نبضات الضوء تتلألأ في مرايا الكلمات
بقلم: آدم دانيال هومه.
الشعر قشعريرة إلهية
تبعث النضارة في الزهور الذابلة
والخصوبة والنماء في كثبان الرمال
والحياة في شرايين الصلصال.
من المحال أن تستطيع التمييز بين الجنة والنار
وبين الأمس واليوم والغد
بين الضحك والبكاء
وبين الحب والكراهية
وبين الموت والحياة
وبين الخلود والفناء
إلا إذا تلذّذت بنكهة الشعر
يومذاك…
ستجد نفسك إنسانا كاملا
وإلها مكتملا.
يا عازفاً على أوتار القلب ألحان الشحارير
لي نجمة لم يزل يسري بوريدها ألق الدهور
تدور مروحة الذكريات التليدة في جنباتها
فتنير دهاليز وسراديب الأكوان.
مرّوا على هذي البلاد طغاة العصور
بنوا قلاعاً وقصورا فارهة
لم يسكنوها
كانت رؤوسهم تناطح عنان السماء
وأقدامهم تُزلزل الأرض ومن عليها
صادروا شدو الحمام الزاجل
زقزقة العصافير في أعشاشها
همسات العشاق بعد منتصف الليل
واغتصبوا البراعم والزنابق والسنابل
قطعوا أوردة الأشجار والأنهار
لكنهم
ما لبثوا أن حملتهم الأعاصير إلى مدافن لم يبقَ لها أثر
وتهاوى واحدهم تلو الآخر
إلى عمق أعماق الجحيم
وهم يحملون كنوزهم على ظهورهم
ويبكون كالأطفال التائهين في غابة مدلهمّة
زالوا كما تزول الغمائم والسحب
وظلت تلاحقهم لعنة الأجيال على مرّ الدهور.
من المحال العثور على زنابق الفجر
فوق أضرحة الطغاة
والآلهة الماكرة.
انسلّ من كوة الريح
حاملا رايته الأزلية
يدور بقنديله في مدارات الغيوم
يهز غصون النجوم
يعانقُ تربة الرافدين الخصيبة
يكلّل دجلة بالأرجوان
يلمّ الكواكب في جعبة نهر الفرات
يرتّل الشعر في محراب الزاب الكبير
يتأبط الكون
يولم للعشاق فاكهة السناء
ويمضي نحو أقصى المستحيل.
مترعٌ بالأحلام والرؤى
يوقظ الكلمات من سباتها
يزخرف جدران مضاجع العشاق والأنبياء بألوان قوس قزح
يترقرق كأنغام الأمطار
يلملم شظاياه من فوق أرصفة الشمس
فتضيء أناشيده في شرفة الذاكرة.
ثمّة غيمة ماطرة
تعبر الأفق محمولة على أكتاف الرياح
تحت جناح الليل
تخلع ظلها
وتتعرّى أمام حوريات الغابات
قبل أن تفحّ أريجها فوق الواحات المنسية
على إيقاع ترانيم البحر.
ستراه في كل مكان
ذلك الذي غادر أرض اليباب
إلى مزارع الأشجار المهملة.
تتقد شفتاه بطلّ القبلات
وتشع شآبيب روحه في ظلمات أنفاق اليأس
ينثر رذاذ أريجه على وريقات الأشواك
فتفوح عطرا.
يدخل الجنة أولا
من حمل آخر حفنة من تراب الوطن.
عندما ألقى كلكامش بظله على جدار الشمس
انبثق أنكيدو من قلب الغابة
كوهج البرق في السحاب.
حين تثاءب أنليل بعد منتصف الزمان
كانت الآلهة جمعاء
تشخر من فرط أحاسيسها اللذيذة.
عندما ينتشي طائر النورس بسماع شدو النواعير
يغمس منقاره في شفق البحر
ثم يرفرف فوق هامات الرياح
يصغي لنشيج الرعد في حضن الغمام
ولزفرات الليل في مطلع الفجر
فتنهمل على شفاه الصحراء شآبيب الأمطار.
يتكئ على حافة الزمان
ليمعن النظر إلى جنائن الماضي التي تومض
من خلف الدموع والحسرات.
كل شيء في هذا العالم
نتاج انعكاس الضوء في مرايا السديم.
من يحاول اصطياد ثعالب الصحراء من لجج البحر
كمن يحاول إلقاء شباكه فوق كثيب الرمل
لاصطياد سمك القرش الطازج.
أراها أمامي في كل حين
ماثلة في رونق الزهور
في رحيق الأقحوان
في سطوع النجوم
وفي شفق السماوات.
قال لي الطفل الضرير: رأيت عنقاء الجهل تسير بخيلاء
في شوارع ابن سينا
وابن رشد
وابن النفيس
والجماهيرة الغفيرة تردّد كالببغاوات: الله أكبر على الظالمين
فأغمضتُ عينيّ
وتلعثمت بسورة التوبة.
أخطأ ماركس كثيراً حين قال: الدين أفيون الشعوب
ولكن…
لكان أصاب في الصميم لو قال:
رجال الدين أفيون الشعوب.
أذكى إنسان على وجه الأرض
هو من اكتشف الله
وملائكته
وشياطينه
من خلف جدران الجهل والعماء
ليسيطر الرعب على العالم
منذ الأزل وإلى الأبد
ويستبد رجل الدين بملكوت الأرض والسماء.
ست سنوات سوداء مكفهرة
كان الحزن، فيها، ينضح من أفئدة النسوة تحت راية داعش القاتمة
وكان الرجال يتحولون، رويداً رويدا، إلى مكانس آلية الدفع
والصبية يتعلمون القراءة والكتابة
على مقاعد النفايات في الشوارع والطرقات.