عبد اللطيف رعري :
فِي مَحَجَّةٍ بِخَمسِ قِبَابٍ خَضْرَاءَ
فِي كُلِ مَكَانٍ …
وبِعَرضِ المَلامَةِ وبِعرْضِ مَا يُشْبِهُ القِيامَةِ
حَطَّتْ مَا لاَ حَصْرَ لِلْغِربَانِ
تقُودُهُم غَاوِيةٌ بتَمَامِ الثِّقْلِ والاسْتِكانِ
لهَا مِنَ الألوَانِ رُبْع السَّوادِ
تُحَرِّكُ أنْيَابَهَا سَاعَةَ البِعَادِ
نَصَبُوهَا تِمثَالاً صَارِخًا فِي وَجْهِ الرِّيحِ
وَأمَّنُوا سَلَامَةَ الوَضْعِ ..
وقَالُوا يَا شَيَاطِينَ الأرْضِ خَطَيَاكُمْ مَحَاهَا القَدَرُ
مُجَرَّدَ تَقبِيلِ أسْوَارِ المَحَجَّةِ
حَلَّ عَسَسُ الرُعْبِ بِأمْرِ الوَالِي
وَتَوقِيعِ السَّادَة المُوَالِينَ لِلحُكْمِ
فأحْكَمُوا اغْلاَقَ أبْوَاب النَّهَارِ
وأتَاحُوا فُرصَ الفِرَارِ لِمَنْ رَايتُهُ بيْضَاءَ
وَقَفُوا أمْيَالاً بِمحدُوديةِ العَينِ
أمَامَ المِرآة …
لَا سَلامَ …
لَا اسْتِسلاَم ….
فَقَالُوا هَذهِ الوُجُوهُ ليْسَتْ لنَا
لَرُبَّمَا المِرْآةُ اسْتَوحَتْهَا مِنْ بَاطِلٍ
أوْ فِي ثَنايَا قَصْدِنَا زَلَّة ظَلِيلٍ
بِرُبعِ نِياتِهِم وَبِتمَامِ الكَرَاهِيةِ
أفعَمُوهَا بعَكْسِ النَّوَايَا
فتَرَاءَى لهُمْ شَرَّ الحَالِ
أقْسَمُوا بِبرَاءَةِ القَصْدِ أنَّ الامْرَ خَدِيعَة
ومَرَدُّهُم للنَّظْرِةِ الأوْلَى
أنَّ رُوحاً جِنِيّة تصْعَدُ السَّمَاءَ
بِذيْلِ الخُرَافَة لَهَا سَبعُ أغرَاسٍ
تَأتيِهَا أكْلهَا خَرِيفا ً
ويأتِيهَا الحِلْم من عَرَّافٍ بدِيعٍ
أحلَّ لنَفسِهِ طَوْعاً كَمَالَ الاسْمَاءِ
وَحُسْنَ الصَّنِيعِ
لِتُؤَلفُ قَوَامِيس الغَيْبِ وَتَحْكُمُ البَاطِل
شَأنُهَا فِي المَكَانِ فَرَاغٌ يَأوِيهِ الفَرَاغُ
وَخَدْشَةُ المِرْآةِ سِرٌّ مِنَ اللهِ
تتَلُوهَا شَمْسُ الأصِيلِ عَشِيةَ كُلِّ عِتابٍ
لينْظُر النَّاسِكُ المُتَعَبِّدُ فِي كَونِ الجَلاَلَةِ بِالأسْبَابِ
ويَهتَدِي الخَلْقُ لْمِرْآةٍ فِي صَفاءِهَا الطُّهْرُ…
تُخفِي دسَائِسَ الشَّهْوةِ وَالإعْجَابِ
ومَا رُؤَى السَّماءِ إلاِّ شُبهةٌ
بوَهمِ الاسَاطِير.
لتتَّضِحَ الخَافِياتُ وَالأسَارِيرِ
وَمَا عُيُونُنا فِي المِرْآةِ إلاِّ كَشَغَفِ ضَرِيرٍ
اوْهَمَهُ الوَادِي انَّ المَاءَ يَجْرِي
لِأجَلٍ قَصِيرٍ
وَهُم ْواقِفُونَ أمْيَالاً بِمَحدُودِيةِ العَيْنِ
خَابَ ظنُّهُم بِكثِيرٍ فِي مُغَالطَةِ المِرْآةِ
فَكُلمَّا نَطَّتْ فِي الوُجُوه ِحُمرَةٌ
خَالَهَا سُلطَانُ الجِنِّ صُدفَةٌ لبِدَايةِ الانْهِيارِ…
فأقرّ هَجْمةً بِطَعْمِ المِلحِ وَرَفعِ الاشْعَارِ
مسَاءَ كُلِّ حِقدٍ سَوَّدَتهُ أعْوَادُ الطَّلحِ…
فأهْدَى سَيلاً مِنَ الصَّفعَاتِ لأغْرَارِ المَصْيَدةِ
تكَبَّلتْ الكَلِمَاتُ بِلحْنِ الاندِهَاشِ
وَسَاحَ اصْفِرارُ الألحَاظِ فِي غَيبَةٍ
اسْتقَرَّ حَالُهَا عَلَى المَوْتِ
وَحَلَّتْ بِالقَلبِ رَجَّة بَارِدَة
وقُلنَا جَمِيعًا المَوتُ قَادمٌ ….
وَتكْفِيهِ طَلَّةُ شَادَّة
وقُلتُ لِوَحدِي هَذَا التمْثَالُ الَماكِرُ سَيمُوتُ بالمُحَجَّةِ
وهَاتِهِ القِبَابُ الخَضْرَاءُ تَأتِي بِحِينِهَا زَوْبعَة بَائِدَة
الايَادِي عَاجِزَة ٌعَلَى تَكْسِيرِ المَرَايَا فلِمَا
والنَّظَرَات المُدِلَّة لَا تنَتهِي عنْدَ وخزِ العَرَايَا
وَهُم وَاقِفُون ….
صَامِتُونَ…
يَنْتظِرُونَ أجْرَاسَ البِدَايَةِ
صَخَبٌ يلِيهِ صَخَبٌ…
والصَّمْتُ يَا سَادَة هَزَمَ طُقُوسَ العَادَة
فَكَيفَ وَمَتَى ولِمَاذَا .؟
وهُم ينتظرونَ…..
تَثاقُلُ الارْجُلِ الحَافِيةِ يَمتَصُّ وَمْضَ الخَريفِ
وَمَا فِي الدرُوبِ غَيرَ دُخَانِ الاشَاعَةِ
فَحَدَتْ بِالكَبِيرِ فِي قَعرِ العَذابِ…
وَتخَطِّي الاعْتَابِ
والتنصُّلِ مِن صُورِ الوَصْفِ المُعَابِ
بِحَرقِ النَّظرَاتِ …
وكَسْرِ عُليَاءَ الهَامِاتِ
وَجَرِّ النكَبَاتِ….
من مَلْهَى الاحْدَاثِ الالِيمَةِ
حتَّى غُرَفِ العَزْلِ المُقَامَةِ جَبْراً لِسَحْلِ العُقُولِ
زَمَنُ الإدْلَالِ وَبَوَارِ النفَقَاتِ
زَمَنُ العِشقِ المَمنُوعِ وَرُكُوبِ العَادَاتِ…
زمنٌ بأسْمَاءِ ذَويهِ
مِنهُم مَن يُكيلُ المَلامَةَ لِلعيْنِ السَّاحِرَةِ
وَمِن يقُولُ آمِين
لِرَصْدِ الآفَاتِ الجَائِرَة
ومِنهُم جُثثٌ سَمَّرَهَا الرِّيحُ بَلَاءً سَاهِرَة
كُلُّهُم وَاقِفُون…
يَحْترِفُونَ فُنُونَ الصَّمتِ …
يُفرِغُون قارُورَةَ حِقدِهم علَى تارِيخٍ رِخِيصٍ
فَكَفاهُم النَّفثُ والبصَاقُ علَى الأرْضِ
وَتكْفِيهم تلْوِيحَةً شَارِدةً ليُمناهُم لإقرَارِ الجُرمِ
وَتكْفِيهم فَرقَعَةُ الأصَابعِ بنغمٍ حزينٍ
للتّشْهِيرِ بِختمِ الأيّامِ …
والمِرْآةُ بِخَدْشِهَا تَرسُمُ يَقِينَ البَحْرِ
وتَحفُرُ ألقَابَ العُصَاةِ عَلى ظَهْرِ الجِدَارِ
فَكَفانَا فِيهِم سُوءَ النّظرِ…
وكَفانَا فِيهِم حُرْقَةَ الانْتظَارِ
وَمَا فِي الدرُوبِ غَيرَ دُخَانِ الاشَاعَةِ
صَخَبٌ يلِيهِ صَخَبٌ…
والصَّمْتُ يَا سَادَة هَزَمَ طُقُوسَ العَادَة
قُلنَا جَمِيعًا المَوتُ قَادمٌ
وقُلتُ لِوَحدِي هَذَا التمْثَالُ الَماكِرُ سَيمُوتُ بالمُحَجَّةِ…
الايَادِي عَاجِزَة ٌعَلَى تَكْسِيرِ المَرَايَا فلِمَا
والنَّظَرَات المُدِلَّة لَا تنَتهِي عنْدَ وخزِ العَرَايَا
—