رواية (الكومبارس) للاديب الشاب (حيدر الاسدي) البصري الموهوب في كتابة مختلف الاجناس الادبية ، عرفته صحفياً مارس الصحافة بعد التغيير 2003 وكان بارعا في هذا المجال وعرفته بعد ذلك محبا وعاشقا للسرد من خلال كتابه السردي (بكائيات المطر) ثم رواية (اريج) واخرها ( الكومبارس) لم يكتف بتلك المؤلفات وحسب بل كتب في النقد الادبي والمسرحي والدراسات الاعلامية وصدرت له عدة كتب ادبية ونقدية في هذا المجال ، حيدر الاسدي في رواية الكومبارس يخوض غمار اللغة من بابها الاوسع ، يتلاعب بالمفردات ليطوعها في بنية نصه الادبي ،
ويقوم بعملية احياء واستدعاء للعديد من المفردات التي تتوائم مع هوس وتطلع الشخصيات في هذه الرواية التي يختلط بها الجانب الفنتازي مع العجائبي والرمزي والتجريبي، فهي في حكايتها العليا المركزية (واقعية) ولكن في بنية ولغة سردها تتداخل الاتجاهات لتصل لمنحى ما بعد حداثوي في طرح موضوعة الرواية ، التي تتحدث عن عوالم القاع عبر ثيمة لتيه يعيشه بطلا الرواية ( صائب) (سماح) والتي تنته بانتحارهما تواليا، هل اراد الاسدي بهذه النهاية ان يضع خاتمة لمثل هذه الفوضوية التي عاشا بها ، هل يحرض الاسدي على العيش المثالي الكريم وهو الانجع للانسان في هذه الدنيا ؟ لماذا لم يمنح الشخوص فسحة امل وحلول في خاتمة الرواية فحتى نتيجة هذه العلاقة المجنونة الطفلة (سراب ) كانت نهايتها هي بيت الست امال ( بيت الدعارة الذي سكنه سهواً البطل في هذه الرواية) هل اراد الاسدي ان يقدم تراجيديا سوداء في هذه الرواية من خلالها افصح عن المجتمع السوداوي ، فهو يلمح لمجتمعنا (العراقي) في العديد من مفردات الرواية واشار لذلك في الاسطر الاولى للرواية ، التي تحضر فيها اللغة كبطل رئيس في انعراجاتها وتحولاتها الاسلوبية والدلالية ، وهو ما ميز الرواية وجمالياتها ، من حيث بناء الجملة والايقاع المتوالي واسلوب القطع والحذف والتحاور بين شخوص تلك الرواية ، ان الاسدي وفي بنية لغة روايته يضم احالات عديدة ، وتوظيفات متنوعة من الموروث الادبي والتراثي المدون والشفاهي وبطريقة جمالية تتأزر معها الجمل بصورة تجريبية تتوائم مع ثيمة الاسدي في بناء رواية الكومبارس وبالتالي تشكل مفارقات جمالية في بناء جمله السردية ، وعبر اللغة والتضاد واسلوب المفارقة تتوزع العديد من هذه الجمل على هذه الشاكلة في بنية الرواية واغلبها كانت ذات مدلولات فنتازية او حتى انتقادية ساخرة ، او ما يشبه الكوميديا السوداء ، (لا تبحث عني لان الشوارع تضيق بحالة الحرب واين ما اولي فثمة حرب تنتظرني بشوق المحها عن بعد تفتح لي ذراعها لاعانقها بلهفة لتزرع قبلها على جسدي ص 33) وكذلك ( مراهقون يتقيئون عمدا حليب الامهات ويستبدلونه بالخمر ص47) والاسدي في بناءه اللغوي كذلك يوظف العديد من النصوص الادبية كالنصوص الشعرية سواء اعادة توظيف او بناءها بطريقته السردية كما يفعل مع قصيدة الشاعر الكبير بدر شاكر السياب ( حفار القبور ) ، وايضا ثمة توظيف مباشر لقصيدة الشاعرة الاسبانية (ANGELA FIGUERA). ولا تخلو الرواية من تداخلات ما بين الحالات السردية والشعرية وهي تداخلات مشروعة تحدثت عنها كرستفيا وجينيت وتودوروف واخرين. ويقول الاسدي في روايته مثلا ( كنا صغارا نلعب مع الفتيات بكل براءة…ونمسرح ضفائرهن ونشد اشرطتهن نهاراً…ولما كبرنا سرقتنا مكالمات السطوح…وعبث الافواه الجريئة ص 25- 26 من الرواية)
الاسدي في روايته هذه يطرح ثيم مهمة تتمثل في (بيوت الدعارة ، المصحات العقلية ، المقابر، ابناء الشوارع ، المشردون ، الحمقى والقبح باشكاله كافة) وهي عوالم مسحوقة من القاع تحدث عنها بطريقة جريئة وعن معيشتها وتعايش الابطال مع تلك العوالم وكيف اجبرتهم الظروف للمرور بأولئك الاشخاص المصابون (بالحمق، والقبح واحيانا الجنون والهلوسة ) وانما هذه دلالة واضحة على الرؤية التي يقدمها الاسدي على مجتمع سوداوي يمتاز بالقبح والسلوكيات السلبية التي تقتل الروح المثالية لدى كل شاب متوثب ومتوهج او حبيبة حالمة منقطعة الجذور مثلما بطل هذه الرواية وحبيبته وزوجته فيما بعد وشريكته في المصير! فضلا عن تقديم هذه الثيم بطريقة تمتاز بالنقد الساخر لبعض سيكولوجيات التعامل مع شخوص الرواية الدالة على رمزيات من الواقع مثلما في (استطيع ان اوقف الحرب بقبلة او هز ردف ص 5) ولا تخلو مفردات الاسدي في بنية لغة الرواية من الحديث عن مسكوت عنه او مضمر في ثقافتنا المجتمعية والجمعية ، كما في (لم يسعفه الحظ لمشاهدة ذلك المشهد لنحر الديكة الجماعي ص5) الاسدي في بنية السرد الروائي هنا يوظف كثيراً المسكوت عنها واسلوب الحذف (اي انوثة ….نعتذر انها فتاة حرب ….! ص11) ولا تخلو لغة الرواية من جماليات في دلالة الحكم التوجيهية والفلسفة واحيانا الجوانب المثالية التي يقدمها الاسدي في متن لغته السردية (ان لم ترتبط بمكان تكون مشرداً بهذه الارض الواسعة ص25) (افواه تفتح كالمجاديف تبحث عن افواه عذراء لتقبيلها ص27) (نحن من لا يحتضن فضائحنا سوى النهر وهذه المدينة عاقر لا تنجب الانهار ص29) ويستمر الاسدي في اسلوبه اللغوي في عملية انتقاد بعض الحالات الاجتماعية ويوظف ذلك في بنية الرواية ، فيقول في الرواية (وكأن الأرض قد لفظت كل الشابات الجميلات ورمت بهن في هذا الشارع وثمة خطيبان منافقان يتبادلان الغزل هربا من سمع أمها …. وغلاظة والدها …وهم يدركان ان أكثر مرحلة نفاقا يباع فيها المدح جزافا هي مرحلة الخطوبة) والاسدي في روايته هذه يداخل الازمنة والامكنة مع بعض خالقا زمكانية خاصة به يستدعي من خلالها شخوص عاشوا في ازمنة متغايرة ومتنوعة ، فهو يقول (كان السياب يحمل ازهار ذابلة …وكانت نازك الملائكة تحمل اكياس الفواكه… والجواهري أخذ على عاتقه يفاوض البائع …. وشاركهم التسوق الفراهيدي والجاحظ بجحوظ عينيه… وابن سينا … وموزارت… وبيتهوفن وهم يعزفون أجمل السيمفونيات … ورينوار بحمل لوحاته العارية ..السياب كان يجاذب الفتيات الغزل وهن يستمعن لقصائده عن الحبيبات…!!!حمورابي كان يضع اثار بابلية وسومرية واكدية واشورية منتزعة من المتاحف الحضارية .. لتباع مع شموع أعياد الميلاد … وفي مقدمة التقاطع المار إلى السوق توسط جوقة المتسولين غاندي بفردة حذاء واحدة !!!! ورزمة شعارات !!! يمد يده للصالح والطالح … قيل من أجل غاية سامية ؟؟؟انشتاين بنظارته الطبيبة كان يبيع صور شالون ستون .. الفاضحة ربما ليس لاجل سواد عيونها بل ليمرر نظرياته الفيزيائية التي يهديها مع كل صورة) ، انها كوميديا من نوع مختلف يسخر من خلالها الاسدي من بعض رؤية المجتمعات ويوظف بذلك شخصيات مختلفة ويطرح من خلالها رؤية المجتمع لبعض الظواهر الحياتية ، وبصورة لغوية جمالية انتقادية يقدم الاسدي هذا النقد الساخر ، ان رواية الكومبارس ومن حيث لغتها السردية انما تحمل بين طياتها لغة ايقاعية مدهشة وغرائبية احياناً وتمثل نوعا من النقد البطيء الذي يجعل القارئ يقرأه وهو مقتنع تماما بالخطيئة التي يقدمها السارد للمجتمع ، رغم قساوة بعض النقد الساخر في بنية الرواية ، وفي الختام يقدم الاسدي رمزان للموت اولهم سكة القطار (قطار الحياة المتسارع) الذي قطع اوصال بطل الرواية ، والبحر (العميق /كالدنيا وغرائبها العميقة) الذي ابتلع البطلة ( الحبيبة : الزوجة) (ابتلعها النهر خلسة ودون نظر احد دوى يقطع جسدها وعروقها بحرقة …وجفلت عيناها غاطسة تكفنها الاسماك ص105).شكراً للاسدي لانه قدم رواية مثيرة للتلقي ، وفيها تجديد في بنائها اللغوي وجمالية كبيرة في عملية توظيف الرموز والدلالات المتنوعة.