لم تكن الصحافة عنده وظيفة يعتاش من ورائها، ولا منصبا سعى للوصول إليه، إنما نبتت من بين مسام مبادئه التي ما ساوم عليها أبداً، وأمضى ردحاً طويلاً من عمره منافحاً عنها، مبدياً مقدرته على دفع ثمن مواقفه وآرائه مهما غلا، ومفنياً أيامه في عمل متواصل، ميزه على كثير غيره، تاركاً بصماته الفريدة على مرحلة كاملة، ذاك هو عميد الصحفيين الأردنيين، الإعلامي الكبير المرحوم محمود الكايد الحياصات الذي غيبه الموت امس بعد حياة حافلة بالانجازات الانسانية والصحفية والثقافية .
لم يغب الكايد عن المشهد لحظة واحدة، حتى وإن ألم به عارض صحي أثقل عليه الأعباء، وحمله شقاء الظروف الصعبة.
منذ كان القلم يحفر أولى تجاويفه بين أصابعه الصغيرة قادته خطواته الأولى إلى عالم الحرف وفضاء الكتابة، وأوصلته إلى مقارعة إحدى أكثر المهن شقاءً ومجلبة للمتاعب.
كان لمسقط رأسه السلط أثره الواضح في بنيته الفكرية، وفي نظرته الصلبة والواثقة نحو الحياة، والمستقبل وتمكن من تشييد شخصيته المكتنزة بالمعرفة والتصميم، هاضماً كل ذلك في بنيته الداخلية، فكانت السلط مسقط الرأس ومربى الطفولة، ورحم الشباب المتوثب للمعرفة والتغيير، فلقد رأت عيناه النور عام 1933م .
نشأ الفقيد الكايد في ظل أسرة متعلمة وميسورة الحال ، وكان عليه أن يزرع دروب وأزقة السلط بخطاه الباحثة عن الحلم والدهشة بين تفاصيل الأشياء الصغيرة، لذا كان تعلقه بالمكان وبالناس البسطاء، واضحاً في مرحل حياته المختلفة، فعرف بحبه للبساطة، والفرح وتعلم كيف ينقله للناس، فكان في عمله وجلساته يشع بالمحبة الخالصة والكلام الدافئ.
كانت أولى انطلاقاته نحو العلم في عمر الخامسة حيث التحق بالكتّاب، في ظل غياب للمدارس ،وبعد إتقانه للقراءة والكتابة ومبادئ الحساب، و حفظ سور من القرآن الكريم، أنتقل إلى مدرسة السلط في السابعة من عمره ، وتميز بتفتح الذهن، والإقبال على الحياة والعلم، وأخذ يتقدم في المدرسة عاماً بعد عام، قاطعاً المراحل الدراسية بثقة ودون انقطاع، وعندما خاض عباب بواكير الشباب، تشبعت روحه بالأجواء القومية الطافحة، التي حركت الشباب في أرجاء الوطن العربي .
وكانت مدرسة السلط الصدى الواضح لهذه الروح، في ظل سيادة القوى الاستعمارية وما يجري في فلسطين، وقد كان تأثير عدد من المدرسين الذين درسوا في بيروت والشام والعراق وربما مصر، كان لهم دور في نقل وترسيخ المشاعر القومية، فكان الطلبة يستجيبون طبيعيا للأحداث التي تجري على الساحة العربية، في مدرسة السلط أو الكرك أو اربد وغيرها، لذا فأن المدرسة كانت تحمل طلبتها إلى آفاق من الوعي السياسي المتقدم في تلك السن المبكرة.
تعد مرحلة مدرسة السلط الموجه الأول لاتجاهات المرحوم الكايد السياسية، فلقد انتسب إلى الحزب الشيوعي، في فترة المد الشيوعي الذي واكب نهضة المشروع العربي القومي، في ظل السخط على السياسات الغربية الاستعمارية .
وقد شارك الكايد في الاحتجاجات المتكررة، مما جعله عرضة للاعتقال خاصة بين عامي 1953- 1957م، وقد شجعه أساتذته على توجهاته السياسية.
وقد امضى سنوات سجنه في المطالعة ودراسة حتى أفرج عنه عام 1965م عندما صدر قانون العفو العام في عهد حكومة وصفي التل، وكان لهذه المرحلة أثرها الذي تردد صداه في سنوات عمره .
وقد تم تعيين الكايد في وزارة الإعلام، ومع ذلك لم يتخل عن توجهاته السياسية وبقي محافظاً عليها، حتى عندما أصبح عمله في دائرة المطبوعات والنشر، حيث استمر عمله هذا ست سنوات ،وخلالها عاوده حلم إكمال دراسته، فلقد حالت نشاطاته السياسية، ودخوله السجن من تمكنه من مواصلة التحصيل العلمي، حتى أنه لم يهتم بهذا الجانب قدر اهتمامه بالسياسة، فبادر بالانتساب إلى جامعة دمشق، ملتحقاً بكلية الحقوق، وكان ذلك بين عامي 1968- 1970م، لكن الحظ عانده أيضاً هذه المرة فلقد حالت الظروف السياسية دون إكماله لدراسة الحقوق.
بدأ عمله في مجال الصحافة عندما انتدب للعمل محرراً في جريدة «القدس» التي كانت تصدر من القدس، حتى وقعت النكسة عام 1967م، التي آلمته كثيراً كغيره من مثقفي الأمة،.
وبعد أن عمل في دائرة المطبوعات والنشر حتى العام 1974شهدت حياته العملية نقلة نوعية، صبغت عمره بصبغتها كما ترك هو بصمته الخاصة عليها .فلقد عين مديراً لتحرير جريدة الرأي التي أسست قبل ذلك بثلاث سنوات، وسرعان ما أثبت مقدرة وخبرة لافتتين، مما أهله ليكون على رأس هذه المؤسسة،فأصبح رئيساً لتحرير الرأي في العام 1976م، وقد تبنى نهج تطوير وتحديث الصحيفة التي أصبحت على رأس الصحف الاردنية والعربية واستقطب إليها كبار الكتاب والأكاديميين والسياسيين، فتحولت إلى صالون متعدد الموضوعات، ومقراً للقاء والتحاور حتى ساعات متأخرة من الليل.
كان الكايد يرى أن عمله في الرأي من أمتع فترات عمره، وبأنها أهم محطة في حياته، وأن نجاحها هو ثمرة جهود كل العاملين فيها على مر السنوات، وقد اختط للرأي نهجاً خاصاً مستقلاً، فلم تحابي أحداً، ولم ترضخ للضغط، فلقد منعت من الصدور وأوقفت في عهده ست مرات، نتيجة تبنيها مواقف أو نشرها لبيانات لا تتمشى مع توجهات الحكومة في تلك الفترة، وقد وجه أبو عزمي كل ذلك بإصرار وعمل الكايد على تحصين « الراي « بالتقنيات الحديثة والمهنية الصحفية الراسخة، بالكتاب المتميزين من مختلف المشارب الفكرية.
ابعد محمود الكايد عن الرأي مرتين نظراً لمواقفه، ومحافظته على استقلاليتها، وكانت تتم إعادته إليها بعد فترة وجيزة، فلقد كانت الجريدة بيته الأول، أعطاها كل ما لديه من خبرة وصلابة وإخلاص، وجعل منها مشروعاً إعلامياً متكاملاً، خرج صحفيين كبارا، منهم من بقي داخل البلاد ومنهم من نقل خبرته إلى الصحافة العربية خاصة الخليجية منها.
أنتخب الكايد نقيباً للصحفيين لثلاث دورات، أكدت على مكانته الصحفية الكبيرة، وما تمتع به من محبة وتقدير كبيرين .
وفي عام 2000م، دخل الحكومة وزيراً للثقافة في حكومة علي أبو الراغب .
عرف عن الفقيد ابو عزمي بانه صاحب قلم لا ينضب حبره، ولا يساوم على كلمته، ويبقى أبو عزمي عاشق «الرأي» الرجل البسيط المحب للحياة والناس، والذي حفر اسمه في ذاكرة الوطن وفي وجدان الناس بأحرف من محبة وصفاء تبقيه كالمصباح المضيء لا ينفد زيته المبارك أبداً.
رحم الله الكايد وادخله فسيح جنانه والهم ذويه والاسرة الصحفية الصبر والسلون وحسن العزاء وانا لله وانا اليه راجعون
لم يغب الكايد عن المشهد لحظة واحدة، حتى وإن ألم به عارض صحي أثقل عليه الأعباء، وحمله شقاء الظروف الصعبة.
منذ كان القلم يحفر أولى تجاويفه بين أصابعه الصغيرة قادته خطواته الأولى إلى عالم الحرف وفضاء الكتابة، وأوصلته إلى مقارعة إحدى أكثر المهن شقاءً ومجلبة للمتاعب.
كان لمسقط رأسه السلط أثره الواضح في بنيته الفكرية، وفي نظرته الصلبة والواثقة نحو الحياة، والمستقبل وتمكن من تشييد شخصيته المكتنزة بالمعرفة والتصميم، هاضماً كل ذلك في بنيته الداخلية، فكانت السلط مسقط الرأس ومربى الطفولة، ورحم الشباب المتوثب للمعرفة والتغيير، فلقد رأت عيناه النور عام 1933م .
نشأ الفقيد الكايد في ظل أسرة متعلمة وميسورة الحال ، وكان عليه أن يزرع دروب وأزقة السلط بخطاه الباحثة عن الحلم والدهشة بين تفاصيل الأشياء الصغيرة، لذا كان تعلقه بالمكان وبالناس البسطاء، واضحاً في مرحل حياته المختلفة، فعرف بحبه للبساطة، والفرح وتعلم كيف ينقله للناس، فكان في عمله وجلساته يشع بالمحبة الخالصة والكلام الدافئ.
كانت أولى انطلاقاته نحو العلم في عمر الخامسة حيث التحق بالكتّاب، في ظل غياب للمدارس ،وبعد إتقانه للقراءة والكتابة ومبادئ الحساب، و حفظ سور من القرآن الكريم، أنتقل إلى مدرسة السلط في السابعة من عمره ، وتميز بتفتح الذهن، والإقبال على الحياة والعلم، وأخذ يتقدم في المدرسة عاماً بعد عام، قاطعاً المراحل الدراسية بثقة ودون انقطاع، وعندما خاض عباب بواكير الشباب، تشبعت روحه بالأجواء القومية الطافحة، التي حركت الشباب في أرجاء الوطن العربي .
وكانت مدرسة السلط الصدى الواضح لهذه الروح، في ظل سيادة القوى الاستعمارية وما يجري في فلسطين، وقد كان تأثير عدد من المدرسين الذين درسوا في بيروت والشام والعراق وربما مصر، كان لهم دور في نقل وترسيخ المشاعر القومية، فكان الطلبة يستجيبون طبيعيا للأحداث التي تجري على الساحة العربية، في مدرسة السلط أو الكرك أو اربد وغيرها، لذا فأن المدرسة كانت تحمل طلبتها إلى آفاق من الوعي السياسي المتقدم في تلك السن المبكرة.
تعد مرحلة مدرسة السلط الموجه الأول لاتجاهات المرحوم الكايد السياسية، فلقد انتسب إلى الحزب الشيوعي، في فترة المد الشيوعي الذي واكب نهضة المشروع العربي القومي، في ظل السخط على السياسات الغربية الاستعمارية .
وقد شارك الكايد في الاحتجاجات المتكررة، مما جعله عرضة للاعتقال خاصة بين عامي 1953- 1957م، وقد شجعه أساتذته على توجهاته السياسية.
وقد امضى سنوات سجنه في المطالعة ودراسة حتى أفرج عنه عام 1965م عندما صدر قانون العفو العام في عهد حكومة وصفي التل، وكان لهذه المرحلة أثرها الذي تردد صداه في سنوات عمره .
وقد تم تعيين الكايد في وزارة الإعلام، ومع ذلك لم يتخل عن توجهاته السياسية وبقي محافظاً عليها، حتى عندما أصبح عمله في دائرة المطبوعات والنشر، حيث استمر عمله هذا ست سنوات ،وخلالها عاوده حلم إكمال دراسته، فلقد حالت نشاطاته السياسية، ودخوله السجن من تمكنه من مواصلة التحصيل العلمي، حتى أنه لم يهتم بهذا الجانب قدر اهتمامه بالسياسة، فبادر بالانتساب إلى جامعة دمشق، ملتحقاً بكلية الحقوق، وكان ذلك بين عامي 1968- 1970م، لكن الحظ عانده أيضاً هذه المرة فلقد حالت الظروف السياسية دون إكماله لدراسة الحقوق.
بدأ عمله في مجال الصحافة عندما انتدب للعمل محرراً في جريدة «القدس» التي كانت تصدر من القدس، حتى وقعت النكسة عام 1967م، التي آلمته كثيراً كغيره من مثقفي الأمة،.
وبعد أن عمل في دائرة المطبوعات والنشر حتى العام 1974شهدت حياته العملية نقلة نوعية، صبغت عمره بصبغتها كما ترك هو بصمته الخاصة عليها .فلقد عين مديراً لتحرير جريدة الرأي التي أسست قبل ذلك بثلاث سنوات، وسرعان ما أثبت مقدرة وخبرة لافتتين، مما أهله ليكون على رأس هذه المؤسسة،فأصبح رئيساً لتحرير الرأي في العام 1976م، وقد تبنى نهج تطوير وتحديث الصحيفة التي أصبحت على رأس الصحف الاردنية والعربية واستقطب إليها كبار الكتاب والأكاديميين والسياسيين، فتحولت إلى صالون متعدد الموضوعات، ومقراً للقاء والتحاور حتى ساعات متأخرة من الليل.
كان الكايد يرى أن عمله في الرأي من أمتع فترات عمره، وبأنها أهم محطة في حياته، وأن نجاحها هو ثمرة جهود كل العاملين فيها على مر السنوات، وقد اختط للرأي نهجاً خاصاً مستقلاً، فلم تحابي أحداً، ولم ترضخ للضغط، فلقد منعت من الصدور وأوقفت في عهده ست مرات، نتيجة تبنيها مواقف أو نشرها لبيانات لا تتمشى مع توجهات الحكومة في تلك الفترة، وقد وجه أبو عزمي كل ذلك بإصرار وعمل الكايد على تحصين « الراي « بالتقنيات الحديثة والمهنية الصحفية الراسخة، بالكتاب المتميزين من مختلف المشارب الفكرية.
ابعد محمود الكايد عن الرأي مرتين نظراً لمواقفه، ومحافظته على استقلاليتها، وكانت تتم إعادته إليها بعد فترة وجيزة، فلقد كانت الجريدة بيته الأول، أعطاها كل ما لديه من خبرة وصلابة وإخلاص، وجعل منها مشروعاً إعلامياً متكاملاً، خرج صحفيين كبارا، منهم من بقي داخل البلاد ومنهم من نقل خبرته إلى الصحافة العربية خاصة الخليجية منها.
أنتخب الكايد نقيباً للصحفيين لثلاث دورات، أكدت على مكانته الصحفية الكبيرة، وما تمتع به من محبة وتقدير كبيرين .
وفي عام 2000م، دخل الحكومة وزيراً للثقافة في حكومة علي أبو الراغب .
عرف عن الفقيد ابو عزمي بانه صاحب قلم لا ينضب حبره، ولا يساوم على كلمته، ويبقى أبو عزمي عاشق «الرأي» الرجل البسيط المحب للحياة والناس، والذي حفر اسمه في ذاكرة الوطن وفي وجدان الناس بأحرف من محبة وصفاء تبقيه كالمصباح المضيء لا ينفد زيته المبارك أبداً.
رحم الله الكايد وادخله فسيح جنانه والهم ذويه والاسرة الصحفية الصبر والسلون وحسن العزاء وانا لله وانا اليه راجعون