لأنه يحمل من الطيبة الشيء الكثير فقد أحبه الناس وصار محط ثقتهم ..أسود البشرة تظنه أفريقيا بملابسه المتسخه وهو يدفع بعربته الخشبيه والتي أتخذ منها مسكنا كونه وحيد ولايملك بيتا يأوي اليه حينما يشعر بالتعب ..يسمونه الناس ابا (خيون) بيد أنه لم يتزوج أو يفكر في الزواج حتى .رحلته تبدأ من الصباح الباكر حتى مغيب الشمش ينقل حاجيات الناس بعربته لقاء أجر زهيد .
في المساءات حينما يتلاشى الضجيج في السوق تراه يلجأ الئ عربته ليأخذ قسطا من الراحة. وقبل أن يغلب عليه النعاس يخرج زجاجة عرق من جيب سرواله عرق مسيح شرابه المفضل ..يشرب بعض الشراب بعدها يغلق الزجاجة بأحكام ويضعها تحت رأسه ويغط بعدها في نوم عميق .
تيبست قدماه لتتحمل حرارة أسفلت الشارع وهو يتنقل من مكان لأخر في عز الصيف اللاهب.
سليل عائلة مات جل أفرادها تباعا ولم يبق سوى مرزوق هذا .رغم فقره المتقع فقد عرف عنه بأنه نزيه انزه من كثيرين من يدعون النزاهة في زماننا هذا .لذلك أصبح مضرب مثل في الصدق والأمانة . يحفظ أغاني السيدة ام كلثوم عن ظهر قلب ويرددها دوما في ذاكرة لم تحفظ شيئا .
وعندما دقت طبول الحرب عام 1980 وبدأ القصف المدفعي وأزيز الرصاص يسمع جليا في كل مكان وأصوات الطائرات التي تثير الرعب في القلوب ..أصاب الناس الهلع وأخذوا يحزمون حقائبهم ويأخذون معهم ما خف وزنه وغلا ثمنه الا مرزوق الذي لم يحس بوقع الحرب.. خلت المدينة من اهلها الذين هربوا للبحث عن ملاذات أمنه .أشار عليه العسكر أن يلحق بمن ذهبوا غير أنه رفض فما كان منهم الا أن حملوه بسيارة وأخذوه الى البصرة بالقوة ..هناك تركوه وحيدا يواجه مصيره في تلكم المدينة الصاخبة التي غصت شوارعها بالعسكر.
احس مرزوق بشعور غريب وهو يدخل مدينة يراها لأول مرة . أتخذ من موضع عسكري على ضفاف شط العرب ملاذا له. ومن حسن الطالع أن الجند هناك تعاطفوا معه وراحوا يزودوه بالأكل والماء.. وقد أستمر الحال لبعض الوقت ..وذات ساعة جاءوه بالاكل والماء فوجدوه جثة هامدة وثمة زجاجة عرق في مكان ليس ببعيد عنه كان قد أحتساها .