مدخل:
تنفتح رواية ”المغاربة”، على مقطع سردي استباقي، يحكي عن وجود شخصين في سيارة إسعاف، الأول ميت، والثاني في حالة خطيرة، حدث بينهما صراع، وتمَّ وصف تلك الحالة غير اللائقة للإسعاف وسائقها غير المبالي بمن يركب وراءه، لتسرد فيما بعد وقائع طفولة شاب يدعى محمد، ومعاناته رفقة جده الذي لم يفارقه يوما، وكان يتجول معه في الحقول بل أينما حل وارتحل، يقول السارد: ”اجتزنا الجنان واحدا واحدا، والسواقي واحدة واحدة، وانتقلنا من مسرب إلى آخر، ومن تضاريس إلى أخرى”[1]، كما أن السرد كشف أنه فقد بصره، بالرغم من قيام العائلة بالكائن والممكن لاستشفائه، وحيرتهم في معرفة سبب حمرة العينين، التي قال فيها محمد: ” أهي العدوى أم الجن أم العين الحسود. حمرة غريبة تستوقف كل من يراني”[2]، فضلا عن متابعة حقائق المواسم والأضرحة، وتلك الأجواء الكرامية، التي لا تفهم للعيان، يدوس فيها أناس بأرجل حافية أشواكَ نباتٍ رهيب وعاج النحل القاتل، وطقوس الجذابة وهو يغمغمون وينطقون، والمغاربة متحلقون حولهم، ويقدمون الذبائح، ويتمرغون في برك الدم تبركا به وبالمكان.
وما حديث السارد في ثلاثة مقتطفات صغيرة عن الأنا\ الذات، إلا حديث عن تاريخ المغرب المجهول المتروك في غياهب النسيان، الذي لا يقوى أحد على فتح أبوابه المهترئة بمفاتيحها الصدئة، من أثر الصدمات والملحمات التي تعرض لها الشعب من طرف المخزن، العامل على إخراسه، وحذف مقاطع مهمة من ذاكرته، لكونها تسيء للبلاد، وتشوه صورة ساستها، وحسبنا قول السارد\ المغاربة: ” أنا حصيلة حالات غير أصيلة، أنا عاصفة وأنواء، أنا ريح مالت حين لا تميل الحياة [ … ويضيف كما أن .. .] الحياة قد لفظتني كما تلفظ المصفاة الحصى التافه، وتبقي نثار الذهب”[3]، لا شك أن هذا المقطع مليء بالحمولات والرمزيات الدالة على شروخات المجتمع، وتفتته جراء افتعالات قوى أكبر منه، تستفيد دوما من الأوضاع، لاسيما أنها أفلحت في محو ماضيها المرعب، وبما أن رقابة خطابات الأشخاص، الذين يسفِّهون أفعال الدولة البذيئة موجودة، التجأ الكاتب إلى كتابة هذه الرواية ليعرّْف بحياة المغرب والمغاربة، إذ شكلت رد فعل على ظلم وتجبر المخزن وعدائيته تجاه الأشخاص وقمع أصواتهم، واعتبرت مقاومة ضد الفساد والتضليل والزيف، والجريمة بشتى أنواعها، يقول ”العسكري” إن: ”الكتابة هي فعل المقاومة الوحيد والمتبقي في بلد صمتت طيوره عن الغناء، وصارت أزهاره ترفض أن تنفتح في الصباح، بلد أتى عليه حين من الدهر صارت فيه رايته منشفة يجفف بها المغنون التافهون عرقهم في السهرات، والعاهرات يحاضرن فيه عن الفضيلة، واللصوص يقومون فيه بالدعاية لمحاربة الجريمة، والماضي يشرف فيه على التحديث”[4].
عبر هذا الجرأة الكبيرة للرواية في سرد الأحداث والوقائع، وفضح المستور وكشفه، استطاعت أن تنقر على وثر حساس، يتجلى في مسألة الهوية، وقابليتها للتفكك وإعادة التشكل، محتفظة بكل صورها الجميلة والقبيحة، ومآسيها ومباهجها، ومن هذه الصور رصدت الرواية، حالة الجندي الذي خانته الدولة بعد أن أصبح معطوبا، الشيء الذي أدى إلى إصراره على الانتحار جراء حالته الميؤوس منها، واستمرار ظلم الدولة له وهضمها لحقوقه، بعد ما أصيب بالعجز، حيث أرهقه الاتصال بمختلف الجهات المسؤولة، التي تبدي تملصها منه ولا ترغب في دفع مستحقاته، وهو الذي يحكي عن ويلات الحرب، ويحمل في صدره الكثير عن هذا البلد، لأنه يعرف كل ما يجري خلف الستار، مما جعل خطاباته قوية وعنيفة وحاقدة، على التاريخ المزور، والأوضاع الاجتماعية، والطبقات الفكرية.
إن هذا النص بمكوناته السردية والحكائية ودلالات شخصياته وفضاءاته ولغاته، فتح الباب أمام تاريخ مترع بالمآسي والمناورات، ولعل هذا الأمر يتطلب وعي الكاتب بذاته أولا، ووعيه بالجماعة التي ينتسب إليها ثانيا، ولا جدال أن ” الوعي الذاتي الصريح المتعلق باللغة وبكتابة التاريخ في الرواية موصولان مباشرة بما هو سياسي”[5] على حد تعبير ”ليندا هيتشيون”، ولا شك أن هذا الأمر تحقق من خلال محاولة السلاطين تهدئة أوضاع المعارضين، وإخماد توهج القبائل الخارجة عن الطاعة، مرورا بتاريخ الاستعمار الغاشم، القاضي على الأخضر واليابس، واشتغال المغاربة على فضائح مكائد الكولونيالية، عن طريق السلاح والاحتجاجات وتقديم العرائض، والعمل على تسليح الجماهير الشعبية بالإيمان والوعي، والأفكار التورية المتمردة، مما أدى إلى تفاقم تنكيل الاستعمار: تقتيل، نفي، سجن، إهانة، تعذيب، فَقَاسَى المغاربةُ الويلاتِ في سبيل كرامة بلادهم واستقلالها.[6] ولا شك أن هذه القضية نُثِرَتْ حولها أفكارٌ كثيرةٌ غير ما مرة، وكانت إحدى شواغل السارد الأساسية ليس فقط بسبب القمع الاستعماري، لكن أيضا بسبب الأيادي ذات الأصول المغربية، المساعدة للمستعمرين، والخائنة للوطن، أمثال القواد والباشوات، الذين تذكر الرواية منهم: القايد الكلاوي”، و”الباشا بوزكري” الذي تنعته الرواية بأنه ” كان وراء مفاوضات استسلام كل قبائل تادلا،[… والموشح …] من لدن ليوطي نفسه بوسامٍ اعترافًا بمجهوده في استسلام مواطنيه”[7]، وطوى ” رضى المخزن والموظفين الكبار للحماية”[8]، بعدما قدم أرواح ذويه من أجل مجد فرنسا.
ومما يسترعي الانتباه في الرواية أيضا، تجزيء المحكيات والأحداث، الأمر الذي ساعد على تحيين أسئلة تمتد في تاريخ سابق أتاح ربط الماضي بالحاضر،[9] حتى يظل هناك استمرار وتفاعل بين عناصر مؤثرة في إرساء المستقبل وسيره، وإبراز ما آلت إليه البلاد، فواصلت الرواية سردها بإصرار، لتحقق ترابط التاريخ وسببيته، حيث إن مخلفات الاستعمار لم تنته بانسحاب جيوشه من أرض المعركة، بل تركت جيلا مغربيا تربى في أحضان الكولونيالية، فكان من البديهي أن يتأثر بها، ويتعامل بنفس طرائقها، ويتبنى نفس مواقفها، ويسير على نهجها في السيطرة على الأوضاع وإخماد صخب الجيل، وشل حركته المتأججة، الساخطة على الأوضاع الاجتماعية، بعدما خاب ظنه في ساسة البلاد وقادتها، التي هدمت طموحاته، وجعلت أحلامه الجميلة كوابيسا، وأسالت شوكة الوقت المغربي السبعيني دماء الكثيرين، فطمست معالم الآمال الباحثة عن التغيير، وحل محله العنف والصراع من جديد بين المخزن والحركات الشعبية، فتعرضت هذه الأخيرة إثر ذلك إلى آلام كثيرة، جماعات وأفرادا، وتعرض الشعب إلى أبشع صور التعذيب، حتى استطاع السارد أن يصور لنا ذلك في مقطع سردي ساخر، يقول: ”شعب من الملائكة يقترف ما يذهل الشياطين نفسها”[10]، نكاية في التعذيب والتقتيل والتشريد الذي تعرض له المعارضون، ويضيف: ”بلد ولد بداخله خيال شيطاني تفوق على الرب نفسه في ابتكار جحيم اسمه تزمامارت”[11]، دلالة على ذلك المكان الذي سجنت فيه جماهير غفيرة لسنوات عجاف، وتلقت أبشع مشاهد التعذيب، وعوملت معاملة لا إنسانية، وصل صدى ذلك إلى العالم، وحرك الرأي الدولي.[12]
إن وصول الأوضاع العامة للمعتقلين إلى الرأي العام، فرض على المغرب تقبل مختلف الأصوات عبر الدفع بحرية التعبير نحو التحقق، وذلك أيضا من باب التجربة السياسية التي راهن عليها مع مرحلة الانتقال الديمقراطي وحقوق الإنسان بعدما خلفت سنوات الجمر والرصاص عاهات، وتركت بصمتها في نفوس المناضلين، إذ تصالح المغرب مع معتقليه السياسيين وماضيه من أجل مستقبل كفيل باحتواء مختلف التعبيرات بنوع من المرونة، لكن ما أوجه ذلك الصلح؟
- المغاربة و تشكيل الهوية:
عندما يأخذنا الحديث عن الهوية، نكون إزاء الحديث عن وعي جمعي ثاوٍ في نفوس الأفراد، يتشكل عبر مجموعة من الأنساق المسربة والمندسة بين الأهالي، سبيلها الأساسي أجهزة النظام، وكل فرد داخل الهوية يتقولب ضمنها ويتشكل بأدواتها، ولا ريب أنها كينونة المجتمع وماهيته التي تتشكل في غنى عنه، ويتشكل ضمنها، قبل أن تطأ رجله الأرض، فالهوية هي عنصر سابق للفرد، ومساير له في الآن نفسه، واللافت للنظر أن أجهزة الدولة الأيديولوجية تقوم ، ب” تشكيل هويات الأفراد وصياغة الوعي الجماعي والذوق العام”.[13]
إن الهوية المغربية قائمة على التناقض، والوقوف في الوسط، والانفصام في الفعل، نحن ”نرقص بين النقائض وأطراف الأشياء، لا حبنا حبا، ولا بغضنا بغضا، نفجر في الخصام، ونرعوي، ونصفح حين نتمكن من خصومنا. ولا نسير في شيء أبدا إلى منتهاه”.[14] وهذه حقائق مدسوسة في وعينا، نتحدث فيمن نحب وفيمن نكره، ونستقوي على بعضنا، فضلا عن تآليفنا الملفقة للأحداث والتواريخ، فهل ما وصلنا هو نفسه التاريخ الأصوب، أم أن جهة معينة تكلفت برويه وزوَّرَتْهُ، كما هو الشأن مع حياة عائلة بوزكري؟
تترسخ هويتنا عبر الطقوس الاحتفالية التخليدية التي تُحَيِّن بواسطتها جماعة ما الأحداث ذات الاعتبار في نظرها والمؤسسة لهويتها يوم الاستقلال ويوم الثورة، وتترسخ عبر الطقوس العقائدية، كالتعلق بالمقامات والمزارات والأضرحة والأولياء والمواسم، والاتكال عليها في قضاء الحاجات، فتتكون بذلك الذاكرة الجماعية، التي أرست دعائمها الإيديولوجيا، وساهمت في إقناع العامة بأن تلك الأحداث والطقوس هي عناصر مكونة للهوية نفسها، لهذا على كل فرد أن يتماهى مع هذه الذاكرة الجماعية المؤسسة للهوية. ومن هذا المقام فإن ”الإيديولوجيا تضطلع بدور إدماج الفرد ضمن هذه الذاكرة الجماعية، من خلال إقناعه بأن لهذه الأحداث قيمة كبيرة في تأسيس هويتنا، ولهذا يجب أن تكون هذه الأحداث التأسيسية موضوع الاعتقاد للجماعة برمتها”.[15] لقد انتهى زمن الولاية والأولياء الصالحين، فالكرامات والمعجزات صارت بيد التكنولوجيا، تطوي الأرض وتقرب البعيد، وتيسر حتى السير فوق الماء.
لا مناص من تأثير الفكر الجمعي على الأفراد وتشكيل ذواتهم ووعيهم، فبعد أن كانت الإيديولوجيا عبارة عن وعي زائف وأشباح تتشكل في رؤوس البشر وأحلام خيالية، أصبح لها وجود مادي، إذ أننا بحاجة إلى الاعتراف بمادية الإيديولوجيا إذا أردنا التقدم في تحليل طبيعتها، كما أصر”ألتوسير”[16]، ومما لا يريبُ أن وجودها المادي يظهر في الممارسات المادية التي تتحدد بأجهزة الدولة الإيديولوجية، وفي تأثيرها على الأفراد، وتشكيل وعيهم وهوياتهم الثقافية فحين يؤمن المرء بفكرة ما، فإنه سيتصرف بما تمليه عليه هذه الفكرة.[17]
ولا شك أن تقاعس الدولة واختلال سيرها، مردُّه إلى غياب الرؤية والتصورات، والعيش في ظل الوهم الدائم، وتزييف الحقائق، والندب على الزمان دون محاسبة المخالب الباطشة، وجعل الفئات العريضة مؤمنة بأن كل ما يصيبهم من وحي القدر: وحسبنا في ذلك ما جاد به الشاعر ”صلاح عبد الصبور” عن أناس البلاد فوصفهم بكونهم:
” يقتلون، يسرقون، يشربون، يجشؤونْ
لكنهم بشرْ
وطيبون حين يملكون قبضتي نقودْ
ومؤمنون بالقدر.”[18]
فضلا عن التمسك بعادات موروثة، زاد الجهل العام من تكريسها، ويكفيك أن امرأة بكت”بحرقة وارتمت على قبر الولي المغطى بوشاح أخضر”[19]، ثم ما فائدة بقاء هذه الأضرحة قائمة في هذا الوقت المتأخر، وما حاجة هذا الجيل إلى أولائك الأولياء؟ ويضيف السارد متعجبا: ” وبقيت واقفا أمام القبة أتملى بذهول هذه الجنة الخضراء، النقية، الطاهرة، المتوحشة التي أفلتت من معجزة بينة مما حدث لكل الأمكنة الجميلة بالبلاد. كيف لم ينتبه لها مغول العقار ومخططو المشاريع السياحية المدمرة؟ هنا تخثر الزمن، وبقي هو أيضا ذاهلا مسحورا يراوح مكانه. تحاذي بصخب لتلقي بنفسها بفدائية من فوق جرف في بحيرة صغيرة. تمتمت بداخلي: يا للروعة ! يا للروعة !”.[20]
ولعل لهذه العادات بعدها الكرامي الباعث على الأمر الخارق للعادة[21]، الذي استغله أهل السلطة، لجعل المجتمعات صامتة عن حقها، وجاهلة لها، فحينما نتحدث عن الجوع والغلاء، فإننا نتحدث عن” ظواهر اجتماعية تاريخية معروفة لا يزال الشعب يعاني منها، إلا أن الشيوخ، كأولياء صالحين تعاملوا معها تعاملا كراميا”[22]، وعلى هذا النهج صار التابعون الذين لا يعرفون عن الشيخ والولي الصالح سوى اسمه، فيتمسحون بقبره، ويأخذون بركته، ويطالبون منه، ما لا يقدر أن يمنحه الولي لنفسه، واستغلت السلطة سذاجة هؤلاء وجهلهم للحقائق، وتركت كلا في شأن يغنيهِ، يصدق فقط الخطاب السلطوي، الذي شيد خطابا ثقافيا يصعب الخروج منه.
ولا شك أن السرد في الرواية، توجه بشكل عام نحو تجسيد كيفية تولية الحكم في المغرب، واِستراتيجيته في فرض السيطرة على المجتمع وتسيير عقلية جماهيره، ويشخص الجهل الذي ينعم به المغاربة، والتخلف، وغياب التصورات الواضحة المعالم والآفاق، والتورط في الإيمان بكل ما هو خرافي، ” حتى الله نفسه لا يرونه إلا متشحا بالأخضر تحت قباب وفي أضرحة ”[23]، مما يبئر تلك النظرة الكولونيالية القاضية بسذاجة الشرقي ولا عقليته، ويكفيك في ذلك تَمَسُّحُ المغاربة بالقبور، لتحل البركة ويُقْضَى على الأمراض والأوبئة والمجاعات، وتعمل السلطة على تكريس هذا الوضع، وتُصَيِّرُ هذه الرؤى ثابتة، وحالَّة في العقول، بغية تكريس الفساد، والقبول بالأوضاع الكائنة وعدم البحث عن تغييرها، بدعوى تجنب الفتنة، وحفظ سلم القرية الآمنة المطمئنة، لكي لا تصاب ببأس فقدان الحرية، وبذلك تعمل على تدمير التنويرات التحررية القادرة على جعل الفئات العريضة من المجتمع، تتنصل من براثن خرافاتها ووهمها.
ولما كانت الرواية تعبيرا وإفصاحا عن التجارب بالمعنى الواسع للكلمة، باعتبارها ممارسة إبداعية منتجة للمعرفة ومشيدة للهوية الفردية والجماعية ومستنبطة للتمثلات التي يكونها الإنسان عن العالم المقذوف فيه[24]، فإن المغاربة التقطت ذلك الجانب المتعلق بالفكر الشعبي الخرافي، لبعض النساء المغربيات، اللواتي يطلبن تكرم الأولياء لقضاء حوائجهم، وفي هذا الشأن نستحضر زيارة امرأة لضريح لالة عيشة البحرية بنواحي أزمور وقولها: ”جربت كراماتها لابنتي، فهي تجلب الحظ لكل عانس، ويكفي أن تكتب الاسم، ومن تريده زوجا لها بالحناء وماء الورد على جدار الضريح حتى يحصل المراد، لكن أمهات لعوانس غيرها، كفاطمة المساري، أكدت أنها فعلت ذات الأمر، وكتبت اسم ابنتها لكن لم يحصل الزواج”.[25]
لا شك أن العادات الاجتماعية في وجهها الديني ترتبط بجذور كثيرة متشابكة في مجتمعنا العربي من حيث الدوافع، والواقع حسب ”فيصل عبد الحسن” أنه :” ثمة روابط وجودية قديمة تدفع الناس إلى تلمس واستحضار ذكرى المغيبين بالموت عبر زيارة الأماكن التي دفنوا فيها، وإذا كانت الأمور تسير هكذا، فإنه ليس بغريب أن تتضافر عوامل عديدة لتنامي هذه العلاقة واستمرارها، وهي بالتأكيد عوامل متعاضدة ومتنوعة، فالصالحون تركوا آثارهم الخالدة في نفوس محبيهم ورحلوا، ومحبوهم تأثروا بهم وبذلوا جهدهم لتخليد ذكراهم”.[26] من هنا استطاعت الرواية التماهي مع المجتمع، والتوغل في أعماقه، وعن الثقافة الهشة للنساء وتعلقهن بالكرامات يقول السارد: ”نعم إنها مْشَاكَة، نعم، سقط مثل ذاك الذي تعلقه النساء في شجر السدر بالقرب من أضرحة الأولياء الصالحين ليرزقوا شعورا طويلة، أو ليتقوا العين الحسود”،[27] ورصد السرد عبر تقنياته البلاغية، الفكر الخرافي المتناثر، وأصر على ذكر النقص المنوط بالذاكرة المغربية، وقصور خيالها عن رؤية التغيير، والحلم بالأفضل، والاتكاء على تناقضات الذاكرة، الواضِعة كل آلامها على القبور ودورها في علاج الأشخاص، فلا يخفى أن السلطة استزرعت في العقول، قدرة القبور على شفاء الناس من دائهم.
ولا جدال أن كثيرا من الأفكار التي اقتنع بها الشعب، بسبب المؤسسة الخطابية السائدة، تحتاج إلى بعض الأحماض للتفتيت، فهي أفكار ليس له منها سوى أنها موروثة عن طريق تيار معين قذفها في دماغه، ويتوهم أنها أفكار صائبة، على حق، وقادرة على تخليصه من همومه، لأنه ببساطة لم يفكر في عرضها وبسطها للتحليل، وبما أن عقله غائب لا يمكن أن يدله على إعادة النظر في معتقداته، وكيف يمكنه ذاك ورؤيته محجوبة؟ هي أفكار تشربها وتجرعها على شكل كتلة موحدة متجانسة، دونما أي خلخلة لما يراه ثابت، ودون أي محاولة للرجوع إلى أصل الشيء والتفتيش عن خباياه للتأكد من طويته. إن الأمر هنا يتعلق أساسا بالعقل المغيب، الذي لا يعلم صاحبه، أنه يعمل بعاطفته الساذجة، ولا يستشعر أن عقله جامد، لا يتحرك.
- مركزية السلطة وتخوم المقاومة:
إن مسألة الهيمنة ظلت متوالية عبر العصور، في الذاكرة المغربية، القائمة على الصراع والعنف الداخلي بين أهلها وذويها، غير المتمكنين من الاستقرار النفسي والسياسي على مر العقود، ولا جدال في أن تاريخ الإنسانية كائنٌ على هذا الشكل، يتصارع من أجل البقاء، والظفر بالسيادة والمركز تارة، ويتملص من المسؤوليات والاستخفاف بالعقول تارة أخرى. إن هذا التحليل الثقافي للنصوص، يقوم على اعتبار النص مجالا للتاريخ، الذي بإزائه نستنبط ”مجريات اللحظة الزمانية بكل تجلياتها الثقافية”.[28]
وأخذتنا الرواية عبر سردها إلى فترة ما قبل الاستعمار، وتوصلنا من خلالها للحصيلة الثقافية السائدة، إذ أن البلاد عانت من تمرد القبائل والجيش، مما يحيل إلى أن المغاربة دوما كانوا في صراع مع بعضهم، صراع قَبَلِيٌّ – بين القبيلة والقبيلة- وآخر مع المخزن ضد القبائل، إن هذا الأمر هو ما جعل الملك السلطان ”محمد الرابع”، يقول لمبعوث إنجلترا في شأن الإصلاح وتحقيق الأمن داخل البلاد: ” كنت سأبادر بفعل ما تقول لو كنت أسوس رجالا عقلاء، لكني أتعامل مع أسد مفترسة”،[29] ويكون هذا الصراع محكوما بأزمات اقتصادية تمر بها هذه القبائل، إذ تلجأ القبيلة المتضررة بسبب الجفاف مثلا إلى الترحال ومحاولة بسط السيطرة على المجال الترابي للقبائل الأخرى، قَصْدَ الاستحواذ على المجالات الحيوية كالوديان والمراعي، مما يجعلها في صراع مع باقي القبائل، فكل قبيلة شكلت ”وحدة عسكرية على أتم الاستعداد لمواجهة أي هجوم أو اعتداء، وكل فرد في القبيلة جنديا مكلفا بالدفاع عن قبيلته، كما أن المخزن لم تكن توكل له حماية الجميع، ولا كان له حق احتكار القوة العسكرية”.[30] أما فيما يخص صراع القبائل والمخزن فكان يتبلور في تهرب القبائل من أداء الضرائب، أو رفضها المشاركة في ”حرْكة ” مع المخزن، أو عدم تقديمها الولاء والبيعة للسلطان، مما يؤول إلى إخضاعها وتأديبها، يقول السارد:”إن أرهقت الضرائب أو عشق القواد قبيلة ما فتمردت وقتلت القائد، وأغارت على القوافل التجارية المارة بالقرب منها أو القبائل المجاورة، كان السلطان يغضب ويعد حملته المدمرة، فيحرق الزرع ويسبي النساء والأطفال والأنعام، ويهدم الدور، ويعود بحصان وافر من المساجين والرؤوس التي تعلق للعبرة في أبواب وأسوار المدن”،[31] فضلا على أن تمرد الجيش في منطقة معينة حينما يكون الحكم ضعيفا، كان يكبِّدُ السلاطين ”عذاب وإنهاك ضبط تراب وطني يستعصي على الضبط، وأمضوا حكمهم يخمدون الحرائق هنا وهناك، ويتعقبون منافسين وثوارا، يتقنون فن الفرار لتجديد المواجهة في مكان آخر”.[32]
وبما أن النصوص دنيوية حسب ”إدوارد سعيد”، أي لا يمكننا فصلها عن سياقاتها والواقع، فإن السرد مكننا من مسك تلابيب حكاية تولية السلاطين القائمة على ”حد السيف، إذ كان على كل دولة أن تستعمل القوة للقضاء على الدولة السابقة، ثم لتفرض نفوذها على مختلف القبائل، إن العنصر العسكري لعب دورا أساسيا في نشأتها واستمراريتها وإشعاعها ثم تدهورها”[33]، كما أن المغرب كان يعرف صراعات داخلية، بين أفراد العائلة الحاكمة، الذين كانوا يشجعون القبائل على التمرد أكثر، ولتوضيح ذلك يقول السارد:” لا شيء يعلو فوق شهوة الحكم، لا آصرة مما يجمع الناس بمقدورها أن تنتصر على هذه الشهوة التي تعمي وتأسر وتجنن[…] ولا تمر سنة تقريبا دون أن يطلب ابن أو أخ أو ابن أخ أو عم أو ابن عم متمرد الحكم لنفسه، ويستنفر ما استطاع من جند وقبائل لنصرته، لا يحكم المغرب حقا إلا من وضع قلبه جانبا، وضرب بقوة وحسم أفرادا من قرابته”[34]، وأضاف السارد أن ”المولى محمد بن عبد الله”: ” هو من بنى المغرب من الصفر بعد ثلاثين سنة من الفوضى التي تسبب فيها أعمامه ووالده”.[35] إن لعبة السلطة تقوم على نحر كل من هو مخالف، وتسطير عليه وتخضعه، سواء أكان هذا الإنسان قريبا أو بعيدا، فالسلطة لا تعترف إلا بالمصلحة، ودرء الخطر، وقمع المعارضين، وبالتالي تعمل على تشكيل مؤسسة خطابية قوامها التخويف والترهيب وتوجيه تصورات الأفراد وسلوكهم، واقتيادهم داخل نسق يَبِيتُ مألوفا داخل الجماعة.
لقد استمات المغاربة في سبيل حفظ هويتهم القومية، واندفعوا إلى بناء قيم مضادة تتلاءم مع مصالحهم، وتكسر شوكة الانزياح الإمبريالي، ولا شك أن مقاومة المستعمر ارتبطت باستعادة الفضاء الجغرافي أولا، ثم تغيير الفضاء الثقافي القائم على العقيدة واللغة … الخ،[36] فعلى حد تعبير ”إدوارد سعيد”: ”كانت إحدى المهمات الأولى لثقافة المقاومة هي استعادة الأرض، وإعادة تسميتها، وإعادة سكناها”.[37]
بما أن قوات الاحتلال الإمبريالي، درست البلاد من مناحٍ شتى، فقد أوكلت بعض المهام إلى بعض القواد، وتركت لهم حرية التصرف، لمعرفتها المسبقة بجشع الإنسان، وسعيه لاحتضان المركز والقوة، وقد بلغت مسعاها حينما كان القواد يستصدرون الأراضي، وينهبون ويسيطرون، كما هو الحال مع الباشا بوزكري، الذي ” استولى بالقوة والمناورة على أراض لا حصر لها، وصار ينال نصيبه من كل ما يتحرك في إيالته،”[38] ويجبر القبائل لتتخلى عن ممتلكاتها ويضعفها بتجريدها من الخيل والسلاح.
ولا ارتياب في كون الناقد الثقافي عبر تعامله مع السرديات، هدف إلى إبراز الصراع الطبقي الدائم الذي تحاول أثناءه كل طبقة ترسيخ قيم ثقافية تخدم مصالحها، في ذلك الصراع الطبقي تحدد القوة أو السلطة طبيعة العلاقات الاجتماعية، إذ تمكن المعمِّرون من صناعة تمثيل أنسب لأهدافهم، قوامه تشويه أهل البلد وحكامه، وإذ تطلب الأمر الاحتماء بغيرهم منهم، وهذا الأمر ليس بالمستحدث، فالتاريخ الغربي حافل بهذه الحيل، حتى يتسنى له إضعاف القوى الداخلية، وتتخذ هذه الحيل طبائع متعددة.
وبالعودة إلى التاريخ الحديث للمغرب، نجد أن المغرب عانى من فرض الحماية القنصلية، التي أنهكت خزينة الدولة، وصار التجار المغاربة، يحتمون بمظلات أجنبية لتفادي الضرائب، وتحصين النفس حينا، وتشويه أخلاق الحكام حينا آخر، وهو الأمر الذي تصوره الرواية، حيث تتحدث عن بوزكري، الذي كان يلتذ بتعذيب الآخرين، لانتزاع ممتلكاتهم، فالحاكم لا يعتد بسلطانه ” إلا حين يستسلم لنزواته ويلتذ بقهر الناس”[39].
إن كلام المستعمِر عن المغرب، يجب إِيدَاعُه في سياقه الكولونيالي الهادف إلى تهميش الفكر المغربي، وخطاباته المتسلطة المرسخَّةِ في ذهن الأفراد، حتى يتسنى له (أي الكولونيالي) إفراز نسق مضمر منتشر بين الطبقات الشعبية. يقول السارد عن الباشا بوزكري إنه:” استفاد من الظروف وصنعته فرنسا كما صنعت كل شيء في هذا البلد، وتنازلت له عن بعض السلط لينكل بالأهالي كما يجب حتى يبدو موظفوها أكثر رحمة وتفهما،”[40] ففرنسا ها هنا تحاول الظفر بالمكانة الجميلة عند أبناء البلد، عن طريق وهمهم بأنها تحافظ على مصالحهم، وتحميهم من طغيان وجبروت أولي الحكم. لا شك أنها تسوِّقُ أفكارها الإمبريالية المبرمجة للوصول إلى أهدافها ومنجزاتها التخريبية، والتي” تؤثر في إنتاج الأدب […] والنظرية الاجتماعية وكتابة التاريخ”[41] أيضا.
إن السلطة تتعنت دوما، لا تذعن، لا تستجيب لرؤى الجماهير، وتستمر في عنادها، وَإِنْ أجبرها ذلك على الانكسار والانهيار، وأودى بحياتها وكلفها خسائر فادحة، فهي لا تقبل الإحساس بالشفقة من طرف الجماعة المنتصرة، أو الجماعة المحققة لإرادتها. فالباشا بوزكري ظل قاسيا عنيدا، على الرغم مما أصابه من مهالك وبُثِرَ ساقه، ولم يعف على رقية، لكي لا تشمت به، وكذا لأن السعادة لا تتحقق إلا في العالم الخرافي. وحقيقة، فالسلطة لا تعرف صديقا مخلصا، فكل المتورطين فيها يعيشون داخل اللعبة، فهي خيوطها مشتبكة، ويتوجب الانحسار داخل زوايا شباكها، وتنفيذ ما تصدره من أوامر، ذلك أن الاستمرار في اللعبة يحض على تشكيل علاقات، والظفر بوسائط بشرية، فالمخزن ”تاريخ من المصالح المشتركة والخدمات المتبادلة والتضامن الكبير في وجه الأجلاف والهجيج، والمخزن دائرة مغلقة بإحكام، وسورها عالٍ ومنيع ”[42].
ولا مرية أن السلطة تتوق للقضاء على المتمردين، لكي لا تفقد مصالحها، والواقع أن التاريخ الإنساني يبنى أساسا على محاربة الآخر وإخضاعه، قصد الحفاظ على قوته وأهدافه، وهذا الأمر يفرض على الناقد أن ينافح لأجل قضايا المجموعات المهمشة التي تحتاج لصوت يمثلها، ويلتقطها من ثنايا النصوص، عوض نهج سياسة الشكوى القائمة أساسا على لوم الإمبريالية وإحباط كل محاولات للتغيير.
قد تلجأ السلطة إلى إيهام الجماهير بحقائق مزورة، فتتقبلها دونما أدنى محاولة لتفكيك خطابها أو التثبت من صحة إدعاءاتها، فالخطابات غالبا ما تكون قوية، ويعتبر ”رامان سلدان”هذا النوع من الخطابات عنفا آخر نمارسه لأنها لا تتضمن أي موضوعية، فهذه الخطابات ”هي دعاوي زائفة دائما؛ إذ ليس هناك خطابات صادقة، بالمعنى المطلق، بل إن كل ما هنالك خطابات قوية بدرجة أو بأخرى”[43] تتبعها الجماهير، ذلك أن الجماهير لا عقل لها، فهي غالبا ما تنساق وراء لا شعورها، لا تفكك، لا تحلل، بقدر ما تطبق وتنفذ، وتحترم القوي وتوقره وتؤمن به، فهي فقط تحس.
ولا ريب أن التوافق مع الخطاب والسكوت عنه، يتَطَلَّبَ تهييئ الجو العام لقبوله من قِبَلِ الأنساق والسلالات الحاكمة المسيرة، كي تعرض إنتاجها الفكري بلا مقاومة، فالأنظمة تكون قادرة على إقناع جماهيرها بأن موقفها هو الأنسب والأصلح للعامة، وبالفعل تعمل على مسايرة هذه الجماهير في معتقداتها، كي يسود السلام ولا تثور على نواياها، حيث إن لا أحد في الراوية يحاسب الفئة التي تتبرك بالأضرحة والقبور، ويُقَوِّم اعوجاج تصورها، فغاية الأنظمة إخراس الألسن، وتمرير ثقافتها ومبادئها، فتغدو الهيمنة فكرية وثقافية، إذن كيف تتحرر الشعوب من سلطة وهيمنة حكامها؟
قال الشاعر التونسي ”أبو القاسم الشابي”:
” إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر”[44]
والحاصل، إن الشعوب رغم التنكيل الذي تتلقاه من طرف نخبتها المتجبرة، فإنها تسعى عبر كفاحها الذي تزرعه في ذهنها، وتستنبته في الواقع، بسلوكَيْها سواء المسلح منه أو الفكري، إلى التغيير والتبديل. فحينما تمادى الاستعمار الفرنسي، وتطاولت يداه إلى حد خلع سلطان البلاد، ونفيه إلى جزيرة كورسيكا، ثار المقاومون الفكريون والمسلحون، واستمر الحيف الفرنسي الإمبريالي والتضييق على الأمة الثائرة، واحتدم الصراع بينهما، فجنى تعنت المقاومين الويلات عليهم، من قبل فرنسا العاتية في الأرض فسادا بجيشها العتيد المنظم، والمتمادية في القمع، لكي تخمد حركات الثوار، ولن يلمس هذه المعطيات في النصوص سوى الناقد الدنيوي، الذي لا يتقيد بتحليل الجامعات والمؤسسات الثقافية، التي تدفع الرواتب، وتحصر الناقد في زوايا التخصص، أو الأحزاب السياسية التي تطلب الولاء للخط السياسي للحزب.[45]
إن السياسة التي أنتهجتها فرنسا، هي السياسة نفسها التي تبناها الغرب وفكره الإمبريالي، فالقمع هو الحل الأنسب لاستمرار المصالح، وَلَيُّ عنق المتزعمين، قصد تخويف أتباعهم، كما استعان الغرب بسبل الإقناع لمناهضة الفكر الثائر، وظل الشرق برمته في نظر الغرب قاصرا لا يعرف تمثيل نفسه، ولا يعرف تسييرها، لذا يستحق أن يُمثَّل، مِنْ قِبَلِ مَنْ هُم أحق بذلك.
إن محاولة الاستبداد بالسلطة تجعل المتسلط يحافظ على مصالحه عند الأطراف المتصارعة، لأن السياسية ليست علما دقيقا، فالوقائع تتغير، فعندما خلعت فرنسا السلطان محمد بن يوسف، وغضب الثوار على هذا المس الخطير بكرامة الدولة، تكلف البشوات والقواد، بإخراس الوطنيين، وتعفينهم في السجون ولاءً لفرنسا من جهة، مع الاهتمام بأسرهم، وتفقد أحوالهم، والتكليف بإرسال المؤونات إلى ذويهم ولاء للوطن من جهة ثانية، ولعل هذا ما أبداه عبد السلام بن بوزكري حينما” أرسل كثيرا منهم إلى السجن، لكنه كان يرسل النقود سرا وقفف المؤونة إلى دورهم”.[46] من هنا يبدو الاهتمام بمناصب السلطة والاغترار بها، والحفاظ عليها بشتى السبل، لا طالما أن الإنسان اهتم بالمراكز القوية عبر التاريخ، وفي ظل غياب الاستقرار التام، بات المخزن يشكل ”سلطة زاجرة وموحدة ومنظمة للمجتمع المدني، ومربية للبيئة الاجتماعية”.[47]
وأن نخوض في الحديث عن الاستعمار، يعني أن نتحدث عن مركزية أحادية غربية، وخضوع متحول إلى مقاومة عنيفة، ويدل أيضا على التناحر والتخلص من فئة ما، ويفيد كذلك أننا نجادل في تحطيم عالم ما والقضاء على أحلامه أيضا. ومادام حديثنا يدور عن العالم الاستعماري (المستعمِر\ المستعمَر)، فإن القضاء على أحد العالمين، باعتبار أن كلا منهما يقاوم من أجل الحفاظ على ذاته وكيانه، لا يعني إلا شيئا واحدا، هو بناء قبر للأمة الأولى، أو طرد الثانية من البلاد، وما المرحلة الموسومة في تاريخ المغرب الحديث ب” ثورة الملك والشعب” إلا دلالة على هَيَجَان الشعب إزاء الاستعمار الذي آنَ له التزحزح رغم كل محاولاته للثبات، بفضل صمود الشعب وتضحيته، وفداء نفسه في سبيل الوطن، للتخلص من مشيمة الاضطهاد الكولونيالي.
- التنقيب: المغاربة و الذاكرة المجروحة:
شكلت مرحلة السبعينيات، مرحلة مهمة في تاريخ المغرب، تم وسمها بسنوات الجمر والرصاص، لكونها شُهرِتْ باختطاف المناضلين وسجنهم وإبعادهم وقهرهم، حيث إنهم عذبوا وقتلوا، في سبيل محاربة فساد النظام، ويجسد السرد ذلك الحيف، والاختطافات بتلك المقبرة المجهولة، التي اكتشفت صدفة، ” نحن بإمكاننا أن ندعي بأن هذه الجماجم تعود لرفاقنا الشهداء الذين اختطفوا وعذبوا وقتلوا، وانتزعت رؤوسهم ودفنت بعيدا عن أجسادهم لكي لا يتعرف أحد عليهم”،[48] ولا ضير إذا قلنا إن المقبرة الجماعية التي اكتشفت ما هي إلا نقطة في بحر من الدماء التي سحَّتْ في كل ركن من أركان البلد، فضلا عن ذكر حادثة اغتيال المناضل اليساري عمر بن جلون، الذي نسب مقتله إلى شبيبة العدل والإحسان، بغية تضليل الرأي العام، ذلك أن اليسار كان يخدم الجماهير الشعبية العريضة، الفقيرة خاصة، وهذا الأمر لا شك ترافق مع صعود هذه الجماعة. لقد كان هدف النظام ضرب عصفورين بحجر واحد، طعن اليسار من جهة، وتلفيق التهمة للجماعة الإسلامية لتنفير الناس منها، والإعراض عنها من جهة أخرى.
وفصلَّت الرواية ما تعرض له الخبير القائم على تفحص الجماجم، رفقة أسرته وهو صغير، حينما أقبل رجال غلاظ أشداء إلى بيته، فضربوا أمه، وحجزوا أباه في غرفة وحققوا معه، ولمَّا لم يستجب لمطالبهم، اعتدوا عليه أشد الاعتداء، يقول الخبير:” فتحوا الباب بعنف وألقوه أمامنا ويداه مكبلتان، ثم جرجروه إلى حجرة نومه. كنا نسمع خبطا يتلوه تأوه وتوسل ونشيج …”.[49] ليتم قتله ، ولكي يتوهم الناس أنه انتحر، علقوه إلى جانب الثريا/ شنقوه في الأخير، دون أن يعلم الجيران شيئا، خصوصا بعد موت أمه من الصدمة. إن ما جرى كان مؤامرة من النظام، لتفتيت معالم أحداث مولاي بوعزة 1973، والبحث عن الهاربين والمشاركين في ذلك، كما كان هدف النظام الأساس قمع الحريات وممارسة التصفيات وفتح السجون بدعوى حماية النظام والبلاد.
لا جدال في أن هذه المرحلة، شكلت محط اهتمام كبير، الأمر الذي جعل السرد يحتضنها في نصوصه، موقظا بذلك الذاكرة، وعمل على الحفر فيها، واصفا مجموعة من الأماكن الشاهدة على ذلك، المليئة بالوقائع والأحداث، وليس سجن تزمامارت إلا واحدا من هذه الأماكن المهولة، القاسية، التي اعتقل فيها الكثير من ثوار السبعينيات، وتكبدوا فيه ويلات العقاب والإجحاف والتنكيل.
وللدلالة على أن الرواية ارتبطت بالوقائع التاريخية لهذه المرحلة، فإن هذه الأحداث اعتبرت تعليقا على الوضع التاريخي السائد، ” فالروائي ليس همه أن يعيد إنتاج تلك الوقائع والأحداث كما لو كانت الرواية وثيقة تاريخية، بل إنه إذ يقرأ ذلك السياق قراءة عامة ويلامس إشكالياته الأساسية، ينتقي منه ما يشكل مادة لإنتاج دلالات ومعاني جديدة، ومقاصد رمزية تؤكد خصوصية المعرفة التي يولدها الأدب”.[50]
إن استحضار الكاتب لمجموعة من الأحداث الواقعة في تاريخ المغرب، من قبيل: تعذيب المناضلين، وأحداث مارس 1973 (انقلاب أزمور)، وسجن تزمامارت، المؤطرة لمرحلة الجمر والرصاص خصوصا، لا يقتصر حضورها على إعادة بناء قصة حياتية في شكل شامل ومنسجم، وإنما سُجِّلتْ كما قال الباحث المغربي ”إدريس الخضرواي”: ”بوصفها شيئا ذا أهمية بالنسبة لأفراد معينين أو مجموعات اجتماعية بعينها، حيث يأخذ بالنسبة لهذه المجموعات ما عاشه أفرادها طابع قضية الذاكرة”[51]. من هنا تعتني السرديات بتصحيح التأويل الرسمي لهذه السنوات، وتكشف الغامض منها، وتفضح المسكوت عنه، وحسبنا في ذلك التعبير الآتي: ”إن السرديات والمرويات والبيوغرافيات حول تاريخ المغرب لا سيما السياسي منه، هي خطابات تصحح التأويل الرسمي لسنوات الرصاص، وهي كذلك منتجات ثقافية مركبة تملأ الفراغات التي قد توجد في التاريخ الرسمي، وتعتمد في ذلك على الذاكرة الفردية والجماعية، كما توجد بين الخبرات الماضية والأوضاع الراهنة والتمثيل الثقافي للماضي والحاضر”.[52]
ولا يسعنا القول عبر هذه المعطيات المقدمة إلا شيئا واحدا، يتبلور في كون هذه الرواية، تدرج في خانة الروايات\ السرديات البديلة المضادة، للسرديات الكبرى التي يرأسها النظام والمخزن، وخطابه الفكري القائم على تزوير الحقائق، وتجاوز الخطوط الكفيلة بتحقيق الحرية وحمايتها. واخترقت الرواية إمكانات السلطة في إخفاء ما تريد وتشويه الأحداث، وَرصَدَ السارد هذا التشويه حين قال عن الجماجم التي وجدت أثناء الحفر: ” كنت أفكر بأن الجماجم الحقيقية هي ما يحمله الخبير بداخله، وما يحمله كل واحد منا، مقابر فسيحة ومظلمة بشواهد قبور ناتئة:عقدة الذنب والحقد والتفجع والمخاوف والذكريات المريرة”.[53] ولما كان الأمر منوطا بالصمت عن الجروح الغائرة، اجْتَرَحَتْ – أي الرواية – موقعا يتيح للفرد التعبير عن مكنوناته وخباياه، ووضعت اليد مكان الألم، وخَلْخَلَتْ اليقينيات التي استزرعتها السلطة، في ظل سطوتها الجامحة، وأبانت للجماهير بأن الناس كانوا يساقون في الليل إلى المسالخ كالدواب، و”كانت الأبواب تكسر والناس يختفون والأسر تشرد لأنهم يقرؤون جريدة، أو ضبطت لديهم منشورات أو كاسيت للشيخ إمام أو كتاب للينين”.[54]
لقد أسفرت الحقبة الآنفة الذكر عن إحياء ذكريات وأوضاع، حُرِّم الخوضُ فيها والنقاشُ، جراء خضوع فعل التذكر لقانون الرقابة؛ هذه الأوضاع منوطة بالتنكيل والنفي والتعذيب الذي تعرض له فاعلون سياسيون ومناضلون، الواقع الذي أدى إلى تشكيل كم وفير من الأدب المكتوب حول الذاكرة، بفعل سيطرة الدولة على المجتمع. ومن السرد الذي عني بذلك نذكر على سبيل التمثيل لا التحصر: ”العريس” ل ”صلاح الوديع” التي اتخذت طابعا رسائليا، و”مذكرات: ذهاب وإياب إلى الجحيم” ل”محمد الرايس”، ”تزممارت الزنزانة رقم 10”، ل ”أحمد المرزقي”، رواية ”الناجون” ”لزهرة رميج”.
ولا سبيل لإنكار أن الإمكانات التي يمتلكها الكاتب في أن يعطي للذاكرة وللتجربة صورة وشكلا جديدين تهم اشتغالنا على هذا النص السردي خصوصا، ذلك أن الأحداث والوقائع والآلام الفردية المترتبة عن الاختفاء القسري والحبس والحصار والسجن تأخذ أبعادا جماعية، لذلك لا يتم اعتبار تذكر الماضي شيئا منتهيا، بقدر ما هو في صيرورة من تشكل، وإعادة إنتاجٍ عبر الكتابة التي تتغلغل بأساليبها الفنية والسردية في الأعماق الفردية والجماعية،[55] كي ”تستجلي المستور وتجهر بما تكتمه خطابات السلطة الرسمية ورقابتها”،[56] وها هنا يستشهد السارد\ الخبير فيقول: ”يا شعب الجبن الذي يتلذذ برؤية أجمل أزهاره وهي ترفس بلا رحمة أمامه، أستاذ في الجامعة وشاعر فوق ذلك، يا ناس، يعامل معاملة الكلاب، لم يقتلوه فقط بل يتبرزون فوق قبره أيضا وقبر زوجته”.[57]
إننا نعمل على رصد أهمية الذاكرة الجماعية التي تجهد الذات الكاتبة في إعادة بناء لحظاتها المتوهجة، حفظا لأحلام الأجيال السابقة من النسيان، فالأعمال الأدبية تساعد الفرد على استرجاع كرامته وإنسانيته، من خلال الاحتجاج على النظام المتسلط الذي يخنقه طيلة عقود، دون أن يتجاوب مع قيمه وطموحاته وتطلعاته، نظام ما زال أفراده ”يدخرون شراستهم وأقبيتهم وجفافاتهم، وحبالهم وأجهزة الصعق بالكهرباء والطيارة، وتقنيات قتل الكبرياء، والأمل في الصدور”[58]، إنهم حسب لفظ العسكري لا يثقون إلا في أسلحتهم ومجرميهم.
وعليه، إن دعوة النظام إلى الإنصاف ومصالحة المعتقلين السياسيين والماضي من أجل مستقبل كفيل باحتواء مختلف التعبيرات بنوع من المرونة، لمْ تتحقق بالكيفية التي راهن عليها المغرب المعاصر، فهو لا يزال يقضي على المناوئين له. وعلى الرغم من محاولته الكبيرة لطمس ما تختزنه الذاكرة وطي صفحات الماضي، فإن هذا الأخير ظل ثاويا في نفوس المجتمع والعائلات المتضررة، ولعل هذا الاستذكار يعتبر في حد ذاته مقاومة، لاسيما أن الرواية استحكم بها هاجس الرد والمواجهة، والسعي لفهم دلالات وأبعاد الذاكرة السياسية الحاضرة. وتجسدت دلالة المقاومة التي ترسم موقعا مغايرا للإفصاح والنطق عن وعي الشخصيات بحتمية الصمود في مواجهة ما يهددهم في وجودهم، مما يدل على حد تعبير ”إدوارد سعيد”: أن ” السياسة في العالم العربي تدمر الناس”[59] العاملين على كشف مستورها، ومعاكسة تيارها.
ويقول “إدريس الخضراوي”:” إن هذا الحضور الذي يحظى به الزمن السبعيني في الرواية يحفزنا على التفكير في الوظيفة التي تنهض بها الرواية المعاصرة في تمثيل الأحداث التي تتسم بالعتمة والقسوة والقتامة”[60]، وفي هذا السياق يشكل التذكر أحد أسباب العلاج، والتخلص من عبء الذاكرة وصولا إلى النسيان الذي يقود بدوره إلى الخلاص، ولا مناص من اعتبار النقد الثقافي مساهما في إبراز التواشج القائم بين الأدب والهيمنة أو الرد عليها.
صحيح أن المقاومة\ الذاكرة، بالنظر إلى أنها إستراتيجية في النص، تحتسب من المفاهيم التي يمكننا توظيفها بقوة، لاسيما وأن الرواية تستحضر حقبة زمنية مهمة من تاريخ المغرب الحديث، حاولت فيها السلطة قمع كل من هاجمها. ولما كانت الكتابة ” ردا عرَّت واقعا مترديا وكشفت جوانب معتمة من تاريخ القمع والتهميش النسيان”،[61] فإن الرواية عكست حجم المأساة التي عانى منها شعب بأكمله، تحت رحمة نظام لا يعترف للآخر بحق الكلام، ويقول مالا يقوله التاريخ الرسمي.
التركيب:
هكذا إذن، كشف كاتب ”المغاربة” هشاشة الواقع المغربي وتصدعاته، إذ انتقد بجرأة أَساليب النظام السياسي، واحتجن كل التوقعات، والالتزامات المرتبطة بالقصدية التاريخية، كما أنه يشير إلى الترقب المرتبط بالمعرفة التاريخية للبنى التي تشكل إعادة بناء مسار الماضي للأحداث[62]، ويستكشف الطريقة التي ”بها تبني القصص والصور كيفية رؤيتنا لأنفسنا وكيفية بنائنا لأفكارنا عن الذات، في الحاضر وفي الماضي”[63]. وقد أومأ صاحب المغاربة إلى ذلك حينما أمسك خيوطا عديدة لأصل واحد، وحاول توزيعها بانتظام، حتى تمكنَّا من فهم حكاية كل خيط، لكي لا نرتبك، واستطاع بأسلوبه الفني أن يعيد فتل هذه الخيوط لتشكل مع بعضها حزاما متينا نتقيد به لنصوغ واقعة متكاملة خطها: المغاربة.
كما صوَّرت ”المغاربة”، حالات تاريخية مهمةـ تمثلت عموما في الهيمنة الكولونيالية، وقبل تجاوز مخلفاتها يسقط المغرب في مأساة حقيقية بين أنساقه الداخلية، مما آل إلى ضبابية ذَهَبَ ضحيتها كثير من المناضلين، ولم يُصْنَع على إثرها تاريخ جديد؛ لأن المعرفة البشرية حسب ”إدوارد سعيد” لا تزيد عما أتى به البشر، لاسيما أن احتمالية المعرفة الموضوعية بما هو قادم وبعيد متضائلة.[64]
وعملت الرواية على نقد الواقع السياسي المغربي، الذي ”استبدل مركزية غربية متدثرة بالنهب والاستغلال، بمركزية داخلية مكرسة للتفاوت الطبقي، ومجذرة لبنية اجتماعية ملتحفة بالتسلط والهيمنة لسيادة مصالح فئة بعينها، استفادت من تركة الاستعمار ورواسبه الاقتصادية المادية”.[65]
ولا تثريب أنه في ظل طمس الحقائق ودفنها، دونما تَكَبُّدَ عَنَاء التنقيب عنها في مظانها، ورصد سياقاتها، وربطها بما هو كائن، والاعتماد على التأويل، لن يكون التاريخ ”سوى أحداث تكتفي بملء الذاكرة وتمنع من الارتقاء إلى المبادئ لمعرفة الطبيعة العميقة للجنس البشري”[66]، آخذين في الاعتبار أن ” قصص معاصرينا تحتل مكانا مهما بين المصادر الوثائقية”.[67]
*باحث من سوق الأربعاء الغرب/ المغرب.
المصادر والمراجع:
المصادر:
- جويطي( عبد الكريم)، المغاربة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط2/2017.
- الشابي (أبو القاسم)، ديوان أبي القاسم الشابي ورسائله، تقديم وشرح: مجيد طراد، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط2\1994.
- عبد الصبور(صلاح)، ديوان صلاح عبد الصبور، دار العودة، بيروت، ط1\1972.
- المرزوقي (أحمد)، تزممارات: الزنزانة 10، المركز الثقافي العريي، الدار البيضاء، ط1\ 2012.
المراجع:
- برادة (محمد )، الرواية العربية ورهان التجديد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2012.
- v بن عتو (عبد الله)، أدب الكرامات: من ميثاق الثقة إلى خطاب التماهي، دار الأمان، الرباط، 2014.
- تكسيه (جاك)، غرامشي: دراسة ومختارات، ترجمة ميخائيل إبراهيم مخول، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، 1972.
- الجرطي ( أحمد)، وآخرون، السرد وتمثيل الذاكرة التاريخية، قراءات في رواية ”الناجون” للزهرة رميج، تقديم وتنسيق: أحمد الجرطي، الراصد الوطني للنشر والقراءة، طنجة، ط1\ 2016.
- الخضرواي (إدريس)، سرديات الأمة: تخييل التاريخ وثقافة الذاكرة في الرواية المغربية المعاصرة، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، المغرب، 2017.
- ريكور ( بول)، الذاكرة، التاريخ، والتاريخ، النسيان، ترجمة وتقديم وتعليق: جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، لبنان، ط1/ 2009.
- سعيد( إدوارد)، الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة: محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع، ط1/2006.
- سعيد (إدوارد)، تغطية الإسلام، ترجمة: محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع، ط1\2006.
- سعيد (إدوارد)، الثقافة والإمبريالية، ترجمة: كمال أبو ديب، دار الآداب، بيروت، لبنان، ط4\2014.
- سعيد (إدوارد)، خارج المكان، ترجمة: فواز طرابلسي، دار الآداب، بيروت، ط1\2000.
- سعيد ( إدوارد)، المثقف والسلطة، ترجمة : محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع، 2006.
- سناني (وسيلة)، في نظرية التداخل الثقافي، فضاءات للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1\2016.
- سلدن (رامان)، النظرية الأدبية المعاصرة، ترجمة: جابر عصفور، دار قباء للطباعة والنشر، القاهرة، 1998.
- العروي (عبد الله )، من ديوان السياسة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء،[د، ت].
- كاظم (نادر)، الهوية والسرد: دراسات في النظرية والنقد الثقافي، دار الفراشة للنشر والتوزيع، الكويت، ط2/2016.
- كلفارون ( إيف)، إدوارد سعيد والانتفاضة الثقافية، ترجمة: محمد الجرطي، الراصد الوطني للنشر والقراءة، سليكي أخوين، طنجة، ط1\2016.
- هَتْشيون (ليندا)، سياسة ما بعد الحداثية، ترجمة: حيدر حاج إسماعيل، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1\ 2009.
- الوزاني (ثريا)، الجيش المغربي وتطوره في القرن التاسع عشر، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 1997.
المقالات:
- البريكي (عزيزة) وتوهتو(رشيد)، (الذاكرة المروية وعدالة الانتقال)، مجلة إضافات، العددان 26-27، ربيع-صيف، 2014.
- العماري (الصادقي)، (من أدب النضال في سبيل العقيدة والوطن)، مجلة المناهل، وزارة الشؤون الثقافية، الرباط، العدد50، مارس1996.
المواقع الإلكترونية:
عبد الحسن (فيصل)، زيارة
الأضرحة في المغرب أمل بكرامات الأولياء، صحيفة العرب، https://alarab.co.uk/index.php/، بتاريخ: 16\05\2018.
[1] – عبد الكريم جويطي، المغاربة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط2\ 2017، ص: 16.
[2] – المصدر نفسه، ص:8.
[3] – عبد الكريم جويطي، المغاربة، ص: 23.
[4] – المصدر نفسه، ص: 145.
[5] – ليندا هَتْشيون، سياسة ما بعد الحداثية، ترجمة: حيدر حاج إسماعيل، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1\ 2009، ص: 73.
[6] – الصادقي العماري، من أدب النضال في سبيل العقيدة والوطن، مجلة المناهل، وزارة الشؤون الثقافية، الرباط، ع50، مارس1996، ص:43.
[7] – عبد الكريم جويطي، المغاربة، ص: 82-83.
[8] – المصدر نفسه، ص: 90.
[9] – محمد برادة، الرواية العربية ورهان التجديد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2012، ص: 129.
[10] – عبد الكريم جويطي، المغاربة، ص: 123.
[11] – المصدر نفسه، ص: 124.
[12] – للتوسع: ينظر أحمد المرزوقي، تزممارات: الزنزانة 10، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1\2012.
[13] – نادر كاظم، الهوية والسرد: دراسات في النظريات والنقد الثقافي، دار الفراشة للنشر والتوزيع، ط2\2016، ص: 80.
[14] – عبد الكريم جويطي، المغاربة، ص: 103.
[15] – نادر كاظم، الهوية والسرد، مرجع سابق، ص: 80.
[16] – نقلا عن نادر كاظم، الهوية والسرد، مرجع سابق، ص: 81.
[17] – المرجع نفسه، ص: 81.
[18] – صلاح عبد الصبور، ديوان صلاح عبد الصبور، دار العودة، بيروت، ط1]1972، ص: 29.
[19] – عبد الكريم جويطي، المغاربة، ص: 113,
[20] – المصدر نفسه، ص: 113- 114.
[21] – للتوسع أنطر: عبد الله بن عتو، أدب الكرامات: من ميثاق الثقة إلى خطاب التماهي، دار الأمان، الرباط، 2014، ص: 50-60.
[22] – عبد الله بن عتو، أدب الكرامات ، مرجع سابق، ص: 84.
[23] – عبد الكريم جويطي، المغاربة، ص: 123.
[24]– إدريس الخضرواي، سرديات الأمة: تخييل التاريخ وثقافة الذاكرة في الرواية المغربية المعاصرة، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، المغرب، 2017.ص :40.
[25] – فيصل عبد الحسن، زيارة الأضرحة في المغرب أمل بكرامات الأولياء، صحيفة العرب، https://alarab.co.uk/index.php/ ، بتاريخ: 16\05\2018.
[26] – المرجع السابق: https://alarab.co.uk/index.php/ .
[27] – عبد الكريم جويطي، المغاربة، ص: 221.
[28] – وسيلة سناني، في نظرية التداخل الثقافي، فضاءات للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1\2016، ص: 87.
[29] – عبد الله العروي، من ديوان السياسة، المركز الثقافي العربي، [ د، ت]، ص: 11.
[30] – ثريا الوزاني، الجيش المغربي وتطوره في القرن التاسع عشر، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 1997، ص: 25.
[31] – عبد الكريم جويطي، المغاربة، ص: 250.
[32] – المصدر نفسه، ص: 249.
[33] – ثريا الوزاني، الجيش المغربي وتطوره في القرن التاسع عشر، مرجع سابق، ص: 27.
[34] – عبد الكريم جويطي، المغاربة، ص: 247.
[35] – المصدر نفسه، ص: 245-246.
[36]– إيف كلفارون، إدوارد سعيد والانتفاضة الثقافية، ترجمة: محمد الجرطي، الراصد الوطني للنشر والقراءة، سليكي أخوين، طنجة، ط1\2016،ص: 125.
[37] – إدوارد سعيد، الثقافة والإمبريالية، ترجمة: كمال أبو ديب، دار الآداب، بيروت، لبنان، ط4\2014، ص: 284.
[38] – عبد الكريم جويطي، المغاربة، ص: 83.
[39] – عبد الكريم جويطي، المغاربة، ص: 102.
[40] – المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
[41] – إدوارد سعيد، الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة: محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع، ط1/2006، ص:61.
[42] – عبد الكريم جويطي، المغاربة، ص: 99.
[43] – رامان سلدن، النظرية الأدبية المعاصرة، ترجمة: جابر عصفور، دار قباء للطباعة والنشر، القاهرة، 1998، ص:156.
[44] – أبو القاسم الشابي، ديوان أبي القاسم الشابي ورسائله، تقديم وشرح: مجيد طراد، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط2\1994، ص: 90.
[45] – إدوارد سعيد، المثقف والسلطة، ترجمة : محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع، 2006، ص: 122.
[46] – عبد الكريم جويطي، المغاربة، ص: 103.
[47] – جاك تكسيه، غرامشي: دراسة ومختارات، ترجمة ميخائيل إبراهيم مخول، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، 1972، ص: 68.
[48] – عبد الكريم جويطي، المغاربة، ص: 71.
[49] – عبد الكريم جويطي، المغاربة، ص: 190.
[50] – إدريس الخضرواي، سرديات الأمة، مرجع سابق، ص: 96.
[51] – المرجع نفسه، ص: 97.
[52] – عزيزة البريكي ورشيد توهتو، الذاكرة المروية وعدالة الانتقال، مجلة إضافات، العددان 26-27، ربيع-صيف، 2014، ص: 67.
[53] – عبد الكريم جويطي، المغاربة، ص: 195.
[54] – المصدر نفسه، ص: 195.
[55] – إدريس الخضرواي، سرديات الأمة، مرجع سابق، ص: 101.
[56] – محمد برادة، الرواية العربية ورهان التجديد، مرجع سابق، ص: 18.
[57] – عبد الكريم جويطي، المغاربة، ص: 195.
[58] – المصدر نفسه، ص: 196.
[59] – إدوارد سعيد، خارج المكان، ترجمة: فواز طرابلسي، دار الآداب، بيروت، ط1\2000، ص: 357.
[60] – إدريس الخضراوي، سرديات الأمة، مرجع سابق، ص: 103.
[61] – عادل القريب، وآخرون، ضمن كتاب: السرد وتمثيل الذاكرة التاريخية، قراءات في رواية ” الناجون” للزهرة رميج، الراصد الوطني للنشر والقراءة، طنجة، ط1\ 2016، ص: 106.
[62] – بول ريكور، الذاكرة، التاريخ، النسيان، ترجمة وتقديم وتعليق: جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1\2009، ص: 415.
[63] – ليندا هَتْشيون، سياسة ما بعد الحداثية، مرجع سابق، ص: 76.
[64] – إدوارد سعيد، تغطية الإسلام، ترجمة: محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع، ط1\2006، ص: 275.
[65] – أحمد الجرطي وآخرون، السرد وتمثيل الذاكرة التاريخية، مرجع سابق، ص: 127.
[66] – بول ريكور، الذاكرة، التاريخ، النسيان، مرجع سابق، ص: 361.
[67] – المرجع نفسه، ص: 360.