(مساحات)
مساحة
لا مركز، لا فوق ولا أسفل
تلتهم دون التوقف وتولد نفسها
دوامة الفراغ
وتنزل في الاعالي
مساحات
تقطع الوضوح بشكل حاد
معلقا
بجنح الليل
حدائق سوداء من كريستال الصخور
تزهو على قضيب من الدخان
حدائق بيضاء تنفجر في الهواء
فراغ
مساحة واحدة تنفتح
بتلة
وتذوب
الفراغ في الفراغ
كل شيء في لامكان
مكان الزفاف الغير المحسوس
**
من هو: اوكتافيو باث 1914-1998
ولد الشاعر في مكسيك وهو كاتب ومفكر سياسي معا. تعكس أعماله أوجه عدة؛ بما في ذلك الماركسية والسريالية وأساطير الأزتك. يستخدم في قصيدته الطويلة Piedra del sol / Sun Stone 1957(حجر الشمس) صورًا متناقضة، يتركز فيها على حجر التقويم الذي يمثل عالم الأزتك، تارة يستخدمه الشاعر رمزا للشعور بالوحدة لدى الأفراد وبحثهم عن الوحدة مع الآخرين. کما حصل الشاعرعلى جائزة نوبل للآداب في عام 1990.
في عام 1962 تم تعيينه سفيرًا مكسيكيًا للهند، لكنه استقال عام 1968 احتجاجًا على مقتل 200 من الطلاب المتظاهرين عشية الألعاب الأولمبية. في عام 1971 أسس المجلة الشهرية ( Pluralبلورال) والتي سميت فيما بعد (فويلتا)، والتي استخدمها لتحليل الاشتراكية والليبرالية، وحث فيها المكسيكيين على أن يجعلوا بلدهم مستقلا عن التأثيرات الشيوعية والكتلة الغربية الأمريكية.
ولد باث في مدينة مكسيكو، ودرس في جامعة المكسيك الوطنية، لكنه غادر الی منطقة نائية في عام 1936 لإنشاء مدرسة لمساعدة الأطفال الفقراء في ولاية يوكاتان الريفية. في عام 1937 قاتل في الحرب الأهلية الإسبانية في لواء جمهوري بقيادة ديفيد سيكروس. کما عمل فيما بعد كصحفي يساري ودبلوماسي مكسيكي 1946-1951، کان صديقا لبابلو نيرودا و التقی بأندرية بريتون في باريس..
**
هذه القصيدة:
يعتبر باث من المبدعين الحقيقيين في عالم الشعر علی مدار ايام السنة، ليس يوما واحدا أو سنة واحدة، و يرجع الفضل في ذلك الی اسلوبه الجذاب المنفتح في کتابته للشعر، فهو لا يکتب لجيل محدد أو زمن و مکان محددين، بل يشارك دوما القراء في کتابة اشعاره بتفاسيرهم المتفاوتة و افهامهم المختلفة، بما انني اعتبره أحد من شعرائي المفضلين، فحاولت ان اترجم له عملا يناسب مستوی سمعته اللائقة، و عندما حاولت ان اترجم هذا النص بحثت كثيرا عن تحليل و نقد أو دراسة حوله، لکنني لم اجد احدا اجترأ علی الحديث والخوض في اعماق هذا العمل الابداعي، لذا حاولت ان اقرأه شخصيا من زاوية فهمي و تحليلي للنص..
تتناول هذه القصيدة النخبوية موضوع الانطولوجيا و فلسفة الوجود من زاوية رؤية الشاعر الی الدنيا و ما حوله، حيث يخرج من اطار الزمکان المتعارف عليها عندنا، فيتحول الوجود برمته الی مادة خامة لکتابة قصيدته و مصدرا لألهامه، يتحدث فيها بلغة شعرية رمزية و مجازية عن قصة الخلق، و انشطار جزئيات المادة في اللامادة، وفي سبيل تكملة هذه الصياغة بأنسب و أمهر شكل يمتزج شيئا من السريالية في تکوين صوره الشعرية و هو الاقرب الی عالم الميافيزيقا من العالم الدوني، أو ما نسميه بعالم المادة بل يجعله مصدرا للحياة كذلك، اذ ان للمادة احجام و أزمان وما فوقهم خارج عن هذا النظم الموضوع، بل انتظم الجميع علی نهج و سير دقيق اذ ان للکل مسار و مدار لا مجال فيها للعدول عنه، فتری الموجودات في تغير و انحلال و تجديد، أو وردة کالدهان، و کتابات هذه الصفحة تشطب بعد فترة و ترجع بيضاء کما کانت قبل أن يوضع هذه الانظمة الخاصة بکل موجودات داخل هذا النوع من الحياة والتي هي نوع معين من بين آلاف بل ملاين من الحيوات الاخری، هكذا وفي الختام کل المساحات تتآکل البعض و تندمج في البعض، مشيرا الی مصدر و ذات واحد و کتلة واحدة لانعرف نسميها هلامية أم غير ذلك، لأن لغتنا قاصرة عن تعريف ماهية هذا الاصل..
تجدر الاشارة الی ان التطرق الی هذا الموضوع الشائك الدقيق دليل علی سعة تخيل و تفكير الشاعر و مهارته الفنية لصياغة الكلمات بحيث لا مجال فيها لحذف أو زيادة أي شيء، الا ان نتعامل معه کمتن و نكتب حواشينا بأسفله..
النص بالانجليزية:
(Spaces)
No center, no above, no below
Ceaselessly devouring and engendering itself
Whirlpool space
And drop into height
Spaces
Clarities steeply cut
Suspended
By the night’s flank
Black gardens of rock crystal
Flowering on a rod of smoke
White gardens exploding in the air
Space
One space opening up
Corolla
And dissolving
Space in space
All is nowhere
Place of impalpable nuptials
Octavio Paz