كُنتُ العَيْن الوَحِيدَ ة
لمَّا رَتّبَ القَدَرُ حُلمِي جَانِبَ دَمْعَة
فَخَسِرتُ حَظَّي فِي اصْطيادِ أمِّ الغَيْماتِ
وَهِي جَرّارة لأشلاءِ القمر ِ
على أرْصِفةٍ قَصبيةٍ
لا تَتمَاشَى وضَوضَائِياتِ الوَادِي
بِنَبضِها المَفزُوعِ, تَهاوَى عنْ أصْلِهَا الَّلونُ
انْكَسَرتِ المِزْهَريات
وتَلَّقفتْهَا حَتْحَتةُ القُبُورِ
فِي فَصْلٍ لا يَهزَأُ بالزَّائِفاتِ
ولا تُقْرَأ فِيهِ تَأوِيلاتٌ لِلغِرْبانِ
ولا يَقرُّ أحَدٌ فِيهِ بِثبُوتِ السَّمَاءِ
فَصْلٌ تَخْلّدُ فِيهِ النّارُ تحْتَ رَمَادِ الحِيرَةِ
وَتَتَعَرّى لَهُ الألوَان فَوقَ هَضَبةِ الَّثلجِ
وَيزِيغُ البَطرِيقُ عَلَى حَمامَةٍ
تَطِيرُ لأوَّلِ مَرَّةٍ
**
أمُّ الغَيْمَاتِ
رُبَّمَا تَقِلُ مَعَها مِفتاحَ خَزَائنِي المَتلُوفَةِ
مُنذُ قَرْعِ الحَجرِ بالحَجَر
مُنذُ السَّقطَة الأوْلَى لِرَجُلِ الكَوْنِ
الذِّي أهَانَ العَالَمَ
منذُ صَدْمةِ الوُجُودِ وإقرَارِ الإنسَانِ بِزمَنِ الخَطِيئةِ
مُعْتنَقَاً حُمَى الفَضَاعةِ لِتأليهِ مُجَسَّمَاتٍ مُفتَرَضَة
**
أمُّ الغَيْماتِ
رُبّمَا تُحْدثُ نَقعًا مِن صَدأ المَجَرَّاتِ
فَتَرْسُمُ زُقَاقاً أمْشِي فِيهِ أمَدَ العُمْرِ
مُحَجَّبًا بالعِهنِ المُمجَّدِ في السَّماءِ
لَعلِّي ألفِي كَوْكبًا غَيرَ الأرْضِ يَلفُ ظَالتِي
ويَحْكُمُ امْرًا يقِي نَومَتِي الأخِيرَةِ
مِنَ الضّيَاعِ …
***
أمُّ الغَيْماتِ
رُبّما ترْخِي حَبْلًا مِن مَنسِيّاتِ مَتاحِفِ علي بابا
وَتأخُذُني مِن أيِّ طَرفٍ تَشَاء
إلَى أيِّ حيّزٍ تَشاءُ
غَيرَ الأرْضِ
***
أمُّ الغَيْماتِ
كَائِنٌ سَمَاوِي يَأتِيهَا زَمَانُهَا حِينَ تُحَاورُ المَاءَ
وَتَرْقُصُ بِالنّارِ
فانْ أمْطرَتْ
فَهِي تتَهيَّأ للابتِعَادِ مِن شَمْسٍ ضَامِرَة فِي الأفُقِ
وانْ هِي أضْمَرَتْ عَنِ العُيُّونِ
فِعلاً كُلُّ سَلاًطِينِ الجِنِّ سَاجِدَة
أو تَحرَّكَ شَيْطانٌ فِي مَزْجِ المُعْصِيةِ بالرِّيحِ
أحْيَاناً
امْرَأة جَائِعَة تَمرَّدَت عَلى حَالِها
وأعْلنَتْ سَوءَتَها لِلجَمِيعِ
***********
كُنْتُ العَينَ الوَحِيدَة
لمَّا أجْهشَتِ الغَابةُ بالبُكَاءِ
وتقَلَّصَ فِيهَا كُلُّ شَيءٍ
صَارَتِ الأشْجَارُ عَمْيَاء
وتكَسَّرَ مَاءُ السَّوَاقِي على غَمْزِ جِدعِ نَخْلتينِ
مَاتَ
الشُحْرُورُ
مَاتَت حَرَكَةُ الظِّلالِ
وانْتهَى هَسِيسُ الرِّجَالِ
وأمُّ العَالَمِ تَسِيرُ وَرَاءَ الحَائِطِ حَافِيةً
وعلَى كتِفَيهَا تَجَمَّدتْ أوْرَاقُ الحَقِيقةِ
المَوتَى يَهرَعُونَ إلَى الجَبلِ عَلى ظَهْرِ نَملةٍ
مِنْهم مَنْ اسْتَشعَرَ بالعَطَشِ
فَطَلبَ خَمرًا مِن دَجَالِ الحَيِّ
وَظَلَّ يَلعَنُ مِيلاَدَ ألازَمَاتِ
وَمنهُم مَنْ صَبَّ رَحِيقَ عُمْرِهِ
فِي قَارُورَةٍ طِينِيَّةِ الأصْلِ
فَرَمَّدَها لِلزِّينَةِ
وَرَاحَ يَشُدُّ وِثَاقَ المَحْفُوفِينَ بالَّا سَلَامٍ
تَوَقَفَ حُرَاسُ الكَهْفِ عَن عَادَتهِم فِي التَّنْكِيلِ
سَقطَ حَفارُ القُبُورِ فِي وَرْطَةِ الإدْمَانِ عَلى الحَفرِ
لكنّهُ مَاتَ وَاقِفًا
كَصَفْصَافَةٍ لَمْ تَلِد إلاّ خَشْخَشاتٍ عَقيمَةٍ
**********
كُنتُ العَينَ الوَحِيدَة
لمّا المَتاهَةُ أمَدَّتْ عُرُوقَها يَابِسَةً
لِجَبلٍ عَالٍ
تَيتَّمَ فِي أخِرِ صَلَواتِهِ
فأقْبَلَ علَى الهَاوِيةِ يَطلبُ قَطْرَةَ مَاءٍ
فلوْلَا حِبالُ الصَّاعِقَةِ التِّي أخرَّتْ قُدُومَ الَّلْيلِ
لَدأبَ عُنْفُوانَ الأرْضِ تحْتَ الأرْجُلِ
المَتاهَةُ خَواءٌ مُطلَقٌ
تَسْكُنُ تَموُّجَ المَاءِ
هِي مَنْ عَرّى قَوْسَ قُزَح مِنْ دَلالِهِ
عِنْدَ مَدْخَلِ النَّهْرِ
المَتاهَةُ تَمَرُّدٌ مَشْرُوطٌ بِالتَّيهِ
أدْراجُهَا مُجَرَّدَة تَبدَأُ باللاَّشَيء
وتَنتَهِي بِاللاَّشَيء آخَرَ فِي دَرْبِ اللاَّمُبالاَةِ
جُلُّهَا طَلقاتٍ فَارٍغَة
كَالفرَاغِ تَمَامًا
المَتاهَةُ
رَقْصةٌ شْيطَانِيَّة فَوقَ حَبلٍ مِن دُخَانٍ
صَادَفَ ذَاتَ هَمْسٍ ريحاً هَوجَاءَ فَاحْترَقَ
**********
كُنتُ العَينَ الوَحِيدَة
لمّا العَاصِفَة لَمّتْ تَحْتَها أكْوَامِ الغَضَبِ
وَطَارَتْ مِن قُرْبِهَا أزْهَارٌ دُونَ اسْتئذَانٍ
كَانتْ أيَادِي الجِيَّاعِ تَكْمِشُ رِيحًا بَارِدَة
ولَم تَلحَقْ بِبَصَرِهَا صَفِيرًا
ولَا بِلَمْسِهَا طَرِيداً
أعْجُوبةُ المّاءِ أنّهُ كَائِنٌ لَا يَصْمُتُ قَلِيلًا
وأنِّي فِي ظِلِّ الشُعرَاءِ لَا أكُفُ عَنِ المُشَاهَدةِ
بلْ أهْتَدِي بِعيُونِهِم لِمعْرِفةِ طُقُوسِ الرُّبُوبِيَّةِ
كُنتُ العينَ الوَحِيدَة
لمّا أنهَى البَحْرُ عِشْقَهُ تحْتَ وَابِلِ التَّهَيُّجِ
مِنْ سَماءِ الأمَدِ
فَتنَكَّرَ لِمدِّ وجَزرِهِ
وَباتَ هَامِدًا كَصَخرَةِ المَوتِ
هَكَذا تَصَلّبتْ فَوقَهُ كُّلَّ الهَياكِلِ المَائِيّةِ
لَمْ تَصِرْ ثَلجًا
لمْ تَصِرْ رَمَادًا
بلْ ظَلَّتْ رِيحًا كُلَّمَا مَاتَ بِقُرْبِهَا طَائِر
عَصَفتْ بِهِ إلى الصَّحرَاء ِ
***********
كُنتُ العَينَ الوحِيدَة
الذّي تَهَدّمَتْ تحْتَ قَدَميهِ أسْوارَ المَدِينَةِ
لكنَّ حَفنَة التُرابِ التّي أدُسّها فِي ومْضِي
كَافِية بإحْيائِها مِن جَدِيدِ
شَرِيطَة أنْ يَمُدّنِي مَلكُ الطيُّورِ الهَارِبَةِ
بِالخَبَرِ اليَقِينِ
عَنْ ثُلَّةٍ مِن شُعَرَاءِنا فِي أحْدَى جَنَّات الرَّبِ
***********
كُنْتُ العَيْنَ الوَحِيدَة
فِي بَلَدِ العُميْانِ
وَ غَالبًا ما أنتَهِي مَرشُوقًا بالحَجَرِ
إمَّا لِسَفَاهَةٍ فِي القَوْلِ آوْ زَنْدقَةً فِي الفِعْلِ
وكَمَا مِنّا مَشْنُوقَا بِحِبالِ الغَدْرِ
لانَّ شِعْرَهُ أغْضَبَ السَّلاطِين
وكَمَا مِنّا أيْضًا مَحرُوقًا بآخِرِ دَواوِينِهِ
تَحْتَ كَرمَةٍ عَقَّرَهَا بَأسُ الرِّجَالِ
وَكَمَا مِنَّا مَسْرٍوقًا مِن هَوِيتهِ
رَأسُهُ بيْنَ القِطِيعِ يُرَدِّدُ أناشِيدَ العِيَّالِ..
فَقَط لانَّ ذَوِي الألْحَاظِ المُتْرَعَةِ عَلى سَبْعِ فَضَاءاتٍ
فِي عُرْفِ العُصَاةِ
جُرْمٌ
*********
كُنْتُ العَينَ الوَحِيدَة
الذِّي كُلَّمَا مَالتْ عَينَهُ إلَى اليَمِينِ
أتلَفَ أصْحابُ الشِّمَالِ عَهْدَهُم
وكُلَّمَا مَالتْ عَينُهُ إلَى الشِّمَالِ
صَارَ أصْحابُ اليَمينِ
بلِا تَارِيخٍ
********
كُنْتُ العيْنَ الوَحِيدَة
الذَّي ظَلَّ بَاكِيًا عَلى عَرُوسٍ فَقَدتْ عُذرِيتَهَا بِالخَطأ
فلمَّا تعَافتِ مِن خَزْيِّ النَّظَرَاتِ
لَقَّبُوهَا بِالعَيفَانَة
وعَريسُها بِالغَافلِ
هَربَا الزَّوجَينِ ولا أثَر
فَقَد ينْعَمانِ بِالنِّسيَانِ فِي دَهْشَةِ العَاشِقِينَ
دُونَ امْتثَالٍ لأحَد ٍ
وَقَدْ يلِدَا مَعًا وَهْمًا آخَرًا تَحمِلُهُ العَاصِفَةُ
إلى مَسقِطِ الرَّأسِ
كُنتُ العَينَ الوَحِيدَة
التِّي أيْقنَتْ ناسَ القَريَةِ أنَّ الجبَلَ
صَولَةُ الأرْضِ ومِفْتاحُ خزَائِنهَا الَباطِنيِّةِ
فَلاَ تَسْألونِي حِكْمَة أنَا مُعْدمُهَا
ولَا تَعُدُّوا أسْمائِي بالتّشَابُهِ ولَا بالتّقَابلِ
بلْ أتْرُكُونِي عَمْداً للمَتاهَةِ
فَعلَى
ظَهْرِ
هَذَا الجَبلِ
الذِّي
أنَا
تَطفُو السَّماءُ….