بوفاس أحمد خليل :
وجدت نفسي ضحية لخطأ امرأة في القوانين و الأعراف لا أعتبر ابنة لها،لفظني رَحِمها بدون استئذان مني و لا بإذن المشرع، انزلقت هي في وحل شهواتها، وسقطت أنا في دنيا لا تعترف بأمثالي،منذ ثمانية عشر سنة وانا تائهة في أروقة عالم مفانيح بيوته مصنوعة من ورق الدفاتر، مفتاح اضاعته أمي في لحظة لذة خاطفة فحفروا لي حفرة في الهامش، على حيطانها نقشوا “ابنة الحرام” و بِلُعاب ضحكاتهم الصفراء سقوها، فيا لسخرية الأقدار ، ما ذنبي ان كنت خطيئة الدهر في صوم النهار ، أبكي كل ليلة بكاء السنديان على رحيل آذار، وسادتي تعودت سقيا دموعي،، دموع تشتاق أن يحتضنها صدر أب لم يعترف ابدا بالعيون الصغيرة التي تذرفها…أجفان ملبدة كغيم في يوم حزين ، و قد أخبروني بأنه فارق الحياة قبل سنوات ، هل أغفر له خطيئته بانسحابه من الحياة بعد غلطته، أم أغضب منه أكثر بعدما رماني في غابة الذئاب غارقة في دوامة المجهول و اختفى.
الزمن في عالمي ليس كالذي في عالم البقية ، فكل شهر يمر أكبر معه بسنوات ، أيامي أقسى من الحجر ، فإن كان الصخر يُضرب فينفجر منه الماء،فجسدي يضرب بنظرات الاشمئزاز و الكره فتنفجر الجروح في نفسي بالدماء،لم أعد أشعر بطفولتي و لا بمراهقتي ،أتسائل كل لحظة من أنا ،مادوري في الحياة، هل أنا مجرد رقم؟؟ ذهبت أتأمل الأرقام فأدركت أن مكانتها أهم مني في قوانين البشر فبها يعدون أموالهم القذرة وثرواتهم ، ويصيغون بها المعادلات لتعليم أولادهم “الشرعيين” ..ونظرت لحالي وجدتهم يتمنون الخلاص مني ، يرونني، *نطفة شيطانية*، لست بحاجة لمن يؤكد لي ذلك فالرحم الذي حملني صاحبته هي أكثر من يتمنى اختفائي ، أمي تكرهني، تضربني، تحتقرني، فمابالك بالغرباء….
تعبت كعجوز تنتظر الموت بلهفة، لعلمها بانتهاء صلاحيتها ،إعلان تشهره في وجهها التعس نظرات البشر الحمقى، أيادي الوحدة و التهميش قبضت على عنقي الضعيف، خنقتني، انزوت بي ، حاصرتني في زاويا الظلام بعد أن وجدتني ضحية سائغة بعد أن تخلى عني الكل ،
انا التي نهارها صار ليلا يغمره الظلام ..و ليلي يرضي روتينه بتسكعي حد الثمالة…يخنقني التفكير في أن العالم ينظر لي نظرة الحثالة ..
…ها قد أشرقت شمس الحياة و لاتزال نائمة شمس روحي..لا الفرح سينير قلبي و الأمل سيداوي جروحي..أفتح عينا أرهقها الأرق ،فأحس بهشاشتي كماالورق..و الأخرى تبقى نائمة ..في لجج الألم هائمة ..و لي ذهن يسرقه الشرود..عن أم قد كبلها البرود ..قالو أنها نبع الحنان ..لكن هي في الأصل جافة تأبى إشباع قلبي العطشان..هي روح ملائكية هكذا العالم قال ..فهل هي أمي روح ..أم هي تمثال ؟ …لما تلقي علي حمل التعذال..؟ لما ترفض سماع شكواي ..لما لا تخفف عن قلبي وجع السؤال..
إذا كانت قبلة منها عندي أمنية…فإن ضحكة منها تعزف في قلبي أغنية ..حضن منها قد يعيد ألواني…
و بينما الألم يتلاعب بي كدمية صماء و يُهديني للضياع و المجهول حتى أتاني طوق رماه الي الشباب فمددت يدي اليه، واستسلمت لتيارهم، فتحت لهم المجال و صرت أكلمهم، ألهو معهم،اتلذذ بهمساتهم، و غزلهم، استمتع باهتمامهم بي حتى ولو كنت ادرك زيفه، ولكن لا خيار لأنثى حُرمت من أبسط حقوقها الإنسانية، إشباع عواطفها و ان تسقى براعم طفولتها بحليب الإهتمام ، كثرت علاقاتي وتنوعت و صرت اكلم أكثر من شاب ، فقط لأنسى ، لأشعر و لو للحظات بأنني مهمة ، موجودة في عالم يرفضني، أن أشعر أن لي تأثير في هذه الحياة الظالمة، تأثير في نفوس هؤلاء البشر الأغبياء، من وجدت نفسي بينهم على حين غرة مني، أضحت علاقتي مع الشباب كالمخدرات…أدمنتهم …
تعلمت فنون الاغراء و الاثارة ،اتقنتها كفاتنة اغريقية باغواء من آلهة الفراعنة ، استمتع بالتواء رقاب الشباب ، ان تجن رؤوسهم، تشخص عيونهم لتمزق القماش الذي يغلف جسدي لتجوب تضاريسه ، باحثين عن منبع لسقي ضمأهم الحيواني التافه …بدأت هاوية لاهية انتقم لنفسي و اقصف العالم بجبروت جسدي وهو يدفع لي مقابل ذلك ، ااه كم الدنيا حمقاء تعطي من يلطخ جدرانها …ثم احترفت الدعارة حتى داع صيتي بين الذكور ، لم أعد اصاحب اي كان بل اولئك ذوي الثروات و المناصب هم زبائني ، اشعر بالانتقام من المجتمع اكثر ، عندما يأتيني رجال يعمل تحت امرتهم العشرات ، و اموالهم تنام في البنوك ، اشخاص يمشون في الشوارع بوقار و على سريري يلهثون كالحمير الجائعة ..و تتمزق شهاداتهم و شيكاتهم و صورهم الاجتماعية بشفرة سيقاني الناعمة ..كم هم ضعفاء ….. انا ابنة الحرام كما يلقبونني و هم عباده يسجدون له في صومعة جسدي …كم هم ضعفاء مقززون ..
ذات يوم كان لي موعد مع زبون مدير شركة معروفة ..اتاني الى الشقة جلس بجانبي بدأ بحركاته الغبية لإثارتي و انا المتجمدة منذ خلقت ..لهيبي يشتعل فقط لحرقهم و تحويل كل قيمتهم و سمعتهم الى رماد أدخنه في ليالي الكئيبة لأنفثه بغيظ في عيون الدنيا لأعميها …
بدأنا نتبادل أطراف الحديث و اذا بباب الشقة ينفتح بقوة، ليقف أمامي ثلاث رجال ، فهمت من عيونهم ماذا يجول في خاطرهم القدر …لم يخيبوا ظني انقضوا علي لاغتصابي و ضربي ..حاولت الهروب افلت يدي بصعوبة من أحدهم ..بفضل الكريمة التي تدهنها ..اسرعت للمطبخ أخدت سكينا ادخلته في قطعة اللباس المعلقة بحياء بتضاريسي …ذهبت اليهم مبتسمة …ضحكوا اقترب اولهم ناديته بدلال ..اقترب بلهفة لأطعن قلبه بقوة ، قتلت لذته ..قتلت أمانيه ..شعرت بلذة الانتقام …نشوة قتل ..قتل شهوة البشر ..
هربت ..ركضت و ركضت ..بعد يوم وجدتني الشرطة ..رموني في زنزانة و انا اضحك بهستيريا و أبكي ..لبثت على هذه الحال نهاري و ليلي …و في النهاية وضعوني في مستشفى المجانين …..
انا طفلة التي لو لم تزني امها لربما كانت واقفة في مدرسة تعلم جيلا من الرجال …
رن هاتف صوفيا ..قطع عنها هذا الحلم الغريب و المزعج …تساءلت كم نامت ..فلها موعد اللذة مع عشيقها …اسرعت لترى الهاتف ..وجدت رسالة ..(انا في الشقة وحدي انتظرك ..اسرعي الي …)
تذكرت ما رأت في حلمها فانتابها الرعب…تخيلت لو ان البنت التي كانت تروي لها قصتها في الحلم ربما ستكون ثمرة موعدها القادم في شقة اللذة المسروقة من الحياة ..انفجرت بالبكاء و ضربت الهاتف على الحائط ..لتتحول زجاجته الى شضايا .. تحطمت معها رغبتها في الزنى …و بقيت تلطم وجهها .ودماء الندم تسيل.