مدخل:
إن غنى أية تجربة شعرية –بالأساس- يتأتى من قيمتها الجمالية أو الفنية التي تستحوذها النصوص الشعرية على المستويات كافة ؛ والشاعر المبدع هو الذي يثير القارئ بالشكل الفني الجذاب، والرؤية العميقة التي تنبث من عمق الاحساس، وخصوبة التجربة؛ وبهذا المعنى “لا يكون الكاتب عظيماً وحراً إلا إذا حقق للقارئ نصاً حقيقياً يستطيع من خلاله أن يحقق جوهره الإنساني الكامل في كل عبارة يطمح إلى معانقتها ، فيجدها على طبق النص المشغول بخيوط من الضوء والعطر والجمال؛والشاعر العظيم هو الذي تغريك قناديله المتأججة على سطح النص بالدخول إلى الكهف الذي نحتته أنامل الحقيقة. وحين تدخل ترتاح على بساط المعنى مأخوذاً بلوحات الفن اللازوردي .. والشاعر العظيم هو الذي يشعر القارئ أنه جزء من النص؛كأن القارئ هو الشاعر؛ والشاعر هو القارئ ؛ فتتحد الروحان معاً في لحظة الكشف … ويتناوب الاثنان حالة التوتر”(1)
والشاعر المبدع هو الذي يخلق المتعة النصية في قصائده، سواء أكان ذلك بالصورة أم الرمز أم الإيقاع؛أم البناءالكلي المتناغم، أم الشكل البصري، أم بالتكرار الموحي وما إلى ذلك.
ويعد المناصرة من أبرز الشعراء العرب غنىً فنياً وأسلوبياً في تشكيل قصائده؛التي تمتاز بتقنياتها الفنية والأسلوبية المتطورة ،خاصة فيما يخص الرموز الأسطورية، والتاريخية ، ولانبالغ إذاقلنا :إنه أكثر شعراء الحداثة تفعيلاً للتراث الشعبي والتراث المثويولوجي في بنية القصيدة لديه؛ فتجده يحتفي بالرموز الأسطورية، ليكسبها غنًى فنياً ودلالات وانفتاحاً معرفياً لتعرية الواقع؛ وكشف سلبياته؛ وهذا ما سنتطرق إليه في كشفنا عن أهم المفاتيح النصية في قصائد عز الدين المناصرة؛ وهي:
1-الرموز الأسطورية :
تعد الأسطورة الرحم الإبداعي في تشكيل بنية القصيدة الحداثية عند شعراء الحداثة ؛ خاصة إذا أدركنا أن :” الأسطورة والشعر نشأا في رحم واحدة؛وهما توأم؛ولا غنى للشعر الحقيقي عن الحلم والأسطورة؛ وهذا ما ذهب إليه السياب في العدد الثالث من مجلة شعر. ولكن الحقيقة أن صلة الشعر بالأسطورة بدأت في لبنان قبل الأقطار العربية الأخرى عند الشعراء التموزيين .. وقبل ذلك عند شفيق معلوف في عبقر؛ وإذاعدت إلى مجموعات الشعر الرومانسي لأبي شبكة وصلاح لبكي ويوسف غصوب دهشت لاستخدام الأسطورة مضموناً وشكلاً واستلهاماً قبل حركة الحداثة”(2)
ولكن الشاعر عز الدين المناصرة استطاع أن يخلق جوه الأسطوري المميز؛ويكسب الأسطورة ملامح حداثوية يعري من خلالها الواقع ؛ويتطلع إلى الأفق البعيد ؛ فهو من الشعراء المهمين في أسطرة الحدث البسيط، وأسطرة الرؤيا ؛ إنه يمتلك الحساسية الجمالية القادرة على استفزاز المتلقي بالشكل المثير في توظيف الرموز الأسطورية، والرقي بها فنياً؛ وهذا ما صرح به الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة؛إذ يقول:
“إن عز الدين المناصرة؛شاعر متميز بين أبناء جيله الستينيات؛ وأبرز ملمح في تجربته الذي يعد إضافة حقيقية إلى الحداثة الشعرية ؛هو توظيفه العفوي للموروث العربي والشعبي ؛خصوصاً (امرؤ القيس – زرقاء اليمامة )؛و(كنعان –البحر الميت-عنب الخليل- جفرا)؛إنه نوع من التأصيل للوجود الفلسطيني نفسه.وهذا ما يجعلني أعتقد أن إضافة المناصرة بالغة الأهمية”(2)
وبتقديرنا:إن سرّ نجاح الشاعر عز الدين المناصرة في توظيف التراث التاريخي والمثويولوجي يعود إلى مقدرة الشاعر على مباغتة القارئ باستلهام الحدث الأسطوري والتلاعب بالشخصية الأسطورية بما يخدم جوهر الرؤية وعمق مردودها الإيحائي ؛ إذ يكسبها رؤًى فنية تحمل دلالات جديدة،/ وحركة دائبة ،تزيد من حضورها، ومنظورها الرؤيوي المتطور؛ولا عجب أن نلحظ هذا مثل هذا التميز في استحضار الشخصية التاريخية المستحضرة كشخصية زرقاء اليمامة التي وظّفها في إطار فني جمالي مخصوص؛إنه تارة يتحدث على لسانها،وتارة يتحدث عنها؛ وتارة يتحدث إليها؛ ويلتفت إليها بالخطاب كنوع من المناورة في الرؤية وتشغيل الحدث؛ وكأن الحدث المشهدي البسيط يتحول إلى حدث بانورامي أو ملحمي؛ وبهذا الأسلوب المراوغ الالتفاتي في طريقة توجيه الضمير، يكسب القصيدة حركة دائبة،والشخصية فاعلية الإيحاء، والتأثير، والحضور؛وبناءً على هذا:
” تغدو الشخصية هي الإطار الكلي؛والمعادل الموضوعي لتجربة الشاعر؛ حيث يسقط على ملامح الشخصية التراثية الأسطورية كلّ أبعاد تجربته المعاصرة “.(3)
واللافت-حقاً-أنَّ الشاعر وفِّق في استحضار هذه الشخصية على الرغم من أنها تشكل- لديه- مرحلة البدايات؛لكن النضج الفني، والقيمة الاستحضارية العالية كسرت هذا النمط ،وأكدت عمق الرؤية الشعرية لديه ، وعمق ما تصيبه من دلالات وإيحاءات فنية ، يقول الشاعر :”
لكن يا جفرا الكنعانية
قلتِ:لنا إنَّ الأشجارَ تسيرُ على الطرقات
كجيش ٍمحتشدٍ تحت الأمطارْ
اقرأ أشجاري ، سطراً سطراً، رغم التمويهْ
لكنْ يا زرقاءَ العينين؛ ويا نجمة عتمتنا الحمراء
كلنا نلهث في صحراء التيهْ
كيتامى منكسرين على مائدة الأعمام ْ
ولهذا ما صدقكِ سواي “(4)
لابد من الإشارة إلى ناحية مهمة أكدها علي عشري زايد؛ يقول فيها :”لعل أول من استدعى زرقاء اليمامة في صيغة (التعبير بالموروث ) من بين شعرائنا المعاصرين الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة في قصيدته زرقاء اليمامة ،وفيها يرمز بالزرقاء إلى هذه القوى التي تنبأت بالأخطار قبل وقوعها ، ولم يصغِ أحد إليها وكانت النتيجة الدمار للجميع “(5)
وبالعودة إلى القصيدة نلحظ: أن الشاعر تحدث إلى شخصية زرقاء اليمامة ، وراح يحاورها محاورة كاشفة عن واقعه وواقعها معاً ؛ فهما يعيشان في واقع ضائع متفسخ لا يعي ما يحيق بهما من أخطار ، ولهذا عقد مقارنة بين واقعه المتصدع الموبوء الذي لا يعي الحقائق؛ ولا يدري حجم الأخطار المحيقة به، والتي تهدده من كل جانب ، شأنه في ذلك شأن زرقاء اليمامة في نصيحتها لأبناء قومها دون أن تجد أذناً صاغية . ثم يتحدث على لسانها ، وهنا؛ تكمن القيمة الفنية ؛ فالشاعر عندما يتحدث على لسان الشخصية الأسطورية بوصفها قناعاً يحمِّلها دلالات جديدة ؛ ويكسبها قوةً وفاعلية مضاعفة في الإيحاء والفاعلية والتأثير؛ على نحو ما نلحظه في الاستحضار الفني الموحي التالي :
“تخبأتُ في عبِ داليةٍ ثم شاهدت من فتحةٍ ضيقةْ
سكاكينهم ..والظلال
وشاهدت مالا يقال
كان الجيش السفاح مع الفجرْ
ينحر سكان القرية في عيد النحر
يلقي تفاح الأرحام بقاعِ البئر “(6)
إن القارئ يلحظ معنا فاعلية الاستحضار؛ عندما يحكي الشاعر على لسان الشخصية المستحضرة عمق المأساة، وفداحة المصاب إلى ما آل إليه حال قومها من مجازر وإراقة دماء ،على يد جيش الأعداء السفاح الذي قتل الأولاد والنساء والأطفال، ودمر ما دمر من خيام ومضارب قومها السذج الذين لم يأبهوا لقولها وانزارها المتكرر لهم،وهنا؛ يزاوج الشاعر بين واقع زرقاء اليمامة وواقعه الذي يعيشه في فلسطين من قتل،ودمار وخراب؛ فكما زرقاء اليمامة وقفت موقف النصيح المحب لقومها، وقف هوكذلك إزاء قضيته وأخوانه في فلسطين؛والملاحظ أن الشاعر يلتفت من ضمير إلى آخر ؛فمرة يتحدث على لسانها ؛ومرة يتحدث عنها ؛ومرة يتحدث إليها ؛ ومرة يلجأ إليها لتغيير واقعه والحلم بواقع جديد؛ وهذا الأسلوب نلحظه في قوله :
رفَّت عيني اليسرى… شبَّت نارْ
ورأيتُكِ في الصورة تحت التوتةِ في ظلِّ الدار
إلفكِ مدَّ جناحيه ، توارى، غابْ
ينقشُ أشعارَ الحزنِ على تفاحةْ
يأتي العفنُ المزمنُ يا زرقاء
يمحو من ذاكرتي صورَ الأحبابْ ” (7)
هنا ، يتحدث الشاعر على لسانها ، ويتحدث إليها ، وهذه المزاوجة فعَّلت الشخصية التاريخية المستحضرة ،وعمَّقت مدلولها، وزادت من حيوية الدلالة والرؤية الشعرية المنوطة بها؛وبهذا الالتفات من ضمير إلى آخر يكسب الشخصية قوة في التعبير ، والحراك التحريضي الكاشف عن عمق واقعها المؤلم وفداحة واقعنا الحالي .
وهكذا؛ يتابع الشاعر الشخصية التاريخية،و يكسبها ثراءً دلالياً وبعداً إيحائياً شفافاً؛ كما قوله :
في اليومِ التالي يا زرقاءْ
قلعوا عينَ الزرقاءِ الفلَّاحة
في اليومِ التالي يا زرقاءْ
خلعوا التين الأخضر من قلبِ الساحة
في اليوم التالي يازرقاء” (8)
هنا؛ يتحدث الشاعر إلى زرقاء اليمامة ؛ وفي حديثه هذا يجعل الشخصية المستحضرة في ساحة المواجهة ؛مواجهة مصيرها ؛وهو قلع عينيها؛ والخراب، والدمار الذي حاق بأهلها وأبناء قومها ؛ وبهذا الأسلوب يجعل الشخصية المستحضرة في موضع البروز، والمثول، والمواجهة ؛وكأن الشاعر يقرن مصيره بمصيرها ؛وواقعه بواقعها؛ فكما أن الأذى حاق بزرقاء اليمامة والموت طال أهلها ؛ فقد لحق الأذى بالشاعر،وعانى ضنك النفي، والتشرد، والاغتراب؛وحاق بأبناء قومه الخراب، والتنكيل، والتشريد؛ وهكذا ، يتابع الشاعر ملامح الشخصية الأسطورية المستحضرة بقوله:
” ومرَّ الليلُ ،مرَّ الليلُ يازرقاءْ
وكنا نرقب الأسحار
نصوغُ قصائدَ العنبِ المعرش في روابينا
ونكتب أصدق الأشعارْ
ونزرعُ في رفوف الدارْ
فسيلاتٍ ، تمد العنق َ
تحضنها سواقينا
نَبُلُ الريقَ ،يطفي بعضنا جوعه
ولكنَّا
ولكنَّا
نسينا أنَّ عينَ الحلوةَ الزرقاءَ مخلوعةْ
وأنَّ الرايةَ الأولى على الحيطانِ ممنوعةْ !!
وأنَّ الراية الأخرى على الأسوارِ مرفوعةْ !!!”(9).
إن الشاعر يرصد الأحداث الدراماتيكية التي أحاقت بزرقاء اليمامة، وأبناء قومها ، ويحكي عنها، ولها، عن واقعه، وأحلامه، وتطلعاته، وذكرياته الجميلة، وآماله الخصبة بالخير والعطاء؛لكنه سرعان مايعود إلى دائرة الواقع، ومأساته ، ويصحو من الحلم الجميل الذي راوده طويلاً ؛ ليعود إلى الواقع المرير ؛ وهو قلع عيني زرقاء اليمامة المخلوعة والراية الممنوعة والراية الأخرى المنكسة بالذل، والخزي، والعار .
والواقع : إن نجاح الاستحضار-في هذه القصيدة –يعود إلى أسباب مهمة يأتي في مقدمتها ما يلي:
1-شمولية الرؤية:
إن الشخصية التاريخية المستحضرة تطرح بعداً أسطورياً تجسد عالمها وعالمنا ، وهي تفتح آفاقاً رؤيوية كاشفة عن عمق مأساتنا، وعمق مأساتها ؛ فالمأساة مشتركة والشخصية واحدة ؛ إذ يتقمص الشاعر شخصية زرقاء اليمامة ، كاشفاً عن نفيهِ، واغترابه، واحتراقه الداخلي، ولا نبالغ إذا قلنا :إن هذه القصيدة تقع ضمن ما أسميته بدائرة (الاغتراب بالرموز الأسطورية )؛وفيها يجسد الشاعر اغترابه من خلال الشخصية الأسطورية؛ ليعقد مقارنة بين واقعه الموبوء المتصدع، وواقع الشخصية الأسطورية المستحضرة ، نافذاً من هذا الواقع إلى الواقع الآخر ، وهنا يندمج الشاعر بالشخصية ليكون اللسان الناطق عنها ؛ وبها، وإليها، وهذا ما يجعل الشخصية فاعلة في سياق القصيدة تحمل أكثر من دلالة ،وتتضمن أكثر من رؤية، وتلعب الدور الحركي في توجيه الأحداث، وتحميلها من الدلالات المواربة التي لايمكن أن تؤديها شخصية أخرى بهذه الفاعلية والدفق الإيحائي .
2-تنوع الضمائر بالالتفات من ضمير إلى آخر:
لقد وفِّق الشاعر في هذا الاستحضار؛ وعزز من قوة الدفع الإيحائي لهذه الشخصية بالالتفات من ضمير إلى آخر؛مؤكداً تفاعله مع هذه الشخصية، وإحساسه بها من الصميم؛ولهذا؛ استخدم الشاعر تقنيات فاعلة في تحريك هذه الشخصية؛كاستخدام المونتاج؛ وتكثيف اللقطات المشهدية؛ واعتماد المونولوج الداخلي؛والحراك المشهدي؛وتوظيف تقنيات السرد بما يخدم الشخصية المستحضرة؛ ويرتقي بها فنياً.والملاحظ أن التفات الشاعر بين الضمائر يعمق فاعلية الأحداث المرتبطة بها؛ فتتحرك الشخصية على أكثر من محور؛ وتشي بأكثر من رؤية؛ وتبثمنظورات الشخصية بحراك فني وبعد دلالي إيحائي مثمر.
3-الصورة اللقطة أو الصورة المشهد:
إن سر نجاح هذه الشخصية في تفعيل القصيدة أنها احتوت على الصور المشهدية الكاشفة التي تعتمد اللقطات القريبة، والمتباعدة في رصد الحدث والمشهد الشعري عن قرب وبعد في الآن ذاته؛ وكأننا أمام عدسة الكاميرا التي تلتقط المشاهد والأحداث بعين الحقيقة؛وليس بعين الخيال أو المثال؛ وهذا يعني مقدرة الشاعرعلى استغلال مختلف التقنيات التصويرية والدرامية في خلق الإثارة في هذه الشخصية، وتفعيلها بالشكل الفني المناسب ؛والمعنى الماورائي البعيد أوالمقصود. ودليلنا أن الشاعر عندما يتلاعب باللقطات والمشاهد ، بالإضافة إلى حراك الضمائر يتحول المشهد الشعري إلى مشهد ملحمي أودرامي؛ وبهذا تتضاعف رؤية القصيدة ؛وتزداد فاعلية الشخصية المستحضرة والأحداث المرتبطة بها؛ وهذا ينعكس على جو القصيدة العام ومنحاها الرؤيوي والفني والشعوري الجديد الذي شغلتع في سياقها الشعري.
وبعد؛فإن فنية الرموز الأسطورية غنية بالإيحاءات والدلالات والمثيرات التقنية التي تفجرها في بنية القصيدة المناصرية؛وهذا يعني أن رموزه ذات ملامح جمالية في نسقها؛تؤدي دور الصورة الرمزية المؤثرة التي توجه الحدث؛ وتعمق فاعلية الرؤية الشعرية.
2- الاغتراب:
يعد الاغتراب من الدوائر الدلالية الكاشفة عن عمق تجربة الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة؛فهو عانى النفي،والحرقة،والاغتراب بأشكاله المختلفة؛وهو يحمل الغصة،الحرقة،والمرارة والألم؛ويحمل الأسى، والحزن، والحنين إلى الوطن والاشتياق؛وأبرز ما نسوقه في هذه الدائرة الدلالية المفتوحة قوله:
“لم ألوث قميصي بمهزلة الأختلاف
لم أوسخ بياضي بحبر النفاقْْ
ثم كيف يعاقبني الفاسد الوطني
يعاقبني المسخُ
بالخلع والطرد والاشتياق “(10)
إن أقسى ما يعانيه المغترب من مرارة الإحساس بالظلم،واختلاف المعايير؛ وتناقض المجتمع و كثرة مفاسده ، وأحكامه المغلوطة على الأشياء، واتهامه المرء بالباطل ؛ وأبرز ما يعانيه المغترب من حرقة هي حرقة الاشتياق واللوعة إلى الوطن ، إلى من يأنس إليهم ، ويأنسون إليه، ولا يجدهم في ليالي غربته الحارقة ولياليه السرمدية الطويلة .
ولعل الإحساس بالنفي والقلق الوجودي أكثر ما ينتاب الشاعر عز الدين المناصرة في عالمه الوجودي القلق، ونظرته الاغترابية اليائسة إلى الواقع العربي المرير،وأن تطول ليالي غربته الحارقة دون أن يتحثث بريق الأمل من جديد ؛ ودليلنا قوله :
قال لي :خنجرٌ في عروقي
وأخشى الصدأ
إذا كثرت في المنافي القرون !!!:”(11)
إن الشاعر يعاني من النفي، والاغتراب ،والحرقة الوجودية والألم ، ولهذا جسد هذه الحرقة على أشدها في قوله :”
قلتُ:إني أرى فوق تلك الجبال التي رجعت قهقرة غنماً سارحاً في الشعابْ
أرى مطراً قادماً في طبول الرعود
عبر تشكيلة البرق عبر الخرابْ
أرى قلعةً من ندىً
في أعالي السحاب
أرى دولةً في مسار الثرى
قال لي –وهو يكسر فنجانهُ- يا ترى
يا ترى يا ترى “(12)
إن الشاعر يربط في اغترابه الوجودي القلق بين الواقع والحلم، وبين الحلم/ والأسطورة؛ فهو يرى بشائر الخير والآمال الكثيرة ؛وعندما يصحو سرعان ما يتلاشى البريق، ويعود إلى الحسرة، والزفرة الاغترابية الخانقة: (يا ترى – ياترى – يا ترى )؛وكأن الشاعر –بتكرار هذه الصيغة –ينكسر شعورياً من الداخل ، ويتحطم قلبه ،ويتفتت أسًى، وحزناً على واقعه الموبوء ؛ لأنه يعي أن ساعة الخلاص بعيدة ؛ وما من بشائر لفجر جديد مشرق، أو نصر قريب على المدى المنظور.
والملاحظ أن المناصرة يعد من أبرز الشعراء الذين لجأوا إلى الاغتراب بالرمو؛فهو يعي أن الشاعر المبدع يخلق رموزه المبتكرة التي يجسد بها تجربته ؛ ويكثف مداليلها، ورؤاها الشعرية، ويعبر من خلالها عن اغترابه الوجودي المتصدع، أو الشعوري المأزوم؛ فها هو في قصيدته الموسومة ب(لاأثق بطائر الوقواق) يقول:
“طائر الوقواق يحتل تراباً من ذهب ْ
طائر الوقواق يحتل السماءْ
طائر الوقواق يحتل الهوية
طائر الوقواق يحتل تلافيف العقول
طائر الوقواق يحتل كتاب المجدلية
طائر الوقواق يحتل سراديب الأعالي السرمدية
طائر الوقواق لصٌ في النهار ْ
يسرق التفاحَ من أرواحنا ، ثم الهواء “(13)
هنا ، يعبر الشاعر عن اغترابه بالرموز؛ فالرموز الشعرية أكثر دلالة على الاغتراب الروحي، أو الشعوري من الملفوظات الصريحة ؛ وهنا ،اعتمد الشاعر طائر (الوقواق) رمزاً اغترابياً دالاً من خلاله على كل مغتصبٍ ، أو ظالمٍ ،أو مستغل ؛فهو يحتل الأشياء ، ويسرق الأحلام والآمال ، ويذهب بالعقول إلى غابة التيه، والغي، والضلال، والحرمان ؛ ويمتص الهوية الوجودية ؛ ويشتت الشمل ، ويمحو الانتماء ؛ وبهذا الوعي الفني، والتلاعب بالرموز يجسد الشاعر مشاعره الاغترابية، بحرقة شعورية مريرة، وألم ممض .
ويخطئ من يظن أن دائرة الاغتراب الوجودي، والإحساس القومي بالهوية والانتماء لا تطال قصائده كلها ؛ فهو شاعر بعيد الرؤى في اغترابه؛ يذهب بعيداً في الحساسية، والإيحاء، والشعور ،إلى آماد اغترابية بعيدة ، كما في قوله :
“لم أعد قادراً أن أقولْ :
نجمةً في سماءِ المحيطِ تنقطني بالرمادْ
نيزكٌ يتشظى على مدنٍ باليةْ
الهويةُ مشروخةٌ في ثنايا السؤالْ
لم أعد قادراً أن أكيِّف روحي
على خشب الطاولة
نشارةُ روحي تسيل على الماءِ في منحنى غسقٍ
كالحٍ مثل حبرٍ عتيقْ .
تلك روحي التي خرجت عن مسار الخيول إلى الهاويةْ
خوخةٌ من وجعْ
كرمةٌ قربَ ديرٍ وحيدٍ على المرتفع”(14).
إن صرخة الشاعر الاغترابية المريرة تتقطر من بين الحروف والكلمات،وتشي بإحساسها الشعوري المتصدع؛وهذا يعني أن كل صورة تشكل زفرة اغترابية حارقة تحمل أكثر من دلالة ورؤية، وشعور وموقف؛وهذا ما نلحظه في إحساسه الشعوري المرير الذي تبثه الجمل التالية:
كنت طيراً وحيداً يرفرف فوق القطيعْ
هل أعاتبهمْ واحداً واحداً ……………..أيها الشهداءْ
لم يعد في دمي كهرباء “(15)
إن كل جملة تفجر إحساسها الاغترابي ، وقلق الانتماء ، ولهذا يلحظ القارئ أن عذاباته الاغترابية دائماً تبحث عن أسئلة، وإجابات ، وهذه الأسئلة تدل على عجزه عن الوصول إلى إجابات شافية ، ومقترحات فاعلة تحل الأزمة ، وتكسر حدة الاغتراب لديه ؛ فهو يعي، وما وراء الوعي تكمن المشكلة، وتكمن مأساة الاغتراب ، على من يبحث ؟! وهل يبحث عن وطن؟! أم يبحث عن حبر مدمى بالوجع، والمعاناة، والقهر في ظل واقع عربي منهار ، أو مستلب ، هويته مشروخة ، وروحه منكسرة ، وما عاد في دمه يجري تيار الانتماء الحارق ، يقول (كينيث كينستون ) في دلالة الاغتراب
“معظم استخدامات اصطلاح الاغتراب تشترك في افتراض أن علاقة أو ارتباطاً ما وجد من قبل ويتسم بأنه طبيعي ومرغوب قد تعرض للفقدان”(16).
والشاعر يعيش حالة من الفقدان؛ وعدم التوازن بين إحساسه الداخلي وعالمه المحيط؛ وهذا ما يجعل دائرة الاغتراب لديه مفتوحة على أشدها،وهذا يعني أنه كلما أراد الشاعر أن يغلق دائرة الاغتراب تنفتح على نفي جديد، وإحساس شعوري مأزوم؛ وهذا يدل أنه في نفي دائم، واغتراب جديد، أو إغتراب متجدد على الدوام؛ لايكاد يلملم جرحاً اغترابياً من جراحاته، حتى يتفتق جرح جديد، ووجع اغترابي مرير؛ كما في قوله:
” في هذا المنفى المشلولْ
سأعلم نفسي قبلَ الفجر
مواجهةَ اليوم التالي
أتذكر من بين الأشجار، الصبار
أزرعه في كفي
كي أمنح هذا الكرمل ؛لقمته المغموسة بالهم
أحتمل الوحشة في عزلةِ روحي
في قلبِ ضجيج الناس
أحتمل الكلماتِ القارصة وأحتمل التلميحاتْ
…………………………………..
أحتمل مرارة هذا الكاسْ
حتى لاتتلطخ كفي بدمِ الأخوين
ولهذا؛
سأرتب عاداتي
في هذا المنفى الموحشْ
يا…الله
كم هو موحش!!!”(17).
إن هوة الاغتراب بارزة في هذه القصيدة؛ فالشاعر يعاني من النفي،والاغتراب،والإحساس بالعلقم الوجودي في زمن محمل بالوحشة، والعزلة، وقلة الانتماء؛ولهذا تشبعت قصائده بهذا الإحساس الموحش، والاغتراب الوجودي، والاجتماعي، والنفسي:(أحتمل الكلمات القارصة،وأحتمل التلميحات)؛ولا عجب في ذلك؛فاغترابه ليس اغتراباً عن الأماكن ؛ أو اغتراباً زمانياً؛وإنما غربة روحية، محملة بالشقاء، والنفي، والإحساس بالمكابدة والاستلاب ؛وهذا يعني أن مداليل الاغتراب لديه متنوعة ؛ وروافدها كثيرة ؛ومؤثراته الشعورية أكثر بكثير من باقي المؤثرات؛ ولعل ما يجمعها عمق الجرح وفداحة المصاب ؛وهذا الألم الجارح، والإحساس بالعقم واللاجدوى؛كما في قوله:
“زرعنا، زرعنا، زرعنا
وهم دائماً دائماً يقطفون النبيذ
في جرار النوى والتعبْ
مطرٌ حامضٌ سوف يغسلنا باللهبْ
مطرٌ حامضٌ في السهوبْ
مطرٌ حامضٌ في القلوبْ
مطرٌ حامصٌ سوف تشرب منه الوعول
مطرٌ حامضٌ في السهولْ
مطرٌ حامضٌ في صهيل الخيولْ
مطرٌ حامضٌ في الدموعْ
مطرٌ حامضٌ في العيون ْ
مطرٌ حامضٌ في نواةِ الحجرْ
مطرٌ حامضٌ في المطرْ” (18)
إن المطر الحامض رمز القهر، والأسى، والعقم، والمكابدة؛ ورمز المصاب، والاغتراب، والأسى الحارق؛ والشاعر يرى أن المرارة عمت الأشياء جميعها؛ وما عاد يستطيع الخلاص منها؛مطر في القلب، والدموع، والحجر، والأرض، والوهاد ؛ دلالة على شمولية هذه المرارة في مدها، وقهرها، وأساها، الجارح؛وبهذه القوة االدافقة نلحظه يجسد نفثاته الاغترابية باعتماد تقنية التراكم اللغوي الضاغطة على بنية الصيغة ذاتها في تتابع نسقي كاشف عن عمق الاحتدام وحدة الصراع الوجودي الاغترابي الداخلي.
ولعل ما يلفت الانتباه أن جل نفثاته الاغترابية ترتد إلى الداخل، إلى الذات؛بانكسار شعوري حارق، ونبرة جارحة؛تعكس الغربة، والوجاعة، والاحتراق؛ كما في قوله:
” كلُّ البلادِ أسىً، دموعٌ ،فراقْ
……………………………..
كأني ولدتُ، وقد منعوني من الاشتياقْ
المقابرُ لي
التشردُ لي
التمزقُ لي
التباعدُ لي
وهذا الرحيلُ الطويل” (19)
إن أبرز ما يلحظه القارئ هذه الحدة الاغترابية التي تنتاب الشاعر؛فالشاعر لايستطيع الخلاص من هذه المشاعر الحارقة ولا الأنات الاغترابية الصارخة بالأسى، والتمزق، والضياع؛ وكأنه في ارتحال دائم؛وحركة دورانية ممتدة في دائرة الزمن المقيت، والغربة الداخلية.
ولا يكتفي الشاعر بالاغتراب الداخلي؛ وإنما ينزوي في اغترابه الوجودي بعيداً عن هذا العالم المقيت؛لأنه يعي بأنه غريب في عالمه ؛ ولن يفهمه أحد؛وهذه الغربة وسمت روحه بالهروب والانحباس الداخلي؛إذ يقول:
” لن يفهمني أحدٌ غير الزيتون البري الكنعانيّْ
لن يفهمني الوقواقْ
لن يفهمني المرمر في المقلع؛ والنقش السريّْ
في سفحِ يقينِ القلبِ السابحِ في النهرِ الرقراقْ
لن يفهمني؛ البرقُ المكبوتْ.
لن يفهمني الدكتاتور الطاغوتْ
لن تفهمني؛ ميليشياتُ الغاباتْ
لن يفهمني؛أحدٌ،
لن يفهمني أحدٌ؛
لن يفهمني أحدٌ؛ غير الزيتونْ”.(20)
هنا؛ تنتاب الشاعر أحاسيس العزلة والانغلاق في غربة وجودية ممضة؛ تشي بالمرارة، والابتعاد؛ فلا أحد يفهم مرامي الشاعر، وحجم معاناته سوى الطبيعة الصامتة من حوله؛ لا أحد يفهمه، أو حتى يعي ما يريد غير الزيتون، رمز القوة، والعظمة، والتشبث بالأصالة، والهوية، والانتماء. ولا نبالغ إذا قلنا:
إن الاغتراب هو الطقس الإبداعي لقصائد عز الدين المناصرة ؛ ولهذا ؛ نوع في تجسيد هذا المفصل المهم في تجربته من المباشرة، والتقريرية، إلى الرمز والرمزية، وإلى الصور المكانية الاغترابية المكثفة بالرؤى والدلالات ؛ ومن ثم إلى تكريس دوال الغربة، والاحتراق، والنفي بكثافة في قصائده .
وما ينبغي الخلوص إليه أخيراً :
إن الاغتراب دائرة دلالية ممتدة ومفتوحة في الكشف عن عالم عز الدين المناصرة الشعري ؛ فهو عالم كثيف الرؤى، والأحاسيس، والمشاعر المحتدمة في قرارة ذاته المغتربة ؛التي تتحثث بصيصَ الخلاص، وخيوط النجاة من هذا الواقع العربي المتصحر المنهار بالعقم، والجدل، واللامبالاة .
3- الرؤية الثورية :
إن الشعر – في جوهره – رؤية ثورية وجودية على كينونة الخلق والحياة ؛ وهذه الرؤية تستفز الذات؛ لتعي مصيرها، وتواجهه بقوة ؛ والشاعر الذي لا يملك هذه الرؤية التي تستفز الذات لن ترقى رؤيته الشعرية إلى حيز الكشف عما يحس به ويعيه , وسينأى عن روح الشعر , وإحساسه الوجودي الصريح ؛ وهذا يدلنا أن” الرؤية الثورية في صيرورتها بنية دالة على فاعليتها الإنسانية في بلورة الوعي الشعري ؛ على أنه وعي ثوري ينبعث من الداخل، دون أن نغفل موجِّهاته الخارجية.. ولذلك ؛ فالشعر هو فلسفة الروح في تشكيل موقف ما إزاء العالم , ونوع من المجابهة يصقلها الوعي لتغيير الواقع ؛هذا الواقع الذي يعمل جاهداً على تهميش الوعي , وتفريغه من محتواه الداخلي , وتقييده من الخارج للحد من انفعالاته التأويلية في قراءة تداعياته ” (21)
والمناصرة يعي أن تغيير الواقع هو شغل الشعر والفن والأدب عموماً ؛ ولهذا نجد روح التغيير والعنفوان بادية بوضوح على الكثير من قصائده لتشكل ملامحها الدلالي الأبرز ؛ وهذا الوعي الثوري تجسد في ثلاثة مظاهر :
1-النزعة التفاؤلية :
تظل النزعة التفاؤلية القوة الموجبة الموحية في تكريس الإرادة والمواجهة والإرادة والتصميم ؛ فالذات الشاعرة تبحث بقوة عن عالمها الوجودي الحر الذي تنبعث منه العزيمة، والإرادة،وقوة المواجهة ؛ ولا نبالغ إذا قلنا : كلما حصرت الذات بضغوطات الواقع المعتم ؛ لتهميش إرادتها أو إسقاط حياراتها الإنسانية في المواجهة انتفض الوعي يقدح في ذات الشاعر قوة المجابهة للخارج , قدحاً تشعر معه أن التفاؤلية هي سمة ثورية قادرة على خلق أفعالها الجبارة , عبر استدارة القوة الكامنة في الوجود , وهي تضيء ملامح انسانية في الانبعاث المتكرر للذات إلى حد أسطرتها والانعتاق بها من عتمة اليأس .وهذه الروح التفاؤلية هي مبعث الرؤية الثورية التي تطرحها الكثير من قصائد عز الدين المناصرة في تأسيس كينونتها وإثبات هويتها الإبداعية ؛ إذ يقول :
“إذا ما رفضنا الرحيلْ
حبسنا الدموع؛ وقلنا : يجيء الزمان ُ الجميلْ
وتبقين يا(أمَّ سعدٍ)
وتبقين يا نجمةً في الضبابْ
تظلين مغروزةً في تراب النجوعْ ،
لكنعان تبكي طيور الندى
لحصّادةٍ خلفَ منجلها في البقيع
تغني إذا ذاب صوت الندى “(22)
إن إرادة الشاعر القوية، ونظرته التفاؤلية تجعله يحبس دموع الحسرة والألم ؛ مبشراً بالزمن الجميل الذي ينتشي ببريق الأغاني، والأحلام، والأمنيات العظيمة ؛ وهذه القوى الشعورية الكامنة لديه تحفز الإرادة على تخطي الصعوبات، والانتصار بالأمل والأغنيات ؛ إذ يقول :
“بأغنيتي أسحرُ الأغنياتِ ،تشعشعُ
فوق الصواني
بأغنيتي أسحرُ الأزرقَ الوثنيَّ الكبير
بأغنيتي في سماها الجبالُ تطيرْ
بأغنيتي قمتُ هدهدتها برذاذ الأغاني
أُفاجئها بالتعاويذ حتى تراني “(23)
إن الغناء ثورة روحية على عالم الوجود؛ وهو انتصار للذات في زعزعة الواقع والثورة عليه؛وإن ارتداداً شعولارياً داخلياً؛ وهو صوت الذات الخارج إلى الآخر؛ فالشاعر كما ينتصر بالإرادة؛ فإنه يصدح بالأغاني محطماً قيود الذل، والانحباس الداخلي والانكسار الشعوري؛ ليؤكد عنفوانه، وثباته، وقوة المواجهة التي يمتلكها؛ ودائماً يحلم الشاعر بهذا الزمن الجميل الذي تنبجس منه الأماني البيضاء، والأحلام، والأمال الوادعة؛وهذا ما نستشفه من قوله:
“وتقول: زمانُ الوصلِ يجىء
في قاعِ سحاحيرِ الدراق” (24).
إن الشاعر يتحثث كل مايشي بالفرح والأمل حتى وإن كان من رحم الموت والمكابدة والمعاناة؛ولهذا؛ دائماً يحلم بالعيد؛أن يأتي بالبشائر والأماني؛ ويتقطر بالأفراح، والورود، والزهور، والنور؛ كما في قوله:
” هذا وعدٌ كلُّ قرانا ومدينتنا تخرج في العيدْ
لتزوركِ حينَ تطلُّ عصافيرُ الفجرِ،
تكون استيقظت من النومِ السحريّْ
ومددت يديكَ لنا بالزعتر، والحنون البلدي
تهدينا داليةً من نورٍ وهاج وقمرْ
وسنهديكِ هدايا، علماً، خارطةً كاملة، وجواز سفرْ”(25)
إن الروح التفاؤلية تظل تخيم على فضاءات قصائده؛ لتحقيق معادلتها الوجودية؛فكما أن الوجود صراع بين قوتين:[ اليأس/ التفاؤل]؛ فإن الشاعر أراد أن يجسد هذا الصراع ضمن بورة الدلالات في قصائده؛ ليؤكد ثبات موقفه وانتصاره؛ وهذا ما يجعل قصائده بؤرة احتدام الجدليات والمتضادات؛ كبؤر دلالية كاشفة عن اصطراعه الداخلي وقلقه الوجودي.
2- النزعة التشاؤمية أو اليائسة:
إن نظرة الشاعر الثورية، وإرادته القوية المتفائلة قد تُصْدَم أمام صحرة الواقع؛ فينكسر الشاعر، ويعود إلى دائرة الاغتراب، والقلق، والتوتر، والإحساس بالعقم،والعدم، والتلاشي، والاستلاب، واليأس المطبق؛ وتعد النزعة التشاؤمية سمة ملازمة لشعراء الاغتراب والمنافي؛ خاصة أولئك الذين يدركون أن المنفى يمثل الموت والعدم و منتهى الذل، والهوان والإحساس بالخواء والتيه والحرمان؛ وأصعب ما يعانيه الشاعر في نزعته التشاؤمية الوحدة، والعزلة، والانزواء؛ إذ يقول:
“حتى شقيقة روحي، أشاحت عني
حتى زغرودة الشوكِ في مدرجات الرومان،
كانت حلزونيةً،كالمطاراتِ اللولبية،
حين سألوها عن سنوات دمي
لم أجدْ من أشكو له، في وحشتي،
حتى طبيبي،
يا حبيبتي،
يعيرني بالحنين!!!”(26)
إن القارئ يلحظ –جلياً- النزعة التشاؤمية، وحالة الخواء والوحشة التي يعانيها،في ظل واقع لا يأبه به؛ ويبتعد عنه، حتى شقيقة روحه تخلت عنه؛ ولهذا لم يجد من يشكو له في وحشته إلا الصمت واليباب.
وهذه النظرة التشاؤمية غالباً مايقرنها الشاعر بالعقم، والتصحر، واليباس، والنشاف؛وهذا النشاف أو اليباس لايطال جسده وروحه فحسب ، وإنما يطال نبض قصائده، وحبر دواته،إذ يقول:
” القصيدة ناشفةٌ لا قناديل فيها ولا أسئلة،
القصيدةُ جارحةً كانت البارحةْ
القصيدةُ صارتْ بلا كهرباء “(27)
إن حبر القصيدة قد جفَّ، ولم يعد للكلمات بريقها الساحر، ورنينها المثير، ونغمها الشعوري المتقد من شرارات الروح، وهذه النظرة الاغترابية التشاؤمية زادت قصائده مداً رومانسياً؛ يشي بالأسى، والحسرة، والألم؛ وهذا الإحساس بالعقم والنشاف يشي بالتصحر والعقم الوجودي؛ إذ يقول:
“الشرايينُ ناشفةٌ؛ثم محبرتي ناشفة”(28).
ويمضي الشاعر في يأسه، وإحساسه المأزوم؛ ليصل إلى ذروة التصحر، والعقم، واليباس حين يرى أن جميع الأشياء تهرب من بين يديه دون أن يملك القدرة على التقاط أي شيء منها؛فيشعر بالقهر؛ ويرتد إلى ذاته حزيناً يائساً، كما في قوله:
” آه، ياطفلةَ القهرِ، هذا زمانٌ فظيعْ
يجرحُ الصمتَ، يمتصُّ من دمنا خضرةَ النهرِ،
قبل الرجوعْ
كم سيبقى من القهرِ من حصتي يايسوعْ!!!”(29).
إن الإحساس بالغربة، والقهر، وعجافة الزمن، وفظاعته، لدليل اغتراب، وتشاؤم، وانكسار، وقلق روحي عميق؛ وأصعب مايواجه المرء في هذا الزمن هو الإحساس بالقهر؛ والقهر هو ذروة الظلم والإحساس بالتشاؤم، والاستلاب؛وبهذا الإحساس الشعوري الدامع؛ يقول الشاعر:
” نحنُ ياطفلة الموت؛ نطرحُ للعاشقين السلامْ
نحنُ من نشربُ الدمعَ، قبلَ الطعام وبعد الطعام
غير أنَ لصوص الطريق
سحبوا خنجراً في الظلام، وقصّوا شفاهكِ
حينَ صار لنا مطر وبروقْ
كي يكون لهم وحدهمْ؛ ثمرٌ ورحيق”(30).
يلفتنا الشاعر بهذا الإحساس التهدجي الاغترابي الذي يظهر جلياً من خلال المفردات الصادحة بالآهات الحزينة ومعاناته المريرة إزاء الواقع الظالم المستلب الذي يعيشه؛فهو يشرب الدمع، ويعاني المرارة أشكالاً وألواناً، دون أن يجد منفذاً أو خلاصاً من هذا الواقع الموبوء؛ أو بصيص أملٍ ببزوغ فجرٍ جديد.
وهذه الروح التشاؤمية لم تثبط عزيمته،أو تقلل من إرادته القوية؛ إلا في بعض الرؤى، والمواقف الشعرية التي تضج بالألم، والشكوى في آهاتٍ محملة بالحسرة، والمرارة، وحرقة الاغتراب؛ وهذا أكثر ما نلحظه في قصائد مجموعته الشعرية:( قمر جرش كان حزيناً).
3-النظرة الثورية التعروية الحادة:
إن الروح الثورية أو المتمردة هي التي تطغى على رؤيته الشعرية المتوترة في أكثر من مرحلة شعرية؛ بسبب نوازع الاغتراب الوجودي، وحالة القلق التي يعانيها مغترباً حيناً؛ ومنفرداً في معتقله الروحي الموحش حيناً آخر؛ لهذا نلحظ حدة الصوت الثوري المنبعث من صدى كلماته وجمله الشعرية؛كما في قوله:
” أيُّها الأبيضُ الدمويُّ انفجرْ
أيها الأخضرُ الرعويُّ انفجرْ
أيُّها الأزرقُ النائم في حقلِ هذا النعاس
دلَّني بالعلاماتِ في ليلةِ البرتقالْ
على حزمِ الضوءِ في المنعرجْ
علني أتبخَّرُ كالبحرِ مثلَ السكون
أو
أعدني إلى الأبيض الدمويِّ لكي انفجرْ
أعدني إلى الأبيصِ الدمويِّ لكي انفجرْ
طالت المسألة!!!
طالت المسألة !!!
القصيدةُ ناشفةٌ لا قناديلَ ولا أسئلة!!!”(31)
إن هذه النبرة الحادة في أسلوب النداء؛ نتحثث من خلالها الحس الثوري، أو الصوت المتأجج قوة، وصلابة على المقاومة، حتى الرمق الأخير؛ وقد جاءت لفظة(انفجرْ) دالة بقوة على حدة الشعور المتوتر، والانفعال الداخلي الصاخب؛فالمناصرة يعي أن تعرية الواقع ليست إشارات أو شعارات غوغائية فارغة؛ وإنما هي إحساس شعوري متقد؛ يخرج من القلب؛ ليصب في الصميم ؛أي يخرج من عمق الجرح وفداحة المصاب؛ وبهذا الإحساس جسَّد الشاعر رؤى قصائده؛ كما في قوله:
” عجلاتُ المنفى، تدهسنا ياأمي، فلماذا قتلوكْ؟!!
كنتَ تبيعُ حماماً، فلماذا قتلوكَ
في الزمنِ المكوكْ
فاشددْ بترابك، ياهذا، حتى لا يدميكْ
أشددْ بحديدكَ…. يحميك”(32)
هنا؛ تفيض أحاسيس الثورة المتأججة في النفس؛ رغبة في كسر حاجز الزمن الرهيب؛وإعلان المواجهة، والصمود، والقوة؛ فالشاعر يوِّجه النداء بقوة ليحرك العزائم؛ ويشدُّ الهم؛كاشفاً عن نفس مشبعة وثابة بالعزيمة،والجسارة، والقوة، والإقدام.
وقد يلجأ الشاعر إلى تعرية الواقع، بإحساس ثوري عميق؛ يؤذن بالخلاص؛ ويكشف عمق المؤامرة؛ وهذه الروح الثورية الوثابة تفيض بشعرية الرؤية؛ ودفق الإحساس؛ كما في قوله:
يا سيدي إني أرى مالا يرى
وأشمُّ رائحةً
أرى سمَّاً شهياً، قدَّموه، لقتلنا…
هو في طعامكْ
وأرى الخليلَ؛حبيبتي؛ نهباً لتجار الممالك
وأشمُّ رائحةً،
فحاذر،إنهم حرباءُ، تظهر في الفصول
أخشى؛إذا طلعَ النهارُ،
تصيرُ بيروتُ- الخليلْ” (34).
إن إيقاظ الوعي هو جزء لا يتجزأ من رؤية الشاعر الثورية؛فهو ليس كعادة شعراء القضية الفلسطينية يلجأ إلى الهيجان الانفعالي في تحريض الهمم؛ وتحفيز المشاعر، وإيقاظ الوعي الثوري في النفوس؛ وإنما يلجأ إلى عمق الصورة؛ ودفق الإحساس؛ لدرجة يبدو أنه يحرك الأشياء، ويضفي عليها من لمساته ما يزيدها إشراقاً وجمالاً في نسق قصائده القومية والعاطفية؛ وهذايعني: أنه ينأى بشعرية قصائده عن السطحية والانفعالية الزائدة التي غالباً ما تقتل جذوة شعرية القصائد الثورية؛لأنها لاتركز إلى عمق الصورة؛ وشعرية الرؤية، بسبب طغيان الموجات الانفعالية الصاخبة؛ التي تودي بشعرية الكثير من القصائد الثورية عند شعراء الحداثة إلى الحضيض؛ ولكن المناصرة استطاع أن يفعِّل قصائده بالنبض الشاعري والحساسية المرهفة واللغة الشعرية المبتكرة؛ ودليلنا قوله:
” وأنا واقفٌ تحت مقصلةِ الانتظارْ
وكم من رصيفٍ تلامس فيكِ
أرى فيكِ مرَّ الصباحاتِ
يافتنةَ العربِ العاربةْ
تولَّهتِ،
هذي المنافي قبورٌ؛وهذا السوادْ
وهذي الحجارة، ليست لنا… إنها للرمادْ”(35)
إن القارئ يلحظ هذه الروح الثورية المتمردة التي تعرِّي الواقع،وتكشف نيران الفتن، والضغينة، والتناحر بين العرب؛وتعري ضعفهم، وذلهم، ومنافيهم السرمدية الطويلة؛فهم يرتحلون من ضياع إلى ضياع ، ومن جراح إلى جراح، ومن منفى إلى آخر؛ ومن رصيف إلى آخر؛ يعانون التشرد والضياع منذ فجر الوجود؛ وليس لديهم ما يسطرون به من أمجاد وبطولات ألا الخزي والعار وحبر السواد؛ ولهذا، جسَّد الشاعر إحساسه الاغترابي شعورياً، بالعتب، والتقريع، والغضب؛عبر الأصوات الانفجارية الصارخة،وصيخات الغضب الشديدة؛إذ يقول:
” سأقولْ :
ضاقَ بحرُ العتبْ
راهبٌ من غضبْ
ليس غير الرصاصْ
لغةُ الانتصارْ
وطني عقدُ ماسْ
وطني من ذهبْ
ليس غير القصاص
في ربيع العتب”(36).
إن نظرة فاحصة لمداليل الوعي الثوري -في هذه القصيدة- تؤكد لنا نزوع الشاعر إلى تعرية الواقع، وإيقاظ الحس الثوري؛ ومن هنا؛ نلحظ أن جوهر الرؤية الثورية -عند المناصرة- تتحدد في إدراك الشاعر، وحساسيته العميقة، للمواقف الوجودية والواقع العربي المنهار؛ فهو يحاول أن يتشبث بالأمل؛ لعله يصل إلى رؤية جوهرية تحفزه على المضي قدماً في تصاعد ثوري، يكسر من خلاله حاجز النفي والاغتراب المرير ؛ متمسكاً بالأمل حتى فجر الخلاص؛ وهذا يعني أن الروح الثورية-لديه- تغلغلت في نسيج فصائده في بناها؛ لتفجر مداليلها العميقة وأحاسيسها المحتدمة؛ ولا نبالغ إذا قلنا:إن جوهر الرؤية الثورية –عند المناصرة- تتبدى في كثافة الرؤى الاحتجاجية التعروية الصريحة التي تعتمد الانفعال الحاد حيناً، والسرد الهادئ حيناً آخر؛ للإحاطة بالمشهد الشعري أو الموقف الشعوري المحتدم الذي تجسده الذات الشعرية في لحظة توترها، وقمة اتقادها الشعوري، وتثوير رؤيتها الشعرية.
وماىنبغي الخلوص إليه:
إن الرؤية الثورية مفصل مهم في الكشف عن الكثير من المضمرات النصية التي تنطوي عليها العديد من القصائد المناصرية في تجسيد موضوعها، واحتواء رؤاها الثورية المختلفة، وهذا يثير القارئ، ويحفزه إلى تلقيها بروح متأججة، كاشفة عن عمق مقصودها، وبؤرة دلالاتها العميقة في المتن الشعري.
4- التراث الشعبي:
يعد التراث الشعبي من أهم المفاتيح النصية للولوج إلى القصائد المناصرية؛ نظراً إلى مايمتاز به هذا الجانب من غنىً، ومؤثرات، ورؤى مشتقة من هذا التراث الخصب المتنوع من حيث كثافة معجمه الشعري، واكتنازه بكم هائل من المفردات المشتقة من حقل هذا التراث( التراث الفلسطيني) الخصب بالتحديد؛ ولا نبالغ إذا قلنا:إن قصائده باللهجة المحكية هي التي أغنت قاموسه الشعري بالكثير من هذه المفردات المشتقة من التراث الشعبي الفلسطيني؛ وهذا يدل أن المناصرة مسكون بمعطيات هذا التراث ، نبضاً، وشعوراً ،وإحساساً؛ولهذا؛ لاغنى له عن هذا التراث في بث عذاباته، واغتراباته الشعورية؛ وإحساسه بالنفي، والقلق الوجودي؛ فالمناصرة يجد في هذا التراث الإرث الروحي الذي افتقده في ليالي النفي، والغربة، والضياع؛ ولذلك، نلحظه يعود إليه بين الفينة والأخرى عودة الابن الضال؛ أو الخائب؛ لعله يستأنس به، ويجد فيه الوداعة، والراحة، و الأنس والسكينة بعد سني العزلة، والتشرد، والضياع؛ ودليلنا على ذلك احتفاء قصائده بالمواويل الشعبية التي اعتمدت اللهجة العامية في إثبات هويتها الفلسطينية، وتراثها الفلسطيني الذي لن تحيد عنه؛ وهذا ما نستدل عليه من قوله:
” ألا ياهلا…. ياهلا..بحبيبي
حبيبي، حبيبي، حبيبي
وضمَّتهُ، ضمَّتهُ،
لكنَّه صخرةٌ راكدهْ
دزّيتلو مكتوبْ
طوَّل، وماجاني يوما
طوَّل، وماجاني
وضمَّتهُ ، ضمَّته،
لكنَّهُ جاءها، جثةً هامدة”(37).
إن تضمين المقتطفات التراثية من اللهجة المحكية في القصيدة يمنحها حرارة الإحساس بالقضية والواقع الفلسطيني؛ فالشاعر لا يريد أن ينفصل عن هذا التراث؛ لأنه يمثل له الانتماء، والالتصاق، والجذر الوجودي الذي لا يمكن الاستغناء عنه في تأكيد هويته الفلسطينية وانتمائه القومي.وهذا الاحتفاء بالتراث الشعبي الفلسطيني يمنح قصائده إيقاعها الخاص، ويشحذ بناها الدالة بفيض من الإحساس والنشوة الروحية؛ لدرجة أن القارئ لها يشعر بقربها إلى شغاف قلبه وبواطنه الشعورية، وخلجاته الروحية؛ كما في قوله:
” نارُ حُبِّي مطوَّقةٌ بالبحار، وجمرتُهُ قايدةْ
تشنشلَ قلبي من الحزن،
نهنهني الدمعُ، حتى الرعاة
على جبلِ الأيل ناموا
نسوا جمرة مُوقَدَهْ
خلاخيلُ حبي على فرسٍ من رخامْ
مرَّت رفوفُ الحمام
على غصنِ قلبي تغني … وحرقتها( قايدة)”(38)
إن قارئ هذه المقطوعة لايخفى عليه إيقاعها الشعبي، ولهجتها المحكية التي سرعان ما يدركها منذ الوهلة الأولى، وهذا يعني أنها مشتقة من الواقع الحياتي، واللغة المحكية؛ فالشاعر،هنا، اعتمد اللهجة المحكية؛ ليكسب قصائده شرعيتها في الانتماء، وشرعيتها في التأثير؛ وشرعيتها في الإيقاع والموسقة الروحية أو الشعورية، ولعل هذا الموال الشعبي الذي صاغه المناصرة لصديقه جوزف حرب بلغة محكية يدل على ثراء اللغة بهذا المعين الذي لاينضب أو يضمحل، ليخلق هذه المتعة الروحية والأنس الروحي في عودة قصائده إلى ينابيعها العذبة بفيوضاتها الشعورية المحملة بكل مظاهر الحنين إلى هذا التراث الحافل بالتميز والعطاء؛ وخير دليل على ذلك قوله:
” شو حلو
ها الشعر
ياجوزيفْ
متل النِدي فوق الورد بالصيفْ
بيروتْ عاصفةْ ضوْ في كوانينْ
وروحي مُعْفرا بتراب خماسين
زيِّ الوجع،
مزروعْ في الموَّالْ
إنتَ رسالي زرقا ملفوفي بالخس والألوانْ
وأنا الوهج بيسيل في الشلال
إنتَ وأنا غاباتْ هالتفاح في جزّين
……………………………………….
إنتَ وأنا عشاق مرجعيون والساحاتْ
واسأل حسنْ وشربلْ وابن فرحات
وشوقي والياسْ
ياما سفحنا الدمعْ في دردارة لخيامْ
إنتَ وأنا نيران حدّ السيفْ
شو حِلِوْ ها الشعر ياجوزف”(39)
هنا، يلحظ القارئ أن قدراً من الشفافية، والإيقاع، والنبرة الحبية الشعورية المرهفة تتبدى في هذا الموال الذي صاغه الشاعر لصديقه الشاعر اللبناني جوزف حرب؛ ففيه حنو، ورقة بالغة وإحساس شعوري، دافق بالود والمحبة؛ وهذا الأسلوب عضَّد الطاقة الإيحائية لقصائده؛ وأكسبها شرعيتها في الانتماء إلى التراث؛ كجزء من حركتها الفنية وتشكيلها الإبداعي.
وماينبغي الخلوص إليه:
إن التراث الشعبي الفلسطيني حاضر بقوة في قصائد عز الدين المناصرة؛ وهذا الحضور هو حضور هوية وانتماء؛ فالشاعر لم يأتِ به جذافاً أو مغامرة فنية لإكساب قصائده شرعيتها، وحس انتمائها؛ وإنما جاء وليد إحساس فني ونبض شعوري، والتحام بالهوية الفلسطينية، والتراث الفلسطيني كحاجة روحية تخرج من عمق اغتراباته وعذاباته الوجودية؛ وأبرزها النفي، والإحساس بالاستلاب.
5-التشكيل البصري:
لقد اهتمت القصيدة المعاصرة بالتشكيلات البصرية اهتمامها باللغه ذاتها ,نظراً إلى الدور المهم الذي أثارته في تشكيلها البصري في تحفيز الدلالات، وتكثيف الرؤيا،وذلك “لأن تحول النص الشعري الحديث من القالب البيتي المحدود بعدد ثابت من التفعيلات، قياسات محددة مسبقا، إلى رحاب السطر الشعري قد فتح المجال أمام التشكيل البصري في السطر الشعري، وقد ساعد الإخراج الطباعي الشعراء على إجراء تشكيلات بصرية تجسِّد الدلالات البصرية التي يرومون تجسيدها للمتلقي “(40)
وتأسيساً على هذا، نوع الشعراء في تشكيلاتهم البصرية؛ تبعاً لفضاء الرؤيا التي تبثها قصائدهم حتى “يكاد الفضاء التشكيلي للصفحه الشعرية أن يفرض هيمنته على الوعي النقدي الحديث , بوصفه بنية دالة تنفتح على قراءات عدة للمعنى الشعري, وهو يتحفز دلاليًا لاستكمال سيرورته البلاغيه , إذ لم يعد الشكل المعماري لجسد القصيدة بما يحمله من فجوات، وفراغات، وبياضات وتشنجات مجرد احتواء هامشي للمعنى , بل هو الفضاء الذي من خلاله يمضي الشاعر في تفتيت الفراغ (البياض) بمداد السواد على أساس أن الفراغ مكوّن بنائي فني مستوعباً لوحدته العضوية” (41).
ويعد التشكيل البصري من أبرز المفاتيح النصية في الكشف عن المستوى الجمالي لبنية القصيدة المناصرية؛ ودليلنا احتفاء قصائده بالأشكال الخطية المختلفة؛إدراكاً منه بأهمية التشكيلات البصرية في تكثيف الرؤية الشعرية، وتعزيز مثيراتها النفسية والدلالية؛وأبرزها هذه التشكيلات:
1) تناوب البياض والسواد:
إن تناوب البياض والسواد على الصفحة الشعرية يغني فضاء القصيدة الشعرية؛ ويكثف دلالاتها؛ وبذلك” يأخذ البياض/الصمت في النص الشعري معناه من السياق الشعري الذي يرد فيه؛ والموقف الوجداني الذي يعيشه الشاعر، فيصبح الصمت/ البياض أسلوباً تعبيرياً لايقل أهمية عن الكلام الشعري”(42).
وكثيراً مايلجأ المناصرة إلى تحفيز قصائده بالمساحة الفراغية التي يتركها بين الجمل؛ أو المقاطع؛ على نحو يثير الفضاء البصري للجمل؛ لأن:”المساحة الفراغية بين المقاطع والجمل تنطوي على نزعة تأويلية تربط ماقبلها بما بعدها بقراءة اجتهادية؛ تجعل من الفراغ هاجس تحفيزي،لإثارة ملكة التخيل لدى القارئ؛وتوثيق الصلات الدلالية بين الأجزاء النصية؛ بما يضمن لها التناسق المرجعي في جدلية التماثل والتباين؛وتأسيس المحاور والخلفيات المتناسخة في تجليات الطاقة البنائية للفراغ التي تحول المحور إلى هامش يغدو خلفية لمحور جديد”(43).
وقد اعتمد المناصرة على التلاعب بمساحة البياض والسواد، لتحريك الدلالة الباطنية المستبطنة عمق الجمل والصور الشعرية؛لإثارة حركتها الدلالية وإيقاعها البصري، كما في قوله:
” هل أعجبك التأويلُ يامدينة العنب؟؟
ما.. لمناديلكِ زرقاء!!
للنسيان مقاماتٌ عالية!!
أترك مساحاتٍ بيضاء،
لكي يتغزل الشعراء:
الحجرُ، سلامُ الأرض،
الحجرُ،قصيدتنا العصماء”(44)
هنا،نلحظ كيف يتلاعب الشاعر بمساحة البياض والسواد،إيذاناً باكتساح البياض الأسطر الشعرية؛ وهنا يفتح البياض الطيف الدلالي للمد التساؤلي عبر كثافة الأسئلة وعلامات التعجب؛ لتشي بإحساس الشاعر واختلاط مشاعره؛ فما انحسار السواد إلا لدلالة شعورية مقصودة؛ وما امتداد البياض إلا لغاية معينة يرتئيها الشاعر؛ وهي إبراز الصورة، واعتصار بلاغتها البصرية والإيقاعية:( الحجرُ، سلامُ الأرض، الحجرُ قصيدتنا العصماء)؛ فالشاعر يفعِّل البياض بالسواد لتعميق الرؤية، وتكثيف الدلالة.
ومن النصوص الشعرية المؤسسة على هذه التقنية بوصفها تقنية فاعلة في تحريك الرؤية، وإثارتها بصرياً قصيدة” أماكن”؛ وفيها يقول:
” زحف الأحبابُ… امتدوا،
كانت شجراتُ الموزِ تغني،
النهرُ،وجسرُ الحبِّ،وآهاتُ المظلومينْ
جاءوا، جاءوا من قلبِ الصحراءْ
فكُّوا أصفادَ الأحبابِ المسجونينْ
لا نطربُ،حين بيارقُنا
ترتفعُ على الحيطانْ
جئنا لنفكَّ المسجونَ،
ونعتقلُ السَّجانْ”(45)
هنا يغصُّ الشاعر بآهاته، وصدى كلماته الجريحة بوضع بعض النقط والمساحات الفراغية بين الكلمات والجمل؛ وهذه الفراغات تجسد إحساس الشاعر بالحسرة، والألم على واقع الضعفاء المظلومين المسجونين الذين فقدوا حريتهم؛ وماعاد ينفعهم أحد؛ وتأسيساً على هذا، حقق الشاعر الانسجام من خلال تناوب الحركة/سواد الكتابة،والسكون/بياض الصمت؛ في إبراز الدلالة ، وتعميق أثرها الثوري المحتدم؛وهذا يعني أن قصائده تشتغل على إيقاعاتها البصرية اشتغالها على إيقاعاتها اللغوية أو الصوتية؛ مما يحقق لها مزيداً من التكثيف، والشاعرية، والإيحاء؛ وهذا دليل
:” أن التوزيع التقني لتشكيلات البياض والسواد في النص الشعري الحديث ليس محض مصادفة؛ وإنما نحن أمام تشكيل هندسي يشترك كل من المبدع والمتلقي في تأسيس جماليته؛ فالمبدع يضع حدود البنى الجزئية للنص من خلال التوزيعات السطرية؛ والمتلقي يؤوِّل دلالات تلك التوزيعات التي يتجاوز فيها المتلقي سواد الكتابة إلى بياض الصمت وفيض المعنى؛ على اعتبار أن الصمت كلام من نوع آخر يترك للمتلقي أن يُتمَّ تشكيله”(46).
2-التطريز البصري:
ونقصد ب(التطريز البصري): توزيع الأسطر الشعرية بصرياً بمايحقق لها قوة الدلالة؛ وعمق الإيحاء؛ سواء بالتوازي السطري أم بالتفاوت السطري؛ والتطريز البصري من مفعلات القصيدة المناصرية لتزيدها عمقاً دلالياً؛وتفعيلاً بصرياً يقوي إيقاعاتها النفسية أو الشعورية؛واللغوية في كثير من الأحيان؛ على شاكلة قول المناصرة:
” يا أمي؛ تأخذني عيناكِ إلى أين؟؟!
مابينَ النارِ وبين النارِ يموت
ما بينَ الطلقةِ والطلقةِ
مابينَ الهمسةِ والحرفِ يموت
أثناء صياحِ الديكِ يموت
بعد طلوعِ الفجرِ يموت..
لاتسألْ: هذي بيروت.
حربٌ من رملٍ فجَّرها الطاغوتْ
وأنا في الفخِّ الأسود، لا أعرفُ كيف أكونْ
لكنْ، لن يفهمني أحدٌ؛ غيرُ الزيتونْ”(47)
بادئ ذي البدء، نقول: إن التطريز البصري- في شعر المناصرة- يعتمد على الموازاة البصرية؛ خاصة في السياقات التي تستدعي المقارنة أو السياقات التي تتطلب الموازنة بين شيئين؛ وقد عزَّز التطريز البصري دلالة الموت، لتدل على طغيان هاجس الموت بتطريز بصري واضح؛ حيث تشكل هذه اللفظة الفاصلة الشعرية؛ أو القفلة السطرية في أربعة أسطر شعرية؛ وبهذا التطريز البصري يعضد الشاعر دلالة الموت؛ لتدل على معاناة وانكسار وتأزم شعوري عميق جسده الشاعربصرياً كما جسده لغوياً بالتطريز البصري الكاشف عن شدة الأسى وفداحة الاغتراب.
ومن أشكال التطريز البصري الضغط على صيغة واحدة ، لترسيخ الرؤية؛ وتأكيد ثباتها، كما في قوله:
“وأخيراً:
ياموتُ، ألا تترك أهلي
ياموتُ، ألا تترك أهلي
ياموتُ، ألا فاترك أهلي”(48)
هنا ، يعتمد الشاعر على التطريز البصري في تأكيد رفضه وثبات موقفه؛ وقد لجأ إلى توازي الصيغة بصرياً في تحقيق هذه الغاية؛ وكأن الشاعر بالمساحة السطرية المتوازية يؤكد الهيئة البصرية الراسخة أو الثابتة؛ دلالة على ثبات موقفه ورفضه أن يطال الموت أهله؛ وهذا يعني أن قوة الدلالة البصرية الممثلة في التطريز البصري عمَّقت الدلالة الراسخة في الكلمات؛ وزادت من بلاغتها وقوتها الدلالية.
ومن أشكال التطريز البصري الذي اعتمده المناصرة ما ذكره الناقد محمد الصفراني في قوله:” ونعني بالتطريز البصري أن يجعل الشاعر حروف أوائل الكلمات تشكل اسماً معيناً؛ ويجسد التطريز البصري دلالة الاسم من خلال تفريق حروفه على أوائل الأسطر الشعرية، ثم الانسياب من كل حرف بما يعكسه على الذات الشاعرة من دلالات”(49).
ومن القصائد المعتمدة على هذه التقنية قصيدة(ظلَّ يركض…. حتى الرصاصة) لعز الدين المناصرة، وفيها يقول:
”
-كاف- كبرتْ أعوامي
ها،أنذا،أحملُ أشعاري وأسيرْ.
-ياء-يشتاقُ الواحدُ منا، ياأمي،الآخر.
– سينٌ-سأل الصحفيونَ
إذا ما كانَ الزعتر،يفترشُ التابوت.
نونٌ- نادى، حتى يستيقظ
أحفادُ الليمون، اللبن، العسل،
العنب، التوتْ.
-جيمٌ- جمجمَ أغصاني، حارسكِ الأسود يابيروتْ
– راء- رافقني الحلمُ المدفونُ المكبوتْ”(50).
هنا ، يعتمد الشاعر التطريز البصري بالحروف؛ ليحقق للقصيدة بلاغتين: بلاغة بصرية؛ وبلاغة تقفوية-صوتية؛ يعزز من خلالها إحساسه الاغترابي، وإحساسه بالانتماء؛ فالشاعر يعي أن التشكيل
البصري لايقل قيمة ولا أهمية عن التشكيل اللغوي في تحفيز القصيدة، وإثارة حركتها الدلالية؛ وعلى هذا الأساس،يعدُّ التطريز البصري من مثيرات تشكيلات قصائده بصرياً؛ لتحقق منتوجها الإيحائي؛ ولا غنى عن هذه التقنية في تقوية الدلالة، وتعزيز مردودها الفني ضمن القصيدة.
3- علامات الترقيم:
تؤدي علامات الترقيم دوراً مهماً في الكشف عن دلالات الجمل؛ نظراً إلى ارتباطها بصلب الدلالة الشعرية التي تشي بها الصور والعبارات الشعرية؛ ذلك أن:” علامات الترقيم تقوم مقام نبرات الصوت التي تفسر الأسلوب التعبيري الذي يحاول الشاعر إيصاله؛ ويحاول القارئ رصده؛ ومن هنا؛ فإن جملة الاستفهام تختلف في نبرتها عن جملة التعجب، والفاصلة تختلف في دلالاتهاعن الفاصلة المنقوطة؛ والنقطة الواحدة تختلف في إشارتها عن النقطتين أو النقاط المتعددة؛ ويمكن القول:إن معظم القصائد الشعرية الحديثة تتضمن علامات الترقيم بكثرة حتى إنه قلما تخلو قصيدة حديثة من علامات الترقيم”(51).
وهذا يعني أن لعلامات الترقيم فاعليتها القصوى في تفعيل بنية القصيدة، وإثارتها بلاغياً؛ فالبلاغة البصرية لا تقل قيمة ولا أهمية عن البلاغة الشعرية؛ خاصة عندما تأتي العلامات البصرية فواعلَ نصية ضمن القصيدة؛ كما في قوله:
” من يرثي في الليلِ قوافلهم ياأزرق
من يسمعني ذئباً مقهوراً بالألوانْ
من يسمع صوتي المشروخ الآن؟!!!”(52).
هنا، تأتي علامات الترقيم ممثلة بإشارات التعجب؛ لتفعِّل الجملة بصرياً، وكأن الشاعر أراد أن يجسِّد احتراقه الداخلي؛ بمراكمة علامات التعجب ثلاث مرات؛ إيذاناً بصرياً بالاحتراق والانكسار الداخلي والقهر الوجودي من هذا الزمن الكريه؛ وهذا ما أكده بصرياً في مقطعه الأخير:
” خلا الحقلُ، أقفر من ساكنيهْ
لماذا ولدتُ بهذا الزمانِ الكريهْ!!!
أريدُ مكاناً قصياً، قصياً
أُكَنْعِسُ فيه”(53).
هنا تعاضدت، في هذا المقطع، سلسلة مؤثرات” بصرية/ دلالية” مؤثرة في تعزيز الانسلاخ الوجودي،وكراهية هذا الزمن؛ ولو دقق القارئ في الفواصل التي تركها الشاعر بين لفظة( إلهي) إنها أشبه بالزفرات الابتهالية التي تدلل على رغبة الشاعر العارمة في الارتحال بعيداً عن هذا العالم المؤلم إلى عالم مريح؛ وقد طالعنا الشاعر باشتقاق فعلي مثير؛ يدلل على بلاغته في سياقه، لتتضافر بلاغة الدلالة اللغوية؛ وبلاغة الرؤية البصرية؛فالفعل( أُكَنْعِسُ) يدل على الاستجمام والاسترخاء التأملي بعيداً عن مرتكسات الواقع ومآسيه المؤلمة. وهذا يدل على فاعلية علامات الترقيم في سياقها الشعري؛ لأن الشاعر يبث من خلالها الكثير من مواقفه ورؤاه واحاسيسه الداخلية؛ولذلك تعدُّ” علامات الترقيم بأشكالها المتنوعة وسيلة بلاغية تجذب انتباه القارئ الذي يصادف بصرياً علامات تمسك بيده ليستقبل النص الشعري استقبالاً خاصاً؛ فيمارس فاعليته، في استكناه جمالية توظيف علامات الترقيم في تحقيق شاعرية النص؛ من خلال المقدرة على تلقيه تلقياً صحيحاً يمكنه أن يفك رموز الإيقاع الخفي الذي يستأثر بأرواحنا”(54).
ولا بدَّ من أن نشير إلى أن التشكيلات البصرية_ في قصائد عز الدين المناصرة- غنية بالدلالات؛ وما ذكرناه ما هو إلا غيض من فيض، وهو من المفاتيح النصية المهمة في تفعيل قصائده والكشف عن مضمراتها الدلالية؛ فهناك مثلاً ( الشكل الخطي- والأقواس-والأشكال الهندسية –والعناوين)؛ وهذه تتطلب بحثاً خاصاً يطول به المقام في رقعة هذا البحث الضيق.
وما ينبغي التأكيد عليه في نهاية المطاف:
إن المفاتيح النصية – في قصائد عز الدين المناصرة-أكثر من أن تحصى، وما ذكرناه لايمثل أهمها؛ فثمة مفاتيح نصية قد تكون أكثر أهمية مما ذكرناه، وهذا ندعه للباحث الحصيف ليتعمق بها أكثر عسى ولعله يكشف ماعجزنا عنه في هذه الدراسة النقدية المتواضعة؛ وماقدمناه لايعدو أن يكون مجرد رؤىً أو نقاط َعلام يمكن الاهتداء بها للوصول إلى جوهر رؤيته الشعرية ومقومات نصوصه الشعرية فنياً وجمالياً؛وهذا مسعانا الأخير من هذه الدراسة.
……………………………………………………………………………………….
الحواشي1
(1) شرتح,عصام ,2012-ملفات حوارية في الحداثه الشعرية “ملف حوار صالح هواري ,دار الامل الجديدة دمشق ص289.
(2)المصدر نفسه ( ملف حوار خليل موسى)ص239-240
(3)نقلا من ديوان عز الدين المناصرة ج2/ص534.
(4)المناصره ,عز الدين ,2005-الاعمال الشعرية ج1-ص21
(5)زايد علي عشري,1997-استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر ,دار الفكر العربي القاهرة ص180.
(6)المناصره ,عز الدين ,2005-الاعمال الشعريه ,ج1/ص21-22.
(7)المصدر نفسه ج1/ص22.
(8)المصدر نفسه ج1/ص22-23.
(9)المصدر نفسه ج1 /ص23-24.
(10)المصدر نفسه ج2/ص323.
(11)المصدر نفسه ج2/ص355.
(12)المصدر نفسه ج2 /ص355-356.
(13)المصدر نفسه ج2/ص426-427.
(14)المصدر نفسه ج2 /ص406-407.
(15) المصدر نفسه،ج2/ ص407.
(16)نقلا من السفياني نورة ,2005-ظاهرة الاغتراب في شعر القرشي ,مجلة علامات في النقد ,ج58,م 15ص228.
(17)المناصره ,عز الدين ,2005-الاعمال الشعرية ج2 /ص193-194
(18)المصدر نفسه ج2/ص189.
(19)المصدر نفسه ج1/ص485.
(20)المصدر نفسه ج1 /ص503
(21) الشيباني؛ محمد حمزة,2011- البنيات الدالة في شعر شوقي بغدادي، دار رند دمشق؛ط1،
305.
(22) المرجع نفسه،ص309.
(23)المناصرة؛ عز الدين، 2005-الأعمال الشعرية ج1/ص415.
(24)المصدر ن؛ج2/462-463.
(25) المصدر.ن ج1/ص423.
(26) المصدر ن.ج1/ص424.
(27) المصدرن ج1/ص319.
(28) المصدر.ن ج1/ص405.
(29) المصدر ،ن.ج2/ص403
(30) المصدر.ن ج2/ص364.
(31) المصدر ن.ج1/ص365.
(32) المصدر ن. ج2/ص409
(33) المصدر ن.ج1/ص468.
(34)المصدر.ن.ج1/ص471.
(35)المصدر.ن ج1/ص479.
(36) المصدر.ن ج1/ص488.
(37) المصدر.ن.ج1/ص489.
(38) المصدر.ن.ج1/ص515.
(39) المصدر.ن ج2/ص382-383.
(40) المصدر. ن ج2/ص510-511.
(41) الصفراني، محمد،2008 _التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث،النادي الأدبي الثقافي بالرياض، والمركز الثقافي العربي، بيروت، ص171.
(42) الشيباني، محمد حمزة،2011 –البنيات الدالة في شعر شوقي بغدادي،ص351.
(43)ترمانيني، خلود،2004 –الإيقاع اللغوي في الشعر العربي الحديث،ص216.
(44) نقلاً من: الشيباني، محمدحمزة –مرجع سابق،ص356. وانظر:فرشوخ، أحمد،2004 –حياة النص، دراسات في السرد، دار الثقافة،ط1،ص26.
(45) المناصرة، عز الدين، 2005- الأعمال الشعرية،ح1/ص286.
(46) المصدر. ن. ج1/ص498.
(47) ترمانيني، خلود،2004-الإيقاع اللغوي في الشعر العربي الحديث، ص226.
(48) المناصرة، عز الدين،2005 –الأعمال الشعرية،ج1/ص456.
(49) المصدر. ن.ج1/ص382.
(50) الصفراني،محمد،2008 – التشكيل البصري في الشعرالعربي الحديث؛ص191.
(51) المناصرة، عز الدين،2005_ الأعمال الشعرية،ج1/ص467-468.
(52) ترمانيني، خلود،2004 – الإيقاع اللغوي في الشعر العربي الحديث،ص203-204.
(53) المناصرة، عز الدين،2005- الأعمال الشعرية ج1/ص514.
(54) ترمانيني، خلود،2004 –الإيقاع اللغوي في الشعر العربي الحديث، ص226.
……..