ..وتجعلنا في حومة المجتمع الاستهلاكي او المجتمع الريعي ..لكن مواطن العولمة لاتستهويه هذه الالعاب التزينية فهو منشغل بسواها أو متوحدا بعزلته التي يسميها استقلالاً ! فالتفارق الدنماركي له ممهدات تلقائية
فالأنا هي الماثلة ولاشيء سواها وكما تخاطب (نينا) نهلة قائلة..(أسمحي لي ان استعير الصيغة (نحن) التي تتحدثين بها دوما.نحن بين قوسين لم نعتد على المشاركة كما اعتدتموها .نحن نكبر وننشأ بأستقلالية ، بالأحرى نتربى على احتراف الوحدة /104) هذه التربية الفايكنك تشفط الحيوي في الانسان وتخصبّه بالربوت حتى في وهو عسل الكلام ..(حتى فيما يخص الفراش ، نحن بين قوسين لانتشارك في بهجة الممارسة ،لانسقي بعضنا متعتها ،لا، بل ينصرف كل منا في عالمه الخاص حتى ننتهي )..هنا سأضع بين قوسين الوحدة السردية الصغرى التالية..(ينصرف كل منا في عالمه خلالها)
مابين القوسين يجعلني اتساءل : ضمن فضاء الحرية المتاحة لماذا لم يتحقق للدنماركيين هذا الانصراف العلني للعالم الذي يحلمونه ويواصلون تحلميه جينيا؟ اي مقموع محذوف من نص الحياة بطبعتها الدنماركية..؟..أليس ثمة انظمة سلوك جمعي تسلب الانسان الدنماركي حياته ف( هذا المجتمع وكأنه يسلب ُ المرء، تحديه وجسارته ويُخضعه للعيش ببلاهة ضمن الإطار القانوني الآمن له/ 107)..
لكن أجمل مافي هذا المجتمع الدنماركي هو..(لن يموت أحدٌ من الجوع في هذا البلد أو ينام على الرصيف…إن حصل تطور في العالم فهو يكمن في ادراكنا لضرورة التمتع بالحياة يوماً بعد يوم/109)
كلام الإنابة ..
في (عندما تستيقظ الرائحة)
3-3
ندخل الرواية ونتأمل عتبة الفضاء الروائي الابيض كشراشف المستشفيات ، نقف على عتبتيّ النص / المكان ونصغي بتوجس عراقي مشوش الى التي ثبتت المؤلفة مهنتها مع ص9 وهي الصفحة الاولى من الرواية وهكذا سيكون اصغاء فعل القراءة الى (المحللة النفسانية) وبعد مسافة سأضيف المنشأ للذي ثبته المؤلفة : وهكذا سيكون العنوان الفرعي الاول للرواية ..(المحللة النفسانية الدنماركية ).. الحالات المرضية : حسب المدون لدى المحللة ..أعني الشخوص في هذه الرواية يمكن اعتبارهم من سلالة لسان شهرزاد / شهرزاد التي لم تحكي حكايتها هي بل حكت حكايات / حيوات الشهرزادات المقتولات واللواتي ينتظرن على الباب الدمائي لمخدع شهريار المخلوع من ذاته والمنبوذ في قاع تلك البئر والإتصال الحواري بين قاع البئر وفوهته سيتم بحبل الحكايات المتداخلة/ المتضافرة وبين القاع وفوهة البئر سينسج المغزل/ اللسان اتصاليته بين الإذن العصية واللسان المقطوع (1) وهكذا تتناوب الألسن لتتحدث عن سواها و لينوب سواها / الآخر أو منجزها الأبداعي في الحديث عنها، نعرف نهلة من خلال مروى ونعرف نرجس من لسان مروى وهكذا سنعرف رضا/ عدنان / وسنعرف مروى من خلال نهلة احيانا نتعرف علي ابناء مدينتنا البصرة وبناتها من خلال الآخر البعيد / الاقرب لهم منا وسبب قرب البعيد هو المسافة الزمنية الفاصلة / الواخزة بيننا وهكذا تكون المحللة النفسانية الدنماركية ،اقرب منا في الرابط الاتصالي..
مع البصريات / البصريين ..والمحللة النفسانية تخص العرب كافة بطباقاتهم المجتمعية وادياناهم وثقافاتهم المتنوعة ووو..تخص / تخزلهم بتلك الخصلة الشيقة التي تخصهم حسب رأيها (قدرتهم على انقاذ العالم) ولاتستثني من هذه القدرة الانقاذية سوى : رضا المولاني..
(*)
تراتبية الإنابة
*مروى البصري
لاتتحدث مباشرة ،وحسب المحللة النفسانية ..(تبرز في رأسي أثناء قراءتي وهي تقول /65) فنتعرف على مروى المخذولة/ المحبطة ..مروى المحاطة بأسلاك اجتماعية شائكة ،والتي تحسد ملكية الطيور التي..(تملك سماء بأضعاف أضعاف حجمها) مروى التي سرقت نهلة منها حبيبها رضا،ومروى التي ارتبط بعدنان و..(هاجس الانفصال يشد عدنان بقوة/ 65) ومروى ولاتتحدث عن نفسها ،لكن الطبيبة التي تنوب عن السارد العليم تخبرنا من خلال الملف الذي بين يديها ان مروى..(لم تأت ِعلى ذكر من أعدموا من عائلتها، لم تذكر ماتعرضت له هي وأخوتها من قبل أجهزة الأمن هناك/ 21) ربما ارادت مروى التحرر من رموزها كما ترى المحللة النفسانية،فهل تعيش بحكمة أصابعها الملونة واصابعها أكثر بلاغة من لسانها واصابعها لاتلتقط للحظة فوتو وتحت اضوية ساطعة بل عبر ممرات من الهذيان الذهني الناصع / الجارح كشفرة حلاقة عذراء..(مروى البصري تفضل ان تظهر عالمها السريالي كانت تشك بأهمية الحديث .أختارت رموزا أثيرة في حياتها لتتحدث عنها/ 13) ومروى تحاول فنيا التصدي للأعلام النرجسي المكرور المبثوت لترضية القائد الضرورة الثقفي المزاج ، فتشير الى رأسها وتخبرنا انها استلت عنوانا من الليالي الدمائية حيث يتمزاج انتاج المكتوب صوتا مع المكتوب بفرشاة التلوين
(ألوان الليلة الرابعة : تخطيط لنصب ربما يجد له مكانا صغيرا يوما هناك، ليحل محل واحد من آلاف النصب للقائد/ 23)..ومروى تحي الموتى بفرشاتها..(لن أرتدي السواد من أجلك يانرجس..أقسم أرسمك إلهة جبارة/ 219) وحين تستعيد مروى قطرة من ذاكرتها المائية كأبنة الانهار البصرية وتنصب لوحة الاسماك المنتصبة في حوض مائي/ 23..فأنا قارىء الرواية سأكون قبالة ذلك الحوض في 1980 يقع الحوض في منتصف الشارع المؤدي الى كورنيش شط العرب بجوار بيت المحافظ وفي 2013 سيحدثني عن الحوض والاسماك ذاتها صديقي النحات البصري عبد الرضا بتور،ومؤلفة الرواية دُنى غالي ،تشير لذلك بقولها..(أجهل ماتهدف اليه في لوحتها، لكنها تذكرني بنصب ماقد مررت به، يؤكد لي بأن فكر الإنسان بعيد عن ثقافته وعلى مر التاريخ في كل مكان/24)..ومروى لاتتحدث عن نفسها بل عن الآخر الذي تكتمل به (هو الآخر المكمّل الذي نشتاقه ..أم هي تلك الروح الثقيلة التي تسكننا ولايمكننا حملها لوحد؟/ 59) تتحدث عن نهلة / عدنان/ رضا وعن (نرجس) البصرية/ العراقية، هي ليست الاله شيفا، إله القبح في المهاتاباد الهندية، بل هي نرجس الميتة في حياتها بضربة نرد..وهي نرجس الأله بصيغة المؤنث (إلهة القهر..الحزن ..الخراب ../9) ..نرجس المخذولة من الاهل وفاضحتهم بعوائها العالي النبرة (هلي يا ظلام /23) نرجس التي ماتذوقت الموازنة القلقة بالتمرد على انساق انظمة الوعي الجمعي(رغم ذلك لم تفّكر نرجس بالهرب للخلاص من الحياة التي فُرضت عليها، أو العصيان والتخلي عن مسؤوليتها/ 23)..وهي نرجس النقطة تحت باء البيت ،والباء صوت انفجاري وبحكم انفجاره هو أوحي مايكون بمعاني القطع والشق والتحطيم والتبديد والمفاجأة والشدة /111- إنتاج المكتوب صوتا../ نرجس التي بتوقيت موتها حلّ الخراب فأخذ الناس يسجدون لها وينذرون النذور وهي..نرجس المستبدة في حزنها،غيرتها ،تملكها تفتح الدار بعد وفاة ابي لتصير أشبه بمزار ومحطة للقادمات من محافظات العراق بحثا عن الأولاد والازواج المغيبين في غيابات طامورات البصرة../156..وهي النرجسة الغريبة /215..ومروى حين تريد الحديث عن مروى ، فلا تتحدث إلاّ عن..(الطفلة مروى مازالت تسكن في داخلي/ 20) وهناك طفلة مرهوبة في قاع بئر ذاتها..(..طفلة أبدية مرعوبة ،قابعة فيّ، تختض رعباً من هذا العالم../27)..(أبقى تلك الطفلة الغريبة تفيض عيني بالدموع لأدنى سبب/ 58)
(*)
نرجس
هنا ينبث تراسل مرآوي بين مروى ونرجس، هذا التراسل يخترق لحظة الخراب العراقي الممتد من 8شباط 1963 حتى مابعد ربيع 2003 ويستقر في الميثالوجيا العراقي / فيتم أسطرة الواقع العراقي وترميزه بحكاية طالعة من الليالي الألف سأطلق عليها ليلة التربيع مع كل مافي الرقم (4) من اقفال ومفاتيح طلسمية / اربعة ملل ونحل : نصارى/ مجوس، مسلمون/ يهود ..تمارس امراة عليهم غواية سوداء التعازيم فتصيرّهم اربعة اسماك في بركة تحوطها اربعة جبال/ 10/ كقارىء سأرى المرأة هي البركة والبركة هي النقطة..وستقوم مروى برسم لوحة وتطلق عليها ألوان الليلة الرابعة /23
(*)
نهلة / رضا
مروى لاتكتمل فقط بنرجس لذا سنتعرف من خلالها عن نهلة / رضا وستكتشف مروى : رضا من خلال أحدى (قواعد العشق الابعون) لدى شمس تبريز وجلال الدين الرومي ..رضا الراقص رقصة الصيادين على مسرح الادارة المحلية في البصرة، المسرح الممسوح من على الارض قبل سنوات..هاهي مروى الرسامة بأصابعها وفرشاتها تنجذب لرضا الذي يرسم لوحته بجسده النشوان الذي يُشيع الشوق المُبكي المكبوت بدواخل العذراوات المتهافتات لحضور العرض السنوي لفرقة النشاط المدرسي/ ص11 ..ومن خلال مروى نتعرف على نهلة في : الصفحات :17/20/25/ 26/31/ 46/ 56/ 59 ونتعرف على مروى من خلال ملفها عند الطبيبة النفسانية الدنماركية
(*)
مروى وهي (تستجوبها) عن رضا(هل كنتما تتحدثان عن ذلك/ 25) تتكشف لنا علاقة رضا ونهلة ويتكشف لي كقارىء منتج للنص الروائي ان مروى انجرح بجرح نرجسي عميق ،بأختصار :مروى انسرقت والسارق كما نقول بعامية اهل البصرة (حرامي بيت) وحسب مروى ذاتها..(يُسرق مني ماعندي ومذ كنت طفلة/ 26) وتضمّد مروى جرحها بيدها فتشرف على تفاصيل زفاف نهلة – 26 -27 وحين يفل منها لجام نفسها تتملص مروى لتتمزخ ربما تفوّخ جرحها وقتيا..(غضبت ُ، تعرقّت ُ وضربت ُ رأسي بغفلة عن نهلة بالحائط / 27).. مروى لاتتوقف عن انتاج الاسئلة وحراستها من الاجوبة المثلومة..(يحاولون تلقيني دون جدوى. كذب /58) وترى بالاجوبة انشوطة الاسئلة التي تدربنا على فن الوجود وتناول الحياة بما يليق بشعلتها الخضراء الشعرية..(أتساءل أية هوية تجمعنا كلنا؟ السؤال بعد كل تلك السنين يشوبه بعض من مرارة .هل الرعب الذي يمتلكنا له علاقة بالقدرليتدخل ويقرر مصائرنا؟/58) ومروى هي التي تخبرنا عن مقتل اخت رضا اثناء القصف الإيراني للبصرة في الحرب وفي يوم زفاف نهلة الى رضا وكيف تدبر العروس والعريس أمرهما /58- وكيف ترخت العلاقة بين نهلة / مروى
(*)
نهلة تروي عن مروى
نهلة بدورها تتكلم بالأنابة عن مروى من خلال لوحة مروى ومروى بدورها رمزّت نفسها في لوحتها سواء اخبرتنا نهلة بتراسل مرآوي بين اللوحة / والفوتو غراف التي التقطتها لم مروى او لم تخبرنا..(الصورة التي التقطتها لها وهي تقف بجانب لوحتها لاتترك مجالا للشك لأحد : فتاة اللوحة ومروى شخص واحد/ 124)..وهنا ارى لو جمعنا لوحات مروى في الرواية لحصلنا على نص تشكيلي لمحنة العراق اثناء الشمولية الممتدة من 8شباط 1963 حتى ربيع 2003 والنص التشكيلي/ المرئي يتوازي ويتمازج مع النص المكتوب وسأطلق عليه سردانية الفرشاة ..
(*)
رضا يتكلم عنه وعن نهلة
رضا لايحتاج إنابة فهو يحتاج تحويل المونولوغ الى ديالوج فلهذا يحدث المحللة النفسانية عنه /73
إجتمعت فيه كل التضادات : شيعي/ شيوعي/ تبعية إيرانية/ راقص في مجتمع لايحترم ذلك ويرتبط بنهلة ذات الأصول اليهودية..من هنا تحصن بالكتب كواقع بديل..صار الكتاب زمنه الخاص ومكانه المفضل ..(الكتب كانت واقعي الوحيد..الأرض وكأنها تموج من تحتي، كان الكتاب هو اللحظة التي لاتحتمل المزح أو الكفر.. اللحظة التي تجعلني انسانا عنوة/ 73) لكن فعل قراءة الكتاب ارتبط مع خزانة الدنيا /البصرة..(لم أقرأ كتابا منذ غادرت البصرة) وسيخبر رضا المحللة ومنها سنعرف ان نهلة حمته من الحرب وجعلته لايشارك فيها واسكنته قلبها وبيتا قديما عائدا لذويها/ 74-75..وهكذا يقع رضا بغواية سوداء يتنازل عن شهامته ودوره كأخ أكبر ويتناسى اخته وعائلتها : ضحايا القصف الإيراني على مدينة البصرة ويتراخي كخرقة بالية بين قدمي نهلةوحسب قوله أو حسب إدعاءه ..(أتشبث بها أخشى مثل طفل ٍ أن تفلتني/75) أما قوله (أقرر أن انتمي لإمرأة وأتخذ منها سكنا)؟! فهذا الكلام يثير الضحك لدى فطنة القارىء لأن رضا ليس من اصحاب القرار ولا له قوة الانتماء.. رضا جنين لايريد مغادرة الرحم، إلاّ حين تتوفر امرأة تنوب عنه حتى في تغذيته وهذا ماتوهمه في نهلة وهذا سبب اشكالية الحادة بينهما..فالسنوات اوصل نهلة / الرحم الى سن اليأس وتليف رحمها وقررت ان تستأصله لتعيش حياتها لها ولها فقط مع بداية جديدة لحياة مدفوع الثمن
*المقالة منشورة في مجلة (نزوى) الفصلية ، عدد نوفمبر/ تشرين الثاني / 2015/ مسقط – دولة عُمان
*دنى غالي / عندما تسيقظ الرائحة / دار المدى / دمشق / ط1/ 2006
*مقداد مسعود/ الإذن العصية واللسان المقطوع/ قراءات اتصالية في السرد والشعر/ دار الينابيع/ دمشق/ ط1/ 2008
*دكتور محمد السيد أحمد/ انتاج المكتوب صوتا/ دراسة في إبداع الصوت في النص الأدبي
*د. محمد الدروبي/ الكونفورميا وانظمة الوعي/ دار كنعان/ دمشق/ ط1/ 2004
—