عبد اللطيف رعري :
آه لِغُرْبَتِي …
آه لِحُرْقَتِي…
فِي الأَرْضِ …كَمَا السّمَاءِ
حِينْ أوْشَكَتْ بِي النِّهَايَاتِ وَ سَاعَتِي
لِغَضَبِ البَحْرِ
أَلْصَقْتُ مِعْصَمِي على ثُقُب الحَائِطِ
وَغَنّيْتُ وَيْلاَتِي بِهَمِيمٍ حَزِينٍ
وَحِينَ فَاجَأَنِي بَلَلُ الْعَيْنِ حَارٍقًا
هَرَعْتُ مَسْعُورًا أنْفُضُ غُبَارِ اليُتْمِ
وَلاَ رَتّقْتُ مَنَاديِلِي عِنْدَ سُقُوطِ بَيَاضِهَا
فِي قُمَامَةٍ قَابِلَةٍ للِاشْتِعَالِ
وأشْرِعَتِي نَقّطَتْهَا عَثَراَتِي بالْحَرْفِ الحَجَرِي
حَافِيةً دَامِيّةً ….
وأرْخَتْ حِبَالَهَا فِي عُنُقِي
وَسَلّمَتْنِي للِّرِيحِ لِأَزُفَ لِلْعَاصِفَةِ خَلاَءَ الطَّرِيقِ
النوَارِسُ لِضَحْكَتِهَا فَانِيةْ
والأَمْوَاجُ لِهَجْمَتِهَا دَانِيةْ
وَذَاكَ المَجْنُونُ أنَا
فِي مَكَانٍ حَيْثُ لاَ زَمَانْ
يَلْوِي يَدَ الدُخَانِ عَلَى قَفَاهْ
ويَعِدُ صَفَحَاتَ الهَجْرِ بالْخُلُودِ
لاَ لِشَيء إلّاِ لِمُصَالَحَةِ الهُرَاءِ
وَتِلْكَ الوَرْدَةُ تَنْحَنِي لِمَا لاَ نِهَايَةْ
فَوْقَ مَنْبَتِ شَرٍ
وَجَانِبَهَا صُبّارَ القَاحِلَةِ آخِرَتَنَا
مَبْسَمُهَ أَكْثَرَ شَرَاهَةٍ لِلقُبَلِ
وَتَنْبَعِثُ مِنْ خَلْفِنَا صَدّى الْأَقْدَاحِ
وَمِنْ ظِّلِنَا شَهْقَةُ الأَمْدَاحِ
وَمِنْ عَدَمِنَا بَصْمَةُ الأقْرَاحِ
كَمَا اللّيْلُ فِي لَيْلِهِ
كُنْتُ الأَجْدَرَ بِالفِرَارِ
وَكَمَا النّهْرُ لِغُلْوِهِ
كُنْتُ أَدْرَى بِالانْتِحَارِ
أعْطَابِي دَامِيةٌ …
أطْرَافِي عَارِيةٌ…..
وَأَقْنِعَةُ الصّباحِ غَامِقَةٌ أطْوَلَ دَهْرٍ
مِنْ أقْنِعَةِ المَّسَاءِ
وَالحَيّةُ التِّي بَيْنَ يَدِي
رَوّضَهَا الكَسَلُ عَلَى النّوْمِ
فَبَاتَتْ دُمْلُجاً لِذِكْرَيَاتِي
وَالصّقْرُ الذِّي دَثّرَ سَمَائِي بِالرّحِيلِ
وَأَنَا العَرِيسُ
هَا هُو الآنَ يَسْأَلُ طَرِيدَةً تزنُ قَمْحَةً
بِمَخَالِبَ مَكْسُورَةْ
بِعُيُونَ نَائِمَةٍ غُورُهَا مَرَارَةٌ
وَهَا الْحَرْفُ الشّامٍخُ
الرّاقِصُ عَلَى هَوَايْ
العَاكِفُ عَلَى الصّلاَةِ فِي الفَرَاغِ
فِي المَحَارِبِ الكَوْنِيّةِ الْفَانِيّةِ
يُضِيءُ مَحَجّتِي لِلأَبَدِ
وتِلْكَ الشِّعَارَاتِ المُتَنَاثِرَةِ فِي الأَبْرَاجِ
بَعُلْوِ القَمَرِ حِينَ لاَ نَرَاه
تَتَغَنَّى الكَمَالَ بِسُبْحةِ الرّمَالِ
لِتُعَظِّمَ جُدُورَ المُنْتَهَى
بِأَمْرِ كَاهِنٍ أَعْظَمْ يتَحَسّسَّ
سُقُوطَ السّمَاءِ
فِي آخِرِ يَوْمٍ مٍنْ شُهُورِ المِيلاَدِ
والرَّشْقَةُ العَاقِرَةُ لاَ تَلِدُ حَرْفاً
وَلَوْ شَرِبَتْ بَحْرِي
فَسَارَتْ دَامِيةً وَقْتَ المُدَاعَبَةِ
وَبَلّلْنَا ِمنْ حَوْلِنَا الوُجُوهَ قَطْرَاناً
لِطَرْدِ نَحْسِ الأَطْيَافِ
وَمَا شَاطَ مِنْ تَمَثُّلاَتِ فَاجِرَة ٍ
وَهَا هِي قِمَمُ الجِبَالِ يَتَآكَلُ عُلْوُهَا
فُتَاتأً تَعْجِنُهُ طُيُّورَ الهِجْرَانِ بِدَمْعِهَا
لِتَرْسُمَ طَرِيقَهَا لِمُسْتَقَرٍ آمِنٍ
وَفِي أَقْصَى الزّوْبعَةِ خَيّرْتُ نَفْسِي بِالبَقَاءِ
لِأدَحْرِجَ صُخُورَ الشُرُودِ عِنْ جَنَبَاتِ الحُقُولِ
شَأْنِي فِي ذَالِكَ شَأْنَ الهُرُوبِ
وعادَتِي أنْ لاَ أسْتحِمَّ بِنَارِ الغُرُوبِ
وَلاَ أصُومَ عَنْ الكَلاَمِ فِي وَضْعٍ كَرُوبٍ .
آه لِغُرْبَتِي …
آه لِحُرْقَتِي…
فِي الأَرْضِ …كَمَا السّمَاءِ
كَمَا اللّيْلُ فِي لَيْلِهِ
كُنْتُ الأَجْدَرَ بِالفِرَارِ
وَالصّقْرُ الذِّي دَثّرَ سَمَائِي بِالرّحِيلِ
وَأَنَا العَرِيسُ
صَارَ اليوْمَ يُؤنِسُنِي نِيَابَةً عَنْ ظِّلِي.
آه لِغُرْبَتِي …
آه لِحُرْقَتِي…
—