يوظّف هذا العمل طاقة البلاغة، فيستقوي بعنصر بيانيّ- تشبيه- يؤطّر مجرى دلالته، ويُحدّدها، ويُضيف إليه مسحةً أدبيّة تجعله ينقسم على نفسه بنائيّاً في شكليْن متناظريْن تسمح علاقة الشبه بينهما بدعم انتظامهما في تمثيلٍ موحّدٍ عضويّاً، وتمكّنهما من تبادل موقعيْهما، ودوريْهما كطرفيْن في هذه العلاقة بِعَدّهما مُشبَّهاً، ومشبّهاً به (شخص فَزِع يشبه أرنباً مُعلّقاً، وأرنبٌ معلَّق يشبه شخصاً فَزِعاً).
التشبيه، عموماً، منظور أفقيّ يُعزّز الحاجة إلى إنتاج علاقة تَقابلٍ بين مفردتيْن، هدفُها أن تستضيء إحدى هاتين المفردتيْن المتجاورتيْن بالأخرى، فتتكشّفان لبعضهما، في إطار هذه العلاقة، وتبينان، متضامنتيْن في تحصيل معنىً مخصوص، وإطلاقه بلغةٍ، أو بتمثيل.
في كلّ تشبيه تستوي مفردةٌ ما كظلٍّ على قياس مفردةٍ أخرى تلتصق بها، أو تجاورها.
بلاغيّاً، كذلك، يمكننا أن نعدَّ المشبه به (الأرنب، هنا) إطناباً يمثّل زيادة على المعنى المركزي- الأساسيّ- لهذه العمل الذي لا يتعدّى، كما أظنّ، وصف الشعور بالخوف المقترن بالعجز. وهو معنىً تكفي بسطَهُ، وتمثيله، خارج حدود التشبيه، الوضعيّةُ العامّة لشكل الشخص الجالس منقبضاً كالمأسور، وقد تجهّمت ملامحه، والتحمت أصابع كفّيه ببعضهما في حجره مخذولاً، حائراً أمام مُحقّقٍ كونيّ لا نراه، ولا نعرف مَنْ يكون.
بإزاحة الأرنب، تماماً من هذا التمثيل، وبلاغيّا، مرّةً أخرى! تُنتج الوضعيّة الماثلة للشخص المحزون، وحده، كنايةً تعمل بدلالةٍ أكثر رحابة، وبلا تحديد، وتُخلّص هذا الرّسم المحترف من جريرة الاستفاضة، والاستطراد، والوصف.
إنّ وراء الشكل العيانيّ لهذا الرسم قصداً تأليفيّاً استقرّ في الذّهن قبلاً، ثمّ قرّر تمثيل مادته، وفحواه متحكّماً بكلّ مفردة. وفي إطار هذا القصد المسبق عملت الخلفيّة بمسحتها الموحّدة، وقد استقرت كإحاطةٍ جاهزة لإبراز شكلَي الشخص والأرنب.
ماذا لو تحرّر الأرنب من الفخّ الذي علّقه مقلوباً، وانطلق قافزاً بحريّة في فضاء الشّخص الكئيب العاجز؟ ذلك خيار آخر للبلاغة في رسمٍ قادم يعمل بطاقة الاستعارة غير المقيّدة لا التشبيه.
(العمل للفنّان صدام الجميلي Saddam Jumaily)