النص
البحر… مثل الريح
البحر… لا يستريح
البحر في الساحة قرن من القصدير
ثور جريح
البحر جرح يصيح
مرتجف الأعضاء… كالأغصان
البحر ظل شاحب اللون
البحر… ها قد أطبقت أجفان
البحر… غير الآن… لا يستريح
تعتمد قصيدة (متادور) على بنيتين أساسيتين هما: (بنية التكرار التراكمي) والبنية الصوتية… وتركز القصيدة على مظهرية اللازمة المركزية / البحر / الذي يلح الشاعر بقصد إظهار امتداده السطحي والتحرك الأفقي عليه للوصول إلى هدهدة نفسية داخلية إزاء ما هو عياني منعكس على ما هو داخلي. تقع الجملة رقم (1) في دائرة دلالة الامتداد والتوسع والحجز، إذ تمنحنا مفردة / البحر / تلك الدلالة مما يؤدي إلى عملية تعطيل غير مصرح بها نصيا إضافة إلى إن دلالته الأخرى تكرس فعل القطيعة عن الآخر.أما السطر رقم (2) فلا ينفك عن مواصلة الفعل الحركي، إذ أن دلالة الريح اللها ث و التتابع والإثارة. ونلاحظ – هنا – إن الشاعر تمكن بنحو ناجح من التحكم بالتوزيع الصوتي للمفردات، ولا نغفل ما لذلك من أثر وعلاقة فنية بالدلالة، إذ أن تكرار حرف / الحاء / هو تكرار للهاث والتتابع والحركة إضافة إلى إن هذا الحرف المهموس (يتضمن عنصر المكان ذاتيا، إذ ان القوة الذاتية للحاء متعاظمة في الأعلى، حيث لا يمكن حدوث تعاظما لا في حركة ما، والحركة تتضمن المكان، وهي حركة شديد وكلية، أي إنها تنطوي بنحو غير منظور على حركات حروف أخرى تعمل في خدمتها، فكل حرف يحمل مناهضة لهذا فأن حروف كلمة البحر لها حركة فـ:
الباء انبثاق الحركة
الحاء تعاظم الحركة
الراء تكرار الحركة
فالحركة لا تصف البحر الآن لكن تصفه عند التكوين ، فالبحر لم يعرف بهذا لسعته بل للحركة التي تكوّن بها (1). إذن حرف الحاء ينم عن حركة نشوء سريع تسبقها حركة حرف الباء المشرئبة من مكمنها بعيدا عن المركز . الخطان المنقطعان للدلالة على الحركة ذات النشوء السريع بما يكفي لانعدام الزمن فقط، وما بين المركز والحركة ممتلىء بعنصر المكان (2). ويحاول السطر رقم (3) استبدال الخواص اللاواعية، أو منتجة كما في السطرين (4) و (5). ففي الأول واعية وفي الثاني منتجة وان كان الإنتاج مرمزا بيد انه لا يستحيل شعريا. اذن المنتجات الفرعية منتجات مخالفة / الثور الجريح + الأغصان المرتجفة + الظل الشاحب… ودلالة هذه التوصيفات دلالة مرتبطة باليأس واللاتطلع. ونلاحظ إن الفعل / لا يستريح / يشير إلى عدم توقف الدهشة لكن ذلك لا يستمر، اذ يبدأ العد التنازلي بواسطة الجمل الاسمية المرتبطة بدلالة / الصفة والموصوف /( ظل شاحب) ثم العودة للحركة ثانية بالأفعال المضارعة مما يؤدي الى تدفق الحدث وسرعة جريان الإيقاع المتحقق في ذلك. ان التشبيه الحاصل في رقم (1) يحمل في طياته اختلافا في البنية التركيبية، اذ ان البحر دالة لسانية مكانية، بينما / الريح / دالة لسانية زمانية،الا ان هناك جامعا بينهما هو التقلب غير المحسوب او المقرون بزمن معين، ولا ينفك هذا التقلب الذي تترشح من كينونته البنيتان آنفا عن إدامة زخم توسيع الصورة المرئية نصيا لا واقعيا ليصبح ديدنها المستمر متحققا في عدم الاستراحة بمعنى لا استراحة البحر. هذه الدوال المكانية الاسمية تتواشج مع زمنها المحكوم بدوال مخالفة تزحزح المكان غير المحدد بأبعاد تفصيلية غير انه معتنى به بواسطة التوصيفات الخارجية غير التقليدية. فالشاعر لم يأت بأي وصف مستهلك بل نهضت توصيفاته على صيغ تعبيرية راقية لم تقف عند مسار واحد بل انبثقت منها مجموعة من البؤر الدلالية الثانوية غير المحكومة بسمت المكان الكلي كونه مهيمنة مركزية.
وسعى النص الى توزيع ملامحه العامة بين / النصيص / وبين / المتن / لكي لا يفتقر المكان الى المحايثة الزمنية لأن فعل / الهياج / المتحقق في كينونة / البحر / مرتبط بمواجهة / المتادور / على الأرض من خلال حرف سيروة دلالة البحر. هذا التناوب الشعري لم يلغ الأفعال الجارية في فضاء البؤرة المركزية، ولم يتخل عن مترشحات / النصيص / الفعلية التي هي على طرفي نقيض من فعل / الهيجان / المتحقق في / البحر / ولو كان غير هذا لأنفض النص من بدايته وأنفرط عقده الثمين، ففعل التخييل قد مكننا من تقصي القوى الخفية العاملة على إبراز الدفق الشعري لكن من البؤرة المركزية و / النصيص /، فالنص محكوم بمؤثرين: الأول مؤثر رئيس / البحر / والثاني يحتل المكانة نفسها مكررة بيد انه غير طاف على السطح وهذا هو الإبداع الآخر للشاعر. ان المؤثر الاول يمثل زمن التحدي وهو – ايضا – القوة الدافعة باتجاه الآخر لأنه – كما أسلفنا – الفضاء الذي يتحرك به ومن خلاله الشاعر، فالتوصيف المكثف للمكان / البحر / والمعبّر عنه بلسان راو خارجي قد خلق فعلا شعريا ناميا بواسطة زمن السرد الذي يرويه الراوي. إذن انكفاء النص على نواته المركزية ليس انكفاء سلبيا إنما هو من اجل حركية فاعلة به وله، غير أنها متوزعة مرة بنحو متلاش، وأخرى بنحو هيجاني والسبب في ذلك يعود الى عدم التفريط بالخيط الرابط بين النصيص والمتن وان بدا ذلك غير واضح لفعل القراءة غير الواعي، ولما كان المكان غير مغلق على فعل يستحث فعلا تدوينيا على مستوى الحدث فأنه يتشكل عبر مواجهة زمنية آنية، ولهذا يحقق المكان فعله التشكيلي بواسطة أبعاده غير المنظورة، الثائرة بداية والمستكينة نهاية من جانب البعد الحسي والمنظوري الذي يكسب النص كثافة مشهدية وتحفيزا عيانيا لأجتلاء الصورة الكلية.
ان الملاحظ على شعرية الشاعر اقتداره المتميز وصنعته الدقيقة في تجسيد الفكرة بنحو ترميزي وتشفيري يلح ويجسد ماهو حسي ومؤثر من خلال الخصائص التشكيلية التي هي خصائص أشارية ملمحية. ويشكل الإيحاء المعبر عنه كخلاصة قيمة هامة في شعر حسين عبد اللطيف اذا ان جمله الشعرية قصيرة لكن مخرجاتها كبيرة وثرة. انه يضغط الحدث بهذا الابحاء المكتنز والخلاصة غير المقفلة، وبهذا يحقق ذلك الإيحاء مبتغاة في إنتاج عاملين واحد بلاغي وآخر أسلوبي مما يشيع مناخا” نفسيا” ووجدانيا” لا يقف عند حدود المقتربات ا