حضرت مرة ، حفلا فنيا عراقيا ، غير مسبوق في المشاركة النوعية ، حضره الأدباء والشعراء العرب : احمد رامي وصالح جودت ويوسف إدريس ومحمد مندور وعبد الرحمن الشرقاوي وزكي محمود نجيب وامين الخولي ونزار قباني وسهيل ادريس ومن العراقيين د. مصطفى جواد وحافظ جميل وعاتكة الخزرجي ونازك الملائكة ود.خالد الشواف ومصطفى جمال الدين وحارث طه الراوي وغيرهم … وقد ظل عالقا في ذهني حتى الان وهو الحفل الذي اقامته وزارة “الارشاد ” العراقية على شرف وفود الادباء العرب في مؤتمرهم الخامس الذي إقيم ببغداد في العام 1965.
كان نجم ذلك الحفل وفارسه ، مطرب العراق الاول ” محمد القبانجي ” الذي غنى .. وغنى حتى أتعب أكف الاديبات والادباء العرب والعراقيين من التصفيق ، وأتعب حناجرهم لمطالباتهم المتكررة بإعادة ما قدمه من فنون المقامات العراقية والبسّتات المرافقة لها بصوته الشجيّ .. لقد حضر نجم المقام العراقي وحضرت معه أنغام هذا اللون الذي تفرد به العراق : لحنا ونغما وإسلوبا .
بعد كل هذه السنين ، تساء لت مع نفسي وأنا أستذكر تلك الحفلة : ترى ماذا سيفعل الادباء العرب ، لو حضروا حفلا مشابها يحييه الى جانب ” القبانجي ” تلامذته : ناظم الغزالي ويوسف عمروعبد الرحمن خضر وحمزة السعداوي ومحمد العاشق وعبد الرحمن العزاوي وعبد الجبار العباسي وغيرهم من تلاميذ القبانجي ؟
او إذا حضروا مناسية بغدادية ، وإستمعوا الى ” رشيد القندرجي” و ” حسن خيوكة و” احمد زيدان “وتلامذتهم… بالتأكيد ، سيكون الأمر ،مذهلا وفرحا لحد يفوق الوصف !
لكن ، الذي ذكرّته ، حدث بالفعل ولم يكن حلما صيفيا ، بل حقيقة جسدها سفير المقام العراقي ” حسين الأعظمي” في قاعة المنتدى الثقافي العراقي في دمشق الذي إستضافه ، قبل أيام ، حيث غنى و طبّق ، أساليب وروحية غناء أولئك الرموز الذين ذكرّتهم .. رموز المقام العراقي ، وعرّف بطرائفهم الادائية ، بدءا من القبانجي الكبير وما قبله من الرواد وإنتهاءا بالجيل اللاحق .. لقد مزج الأعظمي في هذه الإستفاضة بين الحديث الأكاديمي المبسّط عن المقام العراقي ونشأته .. وبين أدائه الصوتي، المتميز لألوان المقام .
حضر الأمسية التي كان لي الشرف في تقديمها ، جمع وافر من الشخصيات الثقافية والإعلامية والفكرية المعروفة ، المتواجدة في الشام كالشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد والموسيقار سالم حسين والإعلامي هرون محمد وغيرهم ، مما زاد من وهج وفرح ” حسين الأعظمي ” .
لقد توسع في الحديث المقترن بتطبيقات بصوته الآخاذ ، للمقام العراقي باشكاله المتعددة وقد همس لي ذاكرا بان هذه الأمسية شكلت عنده وقفة بضرورة تكرارها ، كونها كانت (عراقا مصغرا).. في إشارة منه لدور المنتدى الثقافي العراقي في تهيئة الاجواء للعراقيين في دمشق وعوائلهم للقاءات في أجواء من الألفة والمحبة .
إستهل الأعظمي حديثة عن المقام العراقي وشكل الأدائية المتميزة فيه بقوله.. ” كان القبانجي هو اول من بدأ وترأس حملة التجديد في طرق الآداء المقامية منذ العقود الاولى من القرن الماضي وقد شُنت عليه حملات نقدية شعواء بين معارض ومؤيد ، بحيث أحتدم الجدل في تلك الحقبة من الزمن وما تزال آثارها باقية عند المحافظين ” القدماء” والاجيال الحالية .. ولم يقفل باب المناقشة لهذا السبب. بل سيستمر “
وأوضح الأعظمي ، ما يريد قوله بشأن ريادية التجديد التي قام بها القبانجي بالحديث عن القابلية الفذة التي يمتلكها القبانجي في عملية الانتقال من نغم الى نغم ومن سلم الى سلم وإدراكه العجيب بتماسك هذه العلاقات ومن ثم صياغتها بشكل انسيابي مريح ، مما ساعد على خلق حال ، لا يستطيع فيه المستمع وربما المتخصص أن يفهم تفصيلات المحتوى الموسيقي الفني لأدائه ( .. وهنا قدم سفير المقام العراقي الأعظمي الوانا بصوته ليؤكد ريادية القبانجي بتجديد المقام ).
وعن ” ناظم الغزالي ” قال انه أحدث ثورة على الأوضاع الغنائية السائدة في عصره ونزعته الابداعية التي تجسدت في إنجازاته وتهذيبه لأسلوب العرض المقامي وإنضاج العملية الأدائية وقد نجح في ذلك نجاحا فاق التصور .. ولـ ” القبانجي والغزالي ” دور مهم وكبير في مسيرة الآداء المقامي البغدادي والعراقي.. وقد تعرضا في نضالهما الإبداعي شأن كل المبدعين والمجددين الى ( بغض ) الكثير من المعارضين لروح الإبداع ، لكنهما في النهاية نجحا وحفرا اسميهما في تاريخ المقام العراقي ..( وقدم المبدع الأعظمي ، في ثنايا حديثه مقاطع من مقامات وبستات الغزالي وسط تصقيق الحضور وطلبهم المزيد !)
وبالنسبة ، ليوسف عمر فأنه كما قال الأعظمي ، كان فنانا تقليديا بصورة تامة ، وظلت سمته التقليدية هي الغالبة على كل تاريخه الفني ، فلم يزد اليها ولم ينقص منها ، فقد نقل هذا التراث بأمانة من السابقين الى اللاحقين ــ مقام مع أغنية قديمة ــ وإستدرك الأعظمي ، بالقول ان اضافة يوسف عمر، الوحيدة التي تحسب له ، هي تعابيره الأدائية التي عبّر فيها عن عواطف ومشاعر الناس المعاصرين لحقبته الزمنية ووصوله الى التعميم الذوقي والجمالي لكل فئات المجتمع العراقي الطبقية والذوقبة ، وبهذه الذوقية المهمة بات يوسف عمر فنانا مقاميا جماهيريا بصورة مثيرة ، وبها إستقام … واشتهر!
المرأة والمقام
وعرج ، الأعظمي الى الحديث عن ولوج ” المرأة” عالم المقام ، فقال ان المقام هو فن رجولي وان عليّة المجتمع هي في مقدمة من يعشقه ، ودلل على فكرته بالاشارة والتساؤل : هل شاهدتم راقصة ترافق مطربا للمقام العراقي ؟ لذلك كانت المرأة تهاب هذا الفن ولا تقربه لكن ما ان حل القرن الماضي ( القرن العشرين ) وهو الذي مثل حفبة التحول نحو الانفتاح في كل مجالات الحياة ، حتى ولجت المرأة باب فن المقام وإن كان بأستحياء وتردد … ومن ابرز اللواتي دخل هذا الميدان في السابق والوقت الحالي : صديقة الملاية وسليمة مراد وسلطانة يوسف وزهور حسين ومائدة نزهت وفريدة محمد علي وسحرطه.
القبانجي..اول المبشرين
والباحث المقامي، المطرب ” حسين الاعظمي ” من مواليد بغداد 1952 ومن منطقة الأعظمية التي تعد مركزا مهما لتراث المقام العراقي ، وقد بشّر به ليكون مطربا مقاميا من طراز متميز مطرب العراق الأول ” محمد القبانجي ” في 23 / 3 / 1974 عند زيارته لمعهد الدراسات النغمية ببغداد حيث كان الأعظمي ، احد طلابه ، حين استمع اليه بشغف وبفرح قبل ان يعلن ولادة مطرب جديد كفء في المقام العراقي .
وقد ، قدمتُ ، الباحث حسين الأعظمي بكلمة قلت فيها : حسين الأعظمي ، الذي حمل لقب سفير المقام العراقي ، عن جدارة ، وجهد ، ومثابرة ، أسس منهجا متفردا في تتبع مسارات المقام العراقي الموغل بالقدم ، من خلال دراساته الأكاديمية ، المعززة بتطبيقات ميدانية ، آهله في ذلك إمتلاكه لصوت رخيم ، نال إعجاب المستمعين في كل مكان .
و هو ابن بغداد وابن مدينة الاعظمية ، المعروفة بتراثها البغدادي العريق وغناءالمقام العراقي إحدى سماتها ، ولطالما ، سمعت المقام العراقي همسا من شيوخ الاعظمية الجالسين في دكاكينهم او على الارائك في المقاهي ..إنهم والمقام صنوان لا يفترقان .
وعندما ، ارسل لي حسين الاعظمي مؤخرا ، جوانب من مؤلفه الكبير ” محاورفي المقام العراقي ” لاحظت في إحدى هوامشه ، فصلا من سيرته الشخصية وليس مسيرته الفنية ، كونها معروفة لي ، وقد فوجئت بتلاوين تلك السيرة.. فالى جانب شغفه بألقراءة والتثقيف الذاتي ومحبته المبكرة للمقام العراقي ، كان محبا للرياضة بشكل كان ينبأ ، بانه إختار الرياضة منهجا حياتيا له ، حيث شهدت له اروقة النادي الاولمبي في الأعظمية صولات في رياضة المصارعة والكمال الجسماني والسباحة وكرة القدم ..
صور فوتغرافية عديدة ، التقطت في بواكير أعوام ستينات القرن الماضي ، تظهر العنفوان والطموح ، ومن المستحيل ان يتخيل الرائي لتلك الصور ، إن صاحبها سيصبح لاحقا ، ابرز مؤرخي ومؤدي المقام العراقي .. وفي اللقاءات القادمة مع ضيفنا الاعظمي ، سنشهد عرض تلك الصور من على الشاشة الالكترونية التي تم نصبها الاسبوع الماضي في قاعة المنتدى.
وصديقي الاثير الاعظمي ، صافي القلب والسريرة ، اقول ذلك من خلال صحبتي معه لأكثر من ثلاثين عاما ، وجدته خلالها إنه يمتلك لؤلؤا حياتيا لا يخالطه الحصى ابدا ، الى جانب إمتلاكه لمخزون ثقافي وفني كبير .. فمؤلفاته في توثيق سلالم نغمات المقام العراقي زادت على الثمان وتطبيقاته الغنائية في أصول المقام زادت على المائة.
وهو، من الرجال الذين يرون إن الإبداع كالمياه ، إن شحّت ، عطشت الارض وإنحنت اغصان الاشجار اليابسة وتكسّرت وقلّ الإنتاج ، لذلك فهو كثير الاطلاع والاسفار .. وصداقاته في الوسط الثقافي اكثر منها في بقية الأوساط ويكفيه إنه تلميذ نجيب لمتنبي العصر أستاذنا عبد الرزاق عبد الواحد أطال الله في عمره .
إن الكلمة متاحة لمن يقولها .. والكثير قد يتمكنون منها ، لكن حسين الاعظمي يبقى متفردا بالنغم العراقي الاصيل ..
وأستمر الصوت المقامي في الغناء وسط حنين الى الزمن الجميل حيث مقاهي الشواطئ وبساتين الأمان ونار السمك المسكوف الذي اصبح حلمنا المؤجل الى حين.. لكن اي حين؟
كان نجم ذلك الحفل وفارسه ، مطرب العراق الاول ” محمد القبانجي ” الذي غنى .. وغنى حتى أتعب أكف الاديبات والادباء العرب والعراقيين من التصفيق ، وأتعب حناجرهم لمطالباتهم المتكررة بإعادة ما قدمه من فنون المقامات العراقية والبسّتات المرافقة لها بصوته الشجيّ .. لقد حضر نجم المقام العراقي وحضرت معه أنغام هذا اللون الذي تفرد به العراق : لحنا ونغما وإسلوبا .
بعد كل هذه السنين ، تساء لت مع نفسي وأنا أستذكر تلك الحفلة : ترى ماذا سيفعل الادباء العرب ، لو حضروا حفلا مشابها يحييه الى جانب ” القبانجي ” تلامذته : ناظم الغزالي ويوسف عمروعبد الرحمن خضر وحمزة السعداوي ومحمد العاشق وعبد الرحمن العزاوي وعبد الجبار العباسي وغيرهم من تلاميذ القبانجي ؟
او إذا حضروا مناسية بغدادية ، وإستمعوا الى ” رشيد القندرجي” و ” حسن خيوكة و” احمد زيدان “وتلامذتهم… بالتأكيد ، سيكون الأمر ،مذهلا وفرحا لحد يفوق الوصف !
لكن ، الذي ذكرّته ، حدث بالفعل ولم يكن حلما صيفيا ، بل حقيقة جسدها سفير المقام العراقي ” حسين الأعظمي” في قاعة المنتدى الثقافي العراقي في دمشق الذي إستضافه ، قبل أيام ، حيث غنى و طبّق ، أساليب وروحية غناء أولئك الرموز الذين ذكرّتهم .. رموز المقام العراقي ، وعرّف بطرائفهم الادائية ، بدءا من القبانجي الكبير وما قبله من الرواد وإنتهاءا بالجيل اللاحق .. لقد مزج الأعظمي في هذه الإستفاضة بين الحديث الأكاديمي المبسّط عن المقام العراقي ونشأته .. وبين أدائه الصوتي، المتميز لألوان المقام .
حضر الأمسية التي كان لي الشرف في تقديمها ، جمع وافر من الشخصيات الثقافية والإعلامية والفكرية المعروفة ، المتواجدة في الشام كالشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد والموسيقار سالم حسين والإعلامي هرون محمد وغيرهم ، مما زاد من وهج وفرح ” حسين الأعظمي ” .
لقد توسع في الحديث المقترن بتطبيقات بصوته الآخاذ ، للمقام العراقي باشكاله المتعددة وقد همس لي ذاكرا بان هذه الأمسية شكلت عنده وقفة بضرورة تكرارها ، كونها كانت (عراقا مصغرا).. في إشارة منه لدور المنتدى الثقافي العراقي في تهيئة الاجواء للعراقيين في دمشق وعوائلهم للقاءات في أجواء من الألفة والمحبة .
إستهل الأعظمي حديثة عن المقام العراقي وشكل الأدائية المتميزة فيه بقوله.. ” كان القبانجي هو اول من بدأ وترأس حملة التجديد في طرق الآداء المقامية منذ العقود الاولى من القرن الماضي وقد شُنت عليه حملات نقدية شعواء بين معارض ومؤيد ، بحيث أحتدم الجدل في تلك الحقبة من الزمن وما تزال آثارها باقية عند المحافظين ” القدماء” والاجيال الحالية .. ولم يقفل باب المناقشة لهذا السبب. بل سيستمر “
وأوضح الأعظمي ، ما يريد قوله بشأن ريادية التجديد التي قام بها القبانجي بالحديث عن القابلية الفذة التي يمتلكها القبانجي في عملية الانتقال من نغم الى نغم ومن سلم الى سلم وإدراكه العجيب بتماسك هذه العلاقات ومن ثم صياغتها بشكل انسيابي مريح ، مما ساعد على خلق حال ، لا يستطيع فيه المستمع وربما المتخصص أن يفهم تفصيلات المحتوى الموسيقي الفني لأدائه ( .. وهنا قدم سفير المقام العراقي الأعظمي الوانا بصوته ليؤكد ريادية القبانجي بتجديد المقام ).
وعن ” ناظم الغزالي ” قال انه أحدث ثورة على الأوضاع الغنائية السائدة في عصره ونزعته الابداعية التي تجسدت في إنجازاته وتهذيبه لأسلوب العرض المقامي وإنضاج العملية الأدائية وقد نجح في ذلك نجاحا فاق التصور .. ولـ ” القبانجي والغزالي ” دور مهم وكبير في مسيرة الآداء المقامي البغدادي والعراقي.. وقد تعرضا في نضالهما الإبداعي شأن كل المبدعين والمجددين الى ( بغض ) الكثير من المعارضين لروح الإبداع ، لكنهما في النهاية نجحا وحفرا اسميهما في تاريخ المقام العراقي ..( وقدم المبدع الأعظمي ، في ثنايا حديثه مقاطع من مقامات وبستات الغزالي وسط تصقيق الحضور وطلبهم المزيد !)
وبالنسبة ، ليوسف عمر فأنه كما قال الأعظمي ، كان فنانا تقليديا بصورة تامة ، وظلت سمته التقليدية هي الغالبة على كل تاريخه الفني ، فلم يزد اليها ولم ينقص منها ، فقد نقل هذا التراث بأمانة من السابقين الى اللاحقين ــ مقام مع أغنية قديمة ــ وإستدرك الأعظمي ، بالقول ان اضافة يوسف عمر، الوحيدة التي تحسب له ، هي تعابيره الأدائية التي عبّر فيها عن عواطف ومشاعر الناس المعاصرين لحقبته الزمنية ووصوله الى التعميم الذوقي والجمالي لكل فئات المجتمع العراقي الطبقية والذوقبة ، وبهذه الذوقية المهمة بات يوسف عمر فنانا مقاميا جماهيريا بصورة مثيرة ، وبها إستقام … واشتهر!
المرأة والمقام
وعرج ، الأعظمي الى الحديث عن ولوج ” المرأة” عالم المقام ، فقال ان المقام هو فن رجولي وان عليّة المجتمع هي في مقدمة من يعشقه ، ودلل على فكرته بالاشارة والتساؤل : هل شاهدتم راقصة ترافق مطربا للمقام العراقي ؟ لذلك كانت المرأة تهاب هذا الفن ولا تقربه لكن ما ان حل القرن الماضي ( القرن العشرين ) وهو الذي مثل حفبة التحول نحو الانفتاح في كل مجالات الحياة ، حتى ولجت المرأة باب فن المقام وإن كان بأستحياء وتردد … ومن ابرز اللواتي دخل هذا الميدان في السابق والوقت الحالي : صديقة الملاية وسليمة مراد وسلطانة يوسف وزهور حسين ومائدة نزهت وفريدة محمد علي وسحرطه.
القبانجي..اول المبشرين
والباحث المقامي، المطرب ” حسين الاعظمي ” من مواليد بغداد 1952 ومن منطقة الأعظمية التي تعد مركزا مهما لتراث المقام العراقي ، وقد بشّر به ليكون مطربا مقاميا من طراز متميز مطرب العراق الأول ” محمد القبانجي ” في 23 / 3 / 1974 عند زيارته لمعهد الدراسات النغمية ببغداد حيث كان الأعظمي ، احد طلابه ، حين استمع اليه بشغف وبفرح قبل ان يعلن ولادة مطرب جديد كفء في المقام العراقي .
وقد ، قدمتُ ، الباحث حسين الأعظمي بكلمة قلت فيها : حسين الأعظمي ، الذي حمل لقب سفير المقام العراقي ، عن جدارة ، وجهد ، ومثابرة ، أسس منهجا متفردا في تتبع مسارات المقام العراقي الموغل بالقدم ، من خلال دراساته الأكاديمية ، المعززة بتطبيقات ميدانية ، آهله في ذلك إمتلاكه لصوت رخيم ، نال إعجاب المستمعين في كل مكان .
و هو ابن بغداد وابن مدينة الاعظمية ، المعروفة بتراثها البغدادي العريق وغناءالمقام العراقي إحدى سماتها ، ولطالما ، سمعت المقام العراقي همسا من شيوخ الاعظمية الجالسين في دكاكينهم او على الارائك في المقاهي ..إنهم والمقام صنوان لا يفترقان .
وعندما ، ارسل لي حسين الاعظمي مؤخرا ، جوانب من مؤلفه الكبير ” محاورفي المقام العراقي ” لاحظت في إحدى هوامشه ، فصلا من سيرته الشخصية وليس مسيرته الفنية ، كونها معروفة لي ، وقد فوجئت بتلاوين تلك السيرة.. فالى جانب شغفه بألقراءة والتثقيف الذاتي ومحبته المبكرة للمقام العراقي ، كان محبا للرياضة بشكل كان ينبأ ، بانه إختار الرياضة منهجا حياتيا له ، حيث شهدت له اروقة النادي الاولمبي في الأعظمية صولات في رياضة المصارعة والكمال الجسماني والسباحة وكرة القدم ..
صور فوتغرافية عديدة ، التقطت في بواكير أعوام ستينات القرن الماضي ، تظهر العنفوان والطموح ، ومن المستحيل ان يتخيل الرائي لتلك الصور ، إن صاحبها سيصبح لاحقا ، ابرز مؤرخي ومؤدي المقام العراقي .. وفي اللقاءات القادمة مع ضيفنا الاعظمي ، سنشهد عرض تلك الصور من على الشاشة الالكترونية التي تم نصبها الاسبوع الماضي في قاعة المنتدى.
وصديقي الاثير الاعظمي ، صافي القلب والسريرة ، اقول ذلك من خلال صحبتي معه لأكثر من ثلاثين عاما ، وجدته خلالها إنه يمتلك لؤلؤا حياتيا لا يخالطه الحصى ابدا ، الى جانب إمتلاكه لمخزون ثقافي وفني كبير .. فمؤلفاته في توثيق سلالم نغمات المقام العراقي زادت على الثمان وتطبيقاته الغنائية في أصول المقام زادت على المائة.
وهو، من الرجال الذين يرون إن الإبداع كالمياه ، إن شحّت ، عطشت الارض وإنحنت اغصان الاشجار اليابسة وتكسّرت وقلّ الإنتاج ، لذلك فهو كثير الاطلاع والاسفار .. وصداقاته في الوسط الثقافي اكثر منها في بقية الأوساط ويكفيه إنه تلميذ نجيب لمتنبي العصر أستاذنا عبد الرزاق عبد الواحد أطال الله في عمره .
إن الكلمة متاحة لمن يقولها .. والكثير قد يتمكنون منها ، لكن حسين الاعظمي يبقى متفردا بالنغم العراقي الاصيل ..
وأستمر الصوت المقامي في الغناء وسط حنين الى الزمن الجميل حيث مقاهي الشواطئ وبساتين الأمان ونار السمك المسكوف الذي اصبح حلمنا المؤجل الى حين.. لكن اي حين؟