تشير الدلائل المادية التي عثر عليها في مئات المواقع في الهند إلى إن الدين قد قام بدور كبير في ثقافة هذا الشعب ، فقد كانت لأصغر البلدات والقرى مبان لإقامة الطقوس ، كما عثر على أقنعة حديدية تشير إلى وجود كهنوت ، وتشير التماثيل الأنثوية الصغيرة التي تؤكد أهمية الحمل والرضاعة إلى عبادة آلهة آمرة ، وكذلك تشير تماثيل الثيران وحيوانات ذكورية أخرى إلى أهتمام بالخصوبة ، وتشير تسهيلات الأستحمام المتطورة إلى العناية بالتطهر الديني . للهنود آلهة صغرى وآلهة كبار ، وهي تتراوح في أهميتها وتأثيرها على حياة الناس ، وأهمها : ثالوث الخلق عند الهندوس هو ( أجنى إله النار ، صوريا إله الشمس – الطاقة – الحياة ، فايو إله الريح ) .
أجنى : إله النار في الأساطير الهندية ، وكان أجنى الوسيط الذي يربط عالم الناس وعالم الآلهة ، عالم السماء وعالم الأرض ، فيعلم الآلهة بالترانيم التي ترتل من أجلهم ، وينقل إليهم قرابين المتعبدين ، ومن أهم مميزات أجنى هي أنه واحد من الآلهة القلائل الذين أحتفظوا بموقعهم في الهندوسية منذ عصر الفيدا وحتى الآن ، والمقصود بأجنى ليست النار الطبيعية التي نراها وأنما الحرارة والطاقة والحياة . أي أن أجنى هو لهب النار وحرارتها ، وهو البرق ، وهو طاقة الحياة في الأنسان ، ومصدر الشمس نفسها . وهو صديق يمد الأنسان بالطاقة والنار والنور . ويصور (أجنى) على أنه رجل أحمر له ثلاثة أرجل ، وسبعة أذرع ، وعينان سوداوان . كذلك تروي الأسفار المقدسة أنه ذو وجهين ، أحدهما خير ، والآخر خبيث ، وأن له ثلاثة ألسن أو سبعة ، وشعر منتصب كأنه اللهب ، وتنبعث النيران من فمه كما في شكل (1) . (وأجنى) هو أبن (ديوس وبرثيفى) . وزوجته هي (سياها). وهو يركب الماعز ، وأحيانا دابة تجرها خيول حمراء أو ببغاوات ، وأحياناً رأس ماعز. وهو رسول الآلهة الذي يزور البشر وينقل ضحاياهم ، كما أنه يقود الآلهة إلى أماكن العبادة .
صوريا : إله الشمس في الأساطير الهندوسية . تجر عربته سبع خيول خضراء . أو حصان واحد له سبعة رؤوس كما في شكل (2) ، وزوجة إله الشمس هي (سانجن) (الضمير) . لم تكن (سانجن) قادرة على حب (صوريا) العنيف ، فوهبته (شايا) (أي الظل) لتكون محظية له . ولم يكن (صوريا) يدرك أن هناك تبديلاً فأنجب من “شايا” ثلاثة أبناء : (سانى) الكوكب ساترن أو زحل (مانو) صانع القوانين ، وأبنة هى (الحرارة ) . غير أن (سانجن) اخذتها الغيرة من حب زوجها لهؤلاء الأطفال الذين أنجبهم من محظيته ، فتركته وهربت . لكن (صوريا) جد في البحث عنها حتى وجدها ، وأعادها إليه وأنجب منها (يامى) إله الموتى . وتصوره الآثار الفنية الهندية ممتطياً عربته التي يجرها الخيول السبعة . تحيط به أشعة من الضوء ، وتسمى عربته “فيقازوات” أسم آخر للشمس ، ويرتبط بإله الشمس (صوريا) مجموعة من الأرواح – أو الإلهة الأقل شاناً – يشكلون جزءاً من الحاشية السماوية ويدعى ملوك الهند أنهم أحفاد (صوريا) .
فايو ( الهواء – الريح ) : إله الريح في الديانة الهندوسية ، وهو يركب مع الإله (أندرا) إله العاصفة – في عربة ذهبية . وهو واحد من أهم آلهة الفيدا . تزوج من الحورية (غريتانثى) وأنجب مائة فتاة ، وقد أراد (فايو) من بناته أن تصحبنه الى السماء ، لكنهن رفضن جميعاً ، فلعنهن وأحالهن إلى كائنات ممسوخة مشوهة . وتقول بعض النصوص أن (فايو) كان رئيسا لـ”جاندهارفاس” مجموعة الموسيقين في السماء . وهو الذي يحكم “الأنيلاس” هذا بالأضافة إلى إن هناك (49) إلهات للريح في الديانة الهندوسية كما في شكل (3).
الهندوسية الحديثة : تقوم على ثالوث إلهي مكون من (براهما وفشنو وشيفا) ، وبوسع الألهين الأخيرين ان يتقمصا مظاهر أخرى متعددة ، (وبراهما) هو الأله المتعالي الذي لا يسمو الى مرتبته أنسان ، (وشيفا) هو الإله الواقي الذي يبدء حفظ الوجود ، (وفشنو) هو الإله الهادم الذي بيده الافناء والتدمير.
براهما : من بين الآلهة الثلاثة العظيمة تعد عبادة (براهما) الخالق ، الأقل أنتشاراً ولا نجد إلا بعض المعابد المخصصة له الآن . يشتهر بالخصائص السامية ، الوجود والمعرفة ، والقداسة وإن براهمان لا سبيل إلى إدراكه بلغة تصورية مجردة . وقد صورته الأعمال الفنية في هيئة شخص ملكي ذي رؤوس أربعة يقرأ الفيدا بإمعان ، ويظهر ممتطياً إوزة برية بيضاء ، في رمزية إلى إبتعاده وعزوفه عن مخالطة الآخرين . وغالبا ما يظهر في فن جنوب الهند شاباً ووسيماً كما في شكل (4) ، ويمسك مسبحة الصلاة وقارورة الماء لكاهن برهمي أو نصوص الفيدات من ورق سعف النخيل ، ورمز حيوانه (فاهانا) هو همسا أو الأوزة المقدسة .
فشنو : هو العضو الثاني في الثالوث الإلهي الهندوسي الذي يتوسط (براهما وشيفا) . وعادة يجري تمثيله بأربعة أذرع ، ويحمل في ذراعين منها شعارات ورموزها سلطته الملكية وهو الصولجان وقرص الرمي ، وفي الأخريين شعارات قوته السحرية وطهارته وهي اللوتس والصدفة ، يعلو رأسه تاج عال وإكليل ، وقدماه زرقاوان ، وكسوته صفراء شكل (5) ، وله عينا اللوتس اللتان يعجب بهما الهندوس كثيراً ويظهرونه في وقت راحته وهو يضطجع على الأفعى الكونية “شيشا” أو (أنانتا) . وسيلة تنقله طائر (الجارودا) . إن إكتساب (فشنو) لهذه الشعبية العامة يعود في جزء منه إلى الميثولوجيا الفيدية ، فهو يظهر في الفيدا على أنه إله شمسي . وفي الفن يصور أيضا بشعر معقوصا ، كما يصور عادة داكن اللون وهو اللون الأزرق وصفته المميزة الرئيسة هي (كاكارا) قرص ملتهب أو عجلة ، ربما يوحيان كلاهما بعلاقته بالسماء والشمس ، وفي أحد أشكال أيقوناته المميزة يجلس (فشنو) على لفات ” أنانتا ” أفعى (لانهائي) الذي بدوره يستقر على مياه المحيط الكوني ، ويقال إن مدة كل كون هي يوم فشنو ومدته اللاوجود بين الأكوان في ليلة . وفي بداية دورة جديدة يستيقظ وتنمو زهرة لوتس على ساق طويلة فوق سرته ويظهر من اللوتس براهما يخلق الكون من جديد . وتجسيدات فشنو هي : ( السمكة ، السلحفاة ، الخنزير البري ، الأنسان الأسد ، القزم ، راما صاحب الفأس ، راما ملك أبوذيا ، كرشنا ، بوذا ، كالكى )
شيفا : هو الإله الثالث في الثالوث الهندوسي ، ويصور ممتطياً ثوراً أبيض يدعى (ناندي) ليرمز للعدل والبعث ، يصور بوجوه خمسة وعيون ثلاث تعلو أحداها جبينه ليرمز إلى ما يتمتع به من قوى الفكر والتأمل والحكمة ، وبذراعين أو أربع أو ثمان أو عشر ، وبهلال وسط جبهته . ويصور عنقه بزرقة داكنة وشعره محمراً مضفوراً في خصلة فوق رأسه وكأنه قرن يطل من هامته ، ويلف عنقه بعقد من الجماجم البشرية وبثعبان . ويحمل صاعقة تتوجها جمجمة . أرتقى إلى مصاف الآلهة الجليلة المسيطرة على شؤون البشر. يجمع بين نقيضين وأن كانا متكاملين فهو مرعب ولطيف ، وهو خالق وهادم ، مترفعاً عن البشر ، يحتفظ بجلال خفي . زاهد وناسك لكنه محب للحياة أيضاً . ومن بين أسلحته (القوس – والصاعقة – والبلطة) ويعيش فوق قمة جبال الهملايا يرتدى أحياناً جلد النمر أو الغزال أو الفيل . وغالباً يتخذ الشكل الرقيق من الآلهة (جانجا) كما في شكل (6) ، وأدوات زينته هي الجماجم والثعابين ، وزهر الداتورا المخدر لكنه جميل وصفته المميزة .