كل الأفعال تولد حلم أولا,والأحلام لها من يحيلها لحقيقة ولها غالبا من يحيلها من حقيقة إلى سراب ,هكذا بدأ للوهلة الأولى في مخيلتي مشروع تأسيس منتدى مظفر النواب للشعر الحديث صيف عام 2007 ,وليس كما ادعى صديقي العزيز الشاعر محمد العكيلي من على برنامج (ديوان الفرات ) الشعري بأن المنتدى ولد كفكرة خلال التسعينيات!!وهذا الأمر عار عن الصحة ولا أساس له من المصداقية إطلاقا,لان ما من احد كان يجرؤ مجرد التخيل أو حتى التفكير في اسم النواب المحظور آنذاك!!! و لا يوجد تعبر لما ذكره -العكيلي- وقتها إلا أنها محاولة غير موفقة منه لمصادرة وسرقة الجهود,وتوضيحا للحقائق التي يحاول البعض طمسها ولكي لا يختلط الحابل بالنابل ويكتب التاريخ أما مهزومون أو منتصرون,فسأبوح للتاريخ فقط بما في جعبتي عن تاريخ مشروع ولد في قضبان ذاتي ومابين شفتي كحلم,فسرق حينما خرج من سجنه,ذلك هو منتدى مظفر النواب للشعر الحديث في ميسان,فأحيل إلى خراب أشبه ما يكون بخرائب الزمن الغابر التي دمرتها وقاحة الغرباء وسطوة التجار الجدد.
الحكاية بدأت مع صيف 2007 حينما ولدت في مخيلتي وأنا احضر مهرجانات خراب الذائقة الشعرية التي كانت تعقد هنا وهناك في ميسان والمحافظات التي تشرفت بان أكون احد المدعوين في مهرجاناتها الشعرية,حيث كان الانحراف والتخريب الشعري خلالها ينخر جسد الشعر الشعبي / مضمونا / ومفردة / ووزنا/,كانت القوافي تلك أشبه ما تكون بوباء يميت الإحساس والحب والنقاء لكل من سمعها,نتيجة لشراسة وقبح ما كان يذكر من مفردات لا تليق بالشعر,مضامين كانت تعمق الكره والبغضاء وسوء الضن,وتحرض على القتل علنا,قصائد تبكي بكاء المجانين على وطن يحال بالقصائد إلى سواتر وخنادق حرب,قصائد فرقت ولم توحد,وهدمت ولم تبني,قصائد ايقضت الفتنة التي أراد لها الحكماء والرسل والأنباء والأتقياء أن تبقى نائمة ولعنوا كل من أيقضها,قصائد تشترى وتباع لمن يدفع أكثر,أبواق لكل من هب ودب,واستسهال كتابي لا حدود له,هي فوضى عارمة اجتاحت الشعر بعد أن خرج الشاعر الكبير مظفر النواب بالشعر من مساحة الفوضى والمتاجرة إلى مساحة الرقي والمسؤولية ,الا أن دعاة الفوضى ومناصريهم كانوا أكثر عدة وعددا,فغاب الرقي والمسؤولية جيلا بعد جيل – الا من استثناءات تعد بأصابع اليد – وهذا ما سأتطرق له في مقال أخر بعنوان (النواب ….وأجيال المؤامرة الكبرى وجيل ما بعد الحداثة )- .
المهم في الأمر…كان لي مع الخراب وقفة تأمل طويلة شطحت فيها بعيدا وولدت في مخيلتي مشروع تأسيس منتدى مظفر النواب للشعر الحديث لتقويم الشعر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه – مما تبقى وما يولد الآن – من قرائح شعرية مثقفة تنتصر للعقل والتصوير الفلسفي والفضاءات الحرة,بعيدا عن توتر قيد القافية,وسواد (النصاري)و- سائديته المقيتة- المشاعة,وصحراء السطحية والمباشرة,والانسياق نحو حضيض المفردات الشعبية السوقية,أو رغبات ثقافة الشارع في سطحية التضمين الشعري واملاءاته وتوجيهه للشاعر وقيادته بما يحب أن يسمع ويتذوق هذا الشعبوي الجاهل,وليس المقصود هنا الدعوة للتسيب والانعدام /القافوي أو الوزني/,أو شعر الكلمات المتقاطعة,الذي اتبعه (البعض) من جيل فاشل من مقلدي النواب الكبير آنذاك,أو غياب وحدة المضمون,والتعفف عن المفردة الشعبية الصريحة,أو التنكر للقصيدة العمودية,وتغريب الشعر الشعبي بعبارات واستعارات ما بعد الفهم والتأويل أو التصوير الشعري الذي يموت ضمن حدود معنى قلب الشاعر فقط,أو التزيين الغير مبرر للقصائد بعبارات /التثاقف والمتثاقفين/ممن يهتمون بجمع المصطلحات أكثر من بناء فهم واع ملموس,كل هذه كانت تدور في راسي وتنضج بشكل سريع يوما بعد يوم حتى قررت أن أضع الحلم كمقترح على طاولة الشعراء,فكان أول من بحت له بالحلم الشاعر (محمد أبو العز) وذلك لقربه مني واهتمامي به كانموذج مشرف لجيل شعري جديد,فكان (للأسف)أول من اكتوى بنار هذا الحلم وتحمل ما لا يتحمله احد من اجل أن يرى المشروع النور إلا انه كان شجاعا في مواجهة الجميع وأكثرهم تضررا حينها,شرحت له في أول جلسة معه حلمي ومبتغاي وأفصحت له عن إن المشروع هو ليس واجهة تسويقية للشعراء أي سيكون موضوعه ومضمونه المهرجانات والبهرجات الإعلامية بل هذا الأمر سيكون شيء ثانوي وسيكون كالأكاديمية الشعرية,تعيد هيكلة معنى ومضمون الشعر الحديث وأسلوب تطوره,عبر أماسي خاصة يدعى لها نماذج من مفكرين وأصحاب شأن,تدرس فيها القصائد ونستقطب كتاب القصيدة الحديثة,دون المساس بأصناف الشعر الأخرى,بل تخطيت بذلك كل اعرف التصنيفات وبرهنت له بان ثمة قصيدة عمودية تكون قمة في الحداثة,واتفقنا على إن المشروع يولد في ميسان وبعدما نثبت جدارتنا ننفتح على المحافظات الأخرى لان مشروعنا إصلاحي,ولأنه يحمل أخلاق عالية رفض (أبو العز) أن يتصدى ويضع رواد هذه القصيدة وكتابها ممن سبقوه – في السن طبعا وليس في الإبداع – خلف ظهره أمثال الشعراء (الشاعر الكبير عبد الكريم القصاب )و(عادل الدراجي)و(حسين زامل) و(محمد العكيلي ),فطلبنا فيما بعد من كتابها الذين يعتبرون أنفسهم روادها وكتابها أن يتبنوا المشروع بعدما شرحنا لهم المشروع وأهدافه وكان ترحابهم بالمشروع كبير جدا حينها حتى أننا جلسنا لنضع بعض البرامج التي سننفذها,إلا أن أول عقبتين واجهتنا هما,الأولى خاصة باتحاد الشعراء الشعبيين في ميسان والذي يرأسه الشاعر الكبير سعد محمد الحسن تحسبا من أن يرفض المشروع ويعتبره موجها ضده,والعقبة الثانية كانت في تنامي النفاق بين من أطلقت عليهم في يومها المؤسسون,وللتاريخ إن الشاعر الكبير عبد الكريم القصاب رفض أن يدخل عضوا في تشكيلة المنتدى وقدم كل خدماته لحضور الجلسات والنشاطات فقط .
فيما يخص العقبة الأولى,طلبت من الشاعر الكبير سعد محمد الحسن أن أزوره في البيت وطبعا جمعتنا أنا وهو ومعي الشاعران حسين زامل والشاعر محمد أبو العز وليمة غداء في مضيفه في قضاء الكحلاء وهو رجل معروف بكرمه وعزوبيته في هذا الأمر وتناقشنا معه حول المشروع وأعلن موافقته عليه إن لم يكن فيه نفس الانشقاق والمؤامرة عن الاتحاد في ميسان حتى انه عرض أن يمنح المنتدى مقرا خاصا ويخصص للمنتدى أمسية خاصة ضمن أماسي الاتحاد وطبعا هذا كان كرم غير مسبوق منه لمشروع لو كان احد غيره لرفضه في وجود اتحاد يعتبر الأم لكل صنوف الشعر,انتهت العقبة الأولى ولم تنتهي الثانية لأنها كانت تتنامى وتكبر بسبب خلافات شخصية سابقة كانت بيني وبين الأخ محمد العكيلي (وانتهت الآن ولله الحمد )الا إنها أثرت في انطلاق المشروع رسميا آنذاك كانت أسبابها لا تستدعي لكل ذلك الخلاف تتمحور حول تصريحات كنت انشرها عن المشروع وانتقد فيها القصائد العمودية –الساذجة- فكانت تثير استياء شعراء من المحافظات تربطهم – بالعكيلي- علاقة في مواقع المنتديات الشعرية على الانترنت لذلك كانوا يعاتبونه عليها كونه عضوا في المنتدى الوليد,فيما كنت خلالها أجريت اتصالاتي بكبار شعراء القصيدة الحديثة الرواد والشباب وباركوا لي الفكرة وقدموا دعمهم لها حتى أعلنا حينها عبر مواقع الانترنت ووسائل الإعلام المختلفة إن المشروع سيضم كل من (ريسان الخزعلي وكاظم غيلان وعلي الربيعي وحمزة الحلفي ونوفل الصافي وعلي درجال وفاضل السعيدي وعبد البطاط و عبد الكريم القصاب وعادل الدراجي حسين زامل ومحمد العكيلي ومحمد ابو العز ),وبدأنا نجهز لمهرجان قطري كبير كان سيحمل اسم الشاعر الراحل محمد الغريب ,حتى جاءت ساعة ليلة انفراط عقد اللؤلؤ بعدما أعلنت انسحابي من المشروع بسبب تلك المشاكل ومن ثم أعلن الشاعر عادل الدراجي انسحابه تضامنا مع الشاعر (محمد العكيلي ),فبقي المشروع متوقفا ولا احد يتحدث به طيلة ثلاثة أشهر كنا خلالها قد تفرقنا بعدما كنا نجلس في مكان واحد أصبحنا كلا يلتقي في مكان أخر حتى إن المشروع كاد أن ينسى ويطويه النسيان,ولم تفلح كل تدخلات البعض لردم الهوة بيننا وكان أهمها مساعي الأخ الناقد السيد عمار القاضي لتقريب وجهات النظر وصل بعضها إلى حد أنهم اشترطوا خروجي أنا و(أبو العز)من المشروع نهائيا مقابل إعلان تأـسيسه,ورغم ذلك قبلنا بهذا الشرط حينها من اجل أن يرى المنتدى النور وأيضا حتى لا نتهم بالكذب أمام شعراء المحافظات أو حتى نبين لهم تقاطعاتنا وخلافاتنا بهذا الموضوع ,إلا أن حتى هذا الأمر لم ينجح إطلاقا وتمسكوا برفض المشروع تماما,وعندها طلبت من (أبو العز)أن ننهض نحن بالمشروع بأنفسنا بما إن أصحابه تخلو عنه وخذلونا,إلا انه رفض لأسباب كانت في وقتها مقنعة للغاية الأولى تتعلق بقلة الناصر والمعين وعدم وجود شعراء يعتمد عليهم ليكونوا الرصيد والأساس القوي والمتين لمثل هكذا مشروع كبير,والثانية كانت تتعلق بأنه كان يؤمن بأخلاقيات يراها الآخرون ممن اكتووا بمثل هذه النيران هي أخلاقيات باليه ,فالمبدع الحقيقي الذي لا يسعى إلى تطوير إبداعه في محيطه ويبقى مترنحا مابين الجلوس على التل تارة وخلق الأزمات تارة أخرى لا يستحق أن يهتم احد بمشاعره أو يضع لها حسابات خاصة فرفض (أبو العز),العرض احتراما لهم .
حينها لم أجد أمامي غير أن امضي بمشروعي وأعلن عن تأسيسه في غير ميسان فاتصلت بالشاعر المبدع نوفل الصافي وشرحت له الأمر واتفقنا أن نطرح الموضوع في جلسة مع شعراء بغداد ,ذهب الصافي لبغداد وفقا للموعد وتخلفت أنا عن الموعد لأسباب عائلية ,فطوينا صفحة تأسيس المنتدى وهجرت مجالس الشعراء لأنهم قتلوا مشروعا إصلاحيا كبير, تلتها الكثير من المشاكل والخلافات مابين جبهتين الأولى يمثلها الشاعران (عادل الدراجي ومحمد العكيلي )ومعهم عدد من الشعراء ,وجبهة ثانية يمثلها الشعراء (محمد أبو العز ومعه قصي الطيب واحمد الغريب)ولحق فيما بعد بهم الشاعر (علي الكناني),وصل الأمر بين الجبهتين إلى تقاطعات كبيرة انتعشت فيها أسوء صنوف الشعر ألا وهو – الهجاء- بل تعدى ذلك إلى أن قدمت الجبهة الأولى تقريرا للاتحاد في ميسان طالبت فيه بفصل (أبو العز)من عضوية الاتحاد إلا أن الطلب رفض في وقتها لان الأسباب كانت غير مقنعة لفصله,لذلك كان (أبو العز) الأشجع والأكثر تضررا من مشروع بدأ – حلم- وتحول فيما بعد إلى – للعنة- .
مرت أيام وسنين كنت خلالها بعيدا كل البعد عن الطرفين حتى دعيت من الجبهة الأولى أي من الشاعرين (عادل الدراجي ومحمد العكيلي )لحضور اجتماع طارئ لم اعرف أو أتعرف عن فحواه وكالعادة اجتمعنا في حدائق دجلة,وصعقت لفحوى الاجتماع حيث إن المجتمعون قرروا العمل مجددا بتأسيس (منتدى مظفر النواب للشعر الحديث),رحبت بالخطوة في بداية الأمر وقدمت لهم كل خدماتي شريطة أن يكون المنتدى بأهدافه ومضامينه وخطواته السابقة وهنا بداية النهاية أو بوابة الخراب ,
أعلنت انسحابي من المشروع في ثاني اجتماع لهم ,وتسلم زمام القيادة في المنتدى الأخ كريم الرسام وهو زميل إعلامي احترمه واعتز بصداقته جدا, إلا ان محنة قيادة منتدى بهذه المواصفات في أن يكون من يديره هو فارس في مجال ما يحمله شعار المنتدى(الشعر الحديث) ,وكريم الرسام رجل مشهود له بالكفاءة والنزاهة والقيادة إلا أني لا ارتضي له مطلقا أن يكون جسرا لنوايا وأهداف (البعض)ممن لا يهمهم الشعر بل المال والتفاخر الكذاب وقرأ في حفل الافتتاح رسالة قالوا بعثها الشاعر الكبير مظفر النواب يبارك فيها انبثاق تأسيس المنتدى !! ولا نعرف حتى اللحظة مدى مصداقية هذه الرسالة .
الخراب بات واضحا للعيان ,فالمنتدى بعيد كل البعد الآن عن اليافطة التي يتزين بها,وخير دليل هو استقطابهم الشعري الذي في غير محله بما يخص(بعض) الشعراء وما أقدم عليه – المنتدائيون- من أماسي وقوافل واحتضانهم لقصائد و(بعض) شعراء يعدون جريمة في مساحة الأدب الشعبي فكان المنتدى اسم لغير مسمى .
كان من المفترض أن يكون المنتدى صرخة الوعي التي ستدوي في سماء الشعر لتعيد الشعر الشعبي إلى سكته الحقيقية الا أنها بالعكس انحرفت به نحو خرائب الكهوف المظلمة التي لا تخرج إلا شعراء ظلاميون لا يفقهون من الشعر سوى طنين الكلمات,ورصف المفردات العاريات المبتذلات.
فمتى ينتصر الشعراء للشعر ؟؟,ومتى لا يعتلى المنصات الا الشعراء الحقيقيون ؟؟,هل الشعر الحديث يعني الكلاسيكية والمباشرة والسطحية والألفاظ السوقية لدى البعض ممن نمحهم شرف اعتلاء منصة فخمة تحمل اسم النواب الكبير ؟؟.
رغم كل ذلك لازلت أراهن على صحوة الجبهتين مجددا وان يعودوا لرشدهم ويعيدوا حساباتهم مرة أخرى قبل فوات الأوان لأنهم شعراء ولا يختلف على شاعريتهم احد والاهم ذلك كله هي سمعة وتاريخ مدينة لا تستحق من أبناءها كل ذلك التخريب ,أنهم بحاجه لرص الصفوف والعمل بروح الفريق الواحد وإعادة هيكلة الحلم – المنتدى – من جديد /إداريا/ومضمونا/ واستقطابا شعريا/كي يلدوا(حلما)لا يشوه أو يسرق علنا,وهم قادرون على تصحيح أخطائهم لأنهم نماذج من أجيال مهمة لابد أن تتوحد جهودها لخير الأدب الشعبي لا أن تتفرق وتتقاطع فيضيع الخيط واللؤلؤ معا .
هذه هي ببساطة قصة منتدى مظفر النواب …الولادة والخراب,اعترف إن الانحراف في هذا المشروع لا يتحمله سواي فانا من حلمت حلما تصورته سينضج في فضاءات أكثر جدية ولم أتصور أطلاقا بأنه سيكون الحلم (اللعنة) والخراب التي ستحل على الشعر الحديث في ميسان والعراق عموما لأنه ولد في غير محله وأوانه .
المضحك في كل هذا هو إن كل ما جرى وحدث من ولادة وخراب كان يحدث ليلا في حدائق شارع دجلة لذلك أنا اليوم أكثر أيمانا من ذي قبل بالمثل القائل (حجي أليل يمحيه النهار).
اللهم اشهد إني أبرء أليك من كفر – حلم – جناه عقلي وراح الآخرون يدحرجونه ويحرفونه كأي فكر مشوها في عقول قررت أن تكبر خطاءا يوما بعد يوم وسط نفخ تجار الكلمات الجدد فيها,وان كان اليوم الخطأ يكبر كأي كرة ثلج إلا انها حتما ستتعرى أمام شمس الشعر الحقيقي غدا.
الحكاية بدأت مع صيف 2007 حينما ولدت في مخيلتي وأنا احضر مهرجانات خراب الذائقة الشعرية التي كانت تعقد هنا وهناك في ميسان والمحافظات التي تشرفت بان أكون احد المدعوين في مهرجاناتها الشعرية,حيث كان الانحراف والتخريب الشعري خلالها ينخر جسد الشعر الشعبي / مضمونا / ومفردة / ووزنا/,كانت القوافي تلك أشبه ما تكون بوباء يميت الإحساس والحب والنقاء لكل من سمعها,نتيجة لشراسة وقبح ما كان يذكر من مفردات لا تليق بالشعر,مضامين كانت تعمق الكره والبغضاء وسوء الضن,وتحرض على القتل علنا,قصائد تبكي بكاء المجانين على وطن يحال بالقصائد إلى سواتر وخنادق حرب,قصائد فرقت ولم توحد,وهدمت ولم تبني,قصائد ايقضت الفتنة التي أراد لها الحكماء والرسل والأنباء والأتقياء أن تبقى نائمة ولعنوا كل من أيقضها,قصائد تشترى وتباع لمن يدفع أكثر,أبواق لكل من هب ودب,واستسهال كتابي لا حدود له,هي فوضى عارمة اجتاحت الشعر بعد أن خرج الشاعر الكبير مظفر النواب بالشعر من مساحة الفوضى والمتاجرة إلى مساحة الرقي والمسؤولية ,الا أن دعاة الفوضى ومناصريهم كانوا أكثر عدة وعددا,فغاب الرقي والمسؤولية جيلا بعد جيل – الا من استثناءات تعد بأصابع اليد – وهذا ما سأتطرق له في مقال أخر بعنوان (النواب ….وأجيال المؤامرة الكبرى وجيل ما بعد الحداثة )- .
المهم في الأمر…كان لي مع الخراب وقفة تأمل طويلة شطحت فيها بعيدا وولدت في مخيلتي مشروع تأسيس منتدى مظفر النواب للشعر الحديث لتقويم الشعر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه – مما تبقى وما يولد الآن – من قرائح شعرية مثقفة تنتصر للعقل والتصوير الفلسفي والفضاءات الحرة,بعيدا عن توتر قيد القافية,وسواد (النصاري)و- سائديته المقيتة- المشاعة,وصحراء السطحية والمباشرة,والانسياق نحو حضيض المفردات الشعبية السوقية,أو رغبات ثقافة الشارع في سطحية التضمين الشعري واملاءاته وتوجيهه للشاعر وقيادته بما يحب أن يسمع ويتذوق هذا الشعبوي الجاهل,وليس المقصود هنا الدعوة للتسيب والانعدام /القافوي أو الوزني/,أو شعر الكلمات المتقاطعة,الذي اتبعه (البعض) من جيل فاشل من مقلدي النواب الكبير آنذاك,أو غياب وحدة المضمون,والتعفف عن المفردة الشعبية الصريحة,أو التنكر للقصيدة العمودية,وتغريب الشعر الشعبي بعبارات واستعارات ما بعد الفهم والتأويل أو التصوير الشعري الذي يموت ضمن حدود معنى قلب الشاعر فقط,أو التزيين الغير مبرر للقصائد بعبارات /التثاقف والمتثاقفين/ممن يهتمون بجمع المصطلحات أكثر من بناء فهم واع ملموس,كل هذه كانت تدور في راسي وتنضج بشكل سريع يوما بعد يوم حتى قررت أن أضع الحلم كمقترح على طاولة الشعراء,فكان أول من بحت له بالحلم الشاعر (محمد أبو العز) وذلك لقربه مني واهتمامي به كانموذج مشرف لجيل شعري جديد,فكان (للأسف)أول من اكتوى بنار هذا الحلم وتحمل ما لا يتحمله احد من اجل أن يرى المشروع النور إلا انه كان شجاعا في مواجهة الجميع وأكثرهم تضررا حينها,شرحت له في أول جلسة معه حلمي ومبتغاي وأفصحت له عن إن المشروع هو ليس واجهة تسويقية للشعراء أي سيكون موضوعه ومضمونه المهرجانات والبهرجات الإعلامية بل هذا الأمر سيكون شيء ثانوي وسيكون كالأكاديمية الشعرية,تعيد هيكلة معنى ومضمون الشعر الحديث وأسلوب تطوره,عبر أماسي خاصة يدعى لها نماذج من مفكرين وأصحاب شأن,تدرس فيها القصائد ونستقطب كتاب القصيدة الحديثة,دون المساس بأصناف الشعر الأخرى,بل تخطيت بذلك كل اعرف التصنيفات وبرهنت له بان ثمة قصيدة عمودية تكون قمة في الحداثة,واتفقنا على إن المشروع يولد في ميسان وبعدما نثبت جدارتنا ننفتح على المحافظات الأخرى لان مشروعنا إصلاحي,ولأنه يحمل أخلاق عالية رفض (أبو العز) أن يتصدى ويضع رواد هذه القصيدة وكتابها ممن سبقوه – في السن طبعا وليس في الإبداع – خلف ظهره أمثال الشعراء (الشاعر الكبير عبد الكريم القصاب )و(عادل الدراجي)و(حسين زامل) و(محمد العكيلي ),فطلبنا فيما بعد من كتابها الذين يعتبرون أنفسهم روادها وكتابها أن يتبنوا المشروع بعدما شرحنا لهم المشروع وأهدافه وكان ترحابهم بالمشروع كبير جدا حينها حتى أننا جلسنا لنضع بعض البرامج التي سننفذها,إلا أن أول عقبتين واجهتنا هما,الأولى خاصة باتحاد الشعراء الشعبيين في ميسان والذي يرأسه الشاعر الكبير سعد محمد الحسن تحسبا من أن يرفض المشروع ويعتبره موجها ضده,والعقبة الثانية كانت في تنامي النفاق بين من أطلقت عليهم في يومها المؤسسون,وللتاريخ إن الشاعر الكبير عبد الكريم القصاب رفض أن يدخل عضوا في تشكيلة المنتدى وقدم كل خدماته لحضور الجلسات والنشاطات فقط .
فيما يخص العقبة الأولى,طلبت من الشاعر الكبير سعد محمد الحسن أن أزوره في البيت وطبعا جمعتنا أنا وهو ومعي الشاعران حسين زامل والشاعر محمد أبو العز وليمة غداء في مضيفه في قضاء الكحلاء وهو رجل معروف بكرمه وعزوبيته في هذا الأمر وتناقشنا معه حول المشروع وأعلن موافقته عليه إن لم يكن فيه نفس الانشقاق والمؤامرة عن الاتحاد في ميسان حتى انه عرض أن يمنح المنتدى مقرا خاصا ويخصص للمنتدى أمسية خاصة ضمن أماسي الاتحاد وطبعا هذا كان كرم غير مسبوق منه لمشروع لو كان احد غيره لرفضه في وجود اتحاد يعتبر الأم لكل صنوف الشعر,انتهت العقبة الأولى ولم تنتهي الثانية لأنها كانت تتنامى وتكبر بسبب خلافات شخصية سابقة كانت بيني وبين الأخ محمد العكيلي (وانتهت الآن ولله الحمد )الا إنها أثرت في انطلاق المشروع رسميا آنذاك كانت أسبابها لا تستدعي لكل ذلك الخلاف تتمحور حول تصريحات كنت انشرها عن المشروع وانتقد فيها القصائد العمودية –الساذجة- فكانت تثير استياء شعراء من المحافظات تربطهم – بالعكيلي- علاقة في مواقع المنتديات الشعرية على الانترنت لذلك كانوا يعاتبونه عليها كونه عضوا في المنتدى الوليد,فيما كنت خلالها أجريت اتصالاتي بكبار شعراء القصيدة الحديثة الرواد والشباب وباركوا لي الفكرة وقدموا دعمهم لها حتى أعلنا حينها عبر مواقع الانترنت ووسائل الإعلام المختلفة إن المشروع سيضم كل من (ريسان الخزعلي وكاظم غيلان وعلي الربيعي وحمزة الحلفي ونوفل الصافي وعلي درجال وفاضل السعيدي وعبد البطاط و عبد الكريم القصاب وعادل الدراجي حسين زامل ومحمد العكيلي ومحمد ابو العز ),وبدأنا نجهز لمهرجان قطري كبير كان سيحمل اسم الشاعر الراحل محمد الغريب ,حتى جاءت ساعة ليلة انفراط عقد اللؤلؤ بعدما أعلنت انسحابي من المشروع بسبب تلك المشاكل ومن ثم أعلن الشاعر عادل الدراجي انسحابه تضامنا مع الشاعر (محمد العكيلي ),فبقي المشروع متوقفا ولا احد يتحدث به طيلة ثلاثة أشهر كنا خلالها قد تفرقنا بعدما كنا نجلس في مكان واحد أصبحنا كلا يلتقي في مكان أخر حتى إن المشروع كاد أن ينسى ويطويه النسيان,ولم تفلح كل تدخلات البعض لردم الهوة بيننا وكان أهمها مساعي الأخ الناقد السيد عمار القاضي لتقريب وجهات النظر وصل بعضها إلى حد أنهم اشترطوا خروجي أنا و(أبو العز)من المشروع نهائيا مقابل إعلان تأـسيسه,ورغم ذلك قبلنا بهذا الشرط حينها من اجل أن يرى المنتدى النور وأيضا حتى لا نتهم بالكذب أمام شعراء المحافظات أو حتى نبين لهم تقاطعاتنا وخلافاتنا بهذا الموضوع ,إلا أن حتى هذا الأمر لم ينجح إطلاقا وتمسكوا برفض المشروع تماما,وعندها طلبت من (أبو العز)أن ننهض نحن بالمشروع بأنفسنا بما إن أصحابه تخلو عنه وخذلونا,إلا انه رفض لأسباب كانت في وقتها مقنعة للغاية الأولى تتعلق بقلة الناصر والمعين وعدم وجود شعراء يعتمد عليهم ليكونوا الرصيد والأساس القوي والمتين لمثل هكذا مشروع كبير,والثانية كانت تتعلق بأنه كان يؤمن بأخلاقيات يراها الآخرون ممن اكتووا بمثل هذه النيران هي أخلاقيات باليه ,فالمبدع الحقيقي الذي لا يسعى إلى تطوير إبداعه في محيطه ويبقى مترنحا مابين الجلوس على التل تارة وخلق الأزمات تارة أخرى لا يستحق أن يهتم احد بمشاعره أو يضع لها حسابات خاصة فرفض (أبو العز),العرض احتراما لهم .
حينها لم أجد أمامي غير أن امضي بمشروعي وأعلن عن تأسيسه في غير ميسان فاتصلت بالشاعر المبدع نوفل الصافي وشرحت له الأمر واتفقنا أن نطرح الموضوع في جلسة مع شعراء بغداد ,ذهب الصافي لبغداد وفقا للموعد وتخلفت أنا عن الموعد لأسباب عائلية ,فطوينا صفحة تأسيس المنتدى وهجرت مجالس الشعراء لأنهم قتلوا مشروعا إصلاحيا كبير, تلتها الكثير من المشاكل والخلافات مابين جبهتين الأولى يمثلها الشاعران (عادل الدراجي ومحمد العكيلي )ومعهم عدد من الشعراء ,وجبهة ثانية يمثلها الشعراء (محمد أبو العز ومعه قصي الطيب واحمد الغريب)ولحق فيما بعد بهم الشاعر (علي الكناني),وصل الأمر بين الجبهتين إلى تقاطعات كبيرة انتعشت فيها أسوء صنوف الشعر ألا وهو – الهجاء- بل تعدى ذلك إلى أن قدمت الجبهة الأولى تقريرا للاتحاد في ميسان طالبت فيه بفصل (أبو العز)من عضوية الاتحاد إلا أن الطلب رفض في وقتها لان الأسباب كانت غير مقنعة لفصله,لذلك كان (أبو العز) الأشجع والأكثر تضررا من مشروع بدأ – حلم- وتحول فيما بعد إلى – للعنة- .
مرت أيام وسنين كنت خلالها بعيدا كل البعد عن الطرفين حتى دعيت من الجبهة الأولى أي من الشاعرين (عادل الدراجي ومحمد العكيلي )لحضور اجتماع طارئ لم اعرف أو أتعرف عن فحواه وكالعادة اجتمعنا في حدائق دجلة,وصعقت لفحوى الاجتماع حيث إن المجتمعون قرروا العمل مجددا بتأسيس (منتدى مظفر النواب للشعر الحديث),رحبت بالخطوة في بداية الأمر وقدمت لهم كل خدماتي شريطة أن يكون المنتدى بأهدافه ومضامينه وخطواته السابقة وهنا بداية النهاية أو بوابة الخراب ,
أعلنت انسحابي من المشروع في ثاني اجتماع لهم ,وتسلم زمام القيادة في المنتدى الأخ كريم الرسام وهو زميل إعلامي احترمه واعتز بصداقته جدا, إلا ان محنة قيادة منتدى بهذه المواصفات في أن يكون من يديره هو فارس في مجال ما يحمله شعار المنتدى(الشعر الحديث) ,وكريم الرسام رجل مشهود له بالكفاءة والنزاهة والقيادة إلا أني لا ارتضي له مطلقا أن يكون جسرا لنوايا وأهداف (البعض)ممن لا يهمهم الشعر بل المال والتفاخر الكذاب وقرأ في حفل الافتتاح رسالة قالوا بعثها الشاعر الكبير مظفر النواب يبارك فيها انبثاق تأسيس المنتدى !! ولا نعرف حتى اللحظة مدى مصداقية هذه الرسالة .
الخراب بات واضحا للعيان ,فالمنتدى بعيد كل البعد الآن عن اليافطة التي يتزين بها,وخير دليل هو استقطابهم الشعري الذي في غير محله بما يخص(بعض) الشعراء وما أقدم عليه – المنتدائيون- من أماسي وقوافل واحتضانهم لقصائد و(بعض) شعراء يعدون جريمة في مساحة الأدب الشعبي فكان المنتدى اسم لغير مسمى .
كان من المفترض أن يكون المنتدى صرخة الوعي التي ستدوي في سماء الشعر لتعيد الشعر الشعبي إلى سكته الحقيقية الا أنها بالعكس انحرفت به نحو خرائب الكهوف المظلمة التي لا تخرج إلا شعراء ظلاميون لا يفقهون من الشعر سوى طنين الكلمات,ورصف المفردات العاريات المبتذلات.
فمتى ينتصر الشعراء للشعر ؟؟,ومتى لا يعتلى المنصات الا الشعراء الحقيقيون ؟؟,هل الشعر الحديث يعني الكلاسيكية والمباشرة والسطحية والألفاظ السوقية لدى البعض ممن نمحهم شرف اعتلاء منصة فخمة تحمل اسم النواب الكبير ؟؟.
رغم كل ذلك لازلت أراهن على صحوة الجبهتين مجددا وان يعودوا لرشدهم ويعيدوا حساباتهم مرة أخرى قبل فوات الأوان لأنهم شعراء ولا يختلف على شاعريتهم احد والاهم ذلك كله هي سمعة وتاريخ مدينة لا تستحق من أبناءها كل ذلك التخريب ,أنهم بحاجه لرص الصفوف والعمل بروح الفريق الواحد وإعادة هيكلة الحلم – المنتدى – من جديد /إداريا/ومضمونا/ واستقطابا شعريا/كي يلدوا(حلما)لا يشوه أو يسرق علنا,وهم قادرون على تصحيح أخطائهم لأنهم نماذج من أجيال مهمة لابد أن تتوحد جهودها لخير الأدب الشعبي لا أن تتفرق وتتقاطع فيضيع الخيط واللؤلؤ معا .
هذه هي ببساطة قصة منتدى مظفر النواب …الولادة والخراب,اعترف إن الانحراف في هذا المشروع لا يتحمله سواي فانا من حلمت حلما تصورته سينضج في فضاءات أكثر جدية ولم أتصور أطلاقا بأنه سيكون الحلم (اللعنة) والخراب التي ستحل على الشعر الحديث في ميسان والعراق عموما لأنه ولد في غير محله وأوانه .
المضحك في كل هذا هو إن كل ما جرى وحدث من ولادة وخراب كان يحدث ليلا في حدائق شارع دجلة لذلك أنا اليوم أكثر أيمانا من ذي قبل بالمثل القائل (حجي أليل يمحيه النهار).
اللهم اشهد إني أبرء أليك من كفر – حلم – جناه عقلي وراح الآخرون يدحرجونه ويحرفونه كأي فكر مشوها في عقول قررت أن تكبر خطاءا يوما بعد يوم وسط نفخ تجار الكلمات الجدد فيها,وان كان اليوم الخطأ يكبر كأي كرة ثلج إلا انها حتما ستتعرى أمام شمس الشعر الحقيقي غدا.