مفارقة
تبدو الرواية العراقية في الخارج، أكثر التصاقاً وقرباً للواقع العراقي. … فروايات غائب طعمة فرمان وعلي بدر وفاضل العزاوي وهدية حسين وزهير الهيتي وإنعام كجه جي، وحمزة الحسن وحكايات عبد الستار ناصر، وسلام عبود وميسلون هادي وعشرات غيرهم أكثر جرأة، وأزيد ترجمة للحدث المحلي، وأكثر تعبيراً عنه ، تحلله، بدقة حيادية، وببؤرة موضوعية، وبجرأة نقدية تستطيع فك شيفرة الألم خوفآ من الممنوعات والمحظورات. نظراً لاختلاف الظروف، ولتأثرها بتجارب عالمية، بسبب قربها من الغرب، والتطور العالمي، فتبدو –هذه الرواية- أكثر تقدماً وتقدمية في تناولها الموضوعات، وأرقى فنياً في نقلها السردي لمشاكل الواقع، والحكي عنه بجماليات متقنة، عكس معظم روايات –الداخل- التي تبدو خجولة، مترددة في التناول الموضوعي، وحيدة الرؤية، انهزامية، راضخة، ومنحازة اخلاقياً للسلف الصالح، ولا تعاكس التيار العام ولأنها بنت الواقع، الأحادي، فتعبر الرواية عن صورة واحدة، أو جانب واحد من الصورة، من زاوية الطائفة أو الأدلجة، أو النظرة المسبقة، المتوافقة مع رأي السلطات، الغاشمة منها والرحيمة، والمتوازنة مع القوة الغيبية- الغبية!!؟؟ فتعطيك –رواية الداخل- أبعاداً متحيزة، وردود فعل آنية، ضائعة بين الميثولوجي والسوسيولوجي، ووجهات نظر متسرعة، غير واقعية، ولا موضوعية، تسير مع التيار، حتى لو كان تياراً أهوجاً.. والمصيبة أن يكون التعبير الفني، والسرديات الروائية متخلفة، وبائسة معبرة عن التخلف العام، وكأنها خطابات مرتجلة، آنية، عفوية، غير صادقة، ولا حقيقة فيها سوى الحماسة المفتعلة، ولا عمق –تقني، أو لا محاولات تجريبية في هذه الرواية المتخلفة فكرياً وفنياً وأساليباً… لذلك لا نجد فيها ما يهز قناعات المتلقي، وتؤشر بها بناءات مغايرة، أو سرديات متوازنة، تدل على وجود رواية جديدة بأسس متكاملة وبمستويات متقدمة. وكأنها تشكل –غالباً- التعبير الفوضوي عن الفوضى الخلاقة، وربما كانت الرواية العراقية ما بعد 2003 أضغاث أحلام لتحرير أمريكاني…
تشاؤمية سلبية… لكن الأمل يلوح
تبدو المقولة النقدية –أحياناً- في غاية السلبية، وعائمة، إذا كانت بلا أسس منهجية، أو نتائجها معتمدة على –الشواذ- عن القاعدة العامة، لكن نظريتي النقدية تعبر، بصورة عامة، عن رواية حجرية، وبصمة سردية قديمة، شذّ عنها بعض الروائيين الشباب، الذين اعتذر –بمحبة خالصة لتجاربهم، باعتبارهم استثناء عن القاعدة، وبصفتهم التجريبية، ومحاولتهم الناقدة، البصيرة للانسلاخ عن مجرى العام، كما فعل سابقاً محمد خضير في –كانونه-، وانشغل فاضل العزواي استثناء بمخلوقاته، انشطر وتشظى أحمد السعداوي ومحمد الحمراني وناظم العبيدي ومهدي علي زبين، وغيرهم، فتجاوزوا الفوضى الخلاّقة… . فكانوا يقظة روائية من الأحلام الوردية للعولمة –الأمريكية- المتوحشة، إذ استطاعوا بأعمالهم المتميزة، وبسردياتهم الموجزة، المكثفة، عبور الخراب الجميل الذي نعيشه، لتقف أعمالهم، جنباً إلى جنب، بموازاة أعمال علي بدر، وزهير الهيتي “الغبار الأمريكي” وحمزة الحسن وعالية ممدوح وأنعام كجة جي بصفتهم روائيي الخارج، فروايات الداخل، ممثلة بهذا الجيل، تتسم بالإيجاز السردي، وكثافة الحوادث، وبلغة عصرية ذات دلالات موحيةـ، وببناء تجريبي للرواية تتداخل فيها العوالم، لا بمعنى الموازاة، انما بمعنى التناسق الاتحادي، كرواية سحرية “عراقية” تستفيد من تقنية القصة القصيرة، وق. ق. جداً بتقنيات الومضة، واللحظة المميزة، والتسارع الحدثي، والسرديات المتنوعة.
وللمقارنة النقدية، برواية الخارج التي تتسم رواياتهم بـ: أكثر التصاقاً بالواقع، والتعبير عنه سلباً وإيجاباً.
——
تنويه : كتبت المقالة في تاريخ سابق لعام 2011