
رغم اني لا اتقبل التجييل في الفن التشكيلي العراقي كحل سهل لتصنيف الفنانين، ربما بسبب ايماني بأن العمل الفني ابداع فردي تكمن اهميته في قطيعته مع المنجز السابق له، كما انه يواصل بثه الستطيقي (الجمالي) بعد الاف السنوات من انتاجه وكأنه قد انجز الان، الا ان المتغيرات الاجتماعية تلقي بثقلها في منح الحقب نمطا من السمات الاسلوبية الخاصة التي تتفرد بها عن غيرها من السمات السوسيولوجية في الفن.
لقد كان الفهم والآلية التي تعامل بها جيل الخمسينيات منسجمة، ومتصالحة مع افكاره الجمالية، ومع آليات الرسم في وقتها، حيث اكتفى ذلك الجيل بتعريف مطمئن يرتكز على خطاب عصر النهضة العربية في (التعبير عن الروح المحلية بقوانين اللوحة المسندية – آل سعيد) وهو ما يتضمن المزاوجة بين (التراث والمعاصرة)، في خلطة لم تكن صفة الفنية تتحقق دونها، بينما اطبقت الآيديولوجيا بخناقها على جيل السبعينيات فحولته الى رسامي بوسترات واعلانيات، فخسرنا بسبب المقاربة الايديولوجيا للفن، وكانت مهيمنة بشكل مطلق، جيلا بكامله الا من حاول انقاذ نفسه وفنه بالهروب خارج العراق، اما جيل الستينيات، وهو جيل اشكالي تماما، فقد كان محاصرا بين ضاغطين: اولا، الخطاب التشكيلي الخمسيني الذي مازال وقتها فاعلا ومهيمنا في السبعينيات بفعل تبنيه سواء من الدولة او من الاحزاب الفاعلة وقتها، ثانيا، اتفصال اللوحة عن (النسق السائد) او الذوق العام المستحكم، حيث انجز بعض اقطاب الستينيات اعمالا كان عليها الانتظار عقدين من الزمن لتجيل على الحقبة الثمانينية، ومن هؤلاء الرسامين صالح الجميعي مثلا، وبذلك فقد احكم هذان الضاغطان بقبضتهما على جيل الستينيات الذي انتهى الى حل توافقي بأن جمع الخطاب الستيني بكل نثريته وانشائيته وايديولوجيته المستحكة بهدف الابقاء علة الصلة حية مع (الجمهور)، مع اللوحة التي انفصلت عن الجمهور متجهة الى متلق نخبوي، مما جعل جيل الستينيات في الرسم العراقي تحت وطأة نمط من (الشيزوفرينيا الثقافية) حيث يمتزج في ذات التجربة خطاب مضى عليه عقدان من الزمن ولوحته سيحين موعد الاعتراف بشرعيتها عقدين من الزمن.. فكانت اعمال معاض العديد منهم تجارب حداثية بامتياز بينما ترافقها كتيبات (فولدرات) تتضمن نصوص عفى الدهر عليها وتنتمي الى خطاب
الخمسينيات، وهي خطابات لاهم لها الا ردم الهوة التي بدأت تتسع بين الجمهور وبين التجارب الستينية الفنية..
(الاعمال المختارة للرسام صدر الدين امين وهي نموذج للتحرر من ربقة اية افكار قبلية مسبقة الا الرسم وتفجير طاقة الاشكال والمواد التي تشكل جوهر الرسم).
—