بعد روايته الأولى ( متحف منتصف الليل) يطل علينا القاص والروائي باسم القطراني بروايته الثانية ( العاشرة بتوقيت واشنطن) وأول مايمكننا اثباته هو عامل الزمن كدالة مشتركة تؤشرهاجساً كامناً في مخيلة الكاتب.
وعلى مستوى الاشتغال يعاود القطراني طرق ما بدأ به في الرواية الأولى من خلال تعامله مع الكائنات الورقية كمادة أولية لشخصياته والبناء عليها عبر خيال سردي فنطازي اعتبره الأخطر في الولوج الى ذهن القارىء فالروائي هنا أشبه براكب فرس جموح على حافة جبل.
ولعله في ( العاشرة بتوقيت واشنطن) يؤسس للحكاية بشكل أكبر أو كلي على تلك الشخصيات الورقية التي يجتهد كثيرا في صياغتها واللعب معها بشكل مقنع أو غير مقنع لفرضها على القارىء كحقيقة واقعة يجب التعامل معها والانفعال بأحداثها. بينما يلمس القارىء من الوهلة الأولى أن الشخصيات باعتراف المؤلف هي جامدة مصطنعة غير معقولة وليست سوى لعبة يزاولها دائما ويقوم بتدوير شخصياتها في عدة حكايات.مما يفرغ المتلقي من استعداده لحشد المشاعر والأحاسيس لاستقبال الأحداث وتقلباتها والمؤازرة أو الخذلان هنا أو هناك.
تقول اميلدا في حوار مع الكاتب(… قد يكون دوري صعبا هذه المرة إلا أنني قادرة على أدائه بإتقان. ص14 )
لاشك ان التعامل أو طرح شخصيات كارتونية خارج المعقول واعتراف السارد بماهيتها ثم محاولة انسنتها واسباغ مشاعر واختلاجات الكائن الحي عليها هي مهمة شاقة للسير بها الى نهاية آمنه من دون مطبات أو تبريرات مقحمة، ثم نجاحها في ذلك يؤكد قدرة الكاتب وابداعه في الأحاطة بأدوات السرد واشتراطاته.
ولعل القطراني أفلح بقدر كبير في الوصول الى ما يريد.مع هذا فمن الجفاء القول إن الرواية تمر على القارىء من دون استفزازه سلبا أو ايجابا.وربما تثير حفنة من الأسئلة والاقتراحات بين فصول الحكاية.
فكرة الرواية تقترب من النزعة الثورية الغائية السالبة التي لاتهتم للمقدمات ومدى خطورتها. فكرة تضمر الرفض والاحتجاج على واقع العالم المزري والمأساوي كحصيلة لهيمنة القطب الواحد وغياب العدل والمساواة وتفشي الظلم والفساد.
ولاسبيل لتغيير واقع العالم إلا بافتعال حرب كونية طاحنة تسفر عن دمار شامل وأبادة القوى العظمى المهيمنة بانتظارعالم أجمل.
وقد سخر القطراني من أجل تلك المهمة شخصيات ورقية على هيئة القطط من جنس الجن أضفى عليها طابع الخيال والفنطازيا بحيث يمكنها التحول الى بشر متى شاءت والعودة ثانية سيرتها الأولى.وأطلق عليها مسمّى عصابة( القطط زرق العيون) تتكفل باختراق شيفرة الحقيبة النووية لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية والضغط على الزر الأحمر لإشعال الحرب.
الرواية جاءت مختزلة جدا (89 صفحة) توخّى القطراني فيها عدم الإسهاب والشرح فجاءت الحوارات مختصرة مكثفة وربما مباشرة، لامفردة فائضة عن الحاجة، والأحدات حصيلة نهائية ممكنة عقليا ومفروغا من تحقق ترابطها من دون مقدمات لتبرير وجودها.
فنحن لا نفهم كيف تم توظيف أطراف هذه العملية الخطيرة, لم يشرح لنا كيف تم الاتفاق مع تسعة علماء وخبراء من دول مختلفة أخرى للالتحاق بالمجموعة في واشنطن .الأخطر من ذلك لم تتطرق الرواية الى تفاصيل تجنيد ضابط مرافق للرئيس برتبة رائد للخيانة والانخراط في تدمير بلده.
بعد كلّ مامرّ يحقّ للقارىء التوقف عند بعض النقاط المربكة في تضاعيف الرواية:
1- من المخطط للمهمة؟ بينما يتبنى الراوي مهمة تغيير العالم والتخطيط للحرب/ يظهر أن سيد الجن ( شرناو) هو من اقترح المهمة واتخذ قرار التدمير/ يقول القط (برناو) لكامل الضاحي – باختصار: الكبير (شرناو) سيد الجن وزعيم عصابة القطط زرقاء العيون قرر أن يغير العالم….ص27
2 – انسحاب الروائي الأول بسبب تمردالشخصيات ومجيء روائي آخر متطوع لإكمال الرواية من دون أي تمايز أو اختلاف في اسلوب ولغة السرد بينهما.!
3 – عن عيون القط برناو( عينان زرقاوان مثلُ زمردتين) وهو خلاف المشهور عن لون الزمرّد الأخضر.
4 – ( انصرفت كائناتي الورقية) ص69/ الى أين انصرفت؟
5 – في ص25 اثناء لقاء كامل الضاحي مع القط برناو الذي انتحل صورة شاب وسيم ولكي يثبت له انه قطه القديم/ قام بالتحول الى قط ثم العودة الى صورة الشاب.
حدث كل هذا في كازينو على كورنيش شط العرب مكتظ بالزبائن./ وهنا لم يشر الكاتب الى ردة فعل الزبائن.
أعتقد أن الرواية تستند على فنيتها وبراعتها في ترويض اللامعقول أكثر من محاولتها تقديم رواية جاهزة مألوفة تستهدف العواطف الإنسانية أو الدراما التي سرعان ما ستقف في طابور طويل من الروايات التي لا يظهر منها سوى هامش العنوان .
واستطاع القطراني ( مغامرا) في الساعة العاشرة أن يختلف مضموناً وأدائياً عن السائد في المشهد السردي بين أقرانه في المدينة.
وربما قمة المجازفة في علاقته مع القارىء عند نهايتها. فالنهاية لا تقدم شيئاً . نهاية لامادية.إنها اللاشيء، سوى الفن.
—–
منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق