ضمن منشورات اتحاد الادباء والكتاب في البصرة لعام 2022 صدر عن دار كيوان للطباعة والنشر والتوزيع كتاب ( بنات اور) للاديبة البصرية ( أسماء الرومي ) وتحت تجنيس ( قص) وهي تجربة الرومي الأولى في السرد بعد ان صدرت لها سابقا عدة مجاميع شعرية منفردة وبالاشتراك مع اديبات من البصرة ، ان الساردة كانت ذكية بهذا التجنيس ، لان نصوصها لا ترتكز على سمات معينة في التجنيس فبعضها يميل الى (قصص قصيرة جدا) والأخرى تميل الى تقنية (القصة القصيرة) ورغم صغر المجموعة القصصية التي لم تتجاوز 56 صفحة و (19 نص سردي) الا ان هذه القصص حافلة بالثيم والدلالات والمفارقات وتنوع الأسلوب بما يضفي جمالية لتلك القصص التي تتحدث عن (وجع النساء اليومي) او هي بالمعادل توازي مقولة ( السرد يواجه الألم) فالساردة تقدم لقطات فوتوغرافية عن الوجه اليومي للمراة العراقية في صورها كافة ، وفي تمظهرات الحياة المتنوعة ، تقدمها أسماء (مشتركة) مع كل تلك النسوة بصوت ناقم ورافض للصمت ، ومنتقد للهيمنة البطريركية في المجتمع ، منذ لحظة الاهداء ( لكل النساء بعيداً عن الصمت) أي ان خصوصية تلك القصص لا ترتكز على ميزة نساء الجنوب او العراق المنكوبات بالمجتمع الذكوري ، وانما لكل النسوة (بصورة عامة) المتواريات خلف قضبان هذه الهيمنة الخانقة ، تبتدأ أسماء مجموعتها بقصص من نوع (ققج) مثل قصة (كُرة) وقصة ( خسائر باهظة) وتعود لهذا النوع في خاتمة المجموعة كما في نص (داخل الاطار) و(محاولات فاشل) و(تساؤل) اذ تعتمد الرومي في قصصها القصيرة جدا على المفارقة في (النهايات) او ما يسمى بجمالية (القفلة) عند بعض النقاد العرب المختصين بالسرد ، او على قيمة اللحظة الادهاشية التي تمنحها هذه النهايات في السرد ، كما في قصة (كُرة) ونص ( خسائر باهظة / تماماً كما فعل خوفها من زوجة ابيها تلك الليلة!/ المجموعة ص11) ويبدو من خلال قراءة النص تكرار قيمة (زوجة الاب) وما تمثله من عداء للبنت ، وهذا ما يكرر بأكثر من قصة او يشار له ضمن موضوعات هذه المجموعة ، ان الرومي في مجمل قصصها تلتقط (اوجاع النسوة) والامهن في الحياة (العراقية) وتقدمها بصورة سردية لا تخلو من جمال المفرد وتأثيث الوصف فضلا عن تميز سردها بالصور اذ ان الرومي شاعرة وتعرف تماما قيمة الصورة في النصوص واثرها الدلالي والجمالي على المتلقي ، فهي تقدم سرداً قصصيا على إيقاع الوجع الإنساني بنصفه الثاني ( المراة) فاغلب قصصها كانت (المراة حاضرة خاسرة تندب حظها ولكن بصوت المعترض) في هذه الحياة ومهيمناتها وقيودها ، في سردياتها المراة تمثل الصوت الرافض لكل تلك القيود المفروضة ، كما تمنحك الرومي في سردياتها شعرية خاصة للمكان وحميمية كبيرة والفة مع هذا المكان سيما ما يمثله لنا المكان من (ذاكرة) فكيف ان كان هذا المكان بصريا يعبق بالنخيل والماء كما في نص (يا تين) وهذه العتبة المتناصة مع قصيدة شاعر العاطفة والغزل والجمال العراقي حافظ جميل والتي غناها ناظم الغزالي ، فهي تقول بهذا النص ( كل الوجوه غريبة هنا ، الا الشاطئ وظل تلك الشجرة الكبيرة التي جلست عندها ، ظهيرة شتائية وشمس بصرية تمس وجهي بحنو دفء يحررني من قلقي، يبعث لروحي السكينة/ يا تين ص13-14) وتستمر الرومي بصورها السردية التي تتأزم مع ذاكرتنا الشعبية كما في نص (قلوب صغيرة) وصورة تلك المجنونة التي ترسخ وجودها في ذاكرة امكنة الطفولة (طالعتنا باستغراب فوقفنا متوجسين متأهبين للهرب فقد اعتادت ان تقذف الأولاد المزعجين بالحجارة لكنها حين فتحت ذلك الكيس ابتسمت لقلوبنا الصغيرة/ المجموعة ص18).ان الهرب من الاب او الانتقادية لهذا الرمز انما هي صوت جمعي نسوي (لابوية المجتمع) وليس لاب تلك الشخصية النسوية التي تسيد حضورها على كل موضوعات هذه المجموعة ، تصيغ ذلك الرومي بشيء من الاكتناز الدلالي بعيداً عن كل مظاهر الاطناب او الاسهاب في الوصف والسرد ، فهي تركز على ثيمتها والحمولة الدلالية التي تقدمها صور هذه اللقطات في بنية نصوصها السردية ، كما في (افاقة مثلا /ص19) وكذلك ثيمة ( الانتظار) مجس يدل على الخوف والترقب والقلق (وعدم الثقة) التي تربك العقلية النسوية في مجتمعاتنا ، مما جعلها مهيمنة واضحة في نصيات هذه المجموعة ، فاسماء كما اسلفت تكتب بالصوت النسوي الجمعي ، وهي مصورة ماهرة تجتزأ لقطاتها من المجتمع مركزة على الهم الجمعي للنساء ، كما في نصها ( النافذة / ص 25) ، ان ثنائية الذات والموضوع لدى أسماء الرومي ترتكز على مفصلين: الذات ملجأ النسوة (ونقائهن الحقيقي) ومحطة للجوء اليها حين الانكسار من الموضوع (الخارج) وما يتمظهر على إشكاليات القمع (للصوت النسوي ، والصورة النسوية بكافة تمظهراتها) ان الرومي تلتقط هذه الإشكالية لتعبر عن (أصوات النسوة) بسردية مدادها القلب والفكر لتبدد كل قلق النسوة الباحثات عن امكنة (مطمئنة) في مجتمعاتهن ، كما في نص (انسحاب / لا ادري كيف اجتمعوا حولي ، انهم يراقبوني بصمت لا أتذكر شيئا اخر غير اني كنت انسحب ببطء من مكان ما ، انسل كما تنسل فراشة من شرنقتها، دفء غريب يحيطني ، يسمرني/ص 33).ان نسوة أسماء الرومي في مجموعتها هذه (خاضن الكثير من المعارك الحياتية لأجل انفسهم او اولادهن وعوائلهن) فنسين في بعض الأحيان انفسهن ( كما انتِ/ص41) وتستمر بالتقاطاتها لصور الحياة كما في نصها (ذات ظهيرة) وتصويرها لحظات ما قبل معرفتها برحيل والدها (واعني هنا الشخصية في هذا النص) ، ومدلول (الخشب) ما بين يدي النجار (والدها المتوفي) والتابوت! (والدي الذي قضى حياته يدلل الخشب بين يديه ويجمله ، ستكون نهايته هكذا داخل صندوق خشبي/ ص 48) ان قصص هذه المجموعة وعبر تدفقها اللغوي تتوغل الى عاطفة القارئ لأنها التقاطات صورية من الحياة اليومية وكينونة المراة ، صاغتها واثثت لها ببراعة الساردة الواعية الاديبة أسماء الرومي لتمنحها خصوصية تتعالق فيها الأمكنة والذاكرة ، وتمظهرات الحياة اليومية القاسية وانعكاساتها على كل النسوة.