ظهرت حالات الاضطرابات العقلية غير المألوفة والتي وصفها العلماء بالجنون دون التشوش ، وتمثل هذه الحالة مجموعة من المرضي لا يظهر عليهم أي اضطرابات في قدراتهم العقلية ولكن سلوكهم يصل في سوء توافقه الى ما يصل إليه سلوك كثير من الأشخاص المضطربين عقلياً ، وجميعهم يشتركون في خصلة واحدة وهي اختلال الخلق ، أي أنه يصدر عنهم من السلوك ما يمثل خرقاً للقواعد الأخلاقية السائدة في المجتمع ، وتتصف الحالات التى تعاني من مثل هذه الاضطرابات بفقدان القدرة على السيطرة على الذات والسلوك بما يتفق مع معايير الالتزام باللياقة والآداب في المجتمع الذي يعيشون فيه ، وفي نفس الوقت لا يكون هذا الشخص عاجزاً عن الحديث أو الاستدلال أو التفكير في أي موضوع .
تعريف الشخصية المضادة للمجتمع : يقع اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع تحت مسمى الاضطرابات الشخصية أو الاضطرابات الخلقية أو اضطرابات الطبع ، وترى هيئة الصحة العالمية أن هذه الاضطرابات في السلوك تظهر في مرحلة المراهقة أو قبلها وتستمر مع الشخص وتبدأ في النقصان بعد بلوغ أواسط العمر الى الشيخوخة .
والشخصية المضادة للمجتمع تنتمي الى تشخيص الأفراد غير المتطبعين اجتماعياً ، والذين تؤدي بهم أنماطهم السلوكية الى صراع مع المجتمع بشكل متكرر ، كما أنهم عاجزون دائماً عن الانتماء الحقيقي للجماعات أو القيم الاجتماعية وهم في الغالب أنانيون وغلاظ القلب ولا يتحملون المسؤولية وعدوانيون ، وعاجزون عن الشعور بالذنب أو التعلم من الخبرة أو بالتكرار ليس لأنهم ينسون بل لعدم الإهتمام وعدم الدافعية للتفاعل ، ولا يتحملون الاحباط نتيجة الفشل ودائماً يلقون باللوم على الآخرين ، ويظهرون تبريرات مقبولة لسلوكهم الاجتماعي وهم مدركين لما يقولون .
الحالات المشابهة للشخصية المضادة للمجتمع :
الشخصية غير الناضجة : وهي اضطرابات تظهر عادة عند الأطفال والمجرمين وتتميز باستجابات نزوعيه وانفصالية توحي بوجود فشل أو تأخر في الارتقاء النفسي .
الشخصية السلبية العدوانية : وتمتاز الشخصية من هذه العينة بالمشاعر العدوانية ، ويعبر عنها صراحة بصور مختلفة مثل العناد والتجهم والمماطلة أو بالسلوك غير الفعال .
الشخصية المحرومة : وتمتاز بعدم القدرة والسيطرة على الشهوات والرغبات والاندفاعات وترتكب المخالفات الأخلاقية دائماً وتكررها .
الشخصية القابلة للاستجابة لدعوات الانفصال عن المجتمع : ومن صفاتها عدم القدرة على الارتباط بالمجتمع مع قدرته على الارتباط بجماعة واحدةً، ارتباطاً قائماً على الولاء الشديد والاخلاص مما يجعله عرضة للاستغلال ثم يتشكل سلوكه بعد ذلك بانتمائه لهذه الجماعة ، واذا كانت الجماعة عصابة اجرامية يلتزم بتوجيهاتها وأعرافها وينفذها .
وتشير معظم الدراسات الى أن من أسباب ظهور هذه الشخصيات هو فقدان الآباء أو أحدهم في فترة من الفترات المبكرة في عمر هذه الشخصيات ، أو كان أحد الأبوين مدمناً أو الاثنين معاً ، أو كانت الأسرة تعاني من حالات الطلاق والانفصال ، وكان واضحاً من الدراسات أن سلوك الآباء أكثر أهمية وتأثيراً على الشخصية المضادة للمجتمع من سلوك الأمهات مما يظهر جلياً أن الحرمان الوالدي يمثل عقبة هامة في طريق التوحد السوي وتكوين الضمير ومن ثم تكون عملية التنشئة الاجتماعية السوية في خطر مما يعني أن استدماج المعايير الوالدية هي الأساس لتكوين الضمير المثالي .
هنالك بعض من العلماء يرى أن ظهور هذه الشخصيات يعود الى البيئة ونقص الفرص لتعلم أنماط سلوكية سوية ، أو الى الفقر والظروف الاجتماعية أو نقص الفرص التعليمية في المجتمع ، لكن اثبات مثل هذه الفرضيات ما زال محل خلاف لأن كثيراً من أبناء الفقراء ومنخفضي التعلم لم يصبحوا مجرمين بالفعل ، بينما العكس بعض أبناء الأثرياء ومرتفعي الدرجة التعليمية صاروا مجرمين .
ومعظم الدراسات تشير الى أن أصحاب الشخصيات المذكورة يعيشون في الحاضر (هنا والآن فقط) وهم عاجزون عن رؤية المستقبل أو التخطيط له لأنهم مشغولين بالحاضر ، والحياة بالنسبة لهم عبارة عن سلسلة من الأفعال الاندفاعية لا تخدم خطة مستقبلية وليس لها أهداف مرغوبة اجتماعياً، وليس فيها استقرار اجتماعي ولا اقتصادي ، وحتى اذا صمم أحدهم خطة للمستقبل فانه يفشل في تنفيذها حتماً ، لأن انتقاله من عمل الى آخر يتم دون تخطيط و بسبب اندفاعه وكذلك مشاجراته مع زملائه ورؤسائه ، وكذبه وغشه وعدم إحساسه بالمسؤولية كل ذلك يسهم في عدم استقراره المهني ويعود السبب الى الخاصية الأساسية لأصحاب الشخصية المضادة للمجتمع وهي العجز عن الحب والارتباط الانفعالي الحقيقي بالآخرين .
علاج الشخصية المضادة للمجتمع : يتضح من العوامل المفسرة لسلوك هذه الشخصية ، أن البيئة (النفسية والاجتماعية ) لها دوراً بارزاً في تشكيل الشخصية المضادة للمجتمع وبالتالي فان مجهودات الوقاية يجب أن توجه نحو توفير بيئات منزلية صحية للأطفال الصغار وتقليل الحرمان النفسي الى حدوده الدنيا بمكافحة حالات الطلاق وتزويج المطلقات ورعاية الأسر الفقيرة وتقديم الدعم لها حتى تستقر أوضاعها المعيشية ، ومكافحة المخدرات والادمان . وقد ثبت أن سجن المجرم من هذه الفئة لا يفيد المجتمع ولا يعالج المجرم ، كما ثبت أن عزله من المجتمع بوسائل أخرى أيضا غير مجدي ولا فائدة منه .
ويعتبر حجز المجرمين من أصحاب الشخصيات المضادة للمجتمع بالمستشفيات ومحاولة خلق علاقات معهم عبر المعالجين وايجاد جواً من الاهتمام بقضاياهم يسمح للمريض بأن يبدأ في التعامل مع الآخرين على أساس متين من الثقة ، خاصة إذا كان المعالج فيه دفء الوالدين واهتمامهما .