ما بين الراوي والمروى له تسرد وتحكى الاحداث بشخوصها المتباينة وصراعاتها المتضادة لتخلق بنية سردية تقوم على دعامتين اساسيتين اولهما ان الحكي يحتوي على قصة ما تضم احداثا معينة، وثانيهما ان يعين الطريقة التي تحكى بها القصة وتدعى هذه الطريقة سردا ، لذا نجد للقصة الواحدة انماطا عدة في الحكي فهو الكلفية التي تروى بها القصة عن طريق قناة الراوي والمروى له وما تخضع له من مؤثرات متعلقة بهما من جانب وبالقصة من جانب اخر، ويعد الاسترجاع اكثر التقنيات الزمنية حضورا في البناء السردي الحركي لنتاجات جاسم محمد صالح القصصية في ايراد احداث سابقة للنقطة الزمنية التي بلغها السرد، فالاشتغال على عنصر الزمن في القصة لا يأخذ بعين الاعتبار ترتيب الاحداث كما وقعت في الاصل لو كانت واقعية فعلا ، بل يراعي تداعيها عبر وعي الكاتب عن طريق حضور الراوي او غيابه عن الاحداث لتبرز فاعلية الذاكرة السردية في صلب الواقعة الماضوية واسترجاعها في اللحظة الزمنية بصورة مناسبة للوضع السردي القائم ، ولكل استرجاع مدى واتساع فالمدى هو تلك النقطة التي توقف عندها السرد وعاد اليها وتقاس بالايام والشهور والسنوات ، اما السعة فتقاس بالسطور والفقرات والصفحات التي يغطيها الاسترجاع من زمن السرد، وقد تنوع الاسترجاع كما ذكر ( جيرار جينيت ) بين الاسترجاع الخارجي الذي يكون مداه الزمني في ماض سابق لبداية القصة والاسترجاع الداخلي الذي يتعين مداه الزمني في ماض لاحق لبداية القصة واخر الامر الاسترجاع الزمني المزجي والذي يجمع بين النوعين .تجسد الاسترجاع الخارجي في قصص جاسم محمد صالح للاطفال اذ توضح المدى الزمني السابق لرواية الراوي في قصة ( ملكة الشمس ) في السرد التالي ” في احدى جزر اليابان كان الرجل الطيب ( أيزاناجي ) بعيدا عن زوجته ( أيزاناجي ) التي هي الاخرى أمرأة طيبة .. ولكن هذين الزوجين الطيبين كانا يبدوان في اكثر الاحيان غير سعيدين ” زمن هذا الحال كان سابقا لرواية الاحداث وسرد ما لحقها من رزق الله لهم بالذرية وتطور وتأزم الاحداث وتنامي الصراع بين الشخصيات ، كما استرجع هذا المدى في قصة ( التاج الذي يبحث عن ملك ) في سرد احداث رحلة السلحفاة في البحث عن من يستحق التاج ليصبح ملكا على الغابة بعد ان عانت من الفراغ والملل في زمن سبق احداث القصة ” ملت السلحفاة من صمت الغابة وفكرت مع نفسها ان تشغل الحيوانات بأمر مهم ) كما بدا ذلك واضحا في قصة ( الخاتم ) الذي استرجع فيه الراوي عن تاريخ مدينة السلام موصفا خيراتها وشهرتها بين المدن منذ زمن بعيد سابقا مداه زمن الراوي ” دار السلام مدينة يجري النهر في وسطها وهي جميلة وكثيرة الخيرات.. تداول الناس في كل مكان اخبار هذه المدينة وصار كل منهم يحلم بزيارتها ” ، وبذلك يتضح المدى الزمني للاسترجاع الخارجي بصورة جلية وواضحة يشوبها شيء من الجمال في الطرح لذاكرة الراوي .يقبض على الاسترجاع الداخلي في قصة ( الفأس .. من قصص ثورة العشرين ) اذ توضح المدى القريب لاسترجاع ماض لاحق لبداية القصة اذ ان النجار بعد اغلاق محله كان في بيته كي لا يواجه المشاكل وفقا للاوضاع السياسية السيئة التي تمر بها المدينة ” اغلق النجار حميد رشيد دكانه قبل ان يحل الظلام ” والاغلاق اتى في زمن ماض استرجع فيه الراوي حدثا قريبا ، كما اتضح ذات المدى في قصة ( ملكة الشمس ) اتضح في السرد التالي ” كان سوزانو ملك الريح والعواصف يضحك كثيرا حينما يرى الناس على هذه الحالة وهم يبكون ويتعذبون وينقلب على قفاه ضاحكا بصوت عال” اذ ان ملك الريح كان مشاكسا يعذب الناس ويؤذيهم برياحه العاتية فتحدث الراوي عن سيئاته اتجاه البشر في ماض قريب مسترجعا صفاته المؤلمة للبشر، وقصة ( السيف ) طرحت استرجاعا زمنيا قريبا في سردها القصصي عن شجاعة الشيخ ودفاعه عن مدينته بحيث بقي حاملا سيفه حتى طلوع الفجر ” السيف الذي كان بيد الشيخ لم يتركه ولا يزال ممسكا به بقوة اكثر واكثر على الرغم من مضي وقت طويل وها هو الصباح بدا يؤذن بالاقتراب “، والمدى الزمني لاسترجاع الحدث في قصة ( التاج الذي يبحث عن ملك ) بدا واضحا وجليا في ايامه للسرد التالي ” بعد عدة ايام من العمل استلمت السلحفاة التاج وكان جميلا ” اذ كان حدث الاستلام لاحقا للحدث السابق له وهو العمل لصنع التاج وقد اخذ مدى زمني قدره عدة ايام ، كما برز هذا المدى في قصة ( حكاية السلطان ولعبة الكيس والجرذان ) في السرد التالي ” ذات يوم استيقظ سكان البستان فزعين فالثعالب الدخيلة ماعادت تحتمل لكنهم كانوا عاجزين على مواجهة تلك الجموع ” فعجز المواجهة حدث لحق بالاستيقاظ بمدى زمني قصير داخلي ، وزمن انبهار الغراب الابيض بالوان الديك سبق زمن قراره بماض قريب في قصة ( الغبي والذكي بينهما قوس الشيطان ) في السرد التالي ” بهر الغراب ذي اللون الابيض الجميل بمظهر الديك .. وقرر ان يحتال على الديك ” .امتزج الاسترجاع في قصص جاسم محمد صالح للاطفال اذ جمع بين الاسترجاع الخارجي والداخلي بتقنية زمنية رائعة وبدا ذلك جليا في قصة ( السيف ) حين كان يحكي الراوي عن تاريخ الشيخ الشجاع الذي ورث عن اجداده التضحية في سبيل اهله ووطنه فكان زمن الاجداد موغلا في الماضي ذو مدى زمني واسع استرجع العادات العربية القديمة واورثها لزمن قريب هو زمن الشيخ الشجاع ” اما اهلها فطيبون جدا يكرمون المسافر والغريب ويعتزون بعاداتهم العربية التي توارثوها عن آبائهم واجدادهم الرجل الشجاع القوي الذي يحمل سلاحه بيده دائما ويدافع عن قريته” ، كذلك قصة ( الخاتم ) استرجعت احداثا سابقة عن الزوج الذي امتاز بابتسامة دائمة لسنين الا ان الحال تغير باسترجاع سبق حديث الزوجة بماض قريب جدا وبذلك مزج بين المديات الزمنية بالاسترجاع المزجي، اما حكاية ( الطفل والثعلب العجوز ) فقد مزج بين المديات الاسترجاعية الخارجية والداخلية في السرد الحكائي التالي ” خلقوا دمية البسوها ملابس مدينة الذهب وبسرعة اركبوها احدى سفن…… وانزلوه عند عاهر معروفة منذ ازمان احفاد الراقصة سيدوري ” زمن سيدوري موغلا بالقدم وزمن مدينة الذهب قريب تمازج المديان في زمن استرجاعي واحد بصورة متقنة وجميلة .طرح القاص جاسم محمد صالح السرد باسلوب يداخله الحوار بشكل جميل مستخدما الجمل القصيرة بعيدا عن التعقيد في الالفاظ والمعاني مبتعدا عن التكلف والاسراف ، هذا وقد تلازمت لديه الفكرة واللغة في اطار شكلي ذي مضمون هادف طرح بهيكلية بنائية رصينة ذات سمات جمالية بعيدة عن التقريرية والمباشرة في سرد مروياته الحكائية دون غلو متدرجا في ايصال فكرته بخطاب مرتبط بالعنصر الزمني ارتباطا وثيقا، اذ هيمن على صيغة الذاكرة الذاتية القريبة من بدء احداث القصة ، فكان حضورها قويا ودورها فاعلا في بنية النص اذ نجح القاص في الاقتراب من الذاكرة الفردية للسارد عن احداث حكائية سابقة تعرف القارىء اطار المحكي من خلال ذاكرة الراوي استرجع بواسطتها القاص مديات زمنية متباينة بين الداخل والخارج والممتزج منهما بتسيد راو واحد على فضاء السرد تنساب من ذاكرته الاحداث والرؤى مع فتح مجال للشخصيات الحكائية ان تسرد الاحداث بحوارات محكمة لتمارس الشخصية حضورها الفعلي ووظيفتها السردية في استرجاع الاحداث بمدياتها المتنوعة ، اذ امتاز القاص جاسم محمد صالح بتخليق قطيعة من الناحية التركيبية بين الخطاب الداخل والخطاب المنقول طارحا مديات الاسترجاع بشتى انواعه مازجا اياها متمكنا من الانتقال بين الازمان.