شجرة شوكية ترتفع لمترين دائمة الاخضرار أزهارها مصفرة تضوع برائحة اللوز خاصة في مثل هذه الأيام آخر فصل الربيع وبداية الصيف، تنمو في قارتي أوربا وإفريقيا، اتخذ الكاتب الفرنسي جان جينيه Jean Genet زهرة الوَزَّالُ شعارا له في مقتبل عمره عندما كان لصا ثم تحول إلى جندي، وقد دون في مذكراته «يوميات لص» التي صدرت عام 1949م (عرضت في إحدى قاعات معرض Mucen): «أرنو إليها بخشوع ومحبة، ويبدو أنّ مشكلتي تكمن في الطبيعة… أنا وحيد في هذا العالم، ولست متأكدا إذا كنت ملك هذه الزهور أو شيطانها».
يرويGenet سيرته بعد أن تخلّت عنه والدته ولم يبلغ بعد العام الواحد، وبسبب الطفولة البائسة، تحول إلى لص. وسجن بسبب ذلك في الإصلاحية التي هرب منها ليتطوّع في الجيش، وسافر مع فرقته إلى بلاد كثيرة منها المغرب والجزائر وسوريا، ثم ترك الجيش ليعود مجددا إلى حياة التشرد والسرقة، حيث انضم إلى عصبة فتية الشوارع.
بمرور 3 عقود من الزمن على رحيله، يحتفي متحف «موسم»، المتخصص في الحضارات الأوروبية في مرسيليا. المعرض الذي يقام في 3 قاعات عرض فخمة، يضم وثائق ومخطوطات لأعمال الراحل Genet، منذ صدورها وصورا فوتوغرافية وملصقات نادرة، تعرض للمرة الأولى.
ومن بينها وثائق تكشف أكثر عن والدته التي حمل Genet اسمها. ومن تلك الوثائق، رسائلها التي تعلن فيها عن قرارها بالتخلي عنه ضد رغبتها. وهي رسائل حملت طابعا مأساويا وبلغة فيها كثير من الحزن. ونجد في الرسالة ما كتبه Genet لمؤسسة رعاية اللقطاء التي تربى فيها، يسأل فيها عن أصوله. وتعد هذه الوثائق من الشواهد العميقة على مسيرة الأديب المكلومة والمليئة بالعذاب، والمنهوبة لحياة التشرد والسرقة والجريمة والمثلية الجنسية، مسيرة استوحى منها معظم شخصيات رواياته ومسرحياته.
وفي القاعة الثانية، عُرضت رسوم ملوّنة للأزياء التي صمّمها أندريه أكار، لمسرحية «برافانات» التي كتبها Genet، ونسخ من طبعتها الأولى وصور ووثائق عن المرة الأولى التي عُرضت فيها المسرحية قبل نصف قرن عام 1966م، على خشبة مسرح «الأوديون» في باريس.
وفي القاعة الثالثة من المعرض، مخصصة للمرحلة الأخيرة من حياة Genet، فيها توقّف عن الكتابة ليعود إليها مع نص بعنوان «أسير عاشق»، وقد وضع فيه خلاصة علاقته بالفلسطينيين الذين عرفهم منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، عندما أقام في الأردن متنقلا بين قواعدهم ومخيماتهم، ووجد في قضيتهم مختصرا للقضايا الإنسانية. وفي شريط فيديو يبثّ في المعرض، يتعرف الزائر إلى شهادات من بعض الشخصيات العربية التي عرفته عن قُرب وكانت على صلة عميقة به، وأولها الدبلوماسية الفلسطينية ليلى شهيد التي دخلت معه عام 1982م مخيم صبرا وشاتيلا، بُعيد حدوث المجزرة في شهر أيلول الأسود. ومن مشاهداته هناك، استوحى
Genet نصه الذي حمل عنوان «أربع ساعات في شاتيلا»، الذي نشر عام 1983م في «مجلة الدراسات الفلسطينية».
جمع القاعات الثلاث، منحوتة مميزة بعنوان «الرجل الذي يمشي»، للسويسري Alberto Giacometti، الذي كان صديق Genet. وبقرب هذه المنحوتة، لوحة بورتريه للكاتب أنجزها Giacometti عام 1955م، مع رسم آخر تخطيطي لوجهه. المعرض أشرف عليه المدير الأدبي لمعهد «مذكرات النشر المعاصر» ألبير ديشي، والباحثة إيمانوييل لامبير، وأطلق على المعرض اسم «الهروب الكبير La Grande Évasion».
—