الأحتفالية : الأسلوب والتعامل مع المتلقى
أن الاحتفالية ترى التعامل مع المتلقى يتم من خلال محورين الأول : هو النزول إلى الذوق الشعبي المستلب والعمل على ترضيته بشتى المغريات ، وبهذا قد يتحقق نوع من الشعبية ولكنها شعبية مزيفة . الثاني : يتجسد في إقدام الفن المسرحي على التحليق في أجواء عالية ، ومحاولة صناعة الذوق المستقبلي ، وهذه الصناعة كان لابد لها أن تنطلق من ألان وإشراك الجمهور في عملية إحداث التغيير ، لأن أي تغيير يحدث في غيابه وعدم مشاركته نوع من الوصاية ، وتدعو الجمهور أن يخلع عنه صفة المشاهد يصبح مشاركا في عملية الخلق ، لأن الأمر يعنيه أساسا ، ومن هنا ترفض الاحتفالية المفهوم الكلاسيكي للعملية الإبداعية أي ( التمثيل للجمهور ) ، وترفع شعار ( التمثيل مع الجمهور أي إزالة كل الحواجز النفسية التي تفصل عادة بين العرض والجمهور .
ويشيرون إلى تقديم العرض المسرحي دون إظلام القاعة ، ودون أن يختفي الممثلون لكي يرتدوا ملابس الشخصيات التي سيؤدونها ، بل يقومون بتبديل الملابس والأقنعة المختلفة أمام الجمهور وليس مطلوبا من المسرح هنا إيهام المشاهد وتخديره بل المطلوب أن يشعر أن مايجري أمامه ليس تمثيلاً ، وأنما هو لقاء حميم يجمعه بالعرض لكي يتم استرجاع الأحداث التاريخية والمجسدة في إطار فني وسط جو احتفالي استفاد كثيرا من أسس وطبيعة المسرح المرتجل ، بحيث يبدو الحوار فوريا لدرجة أن المشاهد يكاد يقتنع بان الممثيلين غير متقيدين بنص مكتوب ، وفي هذا الصدد يحدث برشيد قائلا :
( النص الاحتفالي ليس شيئاً جامدا ومغلقا وإنما هو مجرد تخطيط بعطي فرصة للارتجال بين الجمهور والتحاور معهم وذلك حتى يتحقق للفعل المسرحي آنيته وحيويته – وانتسابه إلي اللحظة والناس وقضاياهم الحيوية ، لأن الأساس في اللقاء ليس هو النص وأنما هو الحفل ) .
وتتساءل الاحتفالية في بيانها الفكري الثاني كيف نجعل الجمهور متحركا عوضا عن أن يبقى ساكنا كيف نجعله مساهما – عوض أن يشاهد فرجة ، كيف نجعله فاعلا ومنفعلا في نفس الوقت فالأحتفالية ترفض شكل المسرح الإيطالي فهو على حد زعمها ( سجن العين في بؤرة واحدة ) .
فالأحتفالية تعمل على تحرير العين والذهن وتحرير الفعل المسرحي ، وجوابهم هو عملية ربط الفن المسرحي بمظاهر اجتماعية عاشت أو تعيش بيننا ، مظاهر ترسخت مع الأيام ، وضربت بجذورها في عمق التربة العربية . لهذا فهم يدعون إلى استقرار واكتشاف التجمعات في الساحات والأسواق والجوامع والآثار ، وعن ذلك يقول عبد الكريم برشيد ( أن المسرح العربي ولد بسيطا عاريا شفافا وواضحا فلم يكن المداح أو الحكواتي يحتاج إلى ستارة ، لم يكن يتوسل للإقناع بالملابس ، والديكور ، والمكياج ، ولم يكن يعتمد ألا على موهبته في الحكي والتقليد ، وعلى عصاه السحرية لأنها تمتلئ قابلية أن تكون أي شيء ) .
لأن العمل الإبداعي بالنسبة لجماعة المسرح الاحتفالي ضمير حي للوجدان ( الشعبي ) هذا الوجدان الذي اثبت التركيب الفني والفكري والأجتماعي للشعب ، والذي هو المرجع الأساس لهذا الإبداع .
أن الاحتفالية تقوم على المشاركة الوجدانية التلقائية فيصير المسرح كرنفالا ، والغاية من هذه المشاركة هو البحث عن لغة إنسانية ذات أبعاد إنسانية ، وتحويل المسرح إلى تظاهره اجتماعية يقيمها الأنسان من عرض لقضاياه وهي بذلك تحاول بناء علاقات جديدة مع الجمهور تقوم على استبعاد التعليم والتحريض والتلقين . فالمسرح ما هو ألا مؤتمر شعبي . أن المسرح الاحتفالي لايحاكي ولايحكي ، أنه يحي حدثا ويقيم لقاءً هنا والأن .
جماعة مسرح الحكواتي اللبنانية ومفهومهم للعلاقة مع المتلقي
ولدت هذه الجماعة من منطلق رفض المسرح السائد في لبنان وسبب رفض مسرح الحكواتي – لما هو سائد من مسرحيات والتي تعرفه تمثيل فكرا أوربيا دخيلا لا يتلاءم وذوق الجمهور الشعبي العربي ، بات من الضروري البحث عن وسائل مختلفة في التعبير عن الحاجات الجديدة وإيجاد نمط جديد في العلاقة مع الجمهور المختار من الفئات الشعبية وهذا النمط الجديد هو بالتحديد تحويل رؤية المشاهدين من رؤية سكونية إلي رؤية فاعلة تتيح لهم امكانية المشاركة المجدية في الممارسة المسرحية وتشكل الرؤية الفاعلة موقفا تمارس فيه حاجات ورغبات الجمهور ونرى بأن هذه العلاقة لاتكون ساعة تقديم العرض المسرحي فقط ، وإنما تكون في جميع مراحل العمل أي من اختيار الموضوع والأعداد للعرض وعلى جميع المستويات الفكرية والفنية والأقتصادية . إذن فهي لاتتعامل مع مشكلة الجمهور من زاوية الحضور المادي لقاعة المسرح بل هي تعيد النظر في مختلف عمليات الإنتاج وأساليب العمل ، اذ أن الفرقة انطلقت من أسس تشكل مفهوما لمديات العلاقة مع المتلقي .
وتلجأ الفرقة في محاولتها للالتحام بالملتقى إلي استخدام الفنون الشعبية ومنها الحكواتي ومنه جاءت تسمية الفرقة . فالحكواتي بعلاقة المباشرة مع الجمهور ، يروي ويجسد المشاهد بواسطة أدوات بسيطة ومكشوفة ، ينطلق مسرح الحكواتي من هذا الأسلوب فيحكي حكاياته الشعبية المباشرة فيحقق بذلك إزالة الحاجز التقليدي بين المسرح وكل ماهو خارجه مع إننا نعرف أن الجماعة تتوجه على الملتقي حيث يتجسد وهي تذكر إنها تتعاون مع هيئات معنية جماهيرية .
يرى الباحث أن الجماعات المسرحية العربية تظل رغم اجتهادها تدور في فلك التنظير المجرد أكثر من محاولات التطبيق وإن هي قدمت أعمالا مهدت لتكون قريبة من بياناتها الفكرية وهل رأى الجمهور العربي رؤية جديدة مختلفة من خلال تجارب الجماعات المسرحية التي رأت النور عبر المهرجانات ووجدت لها تجاوبا نقديا ولكننا هل نستطيع تلمس الاستجابة الجماهيرية لها . أي هل حدث تواصل حضاري بوظيفة المسرح . أن هذه الجماعات المسرحية استمدت مصادرها الفنية من الموروث الشعبي من مواويل وأغاني وحكايات و أساليب مسرحية لخلق المسرح البديل وتغير علاقات الإنتاج وطبيعة العلاقة مع الجمهور منطلقين من أهمية المسرح الشعبي لا الرسمي وهذا المسرح الذي يرتبط ظهوره دائما بحاجة الجماعة لتأكيد كيانها . وأن فلسفة الجماعات المسرحية العربية تتحدد بفعل قوتين الأولى : محاولة الانفكاك من اسر المسرح الغربي وشكله سعيا للاستقلال وخلق هوية مميزة عرضا عبر الارتماء في أحضان التاريخ والتراث . والثانية : تأكيد الذات عبر خلق تواصل جديد مع الجمهور متسلحين بتاريخ عريق كمعين في توثيق الرابطة والعلاقة مع الجمهور من خلال البحث عن وسائل وأساليب مغايرة سواء في هندسة المكان وأسلوب الأداء وعلاقات الإنتاج .
ولذا كانت هذه المحاولات قد وقفت عند توظيف التراث واستلهام بعض آلياته الشعبية من اجل تحقيق الصيغة الجديدة للمسرح العربي – وترسيخه في الوجدان وجعله حاجة أساسية للإنسان العربي ألا أن المشكلة تظل قائمة فبين فترة وأخرى نلاحظ طغيان المد التجاري سواء التي تقدم التسلية والترفيه أو الذي اخذ يحاول اللعب على قضايا الإنسان العربي متسترا بالمسرح النقدي أو التنفسي ، والأمر الجدير بالذكر والذي تؤكد علية الجماعات في تجاربها المسرحية هو تأكيدها على أن لكل شعب أسلوبه في الفرجة ، وطبيعته في المشاركة ، والاستمتاع ، ولكل شعب في تراثه ما يحركه ويثير مكامن نفسه .
أن تلك الجماعات لم تستطيع أن تبلور وتخلق جمهورا فهي ظلت تدور باحثة عن وسائل للتواصل والجذب وسرعان ما يشهد الزمن انحسارها ولاتترك وراءها أثراً ثم إنها تقدم لنفسها آراء وأفكاراً بصيغ بيانات دون أن تمتحن تلك الآراء في ارض الواقع رغم أن هذه الجماعات تخلط بين عدة اتجاهات مسرحية شهدها المسرح العربي جراء ظروف ما بعد الحرب الكونية وماتركته من أزمات ، ومع ذلك فأن ما يميز عملية من مراحل تطور الفن العالمي ، أي ضمن مرحلة ( الضرورة التاريخية ) ، أي أن الاتجاهات في المسرح العربي لم تكن اثر استجابة تاريخية فهي تتحرك في ضوء الرغبة للتجاوز الشكلي والإبهار الخارجي . أن السمة المشتركة لتلك الاتجاهات هي السعي إلي معمارية مغايرة ومحاولة الابتعاد عن شكل مسرح العلبة ، والسؤال كم مضى على هذا الشكل لدنيا حتى يعد مألوفا وتقليديا . فالمسرح التقليدي لم يترسخ على المستوى الزمني حيث تصبح مسألة النمو طبيعية والمكان – البناية – لم يشكل أيضاً عندنا رموزا وموعدا للارتياد و برنامجا حياتيا وحاجة ملحة أن تلك الجماعات المسرحية ولعل أبرزها المدرسة الأحتفالية شكلت توجهاً في التجربة المسرحية العربية مؤثراً ومعبراً عن خصوصيتنا وهويتنا سواءً في بياناتها الفكرية الدقيقة أو في مختلف الأعمال المسرحية التي أرتكزت في معالجاتها الأخراجية على طروحات الأحتفالية النظرية برؤى متعدد ومتجددة في مختلف أنحاء الوطن العربي .