فيصل الهذلي قاص وروائي سعودي، ابتكر لغة سردية فريدة قدمها بلغة كتبها بأدوات كانت شعائر “قداس الانصات” الذي عرف به الكتابة في تقديمه لإصداره الأول (قيامة الرماد) وهي مجموعة قصصية نشرها عبر دار طوى في عام ٢٠١٣م.
وفي عام ٢٠١٥م أصدر روايته الأولى (رسول السبت) والتي جعلت الكثير من القراء يراهنون على حرفه.
وفي الأسطر التالية نحاور فيصل الهذلي للمرة الأولى
من هو فيصل الهذلي؟
شخص كان طفلاً تلهمه الجبال الغناء خلف قطيع ماشيته. أما حاضره فتحتشد فيه أمنية واحدة: أن يعود طفلاً لا يدرك من الشر شيئاً.
كيف تصف تجربتك مع السرد؟
هي محاولات يائسة للانحياز نحو الانسان، الانسان الذي يصنعه النص دون أن يكون لصانعه عليه سلطه، سوى رصده وهو ينمو ويكبر ويتخلّق: يحب، ويكره، ويبطش ويسالم، ويغني ويتنسك… ثم تأتي الكتابة السردية لتكون الشاهد العليم.
كيف تعلمت السرد ومتى اكتشفت أن بإمكانك كتابة قصة؟
نشأت في وادٍ تحتضنه الجبال التي توارثت الأساطير الشعبية فكانت الجبال تروي عبر أفواه الجدات تلك الأساطير كل مساء. سرد تلك الأساطير كانت أشبه بقداس سردي يتحلق الأطفال والصبية في حضرته بخشوع وسكينة. وعليه فإن الجدات والآباء والأمهات حققن مشيئة الجبال في أن أكون سارداً، وها أنا ذا أحارب من أجل تلك المشيئة.
لماذا هذه العناوين قيامة الرماد ورسول السبت؟
قيامة الرماد كانت تجربة سردية ولعلي حين قلت عنها بأنها “قداس انصات” فذلك لأن السرد في رأيي حينها أشبه بمن يصغي إلى الرماد ثم يسرد حكاية تلك الشجرة التي أصبحت اغصانها رماداً في موقد الحياة. ليس حكاية الشجرة فحسب بل كل من عبر بجوارها أو تفيأ ظلها. وأعتقد الآن أن تلك العقيدة السردية كانت مرهقة جداً، على أني مازلت أعتقد بها وتمنيت لو كان في الأمر فسحة!
أما “رسول السبت” فكانت محاولة روائية لرصد تقلبات النفس البشرية (سكينتها واضطرابها) وذلك عبر “سعيد بن ظافر” بطل الرواية الذي تحدث عن نفسه وروى سفر حياته من ميلاده حتى عروجه على الصليب الذي تحرر به من خطاياه وفقاً لما قرره هو.
تعرف نفسك في صفحتك بهذه الجملة (ولدت من رحم رغيف فتنسكت على أبواب الجياع) والكثير من قصصك تتحدث عن الطين والأودية والجبال فماهو السر وراء ذلك؟
أجيبك باقتباس من أحد نصوصي:” سأؤمن على صلوات الفلاحين. سأغني خلف أبواب الفقراء. سأتتبع أقدام الطين. سأغني مع الأطفال. سأشارك في طوابير الرغيف. سأكون صلاة في صدر الحقل وأغانٍ في أفواه الرغيف. أنا معهم. أنا أحدهم”.
نشرت قصة قصيرة جداً نصها (ثم انتهت الحرب، لكن النساء لم يعدن إلى الحقول المحاصرة بالفزاعات، والأطفال أصبحوا يتترسون بالأبواب الصدئة، لأن المحاربين لم يعودوا أبداً) وكثير من نصوصك مشبعة بالموت والمآسي، فهل هذا يعكس شيئاً خفياً منك؟
ينبغي أن ننتبه إلى أن حضور الكاتب في النص لايستقيم مع تجرده. والموت والمآسي من مسلمات هذا الوجود. وعليه فجوابي هو لا، لا يعكس شيئاً مني.
وماذا عن هذا النص؟ (كعود ثقاب تطاول على سرمدية الظلام برأس اشتعل فجأة ثم ترنح الضوء فجأة بل رقص وهو يسقط في هوة ساحقة من السواد.يسقط الاكتئاب. المجد للغناء)
هذه الخاطرة كانت استراحة حاولت فيها تشخيص حالة ما، ولو عدت واقتبستها في نص قصصي أو روائي على لسان أحد الشخوص لكانت مما يستعان به من معارف وخبرات في السرد.
أين تجد نفسك أكثر في القصة أم في الرواية؟
ابتداءً كل قصة هي نواة لرواية، وإذا تجاوزنا تقسيمات الأجناس الأدبية فإن كلاهما مروي وعليه فإن التفرقة بينهما لدي من حيث مساحة النص وما يتبع ذلك من وحدانية الحدث والتكثيف اللغوي أو تعدد الأحداث وتنامي الشخوص وغير ذلك. وجواب سؤالك أجد نفسي في كليهما.
لماذا توقفت عن النشر واتجهت الى نشر اعمالك في صفحتك في انستقرام؟
لأن دور النشر تبحث عن الاسم لا النص، ومن المؤسف أن لا أحد يراهن على اسمي حتى الآن!
لكن الأكثر أسفاً أن دار نشر سعودية كبيرة احتجزت إحدى رواياتي لديها لثلاثة أشهر ثم أعادتها بالرفض لأسباب تسويقية بالرغم من أن هذه الدار تنشر عناوين يمكن عرضها في محلات التخفيضات في الأسواق الشعبية، ومربط الفرس هنا أن الدور تبحث عن الاسم كما يمكنها تمرير الرديء بالواسطة والمحسوبية لأن السواد الأعظم من دور النشر لاتملك مواثيق مهنية ولا عقائد أدبية. وأؤكد بأن هذا وقت كتب عارضات الأزياء ومشاهير مواقع التواصل. أليس هذا ما ينشر الآن؟ أيهما تخشاه عند الكتابة الناقد أم مقص الرقيب؟ لا أعتقد أن الكاتب الذي يراقب الناقد قد كتب نصاً من صنيعته بل قدم مادة ممسوخة معلبة أشبه بعلب التونة المتشابهة رغم اختلاف صانعيها. الكتابة تجرد من كل شيء، والناقد لاحق للكتابة وهي سبب وجوده فكيف يؤثر المصنوع في الصانع؟! وقد عرفت وقرأت لعدد كبير من الكتاب في الشبكة العنكبوتية لم يعرفهم أحد ووجدتهم أدباء بالفطرة إلا أن لديهم رهبة كبيرة من “سياط النقاد” وهذا يمكن أسميه بتصنيم الناقد، هذا فضلاً عن أن بعض من يسمون أنفسهم نقاد يعتقدون بأنهم “سدرة المنتهى” فيدخلون جنتهم من شاء ولو كان النص مجرد مذكرات مرحلة المراهقة. إنها فرصة لتصدر المشهد على كل حال! أما مقص الرقيب فلا أعتقد أننا في السعودية وصلنا إلى حرية التعبير الكاملة، ربما بالإمكان انتقاد رجل دين أو كتابة نص سردي عنه بتجرد لكن قد تكون الكتابة عن رجل مرور برتبة “عريف” تجاوزاً. صحيح أن هناك استثناءات وأملك مايدحضها لكن لا يمكنني الإجابة الآن. لمن تقرأ؟ ومن هو الكاتب الذي تأثرت به؟
لدي هوس بالقراءة وفي مرحلة سابقة كنت أقرأ أي كتاب يقع في يدي أو أي مادة منشورة في الشبكة العنكبوتية. قرأت كثيراً في مجال الأديان والمذاهب، وهذا جعلني أراجع الكثير من مسلماتي، ثم في مرحلة لاحقة وجدت أن هذا جعلني أسلك طريق التأمل والسلام الروحي. لذلك أنا ممتن لله تعالى أن أرشدني إلى هذا الطريق. أما في النص الأدبي فأنا ممتن لله أن كان بيننا “ماركيز” السارد العظيم الذي سيكون تكراره هبة إلهية أخرى.
ماهو جديدك؟ لدي أربع روايات ومجموعتين قصصيتين قد أنشر بعضها في كتب إلكترونية لتكون متاحة للجميع.
—